الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطورالسامية العربية والعبرية من المصرية القديمة، (آمين، أمن) نِسبة للإله المصري (آمون، آمن)

ابرام لويس حنا

2024 / 2 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نلاحظ معرفة العبرانيين بإسم (أمون) وإدارك التصاوير التي تُعبر عن إسمه وهم (قلم البوص/ النبات الأخضر + الأرض وعليها النباتات الخضراء + اليم أو المياة) فمثلاً ذُكر في الكتاب المقدس هَلْ أَنْتِ أَفْضَلُ مِنْ نُوَ أَمُونَ נֹּ֣א אָמ֔וֹן الْجَالِسَةِ بَيْنَ الأَنْهَارِ، حَوْلَهَا الْمِيَاهُ الَّتِي هِيَ حِصْنُ الْبَحْرِ، وَمِنَ الْبَحْرِ سُورُهَا؟ (نحميا 3: 8)، حيث نُلاحظ هنا إرتباط (النون) بأمون في قولهم ( نو أمون) أي (مياة أمون) كما هو موجود تماما في اللفظ المصري، مما يُبرهن على معرفتهم للتصوير المصري المُعبر عن إسمه.

لكن هل يعني أمون الخفي؟!
فمثلاً روى بلوتارخ المؤرخ اليوناني أن: آمون هو الاسم الذي أُعطي لزيوس في أرض المصريين مع تغير طفيف إذ يُنطق آمون (1)، إلا مانيثو السَمَنُّودي يذكر أن معناه المخفي أو الخَفاء (2) وكذلك هيكاتيوس الأبديري يقول أن المصريين يستخدمون تعبير أمون حينما يشيروا إلى أحدهم الآخر، فالكلمة هي شكل من أشكال المُناداة، وبالتالي حينما يُخاطبون الإله الأعظم فهم يعتقدون إنه مَخفي ومحجوب كالكون متوسلين بأن يُظهر لهم ذاته (3) لكن كان لجورج إستيندورف رأيًا آخر فقال غير إن المعنى الأصلي لكلمة إمون لا يمكن بأي حال مِن الأحوال أن يكون كما فسره هؤلاء العلماء (4) ، وقد كان جورج إستيندورف مُحقاً في هذا،

فآمون يعني حرفيًا (قوة/ قدرة السماء التي ترفع النور أو الذات القوية كالنبات الذي يُنبت في السماء السوداء الخُضرة والنور) والذي يتكون مِن:
أ) قلم البوص أو النبات للتعبير عن الذات الواهبة أو الشىء الطالع من الظلمة/ الذات ليحمل نوراً، فمثلا ينساب من قلم البوص الحبر بألوانه المختلفة اللامعة على الصفحة التي هي كسماء الليل فارغة، والنباتات تَخرج من الأرض السوداء لتحل بنورها على سواد الأرض وتحمل نوراً للإنسان، ومثل ذراع الإنسان التي تَخرج من ذاته وترتفع من أسفل إلى أعلى لتحمل الأشياء.

ب) السماء/ الذات التي تحمل النور، كالإنسان في المصرية القديمة (mn) الذي هو كالسماء تحمل النور، لهذا عُبر عنه بالذات التي تحمل الشروق (5).

وعلى هذا فإن (أمن / أمون) يعني :

(بإختصار) : خضرة في سماءنا (ذاوتنا) أنبت/ أحمل، أو الذات الخضراء المرتفعة القائمة التي تحمل و تقذف النور في ظلمة السموات، ولهذا فإن نطقه هو (أمن) وليس (نام أو نمى)، و مِن ذاك التصوير واللفظ بعينه تأثر به الساميون وتعلموه للتعبير عن (الإيمان) وذلك بقولهم (أمن אמן)، فالايمان كحلول النور في السماء، وهو خير دليل على تأثرهم بالمصرية القديمة، فلم يقولوا (نمى أو نما أو نام) مثلما يٌقصد بالنَمَاء مِن (نَمَى) وهو يعني حرفياً (أنبت من الظلمة خضرة أو رفع من الظلمة ذاتا كالخضرة او النبات)، لكنهم استخدموا (أمن و אמן) للتعبير عن الإيمان ، فلو كانوا يُريدون القول (يارب: أنبت في ذواتنا نوراً) لقالوا (نمي) لكنهم قالوا (أمن) كأنهم يُريدون القول (يارب : نوراً/ خضرة في سماءنا/ ظلامنا أنبت، أو خُضرة في السماء/ الذات حَلت)، وبإختصار إن (أمون) يعني (قدرة السماء التي ترفع النور) (6).

كما كان نتيجة لهذا التأثير هو شهرة إله المصريين (أمون) فهو الإله الذي يحمل بذراعيه النور (imn)، فــ (أمون رع) يعني (الإله الذي بذراعي سماءه يحمل النور) مثلما نرى في تصاوير المعابد بحمل الإله السماء بذراعيه (7)، وعٌبر بالذراعين بالقصاب والنباتات، فالنباتات وقصاب الأرض تخرج مِن ذات الأرض كذراعي الإنسان تخرج من ذاته وكلاهما لهما المقدرة على رفع الأشياء فالنبات يرفع لنا قوة الحياة والذراع ترفع لنا الاشياء كذلك، وكما أن النبات يَنبت/ يخرج من الارض ليحمل حياة لذات الإنسان، هكذا ذراعي الانسان ترتفع لتحمل نوراً في الظلمة، لهذا إرتبط (أمون: بالنبات الخارج من الأرض) وخير شاهد على هذا قوله أن آمون و رع و بتاح لا مثيل لهم (8) ومن المعروف إرتباط (رع) بالفم أو الكلمة أي الرأس، في حين من المعروف إرتباط بتاح بالجسد و الأرض، وعلى هذا فإنه من المفترض أن يكن (أمون) ذات إرتباط وثيق بالقوة التي ترفع النور كالذراعين، ولهذا إرتبط كذلك بالقضيب وبالإله (مِن Min) بإسم (أمون مِن Amun-Min) ذات القضيب المنتصب للتعبير عن القوى التي تحمل النور وترفعه وتقذفه، وما يؤكد قولنا هو أن يمين ويسار الإنسان أو اليمين والغروب بصفة عامة في المصرية القديمة يُطلق عليه (imn) والغربين (imnti)، و ( نبات البردي mnh، والنبات في السومرية amani) واليمين معروف عربياً و יָמִין عبريا و imnu/ imna أكادياً.

وعلى هذا فإنه عندما يَقل العرب أو العبرانيين (آمين) أو عند وصف (الإيمان) وجذرة (أمن) فهم كأنهم يقولون (خضرة في ذواتنا أو سماءنا أنبت أو إحمل).


المراجع:
---------
1- بلوتارخ، إيزيس وأوزیریس De Iside et Osiride، مجلد LCL 306، المقطع 9/ إيزيس و أوزيريس، حسن صبحي بكري، محمود صقر خفاجي، سلسلة الألف كتاب، م. 235
2- George Hart, The Routledge Dictionary of Egyptian Gods and Goddesses, 2005, P. 14
3- Ernest Alfred Wallis Budge, Legends of the Egyptian Gods, 1994, P. 211
4- جورج إستيندورف، ديانة قدماء المصريين، تعريف سليم حسن، طـ. 1، 1923، ص. 15
5- عُبر عن البقرة الحلوب بـ (mnat مُناة/ مُنات ) أي (الذات التي تمدنا/ تحمل لنا القوت كاللبن واللحم) وكالمرضعة (mnat، أي (الذات التي تمدنا بالقوت) و مازلت النساء تتسمى به في اسم منة وجذره (منة mna)، وكذلك المُرَبَّي هو (mnat) فهو (كالسماء يهب لنا الخبز والنور)، وكالإنسان (مَن mn) كما ذكرنا آنفًا، لهذا قال هيكاتيوس الأبديري أن المصريين يستخدمون تعبير أمون حينما يشيروا إلى أحدهم الآخر، فالكلمة هي شكل من أشكال المُناداة ، ومازال في العربية ذاك الجذر (يمَّنَ / يمَّنَ) أي (يُعطيه ويهبه له).
6- لذا فإن نقيض (أمون) أي (قدرة السماء التي ترفع النور) هو (المَنى و المُني الموت mni) ويقصد به حرفيا (الظلام كالسماء رافع القدرة) أي (مُزيل النماء) وهو ِمِن mn أي (مرض) ويقصد به (حلول الظلمة وإرتفاعها على الطيور)، وهذا هو المحفوظ سامياً في (المَنى والمَنِيَّةُ أي الموت)، في حين يقصد بـ (نام) بـ (رفع ذاتاً / سماءاً).
7- ذكر بلوتارخ المؤرخ اليوناني أن أمون هو الاسم الذي أُعطي لزيوس في أرض المصريين مع تغير طفيف إذ يُنطق آمون .
8- بردية ليدن Leiden رقم I-350








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تطورالسامية العربية والعبرية من المصرية القديمة
nasha ( 2024 / 2 / 21 - 00:28 )
التطور لا يحدث بين طريقتين مختلفتين!
الكتابة المصرية القديمة طريقة كتابتها تصويرية وليست سماعية تنطق الحرف
اما الكتابة العبرية والعربية فهما كتابات سماعية تنطق الحرف

اللغات السامية ألارامية والعبرية والعربية منشأها وادي الرافدين وهي تطور للكتابة الرمزية السماعية المسمارية السومرية.
تحياتي للسيد الكاتب

اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل