الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الموت!

عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث

2024 / 2 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حدثني صديقي عمَّا صادف خلال تأديته واجب عزاءٍ، فقال: صافحت المستقبلين، وأثناء دخولي قاعة الجلوس لمحت أحدهم يخطب، وكان صوته بالكاد يُسمع وسط الضجيج. صدف أن اتخذت مقعدي قريباً من المكان الذي يقف فيه "الخطيب"، فالتقطت أذناي عنوان الخطبة: "الزلازل". قلت، لعل وعسى نسمع ما يفيد بهذا الخصوص، على صعيد رأي العلم وآخر ما توصل اليه أهل الاختصاص. لكن أملي خاب بأسرع مما توقعت، إذ تبين أن المضمون يتمحور حول الموت تحت عنوان الزلازل. لم يجد المتحدث في الزلازل شيئًا يتحدث عنه سوى الموت. خلال خمس دقائق، تكررت كلمة الموت في "الخطبة" أكثر من عشر مرات، مقرونة بالتحذير والتهديد والترهيب...الموت يأتي على حين غرة...يجب الاستعداد لهذه اللحظة !
الخطاب ذاته، الذي لا يرى الله إلا في الموت وفي ظلام القبور. لذا، يرسم حياة ما بعد الموت بصورة كابوسية متجهمة متصلة الحلقات، كأن ما ينتظر الإنسان بعد الموت عذاب السعير فقط بشتى صنوفه وأساليبه. خطاب كهذا، لا شك يصدر عن نمط تفكير ظلامي متوحش يكره الحياة، لأنه ببساطة فاشل فيها ويعيش على هامشها مقارنة بالأمم المتقدمة ذات الوعي الجمعي العلمي المناسب لتقدمها والمؤسس له. ويلفت النظر أنه يخالف تعاليم الدين ذاته، حيث لا يوجد في القرآن الكريم آية واحدة تتحدث عما يسمى عذاب القبر..
كل إنسان يعرف أنه سوف يموت في لحظة ما، والموت يدخل في جدلية الحياة بالمناسبة وهو جزء منها. لكن الحياة ذات رسالة، وإلا فلا معنى لها. العنوان الأبرز لرسالة الحياة، هو الإنجاز والإبداع والبناء وتحقيق التقدم. ولا يمكن تحقيق هذه الرسالة إلا بامتلاك عناصر القوة، التي أبدعها الإنسان في مسيرته الطويلة منذ فجر التاريخ. وأهم هذه العناصر، العلم المتكيء على العقل والتفكير السوي السليم.
لا يخطر ببال مروجي خطاب الموت بطبيعي أمر العتمة المعششة في رؤوسهم، الحديث عن رسالة الحياة في جانبها المشرق، الذي يرى الإنسان والأشياء في اشراقة الشمس كل يوم وفي الجمال وفي إبداعات العقل واختراعات العلم وكشوفاته للإرتقاء بالحياة الإنسانية. هذا كله غير وارد في حساباتهم، لأن الهدف زرع الخوف في النفوس وتسميم الحياة بالرعب وتعكير الأجواء بالتجهم. أما الهدف الرئيس، فهو السيطرة على الإنسان بالخوف والترهيب. وهذا هو شأن الثقافة المفلسة المأزومة، كما يعلمنا التاريخ ويؤكد لنا واقع حال المجتمعات التي ينتشر فيها خطاب الموت. لا شك أن ثقافة هذا شأنها، أعجز من أن تبني دولاً حديثة، وأبعد ما تكون عن امتلاك عناصر القوة بمعايير العصر.
ثقافة الموت والخوف والترهيب، دليل فاقع على واقع مريض بالإستبداد والفساد والتخلف. لماذا؟ الإجابة بإيجاز، الخائفون المستلبون لا يبنون أوطانًا حديثة، ولا يحررون أرضًا سليبة. وهم بالتأكيد، وهذا هو الأخطر، لديهم القابلية للخضوع لأي سلطة استبدادية.
تأسيساً على ما تقدم وغيره كثير في السياق ذاته، ألا ترى معنا عزيزنا القارئ أن خطاب الموت والخوف والثقافة المنتجة له في مقدمة أسباب تخلفنا وما نشقى به من خيبات على الأصعدة كلها؟!
ولا نستبعد أن يكون المفكر الجزائري مالك بن نبي قد أخذ بنظر الاعتبار ثقافة الموت وخطورتها على العقل والنفس للقول ب"القابلية للاستعمار"، وفعل الشيء ذاته المفكر الايراني على شريعتي لنحت تعبير "القابلية للإستحمار" !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 116-Al-Baqarah


.. 112-Al-Baqarah




.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟