الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استراتيجية نزع القداسة - القداسة في المجتمعات الاسلامية

علي الأمين السويد

2024 / 2 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


استراتيجية نزع القداسة - القداسة في المجتمعات الإسلامية

يعتبر الله هو المقدس الوحيد في الكون تبعاً للتعاليم الإسلامية، وكل شيء غيره هو، إما عبد له، أو مخلوق لخدمة عباده، ومع ذلك لم ينج الإسلام من مسألة تقديس غير الله. كما ينظر إلى القرآن على أنه كتاب يحث المؤمنين، وغير المؤمنين به، على اتباع ما جاء به من تعاليم وإرشادات لترسيخ الاعتقاد بأنه ما من مخلوق منزه إلا الخالق.

وتاريخياً، نزل القرآن باللغة العربية على النبي محمد من الله. فكان من الطبيعي أن يعتبر المسلمون القرآن مقدساً بذاته بمعنى أن النص القرآني مقدس بذاته كونه كلام الله. وتلاوة ذلك الكلام عبادة، وكذلك تدبُّره أو تفسيره.

ومن أجل الفوز بأكبر قدر من رضا الله والحسنات اهتم المسلمون عامة، وبعض المسلمين المتميزين خاصة بعلوم الدين التي تتمحور حول تفسير القرآن وشروحه، وحول تصرفات النبي التي أطلق عليها "سنة"، وحول الاجتهادات في القضايا المستجدة.

ومع بدء ابتعاد الناس زمنياً عن عصر التنزيل، واستخدام لغة عربية محدَّثة عن اللغة المستخدمة في القرآن، ودخول غير الناطقين بالعربية في الإسلام، ازدادت الحاجة للشرح والتفسير ونشر الاجتهادات بلغة سهلة ومفهومة.

حظيَّ المفسرون باحترام الناس وتقديرهم لانشغالهم بما ينفعهم شخصيا، وبما ينفع غيرهم كشرح وتفسير أمور الدين والقرآن. وشيئاً فشيئا تحوّل ذلك الاحترام والتقدير للمفسرين إلى غلو في تنزيههم، ورفع قدرهم عالياً، ونفي أي عيب عنهم، وخلْق هالة من التفرد والتميّز حول شخوصهم. تجلى ذلك بإطلاق ألقاب مميزة على هؤلاء العلماء كالإمام، والعارف بالله، والمجتهد، وغيرها من الأوصاف المدائيحية. فزادت تلك الأوصاف من شدة احترامهم في مجتمعهم لدرجة أنه أصبح من المتعارف عليه بين تلامذتهم، وطلاب العلم، والعامة أن أولئك العلماء لهم حرمتهم ولا يجوز انتقادهم، ناهيك عن حرمة التشكيك بعلمهم.

ولتوطيد مكانتهم استثمر المشايخ والعلماء وطلاب العلم، والزعماء الدينين بقصد أو بدون قصد تفسيرات خاصة لآيات من القرآن لابتداع تصنيفات للمسلمين لتأكيد رفعة مكانة المشتغلين بأمور الدين. ومع تقدم الزمن اكتست تلك التصنيفات قداسة مختلفة الدرجات. وكلما ازدادت الفجوة المعرفية بأمور الدين بين "الشيخ" "والعامي" من الناس، كلما رضخ العامي وسلّم بما يقوله الشيخ بدون تردد أو نقاش.

تصانيف إسلامية وأخرى منحوتة من القرآن

ومع انتشار المطبوعات والمدارس الفقهية، ظهرت مسميات اصطلاحية للمشتغلين بالدين تميّز بعضهم عن البعض، بطريقة توازي مدى شغلهم بالدين، ويتناسب مع مستوى إسهامهم في إنتاج الدراسات والبحوث. فبرزت تسميات مثل "طالب علم،" و"شيخ،" و"عالم،" و "علّامة"، و "سيّد"، و"حجة الله"، و"آية الله،" و "وليُّ الله،" و "من أهل الذكر،"، و "من أهل القرآن،" و"الراسخ بالعلم".

ويقابل كل تلك التسميات التبجيلية وصف "العامي" الذي هو كل شخص ليس من المعروفين بكونه طالب علم، أو شيخ، أو أياً من التسميات الدينية السابقة حتى لوكان عالم ذرة، أو عالم فيزياء، أو طبيب، أو مهندس، أو أي شخص حاصل على شهادة جامعية، أو جاهل، أو أمي فكلهم سواء في صفتهم "الشرعية" كونه "عامي."


طالب العلم

وهو مصطلح يطلق على كل شخص شرع بدراسة علوم الشريعة الإسلامية سواء في معهد شرعي، أو كلية للدراسات الإسلامية. ويمكن أن يستمر الناس في إطلاق هذا المصطلح على الأشخاص حتى بعد تخرجهم تواضعا. وقد يعرف المشتغلون بالدراسات الإسلامية أنفسهم بطلاب العلم إظهاراً للتواضع، ودلالة على أنهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة الشيخ الكبير، أو المفتي، أو العلامة.

ومن اللحظة التي يشار فيها إلى شخص ما بأنه طالب علم، حتى تظهر علامات الاحترام والتقدير الكبير لهذا الشخص من حوله من الناس الذين هم أكبر منه سناً أو أصغر على حد سواء. وترى الأصوات تخفت، والعيون تنكسر أمامه احتراما وتقديرا. وكأن دراسة العلم الشرعي عباءة تكسب من يرتديها قداسة استثنائية.

الشيخ أو العالم

الشيخ أو العالم لقب يطلق على كل من أطال لحيته، وكثر تردده على المساجد. وعلى أئمة وخطباء المساجد والمؤذنين، وعلى كافة مراتب المشتغلين بالدين. للشيخ قدسية مميزة وواضحة في المجتمعات الإسلامية. فما يقوله الشيخ في أمور الدين وغيرها له وقع خاص عند الجميع وهذه خاصية تدلل على دماثة خلق الناس المحيطون بالمشايخ.
غير أن هذه الفئة من رجالات الدين، كغيرها، تعظم أفرادها، وتحض على طاعتهم باعتبار أنهم أعرف الناس بالدين. وباعتبار أنه يجب أن يكون لكل إنسان شيخ، وإلا فشيخه الشيطان. وأن العلماء أو المشايخ، لا فرق بينهم، هم ورثة الأنبياء. وباعتبار أن مذهب العامي من مذهب مفتيه. أي أن على العامي سؤال الشيخ، فيفتيه، فيتبع الفتوى فينال الحسنات التي تدخله الجنة.


الراسخون بالعلم

مع مرور الوقت وكثرة المشتغلين المتميزين بالدين الإسلامي، راح يُنظر إلى بعض الباحثين الإسلاميين دون غيرهم ضمناً أو تلميحاً على أنهم من فئة الراسخين بالعلم التي تعتبر أعلى مرتبة فقهية في الإسلام. إلا أنه لم تتم الإشارة الصريحة إلى أحد بعينه على أنه من الراسخين بالعلم التزاما بعدم تجاوز الضوابط الشرعية. أي أنهم يقولون كل ما يمكن أن يعني أن فلانا من الناس هو من الراسخين بالعلم، إلا أنهم لا يصرحون بشكل واضح أن فلاناً "راسخ في العلم".

غير أن وصف عالم ما بالراسخ بالعلم إنما يحدث لتحقيق عدة مصالح تصب في مجملها في خلق هالة من التقديس المتبادل بين الموصوف بالتصريح الظني، وبين الواصف بالتلميح المسكوت عنه. فمعرفة الواصف بقدر الآخرين لا تأتي من فراغ، وإنما من معرفة لا تقل عن معرفة وعلم الموصوف.

وقد عمل دعاة الدين الإسلامي على تأويل بعض آيات القرآن بطريق تخدم سعيهم الشخصي لنيل حظوة مقدسة عند الناس. فعلى سبيل المثال تم استخدام مصطلح "الراسخون بالعلم" الوارد في الآية السابعة من سورة آل عمران: "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" لتصنَّيم بعض "العلماء" دون غيرهم على أساس أن رسوخهم بالعلم لم يأت من عدم وإنما نتيجة لتحقيقهم شروطاً مثل علمهم العظيم باللغة العربية، والقرآن، والحديث، والسنة، وقصص الأنبياء وكونهم معُرِوفون بالتقوى، والإيمان، والعمل، بكتاب الله. وأن لهم باع طويل في تفسير القرآن، ويستطيعون تمييز المحكمات من المتشابهات، ويعرفون تفسير المتشابهات.

علماً أن كل إنسان يمكن أن يكون راسخاً بالعلم إن هو آمن بأن القرآن من عند الله ولا يحتاج إلى أدلة أو براهين لتزيد إيمانه. فإيمانه راسخ وهذا ما صرح به القرآن في متن الآية ذاتها التي يستخدمها المشايخ للإشارة إلى وجود أناس بمواصفات خارقة يسمون "راسخون بالعلم." والنبي محمد كان من أول الراسخين بالعلم كونه النبي والرسول على الرغم من أنه كان أمياً، ولم يكتب مجلدات ولا ألَّف كتباً.

فالعلم المقصود بالآية ليس الكتابة والقراءة والحساب وإنما هي القناعة بأن كل شيء يراه الإنسان هو من صنع الله وحده ولا أحد غيره. إلا أن علماء المسلمين زعموا بأن الراسخ بالعلم إنما هو الشخص الذي يمتلك قدرات علمية خارقة كأفضل من يفهم العربية، وأفضل من يحفظ القرآن والحديث النبوي عن ظهر قلب، وأفضل من يفسر القرآن، وأفضل من يفسر الحديث، وأفضل من يستنبط الأحكام المبنية على أحكام القرآن والسنة ومصادر التشريع المبتدعة.

إلا أن الرسوخ بالعلم حسب القرآن يعني أنَّ الراسخ بالعلم هو الشخص الذي يعلم في قرارة نفسه، وفي أعماق تفكيره بأن القرآن جملة وتفصيلا، وأن كل شيء يحيط به من آيات كونية، وأنه هو ذاته من الله وحده. وهو لا يحتاج إلى أدلة أو تجارب لإثبات ذلك. فالإيمان بأن كل شيء من الله عند هذه الفئة هو إيمان راسخ وثابت لا يزيد ولا ينقص.

أما "المؤمن" فهو شخص يزيد إيمانه بالله وينقص بزيادة ونقصان كمية المعرفة التي يتلقاها. فإيمان المؤمن غير راسخ، ومعرض للزيادة وللنقصان، ومن الممكن أن يصل إلى الرسوخ في العلم، وربما يتوصل إلى الإلحاد.


أهل الذكر

اتخذ علماء المسلمين وتلامذتهم معنى الآية " وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۖ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (7 الأنبياء) حجة لدفع الناس لسؤال المهتمين بالدين بطريقة ما دون غيرهم على أنهم هم "أهل الذكر". فصار من أهل الذكر كل من ظهر عليه أنه يسبح الله كثيرا، أو كثير قراءة القرآن، أو متبعاً لطريقة صوفية ما. علما بأن أهل الذكر في الآية السابعة من سورة الأنبياء هم الأشخاص الذين تناقلوا قصص الأمم السابقة.
أولياء الله

ورد مصطلح "أولياء الله" في الآية 62 من سورة يوسف "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)

اعتدَّ بعض علماء المسلمين بحديث نبوي يعرّف "أولياء الله" بأنهم قوم إذا رُأُوا ذُكِر الله. ومنهم من عرفهم بأنهم أناس مقربون من الله لدرجة أن الله يمنحهم كرامات أشبه بالمعجزات كما حدث مع الخليفة عمر بن الخطاب في أثناء خطبته حين نادى قائد جيشه سارية في ساحة المعركة على بعد أيام منه بأن يلتزم الجبل.

وعلى الرغم من أن القرآن عرّف أولياء الله في الآية اللاحقة بشكل واضح لا لبس فيه، فقال بأن أولياء الله هم كل من آمن بالله وخشيّ عقابه. وهذا التعريف ينطبق على جميع المسلمين دون استثناء، عالمهم وجاهلهم. إلا أن علماء المسلمين صنعوا صفات لأولياء الله لا يمكن قياسها ولا ملاحظتها، وجعلوا منهم ذوي حظوة خاصة عند الله. فمنهم من لا يموت، ومنهم من يُتبرك به، ومنهم من يمدُّ الناس بالرضا والقوة من الله.
ومع تقدم الزمن، صارت صفة ولي الله تطلق على شخصيات من المسلمين دون غيرهم، وراح المسلمون ينسجون القصص الخارقة عن أفعالهم وكأنهم أنبياء غير مرسلين يملكون كرامات ككرامات النبي عيسى وموسى. واستمروا في هذا النهج حتى انقلب احترام هؤلاء الأولياء المزعومين إلى تقديس شديد لهم لا ينبغي إلا للخالق وحده حسب القرآن. - من كتابي: استراتيجية نزعي القداسة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في