الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساموزات نبي التحالف العربي الآرامي

عيسى بن ضيف الله حداد

2024 / 2 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ساموزات، نبي التحالف العربي الآرامي
نأخذ كنموذج عن هذه المسيحية المكافحة ذات الصلة بتكوّن الهوية القومية ظاهرة بول ساموزات، إذ يمكن اعتباره أحد أكبر الرواد في تاريخ المسيحية الشعبية الأولى.
نتناول على عجل - البعض من مآثره : ينتمي إلى مدرسة بول ساموزات أو إلى تيار لوسيان ساموزات الملقب بلوسيان الإنطاكي الذي يعتبر الأب الروحي للحركة المسيحية الأريانية (مؤسسها الرسمي أريوس، مطران الإسكندرية في بداية القرن الرابع ميلادي وهي الحركة التي قد حاربتها المسيحية الرسمية التي قد تأسست على يد قسطنطين )، ويعتبره انجلس، فولثير العصر الكلاسيكي ، ويمثل أحد أفضل المصادر للمسيحية الأولى.
لقد حملت كل الحركات المسيحية الشرقية الآرامية العربية التالية وكل أشكال المسيحية المتمردة على مسيحية الإمبراطورية والسلطة الحاكمة - العديد من الآثار التي تعود من قريب أو من بعيد إلى مقولات بول ساموزات، بل يمكن اعتبارها قد سارت على نفس النسق، وإن كانت تتظاهر بأشكال مختلفة من حيث التعبير حسب العصور..
وتركز الكثير من الدراسات الغربية على الدور الهرطقي لساموزات، إذ يوجد العديد من الأبحاث والمجلدات التي تتناوله - نذكر منها على سبيل المثال - كتاب بول ساموزات ل BARDY ( برفوسور قديم في الجامعة الكاثوليكية لمدينة ليل الفرنسية ).
في واقع الحال، كما يقر هذا الكاتب، أن كل الأدبيات العائدة للمسيحية الأولى - ومنهم ساموزات - قد اختفت، وما يعرف عنهم جاء من خصومهم. إن هذه الواقعة تدفعنا لافتراض أن الكنيسة الرسمية التي قد تمتعت بسلطة الدولة الرومانية وما تبعها قد عملت بلا هوادة على إخفاء أدب هؤلاء.
ويستعين BARDY في لإنجاز بحثه التاريخي بما وجده من قسائم لنصوص عثر علها من قبل من خاصموا ساموزات والتي تعود عملياً إلى عصور متعددة، مما يعكس الأهمية التي تمتع بها ساموزات إلى درجة جعلته هدفاً مستديماً لأصحاب المدرسة الرسمية وذلك على مدى العديد من القرون الذي قد تأثرت فيهم بشكل ما تناولات كاتبنا هذا...!
سنضع بعض النقاط ذات الدلالة التي يشير إلها الكاتب في بحثه المستفيض ( 580 ص من الحجم الكبير ).
oتمتع ساموزات بسلطة دنيوية - قاضٍ وكحاكم ومنافح لقضية التدمريين وممثل لأذنية وزنوبيا.
o كان يرى في عيسى المسيح أنساناً قد حلت فيه الإرادة الإلهية، ( هذه النظرة ذاتها تطابق الرؤية الإسلامية ذاتها بصدد للمسيح).
o استطاع، بل أراد أن يدخل في علاقة تفاهم مع غير المسيحيين..
o ويعتبر هذا الكاتب، ان تأثير ساموزات قد أقتصر تقريباً على أهل البلاد - الناطقين بالسريانية - الذين كان لهم مدعاة فخر ،في حين أن الناطقين بالإغريقية لم يكن له بينهم أي تأثير .
o كما قد انضم لحزبه جميع رجال الدين في الأرياف ( أهل البلاد).
oكان من أنصاره علمانيين - غير دينيين..
o ويعتبر هذا الكاتب، أن مذهب ساموزات قد اعتمد على دوره السياسي، وانه من العبث البحث عن خلفية فلسفية لمذهبه.. إذ أنه لم يستوعب شيئاُ من الأسرار الجوهرية للمسيحية…! [ هذا الحكم يعزل الفلسفة عن الممارسة والسياسة عن اللاهوت في ذلك العصر ]
o كما أن الكاتب المذكور، الذي ينتمي إلى المدرسة الرسمية - يعتبره بدون تردد، ومنذ الصفحة الأولى في كتابه، الأب الروحي لكل الهرطقات بكل مظاهرها وأدورها، أي لكل ما تعتبره الكنيسة الرسمية خارجاً عن طوعها ومنظورها، وأنه في نهاية المطاف لم يستوعب الجوهر السري للناصري..
في الحقيقة نحن نؤيد الكاتب في هذه التهمة الأخيرة ، بيد أننا لا نوافق على تلك التسمية، إذ أن الهرطقات، هي بحد ذاتها تمثل المعارضة للخط الرسمي السائد.. ونظراً لعدم وجود مستند لفكر وممارسات ساموزات إلا من قبل خصومه، سنسمح لأنفسنا بقراءة مختلفة لهذه القرائن والمعطيات التي تقدمها هذه المصادر وتلك الدراسة التي هي من منتجات الخط الرسمي..
ونرى، إن كل هذه المؤشرات تؤكد وجود حالة من الانقسام في تلك المرحلة بين المسيحيين له صلة، من جهة بالانتماء إلى الهوية واللغة والثقافة، ومن جهة ثانية له علاقة برؤية وموقف، مما نجم عنه وجود حزب آرامي - عربي، وحزب إغريقي - روماني.
كما تبين أن قضية المسيحية بالنسبة لساموزات هي قبل كل شيء قضية موقف وليست مجرد صلة حزبية بصفة لاهوتية بحتة، ولهذا لم يتوان في عملية الدخول بتفاهم وبتحالفات مع غير المسيحيين ومع رجال علمانيين ( أي من خارج الكهنوت ) ومع إذنية وزنوبيا..
أما قضايا الخلاف، تعود من جهة لقضية اللغة والثقافة أي ذات صلة بالهوية.. هل يمكن أن نتهم ساموزات وحزبه بالقومية المغلقة...! قد تبدو المسألة هكذا إذا جعلنا المسيحية تابعة للهيلينية واللاتينية (على منوال الفكر المسيطر في عصرنا ).
بيد أن المسألة ليست هكذا، نحن إزاء أقوام مضطهدة من قبل السلطة الحاكمة، وبهذا يكون تمسكها بهويتها موقف شرعي لا يتناقض، بل يلتقي مه ما هو أممي..
أوليس الناصري ذاته قد تكلم بالآرامية...؟ .. أليست الآرامية تتمتع برصيد ثقافي غني عريق الجذور، وهي ذاتها مع شقيقتها - الفينيقية ( التي قد رفدتها ) كانت المرجع لبقية اللغات...؟ ولماذا إذن تكون الهوية الآرامية - العربية تابعة لسيطرة الإغريق أو اللاتين..
من الصعب أن نتخيل، أن لا تكون تلك التساؤلات من جملة المستندات التي قد شكلت منطلقات حركة ساموزات.
أما بصدد طبيعة الناصري وجوهر شخصه، قد تبدو القضية للوهلة الأولى قضية هرطقة، أو نمط من مماحكة، بيد أنه بالإمكان استنتاج خلفية ما لهذا الجدل الصاخب الذي قد استمر قروناً وأجيال..
في منظورنا، إن الناصري ذاته من خلال تعاليمه لم يحدد محتوى لهويته، لم يعلن ألوهية ما، إنما المسألة قد احتدمت متأخراً.. وأن الهوية ذاتها - كيف ما كانت - لا قيمة لها، إذا لم يكن لها صلة بمسائل واقعية عيانية مؤثرة في حياة الناس.. بل ماذا يضير الناصري، إن تم النظر إليه كإله أو كإنسان، أو كمزيج من هذا وذاك.. إذا لم يكن منهجه متبعاً ...؟
ونرى، أن المنظورين المتناقضين ينطويان على بعد سياسي - اجتماعي، قد يكون خفياً أو مموهاً علينا نحن، لا على ناس تلك المرحلة، فإذا تم تقليد الناصري صفة يصبح فيها كإله هابط من السماء أو أي شيء من هذا القبيل، سيكون بالإمكان إقصاؤه من إنسانيته والتحايل على مضمون دعوته لأنها تصبح مرهونة كلها بالميتافيزيق العصي على التطبيق، بينما إذا تم فيها اعتبار الناصري إنساناً حلت فيه الإرادة الإلهية ( كرمز للنزعة الخيرة ) أما بما يشبه ذلك، فإن الأمر يعني في نهاية المطاف كونه يتمتع بانتماء وهوية ورسالة اجتماعية أرضية قابلة للتحديد.. وبالتالي يكون من الصعب ترويضها والتحايل عليها..
ليس من المستبعد أن يكون قد مرت ذات الفكرة أو ما يجاورها في واعية أو خافية ساموزات وخصوم ساموزات...؟ ذلك أن هؤلاء ليسوا على درجة من الغباء..
كما أن بقاء المسألة مسألة صراع طوال تلك العصور المتلاحقة ولم يتم خفوتها إلا بمجرد اضمحلال دور المسيحية في الشأن السياسي.. يضع هذا الاحتمال - احتمال هذا التعليل - في واقع الإمكان..
على صعيد ما، نحن نتفق مع الكاتب، بأن ساموزات بقي دوره فاعلاً بشكل مباشر أو غير مباشر ( من خلال ما يسمى بالهرطقات) طوال عهود الصراع داخل المسيحية والذي قد استمر حتى حضور الإسلام، وحتى في العصور الحديثة، إذ أضحى - ساموزات - رمزا لكل الذين ينكرون ألوهية المسيح في عصر التنوير الأوربي وبعده، بيد أننا نتميز عنه بتشخيص البعد التاريخي لهذا الصراع على أنه بجوهره انعكاس للصراع الاجتماعي والسياسي وعلى صلة مباشرة به.
وأخيراً نضع هذه ظاهرة - ساموزات بما تحتويه من عناصر صراع ومقولات في إطار مسار العملية التاريخية التي قد أدت لنكوّن الهوية الشاملة لأقوام المنطقة.. كما أنها تمثل أحد الأشكال التعبيرية الناجمة عنها..
ليس من المستبعد، أن يشكل هذا النمط من التصدع في صفوف المسيحية وتطوره المقدمة التاريخية التي قد ألهمت قسطنطين الكبير - في مرحلة تالية لاتخاذ قرار جعل المسيحية دين الدولة أو رومنتها.. مدركاً القيمة العملية لوجود خط يمثل النزعة الهيلينية اللاتينية الراغبة في الهيمنة على المسيحية والتي قد هيأت المجال الثقافي - بشكل أو بآخر - لاقتلاعها من جذورها الأصيلة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا


.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع




.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال


.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا




.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة