الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ العقبي بنادي الترقي

صادق سلام

2024 / 2 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نقله من الفرنسية الى العربية حمزة بلحاج صالح

تعود بوادر "صحوة" الإسلام الجزائري إلى سنوات 1890.

وقد تركت محاولات التجديد الديني التي قام بها مشايخ ذلك العصر، مثل صالح بن مهنا وعبد القادر المجاوي، ذكرى عميقة.

إن الإدارة التي كانت تخشى آنذاك من "الخطر الإسلامي" حاربتهم دون التثبت وإقامة الدليل على تأثير شرقي على الداعيتين و الشخصيتين.

وعلى الرغم من اليقظة الإدارية، تمكن متعلمون و متدينون من الجيل التالي من التواصل مع الحركة السلفية الشرقية إلى درجة أنه خلال زيارة الشيخ عبده إلى الجزائر عام 1903، إلتقى هذا الأخير بقراء مجلة المنار الذين طلبوا منه عدم مهاجمة فرنسا، فقط لتجنب الإجراءات الانتقامية التي قد تحرمهم من دخول و قراءة المجلة الشهيرة.

في الجزائر العاصمة، كان مركز قلب الحياة الفكرية الإسلامية الحرة في ذلك الوقت مكتبة الثعالبية، التي افتتحها سي قدور بن مراد رودوسي عام 1896، حيث كان يجتمع بانتظام مجموعة من المتعلمين و المتدينين الراغبين في التأكيد على "الروح الليبرالية للقرآن" أو " نظرة متحررة للقران " واحد منهم، كمال .ب.
نشر مصطفى بن خوجة رسالة عن “التسامح الديني في الإسلام” وأخرى عن “حقوق المرأة”، بعد أن فقد وظيفته في "المبشر" بسبب قراءته الدؤوبة على ما يبدو لمجلة المنار. و الكل يشعر بالدين بشكل خاص لابن خوجة بطبع مخطوطة للسيوطي في الاجتهاد. ومنه و بفضله أمر السلطان الشريف مولاي عبد العزيز أثناء زيارته للجزائر بإجراء دراسة حول التنظيم الإداري للجزائر.

كذلك عضو آخر في هذه المجموعة، عبد الحليم بن سماية، الذي قرأ وعلق على “رسالة التوحيد” للشيخ عبده، وكذلك رسالة البلاغة (أسرار البلاغة…) للجرجاني.

وكان ابن زكري وبن شنب (الذي كان عمله أكثر شهرة) مع الحفناوي صاحب كتاب " تعريف الخلف برجال السلف" " قاموس او معجم او موسوعة بيوغرافية تعرف بالمثقفين الجزائريين " ينتسبون أيضا للمجموعة نفسها والتي لم يكن لنقاشاتها صدى إلا بين جزء من النخبة ولم يبلغ صداها بقية السكان او الناس.
ومن جهته، أطلق عمر راسم صحفا عربية، الجزائر (1908)، ثم ذو الفقار.

وبفضل الأمير خالد (الذي يطلق عليه الجزائريون اسم "الحاج خالد")، الذي كان يخطب في جمهوره و يثورهم من خلال اقتباس آيات قرآنية ملهمة ومعبئة، أصبح النقاش حول الإسلام متاحاً و في متناول أكبر عدد ممكن من الناس.

لم يكن إلغاء انتخابات 1919 كافياً لنسيان الانحراف و التضليل لقوائم قادها وتقدم بها المجنسون الذين نجح الأمير في استبعادهم و فضحهم عند الرأي العام من خلال وصفهم بـ " المرتدين".

تم افتتاح مدرسة "الشبيبة الإسلامية" الحرة بعد الدفع الذي أعطاه حفيد الأمير عبد القادر لما كان يسمى ب "القومية الإسلامية". هذه المؤسسة، التي صنعت لنفسها اسما فيما بعد، كان يديرها جزائري بارز هو محمد علي الدمرجي، الحريص على تجديد التعليم، والمستلهم بلا شك من القاعدة التي أصدرها المجاوي: يزداد الانحراف عندما يتم إهمال تعليم الأطفال.

وفي سنة 1925، شهد الجزائريون وصول أحمد توفيق المدني، وهو دستوري من أصل جزائري، كان قد طرد للتو من تونس العاصمة، إثر الإجراءات القمعية التي اتخذتها " الإقامة العامة" ضد الشيخ عبد العزيز الثعالبي وحاشيته.

إن خريج الزيتونة الشاب – الذي أثار استياء الإدارة بسبب علاقاته من خلال مراسلاته مع الأمير شكيب أرسلان – توقف في قسنطينة حيث أجرى لقاءات مع الشيخين عبد الحميد بن باديس ومبارك الميلي، دون أن يلاحظ حماسة شاب. مدرسي أي خريج المدرسة، الذي هو مالك بن نبي.
أما توفيق المدني فقد تم الاعتناء به من قبل عائلة الموهوب و التي بواسطتها تم ربطه وجعله على اتصال بمجموعة من اعيان و وجهاء الجزائر العاصمة الذين أرادوا أن يكونوا مفيدين و يقدموا خدماتهم .

بفضل ثروتهم ومكانتهم وعلاقاتهم، تمكن هؤلاء الأعضاء الأتقياء من برجوازية الجزائر العاصمة من الحصول على مبنى او مقر كبير تطل شرفته على ساحة الحكومة.

وهناك، في تموز/يوليو 1927، افتتحوا " نادي الترقي " الذي عهد برئاسته إلى محمود بن ونيش. وكان محمد بن مرابط، زاوية الحاج، محمود بن صيام، حمدان بن رضوان، حسن حافظ، محمد بلحفاف، من الأكثر بروزا من بين المرقين والداعمين للمشروع الهادف إلى تعزيز وتحقيق القومة و النهضة الأخلاقية والفكرية لمسلمي الجزائر العاصمة.

كان مقر النادي او المركز عبارة عن "نادي" حقيقي يضم مكانًا للصلاة وقاعات اجتماعات ومساحة للمؤتمرات، وتتسع جميعها لحوالي ألف شخص. تعقد المنظمات الثقافية أو السياسية (مثل فدرالية المسؤولين المسلمين المنتخبين) اجتماعاتها هناك.

اتخذت صحيفة التلميذ، الناطقة باسم جمعية الطلاب المسلمين بالجزائر العاصمة و لسان حالها، من النادي مقرا و عنونا لها .

يتدخل المحاضرون في نادي الترقي خلال بعض المناسبات من حين لآخر، و من بينهم مثلا توفيق المدني، في موضوعات مثل الحاجة إلى تحمل المسؤولية عن النفس، والتضامن الإسلامي، والمطالبة بالحقوق السياسية ...

كما تم تأكيد اعتناق الفنان ناصر الدين دينيه الإسلام كما يسميه "العاصميون" أي سكان الجزائر العاصمة .

وفي عام 1929، قررت إدارة النادي بالبحث عن " منشط" و محاضر دائم يقدم عدة محاضرات في الأسبوع وينسق بين مختلف أنشطة النادي .

لقد تم اختيار الشيخ الطيب العقبي لهذه المهمة.

ولد الشيخ الطيب العقبي عام 1888 قرب بسكرة، و كبر ونشأ بالمدينة المنورة أين هاجرت عائلته و لم يتجاوز عمره الخمس سنوات.

بعد دراسة العلوم الدينية واللغوية وجد نفسه داخل محيط شريف مكة الحسين بن علي الذي جعل من ابنه عبد الله ملك الأردن في المستقبل فكلفه بإدارة صحيفة مكة المكرمة " أم القرى" والمطبعة الاميرية.

لما ثار الشريف حسين ضد الامبراطورية العثمانية تم سجن العقبي من طرف الاتراك في " روميليا" وظنوه قوميا عربيا.

وفي سنة 1920 عاد الى بالجزائر ليعيش بين بسكرة وسيدي عقبة.

وفي عام 1925 أصدر أول مجلة "صدى الصحراء" شعارها الاية الكريمة " ان اريد الا الإصلاح ما استطعت .."

و في نوفمبر من نفس السنة قام بنشر مقال في صحيفة الشهاب موسوم " لبيك يا حزب الإصلاح ".

وفي عام 1927، واصل العقبي عمله الصحفي وأصدر ببسكرة دائما صحيفة " الإصلاح" بالتعاون مع الشاعر حمة العيد والكاتب لمين لعمودي، والذين يكتبون و ينشرون أيضا مقالات في صحيفة " الحق " (الحقيقة، بسكرة، 1926).

وفي " نادي الترقي " استثمر الشيخ الطيب في الدعوة الخطابية والخطابة الشفاهية بين الناس فسخر فصاحته و بلاغته و قدرته على الإقناع وشجاعته في خدمة قضية " الإصلاح" .

وأصبح معلقاً و مبسطا و مفسرا قديرا هز عواطف الناس و ايقظ عقولهم و هو يستعرض الآية القرآنية الكريمة : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا أنفسهم" (13، 11).

لقد جعل من نفسه رسول العودة إلى مصادر ومنابع الإسلام و"كان موضوعه المفضل هو الدين السليم الخالص" (ت. مدني).

و كان العقبي ميالا اكثر إلى العمل و الميدان و الواقع أكثر منه الى الموسوعية و الجدل ، مركزا اكثر على الأخلاق "مكارم الأخلاق" (الفضائل التي تضمن نبل الشخصية) أكثر من التركيز على الموضوعات اللاهوتية.

كان يرى في القرآن حافزا و وسيطا يستخدم لتحرير العقول وتوجيه الطاقات.

فاستخلص منه برنامجاً يدعو إلى "التجديد" عن طريق "التجدد " (التجديد الذاتي)"

إن وعظ الشيخ الطيب كان له صدى لدى عامة الناس في الجزائر العاصمة.

يتجمع عمال الرصيف بالميناء والصيادون وصغار التجار في القاعة الكبرى للنادي للاستماع إلى متحدثهم المفضل ليذكرهم بأنه إذا كانت مواردهم المادية محدودة، فيمكنهم أن يصبحوا أغنياء بإيمانهم.

أصبحت خطب وعظ العقبي وسيلة لإعادة تأهيل الجانحين ومدمني الكحول وتشكل نموذجًا مثاليًا للعاطلين عن العمل .

فوجد الكثيرون، بفضل مواعظ العقبي، الكرامة التي تمنع الفقراء من البؤس. ويكون التحريض على العمل عن طريق التذكير بحديث الرسول الاكرم: ( إن السماء لا تمطر ذهبا و لا فضة ) أو المثل: (البركة في الحركة).

إن إصرار الشيخ على الأخوة الإسلامية تجعل الناس تنسى الفروقات والاختلافات العرقية والجهوية في الوقت الذي كان فيه العلم والسياسة الاستعمارية تعرف المسلم الجزائري بأنه عربي أو قبائلي أو شاوي أو مزابي.

تحت قيادة و دفع زعيم و رأس جماعة الإصلاح الجزائري العاصمي ، كان يتم في بعض الأحيان تصميم مشاريع جريئة في نادي الترقي .

هكذا أصبح عمر بودربة مثلا مديرا لـ«بنك إسلامي جزائري مدعوم من مجموعة من رجال الأعمال المسلمين من الجزائر العاصمة لكن الحكومة العامة عارضت بشدة تحقيق هذا المشروع.

من جانبه، تولى " ماماد منسالي" مسؤولية إدارة “جمعية الزكاة”. وبعد أن جمعوا مبالغ كبيرة، انقسم رؤساء هذه الجمعية وتولى "الخيرية" (المكتب الخيري)، الذي يرأسه العقبي نفسه، الذي واصل المهمة ونظم جمعيات لجمع التبرعات خلال اجتماعات بقاعة سينما الماجيستيك بباب الوادي و التي تتسع لـ 3000 شخص. ,وتم استخدامها و وضعها تحت تصرف النادي للاجتماعات مجانا من قبل مالكها من أصل مالطي.

تُستخدم العائدات لتقديم وجبات مجانية لمئات الفقراء في المطاعم التابعة للنادي .

كما سجلت جمعية الفلاح (جمعية الإنقاذ أو الخلاص) المزيد من النجاح في جمع الأموال المستخدمة لتمويل مقر جديد للشبيبة (منظمة الشباب الإسلامي في الجزائر العاصمة) التي تفكر في تنويع أنشطتها من خلال تشكيل فرق ونوادي مسرحية وأخرى للرياضيين.

واصل النادي استضافة الأنشطة والمناسبات الثقافية مثل المؤتمر السنوي لرابطة الطلاب المسلمين في شمال إفريقيا في فرنسا، حيث قدم حمودة بن ساعي - الذي كان حينها يعد دبلومًا حول الغزالي مع لويس ماسينيون - مداخلة ملحوظة حول "القرآن والسياسة" (أغسطس 1932).
ورأى " أوغسطين بيرك " في هذا المؤتمر علامة و مؤشرا على بروز تيار وضعي إسلامي.

لم ينجذب العقبي إلى هذا النوع من التكهنات و المزايدات في نظره، فقد أخبر مالك بن نبي (الذي جاء ليطلب منه في أغسطس 1932 مساعدته في العثور على عائلة مسلمة يمكنها إيواء زوجته الفرنسية) تحفظاته بشأن مؤتمر صديقه بن ساعي. فهو يفضل أن يشن، باسم الحرب ضد البدع ( ابتكارات و ابداعات في الدين مذمومة ) هجوماً هائلاً ضد المرابطين وقادة الطرقية ، الذين غالباً ما يتم التشهير بهم بالاسم.

أحدث هذا القتال انقسامًا دائمًا في الجزائر بين العقبية والطرقية. وقد احتشد جزء كبير من برجوازية الجزائر المتدينة وراء أطروحات العقبي بعد الإدانات العنيفة للتضحيات على شرف الأولياء المقدسين، ورقصات النشوة، ووداع رمضان، واجتماعات النساء في المقابر في اليوم الذي يلي يوم الدفن والأناشيد في المواكب الجنائزية..

كان إبراهيم الموهوب أول من دفن في يونيو 1932 بدون "هيللة" (ترديد البردة). ومن هنا جاء الاحتجاج العام الذي قام به "الطلبة "( تقرأ " الطولبة" بدون مد الواو مع الشدة على الطاء و سكون اللام- تعليق المترجم للمقال)، بدعم من البرجوازية المحافظة.

في أكتوبر 1932، تعرض أحمد بن سماية، إمام الجامع الكبير بالجزائر العاصمة، لانتقادات لأنه استشهد بالشيخ التجاني في خطبته. واعتقد العديد من "العقبيين" أنهم مضطرون ظاهريًا إلى إعادة الصلاة التي في نظرهم كانت صلاة ملوثة بالشرك( تعليق المترجم - نزعة تضامنية على أساس الجمعوية و الحمية – ترجمة تقرب المعنى في السياق التي عبر بها الكاتب في نظره طبعا بالمفردة الفرنسية ((Associationnisme)

وأدت الهجمات المتكررة ضد المرابطية إلى انسحاب قيادات الطرقية من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست عام 1931 في " نادي الترقي".

أنشأ قادة المنشقين، عمار إسماعيل ومولود حافظي، في سبتمبر 1932، جمعية منافسة - جمعية "علماء السنة" - وافتتحوا "نادي الأخوة" لمنافسة " نادي الترقي" مع جمعية التقدم.

كانت سجالات عنيفة لا نظير لها لا تحفظ لا خصوصية الأنصار و لا غيرهم - تضع محرري صحافة الإصلاح في مواجهة محرري الصحف المرابطية " الطرقية " (الميار، البلاغ، إلخ).

إن المعارضة اللاهوتية في التنزيه (تجاوز الله) والوجود (الاتحاد والحلول) تحولت إلى هجمات شخصية على أخلاق الخصم، وحتى على الهوية المشكوك فيها لأسلافه...

وتعطي الإدارة انطباعاً بالانحياز إلى أحد الجانبين، إذ ُمنع الشيخ العقبي، بموجب "منشور ميشال" بتاريخ 17 فبراير 1933، من الخطابة في "المساجد الإدارية". وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1935، أعلنت الإدارة حل "هيئة علماء السنة". ويبدو أن ذلك ناتج عن اتفاق تم التوصل إليه بشكل غير رسمي، عبر المفتي كحول، بين ل.ميليوت (مدير شؤون السكان الأصليين) والعقبي. ويتعهد الأخير بالالتزام بدعوة ونشاط ديني غير سياسي. وإذا تمكن الشيخ الطيب، عام 1935، من إقناع الشيخ بن باديس لاستعفاء لمين العمودي من مهام الأمين العام للعلماء و هو (رمز الجدل وتسييس الدين)، في عام 1935، تكون القطيعة بين العقبي و"حزب الإصلاح" قد اكتملت و تمت.

في عام 1938. إن الارتباك و الغموض الذي استمر بعد الاغتيال الغامض للمفتي كحول في أغسطس 1936، والذي أعقبه اتهام العقبي، ورفض بن باديس إظهار ولائه لفرنسا في حالة الحرب، دفع العقبي إلى المضي قدمًا بمفرده..

وعلى الرغم من هذه التقلبات، يحتفظ العقبي بهالة معينة لدى معظم الناشطين والمتعاطفين مع حزب الإصلاح في الجزائر العاصمة. ويواصل رئاسة الاحتفالات الدينية وافتتاح المساجد والمدارس المجانية في المنطقة.

و كان العقبي ينشط ضمن "اتحاد المؤمنين الموحدين" الذي أنشأه مع الأب مونشانين (للديانة المسيحية) والدكتور إيلي جوزلان (لليهودية). وباسم احترام القرآن "لأهل الكتاب" أعرب الشيخ الطيب عن عدم موافقته عندما طلبت منه الحكومة "البيتانية" العامة، الأدميرال أبريال، تقديم الدعم الإسلامي لتطبيق القوانين المناهضة لليهود.

إن التزام الشيخ بالحوار بين الأديان أكسبه تعاطف ودعم لويس ماسينيون الذي تدخل لصالحه في عدة مناسبات بعد قضية 1936 المظلمة.

إن المستعرب الكبير – الذي يرافق العقبي خلال زياراته للمخيمات الفلسطينية والأوقاف المغاربية بالقدس والخليل – يؤيد ترشيح صديقه لرئاسة “المجلس الإسلامي الأعلى” الذي كان من المقرر إنشاؤه، في حال تطبيق المادة 56. من النظام الأساسي لسنة 1947تم تطبيقها.
في الواقع، كان من الممكن أن يؤدي ترشيح العقبي، الإصلاحي غير السياسي، إلى تخفيف الصعوبات بسبب الالتزام السياسي للعلماء (الذي رفضته الإدارة لهذا السبب) وبسبب السخط الشعبي الذي يشعر به زعماء الطرقية وأصدقاء " عملاء الدين".

في الوقت نفسه، لم يعد العقبي « المحرك القوي للجماهير " ذو «أسلوب مرن، يقفز فجأة، .يزأر، ويخالب" Berque, 1932

يطلب من الحكومة تقديم المساعدة التي تسمح بها قوانين المدارس لمشاريع المدارس المجانية ثنائية اللغة (كانت مدارس العلماء ناطقة باللغة العربية حصريًا). لكن الإدارة تفضل الجمود بلا شك لأن "السياسة الإسلامية" اختزلت في الرغبة في ضمان الحفاظ على النظام الذي وصفه لو شاتيليه، في عام 1910، بهذه العبارات: "في 80 عامًا، صنعنا (في الجزائر) إسلامًا فريدًا من نوعه في العالم بلا حبوس و بمساجد إدارية، ومصلين مسجلين، وقضاة موظفين ، وحج بترخيص ".

ورغم ذلك، سعى العقبي إلى تأكيد البعد العربي الإسلامي للشخصية الجزائرية ضمن الإطار القانوني الفرنسي. وكان رفضه تسييس الدين يعكس قناعاته الخاصة (التي تعود بلا شك إلى ارتباطه بحركة "الأتراك الشباب" في الشرق قبل عام 1916) ويعكس حرصه على الإخلاص لكلمته. ومن هذا المنطلق، فإن صحوة الضمائر هذه، التي نجحت بمهارة في إقصاء كل من القادة المرابطين او قادة الطرقية ورجال الدين الرسميين، كانت مقدمة لـ "علمانية إسلامية" في الجزائر كان من الممكن أن تحظى ببعض فرص النجاح، لو لا محافظة الإدارة.

إن موقف الرجل الذي أصبحت نجاحاته العظيمة في الثلاثينيات ممكنة بسبب تقادم النظام الذي أدانه لو شاتيليه، أصبح بدوره عفا عليه الزمن. لأن فك الحصار عن الوضع الاستعماري يتطلب تحالف العقيدة الدينية والقومية المناهضة للاستعمار.

وكانت المطالبة باستقلال الدين آنذاك قديمة الطراز، لصالح الاستقلال نفسه. لكن العقبي، المخلص لخياراته، أصر على ذبح خروف بمناسبة العيد الكبير سنة 1955، رغم تعليمات جبهة التحرير الوطني.

وبعد أقل من عام، تم إطلاق دعوة لهدنة مدنية، بحضور كامو، من نادي الترقي ، حيث ألقى الدكتور الخالدي، المتعاطف مع العقبي، الكلمة وظل الشيخ صامتا حتى وفاته في 21 مايو 1960.

لقد كان تدفق المؤمنين الجزائريين إلى مقبرة القطار يوم دفنه (تصويب من المترجم- مقبرة ميرامار و ليس القطار) مؤشرا على تعلق أنصاره الذين ظلوا قليلي الحساسية للصراعات الداخلية لجمعية العلماء والذين أرادوا أن يظلوا "ممتنين لمدير ضميرهم" أي أوفياء للعقبي .
ملحوظات

مصدر :
http://www.lejeunemusulman.net/?p=1485
12 أغسطس 2018
المترجم

سوف تلحق تباعا مناقشة للمقال باللغتين العربية و الفرنسية من طرف المترجم. و سوقف يتم نشرها لاحقا.
نقله من الفرنسية الى العربية حمزة بلحاج صالح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على