الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقوش العربية المسيحية قبل الإسلام؛ وعبارة «بسم الإله» !

فريدة رمزي شاكر

2024 / 2 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نقش «خربة زَبَد» أكتشف لأول مرة على يد الدكتور ساشاو عام 1879. حيث تقع مدينة « زبد أو زاباد» جنوب شرق حلب (سوريا الرومانية)، بين قَنسرين ونهر الفرات. ثقافة النقش زمن الإمبراطورية البيزنطية للكنيسة السريانية.
النقش محفوظ بالمتحف الملكي للفنون والتاريخ في بروكسل، بلچيكا، تحت رقم A 1308. حيث تم نقله عام 1903 بوساطة الأب لامنس، العالم اليسوعي بجامعة القديس يوسف في بيروت.
أضيفت للنقش أسماء أعلام يونانية وعربية والتي تشكل «كتابة على الجدران أكثر من كونها نقشًا». فالسريانية هي اللغة الشعبية؛ اليونانية هي اللغة الحضرية والرسمية والأدبية. اللغة العربية تظهر في الوقت الحاضر بإعتبارها من صُنع العرب المسيحيين السريان.
يعد هذا الأثر المسيحي من أقدم النقوش المؤرخة التي تظهر فيها الكتابة العربية الجاهلية، القريبة الشبه بالخط العربي الكوفي الحالي، وهي كتابة «غير صوتية» آنذاك.
وهذا النقش يؤكد ما كتبه المؤرخ الكلداني اللبناني اليسوعي لويس شيخو في كتابه ( النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية) بأن المسيحيين العرب، ولما نقول العرب يقصد بهم « بدو الشام وليس عرب الجزيرة» أي بدو العربية ببادية سوريا، هم مَن ابتكروا الكتابة بهذا القلم. أما عرب الجزيرة فلم يتخذوا إسم عرب سوى مع الإسلام، فقد كانت التسميات قبل الاسلام تُنسب للمدن أو القبائل. في وقت كان الغساسنة والمناذرة يسمون عرباً نسبة إلى العربية ( أرض بادية سوريا) وليس كجنس ولا قومية، لأنهم آراميون سوريون.

— ويتفق الخبراء على أن « نقش زبد» الموجود في أنقاض هذه الكنيسة القديمة« كنيسة القديس سيرج» يعود تاريخها إلى سنة 512م. النقش عبارة عن عتبة مكتوبة بثلاث لغات: الآرامية واليونانية والعربية، تم نحته على الحجر لشهيد مدفون بمبنى الكنيسة.
يوجد في منتصفه رمز الصليب البارز داخل دائرة وأسفل الصليب حرفين الألفا والاوميجا «A وΩ» واللذين يرمزا للسيد المسيح، موجود بمَدخل مكان الدفن للقديس سرجيوس (جندي روماني أصبح في النهاية شهيدًا مسيحيًا).
الجملة العربية في الأطروحة تبدأ بكلمة « بسم الإله»:
« بسم الإله: سرجيوس بن عماد، مناف وهاني بن مار القيس، سرجيوس بن سعد، وستر، وسريح».

— في صورة الرسم التوضيحي باللينك:
أعلاه: نقش زبد باللغة اليونانية على (يمين الصليب)، وبالآرامية السريانية على (يسار الصليب)، وبالعربية (الصف السفلي) المعزول.
الأوسط: شرح النص العربي لنقش الزبد.
أدناه: نسخة بالحروف العربية الحديثة بقلم الأستاذ ياسين حميد الصفدي. وقراءة لأسماء عربية آرامية بعد عبارة « بسم الإله».

+ ومن المثير للدهشة وللاهتمام أن النص العربي يبدأ بالصلاة: (بسم الإله) وليس ( بسم الله)، ثم تليها أسماء المسيحيين السوريان الذين بنوا الكنيسة. ما يدل على أن المسيحيين رغم ابتكارهم لهذا للخط غير الصوتي، لم يستخدموا لفظ « الله» في صلاتهم الكنسية بل إسم « الإله» وهذا صحيح جداً، فقبل الترجمات العربية للكتاب المقدس لم يُعرف إسم «الله» بمخطوطات الكتاب المقدس لا في العبرية ولا في اليونانية بل « الإله » بالعبرية « إيل- إله»، واليونانية « ثيؤس- إله»!

+ الصوت الكامل للنقش هو:
{ بسم الاله: سرجيوس بن عماد، مناف وهاني بن مار القيس، سرجيوس بن سعد، وستر، وسريح }.
والتي تعني:
{بسم الاله: سرجيوس بن عماد ومناف وهاني بن مار القيس وسرجيوس أبناء سعد وستر وسريح}

+ في دراسة اللغة العربية، يعد هذا النقش مهمًا جدًا لأن الحروف المستخدمة هي إنتقال من « الخط الآرامي النبطي» إلى الخط العربي الكوفي، والذي استخدم أيضًا في كتابة النُسخ القرآنية المبكرة. كان هذا النقش في الأصل بمثابة إستشهاد، أي «نصب تذكاري لشهيد»، لتكريم مار سرجيوس أي «القديس سرجيوس».

+ على يمين حرف المسيح، تم نقش إهداء باللغة السريانية الآرامية على الجزء العلوي من العتبة بخط يحاكي الكتابة اليونانية. يؤرخ النص إلى “ سنة 823، 24 إيلول” من التقويم المقدوني ومن العصر السلوقي المستخدم في سوريا، الموافق 24 سبتمبر 512م. من العصر المسيحي.

— على يسار حرف المسيح، نقش إهداء باللغة اليونانية: “ في عام 823، في الرابع والعشرين من شهر غوربيايوس، تم وضع الحجر الأول لمذبح القديس سرجيوس تحت حكمه « أسسها يوحنا في الفترة، ويسمى أيضًا أنيوس بن بوركايوس، وثلاثة سرجيوس. وكان شمعون بن أمراس بن إيليا، وليونتيوس مهندسيهم. آمين.»
تم كتابة أرقام تاريخ النقش (السطر 1) من اليمين إلى اليسار كما في السريانية والعربية، وكذلك الحرفين الأخيرين θC بدلاً من Cθ (السطر 9) تعتبر علامات رقمية مجموعها يساوي 99 وهو رقم يظهر غالبًا في النقوش كتشفير لكلمة «آمين».

+ من المحتمل أن يكون النقش قد تم نقشه أثناء بناء الكنيسة، أو عند تجديدها، في 24 سبتمبر 512م.
— مارك أنطوان كوجينر (1908، ص 586) يقول: يشير النقش إلى وضع الحجر الأول، وكان من الممكن الإنتهاء من بناء الكنيسة بعد عامين، حوالي عام 514م.
— فيما يتعلق باللغة العربية ما قبل الإسلام، يفترض «كريستيان روبن»: « أن الكتابة المستخدمة يجب أن تكون مفهومة لجزء من السكان المحليين: وبالتالي فإن التدوين بهذه الكتابة ربما يكون قبل عدة عقود من الزمن سنة 512م. بشكل عام تطور بعد بضع سنوات:
“يمكن الإفتراض أن الجهد التبشيري الأول الذي قامت به السلطات الكنسية في الفرات وسوريا، كان مصحوبًا بالإعتراف بالهوية الثقافية للعرب. بإختصار، من المحتمل أن تكون الأبجدية العربية قد تم إنشاؤها في بداية القرن السادس في الفرات، بمبادرة أو بمساعدة السلطات الكنسية. هذه الأبجدية مستوحاة بلا شك من السريانية، ولكن أيضًا من الكتابات المستخدمة بالفعل بين العرب، والتي قد تشمل مجموعة متنوعة من الآرامية المستمدة من النبطية » — Christian Robin 2006 (p. 329).

— فرانسوا ناو، في عام 1933 قال: “إنه ليس نقشًا ثلاثي اللغات بالمعنى الدقيق للكلمة؛ لأن الشخص ثلاثي اللغات (مثل لغة نقش بهستون بالمسمارية الفارسية القديمة والبابلية والعيلامية ) يجب أن يعطي «نفس النَص بثلاث لغات»؛ ومع ذلك، في نقش زبد، جزء فقط يتوافق وهي النصوص اليونانية والسريانية المكتوبة في عام 512 م. وهي لغة يونانية سريانية ثنائية اللغة. أضيفت إليها فيما بعد أسماء أعلام يونانية وعربية جديدة (لا نعرف متى) »، ويوضح أيضًا أن هذا الجزء الأخير ثنائي اللغة اليوناني العربي سيكون «كتابة على الجدران وليس نقشًا».

— ومع ذلك، أشار «كريستيان روبن»، بعد فحص الحجر الذي تم إجراؤه في عام 2001 مع فرانسواز بريكيل- شاتونيت ودينيس فيسيل، في عام 2006 إلى أن: « فرضية وجود نصين يونانيين وسريانيين لتواريخ مختلفة، دون أن تكون مستحيلة، لم تكن مبنية على أي دليل حاسم. لذلك نحن مقتنعون بأن جميع النقوش الموجودة على العَتب قد تم نقشها مرة واحدة، ربما قبل وضع العَتب في مكانه ».
ورغم هذا يرى كريستيان روبين (في عام 2001) مع العديد من كُتَّاب النقوش والمستشرقين أن «توزيع النصوص الثلاثة والصلبان يوحي بأن الكل كان مؤلفًا في وقت واحد». ويَخلُص إلى أن « النص العربي ليس ترجمة ولا خلاصة للنصوص اليونانية أو السريانية. إنها وثيقة توفر معلومات إضافية. لذلك، لدينا شعور بأن إستشهاد القديس سرجيوس كان موضع إهتمام من جانب ثلاث مجتمعات تتعايش في منطقة زبد، ولكن كل منها تعمل بشكل مستقل»

+ النص اليوناني؛ ترجمة فرانز كومونت (1913)، يقول:
— {وفي سنة 823 [ من العصر السلوقي = 512 م . ق]، في 24 من شهر جوربيايوس، وضعت أساس إستشهاد القديس سرجيوس في الفترة التي أسسها يوحنا أنيوس بن بوكيوس، وسرجيوس ابن وحفيد سرجيوس. وكان سمعان بن أمراس بن إلياس، وليونتيوس المهندسين المعماريين. آمين}.

+ النص السرياني؛ ترجمة فرانز كومونت (1913)، بعد إينو ليتمان (1911)، يقول:
— { المجد للآب والابن والروح القدس. وفي سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، في الرابع والعشرين من إيلول، تم وضع الأساسات، وكان يوحنا الدائم – تبارك ذكره – هو الذي وضع الأساس الحجر الأول ومارا الذي كتب [النقش]، وحنان وأنطيوخس وسرجيوس هم المؤسسون. [غير واضح:] .. بناه [أو: رمم] أبو سرجيس وأنطيوخس ومقيم بار تيماي وماري}.

+ النص العربي؛ ترجمة كوجينر 1908،يقول:
— بعون الإله! أو [ الإله المستعان!]. سرجيوس بن أمة مناف، وتوبي [أو حسب ترجمة كومونت: هوناي]، ابن امرولقيس [أو حسب كومونت: مرعلقيس]، وسرجيوس بن سعد، وستر، وشُريح.
With the help of God (الإله )! Sergius, son of Amat Manaf, and Tobi, son of Imru l-qais and Sergius, son of Saʿd, and Sitr, and Shouraih.

+ والمدهش والمثير والأخطر هنا هو الفرق بين نقش البسملة الثالوثية السريانية { المجد للآب والإبن والروح القدس} وبين نقش البسملة التوحيدية العربية { بسم الإله- بعون الإله}، والبسملتين السريانية والعربي قبل ظهور الإسلام بأكثر من 150 سنة! البسملتين المختلفتين تشي بأن السريان المسيحيين كانوا عبارة عن مُجتَمعين، فالبدو السريان واضح انهم كانوا (نصارى توحيديين وليسوا مسيحيين ثالوثيين) واستخدموا « بسم الإله » والذين إشتقت عنهم فيما بعد المعتقدات التوحيدية التي انتشرت بين عرب الجزيرة، ولهذا كانت بسملتهم المسيحية {بإسم الإله} التي تطورت فيما بعد القرن السادس إلى { بسم الله}.
لماذا تم ذلك؟
تم إستخدام مصطلح « الإله» للتمييز بين المعتقد المسيحي سواء « توحيدي أو ثالوثي»، وبين المعتقدات الوثنية العربية من قبل المبشرين المسيحيين. حيث أثّر هؤلاء المبشرون المسيحيون بشكل مباشر على تطور النص العربي. فرغم أنهم من ابتكروا الحروف العربية من الآرامية السريانية بما فيها « لفظ الله » نفسه والذي هو صورة من لفظة« الإله» بعد إزالة الألف الوسطى، إلا أنهم في لغة الكنيسة والصلوات استخدموا إسم «الإله».
أما حالة إختصار وتحويل اسم «الإله» تدريجياً إلى اسم «الله» بإزالة الألف من وسط ( الإله) لإختصارها، فلم تحدث إلا في اللغة العربية فقط، وليس في العبرية ولا الآرامية السريانية.

+ في الوقت الذي لم نكتشف فيه أي نقش أثري عربي بجزيرة العرب يُدلِل به العرب على أنهم من أنشأوا لغة عربية أو يدل على أنها لغة منبعها من داخل أرضهم أو تم تداولها في مجتمعهم قبل أو بعد ظهور الإسلام. نجد نقش مهم آخر، من نقوش الخط العربي البدائي الآرامي في سوريا، (نقش حران الثنائي)، لبدو عرب الغساسنة المسيحيين بالمنطقة الشمالية من جبل الدروز. والذي كُتب باليونانية والعربية الواضحة على حجر منحوت في باب كنيسة ويعود إلى سنة 568م. وهذا النقش أسسه أمير/قائد عسكري غساني لتخليد حملة عسكرية على يهود خيبر.
1- النص اليوناني مترجم للعربية:
«شراحيل بن ظالم، شيخ/حاكم القبيلة أسست مقام الشهيد هذا للقديس يوحنا، في السنة الأولى من إندكش في عام 463 [ 568 ميلادي] آمل أن تتذكروا الكاتب ».
2- النص العربي بخط واضح يقول:
« أنا شراحيل بن ظالم بنيت هذا المرطور [2] في عام 463 [568 ميلادي] بعد مفسد خيبر [3] بعام».
وبين النقشين العربي واليوناني علامة الصليب داخل دائرة أيضاً، وهو نقش عربي مسيحي يدل على بروز النخب المسيحية ودورها اللغوي المؤثر داخل الإمبراطورية البيزنطية، وتطور اللغة العربية على يد الغساسنة المسيحيين في الشام.

— نقشيّ زَبَد وحران يؤكدان بما لا يدع مجال للتشكيك بأن الخط العربي هو أساساً خط سرياني آرامي نشأ في سوريا وليس في الحجاز ولا في أي منطقة بالجزيرة العربية، كما أكد أغلبية علماء اللغة والآثار، أن مبتكري الخط العربي هم السريان المسيحيين قبل ظهور الإسلام. فالنقشين وُجدا بالقرب من مناطق شهيرة بالمدارس السريانية التي أخرجت آلاف الطلاب والعلماء والكُتَّاب على مدى قرون متواصلة مثل مدرسة قنشرين السريانية التي وجد بالقرب منها نقش زبد ( قُرب حلب)، وأيضا مدرسة حران السريانية التي وجد بالقرب منها نقش حران.
فلماذا لا يكون الرهبان و علماء المدارس السريانية والمبشرين، هم من طوروا الحرف الآرامي السرياني القديم إلى شكله الحالي الذي يعرف اليوم بالخط العربي والذي تم تنقيطه في وقت لاحق كمحاولة للفصل بين السريانية والعربية الحديثة؟!
فتبعا للنقوش الكثيرة التي عثر عليها يكون منشأ اللغة هي المنطقة السريانية بإمتياز ( حلب - حران- الرها - أنطاكيا) فالخط العربي البدائي في النقوش هو خط سرياني آرامي أكثر من كونه عربي، وتشابه الحروف بينهما قبل تنقيط الحرف العربي، خصوصاً نقش زَبد الحلبي فهو خط قلم قريب من السريانية المحكية.

— هذا اللينك« لنقش زَبَد » بعتبة كنيسة سيرج السريانية والمنقوش أسفله باللغة العربية البدائية.
وأسفلها نسخة بالحروف العربية الحديثة بقلم الأستاذ ياسين حميد الصفدي لتوضيح الخط العربي البدائي:
https://www.islamic-awareness.org/history/islam/in--script--ions/zebed








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رد
Ahmed Mohamed ( 2024 / 2 / 28 - 04:17 )
لم تتبني القسطنتينية المسيحية التي حاربتها 300 عام حبا فيها بل لانها انتشرت فا ارادوا السيطرة عليها وتحريفها لاغراضهم
والامويين والعباسيين ايضا فعلوا نفس الشئ وخرجوا بالاحاديث والتحريف
الاسلام والمسيحية منهم كلهم براء
جميع الاديان سيطر عليها التحريف والتشويه واختراع تاريخ وتفسير وهمي

اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار