الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 11 فبراير السلمية: عوامل وعوائق وآمال

عيبان محمد السامعي

2024 / 2 / 22
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


مقدمة
مثلّت ثورة 11 فبراير الشعبية إحدى وثبات اليمنيين التاريخية، فقد عبّرت وبكثافة خلاقة عن أشواق الجماهير للعيش الكريم والحرية وبناء الدولة المدنية الاتحادية الحديثة.
لم تكن الثورة الشعبية "حالة طارئة" أو "محاكاة" لما جرى في مصر وتونس وغيرها، أو "مؤامرة خارجية تستهدف وحدة الوطن واستقراره"، كما كان يقول إعلام النظام السابق، بل هي فعل موضوعي ناجم عن عوامل تضافرية موضوعية عديدة: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
ويمكن التعرض لهذه العوامل، وبإيجاز شديد، على النحو الآتي:
أولاً: العوامل السياسية:
الاستبداد السياسي:
عانى المجتمع اليمني لعقود طويلة من الزمن من التسلطية السياسية، واحتكار النخب الحاكمة لمصادر القوة في المجتمع. فقد عمدت تلك النخب إلى إخضاع المجتمع عبر السيطرة الخشنة والسيطرة الناعمة.
وتتحقق السيطرة الخشنة من خلال وسائل القوة المادية، مثل: الجيش، والشرطة، والمخابرات...إلخ، بينما تتجسد السيطرة الناعمة في الهيمنة الثقافية، وذلك عبر توظيف الإعلام، والتعليم، ووسائل النشر الثقافي المختلفة لتطويع عقول المواطنين وأذهانهم بما يخدم بقاء واستمرار النخبة السياسية الحاكمة.
إن النظم الاستبدادية لا ترى في المواطن الحر، المواطن الذي ينشط بفاعلية في المجال العام إلا خصماً لها، ومصدر تهديد مباشر لاستمراريتها، ولهذا لم تدخر جهداً في محاصرته ومراقبته وكتم أنفاسه وتدجينه وتطويعه بشتى السبل، لأن المواطن المسلوب في إرادته والمُستَلب في وعيه هو الشرط الموضوعي لاستمرار تسلّطها السياسي.
لقد بلغَ نظام النظام السابق، طورَ "الأَمْنُوقَراطيّة" [1]، وهي مرحلة من تطوّر النظام السياسيّ في اتجاه موغل في القمعيّة والديكتاتوريّة، حيثُ يلعبُ الأمنَ الدّور المحوريّ في تثبيت دعائم الحكم والحفاظ على بقائه، لذا قام النظام السابق بتشييد جهاز (الأمن القوميّ) وإيكال مهمّة إدارتِهِ للأقارب.
مشروع التوريث واختزال الدولة في الشخص والعائلة:
إنّ مساعي النظام السابق في توريث الحكم وتنصيب الأقرباء وتمركُّزه حول العائلة، كان أحد أهم عوامل اندلاع الثورة، ذلك لأن المخلوع صالح بهذا الفعل قد "جَرَحَ كبرياءَ الشعب" حين ظنَّ أنَّ بمقدوره أنْ يُورِّث البلاد والعباد إلى نجله، مما ولّد ثورة شعبيّة عارمة أتتْ على حكمه وقذفتْ به إلى المهاوي.
لقد اتّسمَ نظام المخلوع صالح بالشخصانيّة الفرديّة، حيث يجري تقديس الحاكم الفرد، وتقديمه في صورة "الزعيم المُفدَّى"، و"القائد المُلْهِم"، و"رُبّان السفينة"، و"الرمز" الذي لا يدانيه أحد من العالمين. هذه الصورة التي تُؤَسْطّرُ الحاكم وتجعله فوق البشر وفوق القانون وفوق الشعب هي من لوازم الاستبداد، غايتها استلاب الذهنيّة العامة وقطع الطريق أمام أي إمكانيّة لتغييره، فهو الثابت، والمحور، الذي يدور حوله كل شيء.

ثانياً: العوامل الاقتصادية:
1- انتهاج سياسات الإفقار والتجويع:
طول عقود من الزمن انتهجت الحكومات المتعاقبة سياسات نيوليبرالية من خلال تطبيق ما يسمى "برنامج الاصلاح الاقتصادي والتكيّف الهيكلي"، والتي تقوم على حزمة من الاجراءات، أهمها: رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية (الغذاء والوقود بدرجة رئيسية) والتي تعرف شعبياً باسم "الجُرع"، وتعويم قيمة العملة المحلية، وفتح السوق المحلية أمام السلع الأجنبية، وتحرير التجارة، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وبلا ضوابط، وتقليص الانفاق العام على الخدمات العامة (التعليم والصحة والكهرباء والمياه والطرق... إلخ)، وخصخصة مؤسسات القطاع العام.
وقد كان لهذه السياسات مآلات كارثية فقد أدت إلى تآكل الطبقة الوسطى، وتزايد أعداد الفقراء (تجاوزت نسبة الفقر تجاوزت نسبة 60% عام 2010)، انخفاض كبير في الأجور الحقيقية، وتصاعد معدل البطالة لاسيما في أوساط خريجي الجامعات والشباب (بلغت 45% عام 2010)، وتزايد معدل التضخم، وارتفاع الأسعار بصورة جنونية، وتدهور القوة الشرائية للمواطنين، ، وتدهور الخدمات العامة: التعليم والصحة والكهرباء والمياه والسكن والطرق والبنية التحتية.
إن أوضاع البؤس والاستبعاد والفقر شاملة ومتغلغلة في كافة مناحي الحياة، فالفقر في اليمن ليس نقصاً في متوسط دخل الفرد أو دخل الأسرة فقط، بل هو فقر شامل تتعدد أوجهه: فقر في الغذاء، وفقر في الماء، وفقر في التعليم، وفي الصحة والسكن وفرص العمل وتكافؤ الفرص والتنمية والبيئة الحضرية والمشاركة السياسية والمناشط المدنية والإبداع الثقافي...إلخ.

لقد هدف النظام السابق من وراء هذه السياسة الافقارية إلى اشغال الشعب بلقمة عيشه كأسلوب من أساليب التركيع والقمع الاقتصادي. فالنظام كان ولا يزال يؤمن بالمثل الشعبي "جوِّع كلبك يتبعك" ويتخذه نهجاً له، فالناس في العقل السياسي الحاكم ليسوا سوى رعاع وحشود رقمية يستعرض بها الحاكم في المناسبات ويستخدمها في الانتخابات التي تضمن له دوام حكمه. ولم يدُر في خلد النظام السابق ــ يوماً ــ أن هذا الشعب المستكين والهامشي يمكنه في لحظة فارقة أن يقلب كل "المسلمات" السلطوية وأن يثور في وجه ظالميه.

2- الفساد السياسي والإداري والمالي المعمم:
في العام 2010، أي قبل اندلاع الثورة بعام واحد، صنّفت المنظمة الدولية للشفافية، اليمن، من بين الدول الأكثر فساداً في العالم، وبحسب تقريرها الصادر في العام ذاته فقد احتلت اليمن المرتبة (148) من أصل (178) دولة في مؤشر الفساد حول العالم.
والفساد القائم في اليمن، منذ أربعة عقود، يندرج ضمن نمط الفساد الكبير أو المعمم، وهذا النمط من الفساد قد تحول إلى هوية بالنسبة للنظام للسياسي، كما ذهب إلى ذلك محقاً المفكر الكبير د. أبوبكر السقاف، بل إنه "مؤسسة" قائمة بذاتها لها قوانينها وقيمها الخاصة، والمفارقة التي تدعو للدهشة أن هذه "المؤسسة" هي "المؤسسة" الوحيدة القائمة في البلد، في الوقت الذي يجري فيه تدمير شامل لمؤسسات الدولة.
لقد استفحل الفساد بصورة مهولة في ظل تحكُّم سلطة غنائمية، تزاوج بين ممارسة المسؤولية الحكومية، وممارسة النشاط التجاري، والاستثماري. وتشكّلت شبكة مصالح انتفاعية زبائنية، شملت: مسؤولين حكوميين، وقادة عسكريين، ومشائخ قبائل، ورجال أعمال، وقادة سياسيين، سعوا إلى مراكمة الثروة والذهاب بها إلى خارج البلاد، لبناء مشاريع استثمارية، وشركات عقارية خاصة.
وقد أدى ذلك إلى تزايد حالة الاحتقان الشعبي، وزيادة وتيرة الاضطرابات وانعدام الاستقرار الداخلي، وعدم شعور المواطن بمواطنته، وفقدان ثقة الناس بالنظام السياسي، وهو ما يؤدي إلى فقدان شرعية النظام وانهيار الدولة.

ثالثاً: العوامل الاجتماعية:
التفاوت الاجتماعي الشامل:
إن التفاوت الاجتماعي هو النقيض الموضوعي للمواطنة المتساوية، ويتخذ التفاوت الاجتماعي في الحالة اليمنية صوراً مختلفة، أبرزها:
• التفاوت على أساس الثروة: إذ تسيطر الأقلية على الثروة، فيما الأغلبية تشغل قاعدة الهرم، وتعاني من الفقر المدقع.
فقد أمست أقلية طفيلية (لا يتعدى حجمها نسبة 5% من إجمالي سكان البلاد) تسيطر على السلطة والاقتصاد الكلي، فيما الغالبية من الشعب اليمني تعاني من البؤس والحرمان الإنساني والتهميش الاقتصادي و الاستبعاد الاجتماعي والإقصاء السياسي.
لقد حققت المافيا الحاكمة ثروات خرافية من هذه المصادر الريعية، إذ تشير تقارير دولية إلى أن المخلوع علي صالح قد راكم ثروة هائلة خلال سنوات حكمه المديد (1978 - 2012) تقدّر ما بين (35 – 60) مليار دولار، وأنه يحصل على أكثر من أربعة ملايين دولار شهرياً مقابل إيجارات شهرية لمجمع عقاري يملكه في دبي.
وتؤكد تقارير أخرى صدرت عام 2011 إن أقل من عشر مجموعات رئيسية من مشائخ القبائل والعسكر والنخبة التجارية تسيطر على أكثر من (80%) من الثروة الوطنية، وأن الأصول المملوكة للطبقة الطفيلية في الخارج تفوق مجموع احتياطي النقد الأجنبي المحلي.[2]

• التفاوت بين المركز والأطراف: إذ تستأثر عاصمة الدولة بالمشاريع التنموية والخدمية والبنى التحتية فيما تحرم بقية البلاد من تلك المشاريع وهو ما يولد إحساس بالغبن والضيم لدى أبناء المناطق الأخرى وتسبب حالة من الاضطراب والفوضى يفقد معها المجتمع القدرة على التطور والتقدم.
• التفاوت بين الريف والحضر: الشاهد أن هناك فجوة كبيرة بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، وكأننا إزاء عالمين مختلفين، ففي الوقت الذي ترتكز الخدمات والمؤسسات الحكومية وفرص العمل في المناطق الحضرية، يُحرم الريف من كل ذلك. إذ يعاني سكان المناطق الريفية من غياب خدمات المياه والكهرباء والتعليم والصحة ووعورة الطرق، فيما فرص العمل لا تتوفر إلا بشكل موسمي، في موسم الزراعة فقط وبشكل محدود لا يغطي الأعداد الهائلة من سكان الريف، مع العلم أن الريف يشكل نسبة 65 إلى 70% من إجمالي سكان اليمن، وهو ما يدفع بشباب الريف وفقرائه إلى الهجرة إلى المدن بحثاً عن فرص عمل، وغالباً ما تكون هذه الهجرات بأعداد كبيرة، وكأنها موجات من النزوح القسري بسبب ضآلة مقومات الحياة في الريف، وينتج عن هذه الموجات الكبيرة من الهجرة تكدّس المهاجرين الريفيين في أحزمة السكن العشوائية في المدن، وهي مناطق تنتشر فيها الأوبئة وتكدّس المخلفات والافتقار للصرف الصحي والخدمات العامة، بالإضافة إلى أنها تعمل على تشويه البيئة الحضرية، وتعيق عملية الاندماج الاجتماعي، من خلال تحول هذه الأماكن إلى ما يشبه "كانتونات مناطقية"، يضم كل "كانتون" أو حي أبناء قرية أو مديرية واحدة، وهو ما يمثل كابحاً كبيراً أمام تجسيد المواطنة كعملية تفاعل اجتماعي بين مواطنين ـ أفراد.

ثالثاً: العوامل الثقافية:
وتتمثل في ارتفاع نسبة الأمية وتردي مستوى التعليم، فقطاع التعليم عانى ولا يزال يعاني من التردي الكمي والنوعي، إذ إن البنية التحتية التعليمية لا تغطي الأعداد المتزايدة من التلاميذ، وتعاني الفصول الدراسية من تكدس التلاميذ مما يؤدي إلى الإهدار التربوي والتسرب الدراسي. كما يشهد التعليم تردي كبير في نوعيته مما ساهم في تراجع الرهان الاجتماعي عليه كأحد وسائل تحقيق الحراك الاجتماعي، فلم يعد التعليم القنطرة التي يمكن أن تحقق للإنسان آماله وتحسّن من وضعه الاقتصادي ومكانته الاجتماعية.

لقد كان لجملة هذه العوامل تشكل صورة بائسة، فقد أصبح الإنسان اليمني، بائساً، شريداً، مهاجراً، يبحث عن فرصة أفضل للحياة بعد أن فقدها في بلده وأرضه، ومن بقي في الداخل يعيش في حالة اغتراب معنوي وسياسي واقتصادي، وكم كان توصيف شاعر اليمن عبدالله البردوني دقيقاً وصادقاً حين قال:
"يمانيــون في المنفـى
ومنفيــون في اليمــنِ"

لقد مثلّت مجمل هذه الأوضاع البائسة وغيرها العوامل الدافعة لاندلاع ثورة 11 فبراير. لقد وصل الشعب إلى وضع لم يعد بمقدوره الاستمرار فيه أو التكيّف معه، وتساوت عنده الحياة والموت، فلم يعد ثمة شيء يملكه ليخسره. إنّها اللحظة الفارقة التي دفعته إلى خضم الفعل التاريخي وامتلاك إرادته الحرة، حين هتف صارخاً: الشعب يريد إسقاط النظام!

في دلالات الثورة وعوائقها ورهاناتها:
لقدْ اندفعَ الشعبُ في تظاهراتٍ عارمةٍ، اكتسحتْ جلّ محافظات اليمن، في مشهدٍ اجتماعيٍّ وطنيٍّ خلاق، عبَّر عن حسٍ جماعيٍّ بالمصير المشترك لكلّ اليمنيين، ودَفَعَ بهم إلى عمق السياسة.

إنّ فرادةَ ثورة 11 فبراير، تكمنُ في أنها لم تأتي نِّتاج حركة انقلابيّة، أو قيام تيار معين أو نخبة لديها خلفيّة أيديولوجيّة وتصوّر ذهنيّ مُسبق بالاستيلاء على السلطة؛ بل ثورة شاركت فيها مختلف فئات الشعب وطبقاته، ورفعتْ مطالب وأهداف جسَّدت المصلحة الاجتماعيّة لعموم الشعب في التغيير والحريّة والعيش الكريم.

وقدمت الجماهير في هذا المضمار تضحيات كبيرة وجسيمة، حيث سالتْ دماء الشهداء والجرحى في معظم شوارع ومدن اليمن.
وعلى الرغم من جسامة تلك التضحيات، فإن المآلات لم تكن على نفس المستوى، ذلك أنّ اختلالات كبيرة رافقتْ مسيرةَ الثورة؛ بفعل جملة من الأسباب والعوامل الذاتيّة والموضوعيةّ.

لقد كان لعفويّة الثورة، والتدفُّق التلقائيّ للجماهير أهميّة حاسمة في تعاظم زخم الثوّرة، وإقناع فئات واسعة من المجتمع بكون ما يجري هو ثوّرة حقيقيّة. لكن تحوّل ذلك إلى عِبء ومأزق خنق الثورة، خاصة مع تطاول الزمن الثوريّ ودخول عناصر جديدة إلى الساحات الثوريّة.

إنّ غيابَ الفكر العلميّ لدى الشباب الثائر، وافتقادهم للخبرة السياسيّة، والتنظيميّة، اللازمة، والقصور الذي شاب خطابهم، وعدم القدرة على النفاذ إلى قاع المجتمع بتبنيّ هموم الناس المباشرة، ناهيك عن العشوائيّة والارتجاليّة التي وسمت حَرَاك الثورة، والعجز عن إنتاج القيادة والتنظيم، وغياب التخطيط، والوقوع أسرى للطوباويّة، والرومانسيّة الثوريّة، والشطحات والأوهام ذهنيّة التي لا تتسق مع الحاجة الواقعيّة الثوريّة. ولعل الرَّواج الواسع لعبارة "دَعُوها فإنّها مأمُورة" في صفوف الشباب، التي تعني السَير بالثورة إلى الأمام دونما رؤيّة ودونما تخطيط مسبق؛ تُلخص فداحة هذا المنطق الأسطوريّ الساذج، وحجم انفصاله عن التاريخ، وحركة الواقع.

وهناك أسباب موضوعية تتعلق بطبيعة سلوك النظام إزاء الحراك الثوري، وقيام بعض القوى بالتحالف مع النظام السابق وتقويض المرحلة الانتقالية والحوار الوطني.
لقد كان لجملة تلك الأخطاء ثأثيراتها السلبيّة على الثورة، فتحوّلت بفعل المبادرة الخليجيّة إلى "أزمة حكم"، والتي بمقتضاها مُنح المخلوع صالح صكّ الحصانة في مقابل قيامه بتسليم السلطة، لكنه لم يسلّمها إلا شكليًا. فعلى الرغم من أنّ الحكومة تشكّلت مناصفة بين النظام السابق، وقوى الثورة ممثّلةً بأحزاب اللقاء المشترك، إلا أنّ أجهزة الدولة الأمنيّة والعسكريّة، والتشريعيّة، والقضائيّة، والإعلاميّة، وغيرها ظلَّت بيد المخلوع صالح؛ ما أَمْكَنه من لعب دور تقويضيّ للمرحلة الانتقاليّة والدفع نحو حرب أهلية لا نزال نعيش مراراتها حتى اليوم.
وهي حرب تسببت بأسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم كما وصفتها تقارير أممية، مُخلِّفة خسائر فادحة في الأرواح تجاوز تِعدادها عشرات الآلاف من اليمنيين أطفالاً، ونساءً، ورجالاً، ومسنّين، وخراباً مادياً هائلاً طال البنى التحتية، والمؤسساتية، والاقتصادية، ونسق العلاقات الاجتماعية.
كما باتت اليمن اليوم مسلوبة الارادة، وفاقدة السيادة على قرارها، وعلى أرضها، وعلى مواردها، وتحوّلت إلى ساحة مفتوحة لصراع الأجندات الإقليمية، والدولية.

بفعل عثرات الثورة، وتكالب الداخل والخارج عليها، ارتدَّت تلك الاندفاعة الجماهيرية التغييرية في 2011 إلى النقيض، وأصبحت الثورة في محل إدانة، ليس من مناوئيها هذه المرة، وإنما من أنصارها وعامة الناس..
هذا الارتداد العكسي له تفسيراته ومسوغاته، ويحتاج إلى تناول مستقل. ما أود التشديد عليه – هنا – هو أن الثورة من حيث هي فكرة، وممارسة، لا تزال قائمة، ومستمرة حتى اللحظة، ولا يمكن لجذوتِها أنْ تَخبو أو تَهمد، فالثورةُ [لا تموت لأنها ليست من صنع فرد واحد أو مجموعة من الأفراد، بل هي نتاج جهد شعب وعبقرية مجتمع. فالمبادئ والأفكار التي ترفعها الثورة ليست من اختراعها، ولكنها تعبير عن تراكم الخبرة التاريخية للشعب. والشعب يُقبل على هذه الأفكار ويتمسك بها لأنه يجدها ممثلة لحاجاته وتطلعاته، فالأفكار تنتشر بين الناس ـ كما يؤكد علم اجتماع المعرفة ـ ليس لتناسقها المنطقيّ وتماسكها المعرفيّ ولكن لأنّها تلبي حاجات اجتماعيّة ونفسيّة لديهم أو تعبّر عن تطلًّع يشتاقونّ إليه، وهذا هو سرّ ارتباطهم بها."[3]

الهوامش:
[1[ يُنظر: حيدر إبراهيم علي، تجدد الاستبداد في الدول العربية، ودور الأمنوقراطية، تحرير: علي خليفة الكواري، ضمن كتاب: الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة، ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2006، ص175.
[2] بيتر سلزبري، اقتصاد اليمن: النفط والواردات والنخب، لندن، تشاتام هاوس، أكتوبر 2011، ص9، متاح على النت.
[3] علي الدين هلال، هل تموت الثورات؟، مجلة المستقبل العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 437، تموز/يوليو 2015، ص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Socialism 2024 rally


.. شولتس يسارع لتهنئة ترامب على فوزه بالرئاسة ويتحدث عن -تغييرا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي


.. الشرطة الإسرائيلية تستخدم خراطيم المياه لتفريق محتجين في تل




.. هل سبّب ضغط اليمين المتطرف على نتنياهو في إقالة الوزير غالان