الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق الى معرفة الله في الفكر التوحيدي

ثائر أبوصالح

2024 / 2 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تُقسّم الأديان، على اختلاف منابعها، الأفراد بين مؤمنين وملحدين، وإذا أمعنا النظر في هذين المفهومين نرى أن كلاهما يعتمدان على الإيمان وليس اليقين، فالمؤمن يعتقد أن هناك قوة خلقت هذا الكون وتديره ويسميها الله، أما الملحد فهو ايضاً يؤمن أنه لا يوجد خالق لهذا الكون ويعتقد أن العلم ومن خلال تطوره التراكمي المستمر سيكشف اسرار هذا الكون الفسيح. إذاً؛ كلاهما مؤمن ولا يمتلك أحدهما اليقين، وانما كل طرف يحاول أن يفتش عما يدعم رأيه ليقنع نفسه أنه على حق والطرف الآخر على باطل.

الأديان تصف الخالق على أنه قوة غير قابلة للإدراك، ونحن البشر لا نستطيع من خلال عقولنا الجزئية أن ندرك أو نحيط بهذا الإله، فلو كنا قادرين على إدراك الخالق لكان ذلك عجزاً منه، لأن عقولنا لا تدرك الا المحسوسات من خلال حواسنا، ولذلك سيصبح الإله مجسداً وله شكل وطول وعرض وماهية. إذاً الإله حتى يكون الهاً يجب أن يكون قوة غير مدركة وغير محسوسة ولا يمكن الإحاطة بها من خلال عقولنا الجزئية، وهنا يقع المؤمن بإشكالية أخرى؛ لأنه إذا كان الإله بهذه الصفات عندها سيتساوى كل البشر بعدم قدرتهم على إدراك الخالق، وهكذا يسقط التفاوت بين البشر، ولكنهم بحقيقتهم متفاوتون بقدرتهم على الإدراك، ويسقط مبدأ الثواب والعقاب الذي تقوم عليه الأديان، فكيف يمكن لإله أن يطلب من البشر التعرف اليه والإيمان به ولا يُمكّنهم من دركه، اليس هذا ظلم للبشر من جهة واعدام لوجود الخالق من جهة أخرى؟

بالمقابل، لو افترضنا أن الخالق سيعطي البشر القدرة على ادراكه، ويظهر لهم بجبروته وقوته، فعندها سيؤمن به كل البشر جبراً، وتسقط حقيقة التفاوت بين البشر، ويسقط عندها أيضاً مبدأ الثواب والعقاب ويصبح الخلق عبثياً. فلو كان أمر الله حتماً ونهيه جبراً لم يشك به أحد، ولذلك حتى تصح حقيقة التفاوت بين البشر ومبدأ الثواب والعقاب يجب أن يكون أمر الله تخييراً ونهيه تحذيراً لكي يقوم العدل بين البشر. اذاً؛ اعدام الله خلف الحجب هو تعظيم لقدرته، ولكن بنفس الوقت هو نفي لوجوده، وبالمقابل تجسيد الخالق بين البشر هو اثبات حسي لوجوده، ولكنه بنفس الوقت تحجيم لجلال لاهوته.

النظرة التوحيدية التي بدأت بالنبي ادريس أو هرمس مروراً بأخناتون تبطنت لاحقاً في كل الأديان السماوية، ولكن قلائل من ارتقوا الى مستوى فهم جوهر التوحيد المبني على الجمع بين المتناقضات أو الأضداد، وفي الحالة التي نتكلم عنها هو الجمع بين اثبات الوجود الإلهي ونفي الصفات البشرية أي الصفة والحد والنعت عنه. فالجمع بين الوجود واللاوجود هو جوهر التوحيد، فنفي الصفات البشرية عن المُغيَّب في السماوات هو اعدام له، أما نفي الصفات البشرية عن الموجود هو اثبات لألوهيته. فلولا أنه موجود ولا تدركه الأبصار لم يكن ذلك معجزاً. ولكن السؤال اين هو الله لنتعرف عليه؟

ان الله موجود في كل خلقه؛ في الإنسان والحيوان والنبات والجماد، موجود في كل ذرة من ذرات هذا الوجود، وهو أقرب الينا من حبل الوريد، فأول معرفة الله هو فهم نظام الوجود، فأينما يممت وجهك ستجد نظام الله وقوانينه في عالم الزمان والمكان، وأن أكثر من يفهمون اليوم نظام الكون هم علماء الفيزياء الكمية الذين يبحثون الأجسام ما دون الذرية، فقد توصلوا الى نتائج علمية مذهلة؛ مثل نظرية الشق المزدوج والتشابك الكمي والأكوان المتوازية ولكن أكثر ما يلفت النظر هي نظرية الحقل الموحد.

لقد برهنت هذه النظرية أن الكون كله قد انبثق من حقلٍ واحدٍ موحد هو مصدر الطاقة والمادة والذكاء ويجمع بداخله القوى الطبيعية الأربعة؛ قوة الجاذبية، القوة الكهرومغناطيسية، القوة النووية الكبرى والقوة النووية الصغرى أو الضعيفة، وفي العام 1983 استطاع العالم الفيزيائي الدكتور جون هكلن من استخلاص عدة صفات للحقل الموحّد ومن أهم هذه الصفات هي: كل الإمكانات، حرية، لا محدودية، اكتفاء ذاتي، غبطة، تكامل، منعة، اتزان تام، كلي اليقظة في ذاته، طاقة كاملة للقانون الطبيعي، بساطة، غير ظاهر، منسق، ذاتي المرجعية، ترابط غير متناهي، ديناميكية غير متناهية، سكون غير متناهي، معرفة صافية، قوة تنظيمية غير متناهية، انتظام تام، إبداع غير متناهي، منقي، تطوري، مغذي، خلود.

هذه الصفات تنطبق على صفات الوعي، ولذلك يمكن الاستنتاج أن الحقل الموحد هو الوعي الصافي الكامن في داخلنا، فالإنسان هو كون مصغر فكما أن حقيقة الكون تعود الى الحقل الموحد فإن حقيقة الإنسان تعود الى الوعي والذي يُعرف أيضا بالذكاء الكوني أو العقل الأرفع، والذي من الممكن التناغم معه والوصول اليه، وذلك عندما ننفصل عن عالم الزمكان من خلال تجاوز الحواس. هذا الوعي سيمكنك من التعرف على الخالق لتتيقن من وجوده، عندها يصح أن تنفي عنه الصفة والحد والنعت، وتعلم أن اول الإيمان بالله هو التعرف عليه، وكمال المعرفة تأتي من خلال نظام توحيده، ونظام التوحيد يعني نفي صفات المخلوقين عن الموجود، بشهادة العقول الصافية؛ أي أن الصفة غير الموصوف، وان الموصوف غير الصفة والمعرفة تكون لما شوهد وعوين ولكن ليس بالعين الحسية وانما بالعين الروحية.

هذا الإيمان التوحيدي بالخالق ليس بحاجة الى دين أو عقيدة، وليس بحاجة الى عبادات تكليفية، فهو بسيط روحاني، لا ينفي احداً ولا يكفر أحداً وانما يقبل الجميع على اختلاف توجهاتهم وينسجم مع صفات العقل التي تشبه صفات الحقل الموحد وهي: حرارة العقل، قوة النور، سكون التواضع، برودة الحلم وليون الهيولي، عندها يصبح المؤمن منارة للمعرفة، وهذا شأن الحلاج والسهروردي وابن عربي وأبو يزيد البسطامي وجلال الدين الرومي وغيرهم ممن استطاعوا بمسلكهم ان يتناغموا مع الحقل الموحد ليصلوا الى معرفة الخالق عز وجل. حتى أن الحلاج تم تكفيره وقتله وتقطيعه لأنه كان يقول: "أنا الحق، أنا الأول، أنا من الكل والكل أنا، أنا العرش، أنا اللوح، أنا القلم، أنا منذ الأزل وإلى الأبد"، أو قوله "ما في الجبة غير الله".

استناداً لهذا الفهم التوحيدي فإن الإيمان بالله ليس قضية غيبية، بل هو نهج عرفاني يعتمد على الجد والاجتهاد في التفتيش عن الله في داخلنا؛ من خلال التزام مسلك الاعتدال الذي تكمن فيه الفضيلة، حتى يتسنى للفرد أن ينتقل من مرحلة الإيمان الطفولية الى مرحلة اليقين الواعية؛ فيتعرف على خالق الكون من خلال الوعي أو العقل الكلي ويقر بوجوده، ثم بعد ذلك يقوم بتنزيهه عن الصفة والحد والنعت، وهذا ما يعرف بتجريد التوحيد. أما من ينزه الخالق عن الصفات البشرية قبل الإقرار بوجوده فهو ليس الا اعدام للخالق لأن التنزيه يصح فقط بعد اثبات الوجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ ثائر ابو صالح المحترم
nasha ( 2024 / 2 / 21 - 00:47 )
قولك: ويسقط مبدأ الثواب والعقاب الذي تقوم عليه الأديان
لا تجمع الاديان تحت عنوان واحد ، هذا يسمى تعميم وخلط بين فلسفات ورؤى مختلفة.
المسيحية كفكر ليست مبنية على مبدأ الثواب والعقاب بل مبنية على مبدأ الايمان بالاله الكامل الخالي من العيوب المتجسد كأساس مثالي والذي يقود منطقياً وحتماً الى الصلاح وتجنب الخطأ للذي يؤمن به.

شكراً على طرحك
تحياتي

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال