الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفينومينولوجيا - صنمية المادة والمادة المتجددة

طلعت خيري

2024 / 2 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


منذ بداية الخلقية اختار إبليس الخلود الدنيوي ، رافضا المصير الأخروي بكل صراحة ووضوح ، حاسما أمرة ومستعدا لخوض غمار التحدي الى نهاية العالم ، متوعدا ذرية ادم بالقعود لهم على الصراط المستقيم ، لضم اكبر عدد منهم لحزبه الدنيوي ، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ، أي حدث جديد يؤثر على الجغرافية المكانية ليكسبها منزلة جديدة ، تختلف عما كانت عليه من قبل ، وهنا دور الفكر في قراءة الحدث قبل وبعد ، لاستنباط الأسباب والعبر لتصحيح المسار الدنيوي ، قبل بلوغ المصير الأخروي ، ان هبوط ادم وزوجه وإبليس من الجنة لا يعني النزول من السماء الى الأرض ، إنما هو تحول من مكان الى مكان آخر جديد ، ليمارس فيه أبناء ادم حياتهم بكل حرية كل حسب توجهاته ، لم يكن ادم في الجنة جاعا ولا عطشنا ، إنما استغل إبليس سيكولوجية خلقه القائمة على حرية الاختيار بين الدنيا والآخرة لصالحه ، محركا ما لديه من رغبة وأمل وطموح للخلود الدنيوي ، قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ، نجد ان سيكولوجية ادم في الجنة حملت الطاعة والمعصية في سلوكين ، الأول الامتثال لوصية الله بعدم الاقتراب من الشجرة ، والثاني الامتثال لدعوة الشيطان للأكل منها ، نفهم من هذا ان التحول السيكولوجي في سلوك ادم طبيعة خلقية خاضعة لإرادته الحرة ، فالخطيئة لم تكن سببا لخروج ادم من الجنة ، لأنه تلقى من ربه كلمات فتاب علية ، وان قبول التوبة يعني القبول بالمصير الأخروي ، الى هنا انتهى دور إبليس تماما ، وعلى الجغرافية الجديدة سيخرج من ذرية ادم شياطين يؤدون دور إبليس مع بعضهم البعض ، فالعالم أصبح أمام اختيارين إما الاختيار الدنيوي حزب الشيطان وأما الاختيار الأخروي الإيمان باليوم الأخر ، بدأت ديناميكية الصراع بين محوري الخير والشر منذ استثمار الإنسان للأرض ، ذلك مما فتح أفق كثيرة أمام شياطين الإنس في استغلال مقومات الحياة ومصادر الرزق لصالحهم ، مستخدمين كافة الوسائل الفكرية والروحية والغريزية والرغبوية لحوكمت العقل حول روح السماء وصنمية المادة ، كمناهج سياسي واقتصادي فاعل يتلاءم مع توجهات الخلود الدنيوي ، النقطة المحورية التي يجتمع عليها شياطين الجن والإنس ، هي تطابق الأهداف والنوايا للتصدي لأي تغير فكري يدعو الى الإيمان باليوم الأخر

ان الدوغمائية والجمود العقلي والفكري ، ناجم عن الاعتقاد بروحية المادة ، كالأوثان والأصنام وأساطير الميثولوجيا ، صنم هائم بصنم ، ان تعدد أشكال المادة واستخداماتها لا يزيد من الوعي العقلي مهما توغلت الشعوب في التقدم الحضاري ، لأنها طوعية خلقت لتلبية احتياجات الإنسان الصناعية والزراعية والبحوث العلمية ، لذا نجد لدى الإنسان قدرة على التحكم بها ، من ناحية الصلابة والكفاءة والأداء ومقاومتها للتأثيرات المناخية ، والحال لا يختلف على الصناعات التكنولوجية كالرقائق الالكترونية وتكنولوجيا تقنية المعلومات والذكاء الاصطناعي ، والتي موادها من أشباه الموصلات كالسيلكون والجرمانيون ،المادة غير قادرة على إعادة نفسها في الطبيعة ، وقابلة للنفاذ ، ولكي يخرج الله الإنسان من صنمية المادة الدنيوية ذات الاستخدامات الواسعة والمغرية للخلود الدنيوي ، لفت انتباهه الى نقطه مهمة ، ففي الوقت الذي يستخرج الإنسان احتياجاته المادية الصنمية من التربة ، منها خلق الله مادة متجددة غير قابلة للنفاذ كخلق الإنسان والحيوان والنبات والماء وظواهر أخرى أيضا غير قابلة للنفاذ لها تأثير مباشر على ديمومة الحياة على الأرض ، وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ{20} وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{21} وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ{22} وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ{23} وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{24} وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ{25} وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ{26} وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{27}


لإيصال مفهوم صنمية المادة والمادة المتجددة ، ضرب الله مثلا للوثنيين من أهل مكة ، المثل من أنفسهم ،أي من واقع حالهم ، فالرزق مادة متجددة ، وصنمية المادة - الأوثان ، السؤال موجه للرافضين البعث والنشور الأخروي ، هل لكم من ما ملكت إيمانكم ، ملكت إيمانكم طبقة العبيد ، من شركاء في ما رزقناكم ، هل احد من العبيد شارككم في رزقكم ، فانتم فيه سواء ، متساوون في الحصول عليه ، أبعاد المثل يا أهل مكة ، ففي الوقت الذي ترفضون مشاركة العبيد في أموالكم ورزقكم وهم بشر مثلكم ، نسيتم بأنكم عبيد للأوثان شاركتكم في رزقكم وأموالكم ، بما تقدموه لهن من طعام ونذور، وتخافون منهن كما يخاف بعضكم من بعض ، تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ، ونفصل الآيات لقوم يعقلون ، أيهم أحق بالعبادة ، الله الذي خلق من التراب رزقا متجددا لكل البشرية ، أم صنمية الأوثان التي لا تقدر على رزق نفسها ، بل اتبع الذين ظلموا أهوائهم بغير علم ، فمن يهدي من أضل الله ، وما لهم من ناصرين

ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{28} بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ{29}








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث