الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل شهادة بلينوس الصغير (عام 111 م) عن المسيحيين

ابرام لويس حنا

2024 / 2 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يُعد بلينوس أول الوثنين الذي يذكر المسيحيين - زمنياً- وذلك في عام 111 م يليه تاسيتوس في عام 115 م، ثم يليه سوتونيوس في عام 122م، يصف جايوس بلينيوس كاسيليوس سيكوندوس المسيحية في كتابه (الرسائل ، الكتاب 10، الرسالة 96) بكونها "خرافة فاسدة متطرفة" (superstitio prava, immodica) وإنها "خرافة مُعدية" (superstitionis istius contagio)، ويصفها بابليوس كورنِليوس تاسيتُس في كتابه (الحوليات ، الكتاب 15، الجزء 44، المقطع 3) بكونها "خرافات فتاكة أو خبيثة" (exitiabilis superstitio)، ويصفها غايوس سوتونيوس ترانكيلوس في كتاب (حياة القياصرة: نيرون ، الكتاب 16 ، المقطع 2) بكونها "خرافات جديدة و خادعة" (superstitio nova et malefica).

فهنا لدينا ثلاث كتاب رومانين وثنين يكتبون في زمن متقارب من بعضهم البعض لا تتعدى بعض السنوات في بدايات القرن الثاني الميلادي، لكنهم يتفقوا بشكل تام و قاطع على طبيعية الديانة المسيحية، وكانوا على مَعرفة من بعضهم البعض فقد كان بلينيوس يُراسل تاسيتوس و صديقاً لسوتونيوس كذلك، كان كلاً من بلينيوس و تاسيتوس حكام في الامبراطورية ومن أعلى الطبقات الاستقراطية ، بينما كان سوتونيوس سكرتير لدي الدولة الامبراطورية ومن الطبقات الاستقراطية المتوسطة، هؤلاء المؤرخين الثلاثة اتفقوا على ان المسيحية عبارة عن "خرافة" و اختلفوا فقط فيما بينهم عما يلحق بتلك الخرافة في الصفات الشنعية التي يُمكن الحاقها بهذا الوصف.

لعل "تاسيتوس" وهو صديق "بليني" هو المصدر الوحيد الذي إستقى بليني منه المعلومات العامة عن المسيحية و المسيح، اذا تتحدث 1. 6 الموجهة الى "تاسيتوس" عن صداقتهما الطويلة و أنهما غالباً ما تبادلا الرسائل (1)، فالرسائل الموجهه لتاسيتوس مذكورة في (الكتاب الاول : الرسالة 6 ، 20 ، الكتاب الرابع : الرسالة 13 ، الكتاب السادس : الرسالة 9 ، 16 ، 20، الكتاب السابع : الرسالة 20 ، 33، الكتاب الثامن : الرسالة 7، الكتاب التاسع: الرسالة 10 ، 14) ويُذكر تاسيتوس في متن الرسائل لكلاً مِن: (الكتاب الثاني : الرسالة 1، 11 ، الكتاب الرابع: الرسالة 15، الكتاب التاسع: الرسالة 23) (2).

وبالرغم إنه مِن المُحتمل أن معلومات "بـليني الأصغر" عن المسيحية و المسيح قد أدركها من صديقه "تاسيتوس" وذلك قبل حكمه مقاطعة بيثينيا – بنطس (3)، لكن انه لا يوجد دليل على هذا، بالاضافة لوجود إحتمالات اخرى مثل:

أ) معرفته صورة عامة عن المسيح والمسيحية مما هو منتشر وسط العوام أو عدم معرفته للحركة على الإطلاق ولهذا قال Robert E. Van Voorst أن بــليني تعرف على المسيحية من الشائعات و التقارير المنتشرة في زمنه، ولكنه لم يروي تلك الاشاعات الشائنة و لم ينسبها الى المسيح (3(، لهذا قام (بتعذيب المرأتين اللتين كانت تعملان في الكنيسة ، ومن المسيحيين السابقين ، فلم يجد الا خرافة فاسدة) Letter 10. 96، فقام بليني بتعذيبهم لكي لا يحصل على الاشاعات ولكن ليدري حقيقة الامور و حقيقة تلك الاجتماعات وتلك العقيدة الجديدة، فقد كان مِن بين الشائعات بأن المسيحيين كانوا سحرة...ومن هنا نفهم سؤال بــليني للإمبراطور تـراجان "هل يجب عقابهم فقط بسبب الإسم ؟ أم عند وقوع ضرر" إن مثل هذا السؤال يلـقي الضوء على إن البعض كان يـعتبر المـسيحيين سحرة، وذلك لان التهمة بالسحر لا تتطلب وقوع ضرر فـيكفي مُجرد كون المرء ساحرًا للعقاب (4).

ب) أو أنه قد أدرك وجود طائفة من المسيحيين لكنه لم يَعبأ بها إذ يقول في رسالته للإمبراطور تراجان بإنه :

(لم أحضر اى فحص قانوني للمسيحيين، ولا أعرف العقوبات المعتادة التي تصدر عليهم أو حدود تلك العقوبات، وما اذا كان يجب التمييز وفقاً لعمر المتـهمين ام لا، وما اذا كان يجب عقاب الضعيف كعقاب القوي، واذا تراجع الشخص من قبل عن كونه مسيحياً هل يُشفع له؟ وهل يجب عقابه لكونه مسيحيًا فقط كان برئيًا مما نُسب له مِن جُرم ام عقابه على اساس الجُرم، هذه هي كل النقاط التي لدي حيرة شديدة فيها...لهذا قمت بتأجيل كل المـحاكمات و توجهت على الفور من أجل نصحك، لقد بدأ الامر بأنه يستحق الرجوع إليك ، خصوصاً بالنظر للأعداد المُعرضة للخطر، فالكثير من الناس من مختلف الاعمار و الـمراتب ومن كلا الجنسين معرضين للملاحقة القضائية، لأن تلك الخرافة المعدية (العدوي) لم تقتصر فقط على المدن، بل و انتشرت كذلك في القري و المناطق الريفية، إلا انه يمكن فحصها و علاجها...إلا أن تلك الاعداد الغفيرة يمكن عودتهم مرة آخرى من هذا الخطأ ، اذا ترك الباب مفتوحاً للتوبة) (بــليني ، الرسائل، الكتاب العاشر، الرسالة 96).

ومما سبق فإننا نُدرك قبل فترة حكمه على بيثينيا – بنطس فإننا لا نستطيع القول بمعرفة بليني للمسيحية أو المسيح أو نفي علمه لهما، لكن الأدلة تُشير لمعرفته إياهما بعدما أصبح حاكمًا على مقاطعتي بيثينيا – بنطس التي توحدت على عهد الامبراطور تراجان.

فبعدما أصبح بــليني حاكمًا بدأ في التحقيقات وإعدام الكثيرين مع المسيحيين الذين رفضوا انكار إيمانهم، وكما كان يحدث في مطاردات السحرة، كانت الاتـهامات تتـزايد وتتضاعف مع كل تـهمة تُلصق بالمسيحيين كـطريقة لتصفية الحسابات القديمة، وكان السبب الرئيسي في تلك التحقيقات هي الاجتماعات السرية و الولائم المشتركة التي كان يقوم بها المسيحيين، فكان يُعتقد إنها كانت تهدف لهدف شرير أو مؤامرة، إلى أن طلب نصحية الامبراطور تراجان ، فكما يقول بــليني بنفسه في رسالته للإمبراطور تراجان:

(بأن الامر يستحق اهتمام الامبراطور، خصوصاً لانه هناك كثيراً من الاشخاص منخرطين في هذا الخطر، فالكثير من الناس من مختلف الاعمار و من كلا الجنسين ذكوراً و أناث مُعرضة حياتهم للخطر من قِبل المُدعين عليهم، فتلك العدوى لم تنتشر فقط عبر المدن الحُرة، بل وانتشرت كذلك في القري والمناطق الريفية، إلا انه يُمكن التحكم فيها و إعادتها للحق، فالمعابد التي كانت شِبة مَهجورة تماماً بدأت الآن تكتظ مرة آخرى، و الاعياد المقدسة التي اختفت من فترة طويلة تم احياءها مرة أخرى، و اصبحت هناك حاجة للاضاحي الحيوانية التي لم تكن في حاجة إليها سوى لعدد ضيئل مِن المشترين، لهذا فمن السهل أن نُدرك بأن تلك الاعداد الغفيرة يمكن رجوعها مرة آخرى عن هذا الخطأ، اذا ترك الباب مفتوحاً للتوبة) Letter 10. 96.

وهو ما يَشهد عليه المدافع اللاتيني ترتليان صرح في عام 197 م، قائلاً:

(الرجال يصرخون : لقد أمتلئت المدينة من المسيحيين، أمتلئت بهم المدن و القرى و الجزر، الرجال و النساء، من كل الاعمار و من كل مستوي و رتبة في الحياة، ..فهم يندبون كما لو كان ضراراَ شخصياً) (5)

وكان رد الامبراطور عليه كما يَلي:
(عزيزي بلينوس، لقد تـبنت المسار الصحيح بالنسبة لأولئك الذين تم اتهـامهم بكونهم مسيحيين، و لكن بسبب إنه لا توجد قاعدة عامة و صارمة لمواجهة هذه المساءلة، فلا يجب البحث عنهم، و لكن اذا تم احضارهم اليك وإدانتهم فيجب مُعاقبتهم، مع اعطاءهم فرصة يعطيهم فرصة للتخلي عن إيمانهم ومن يَرجع بتقديم الصلاة لآلهتنا يجب العفو عنه، بغض النظر عن سلوكه) (6).

والسبب في تقديم الصلاة للآلهة الرومانية لانه كان يُنظر للآلهة على كونها التي كانت تحافظ على السلام في المجتمع الروماني، مُحذرًا بـليني مِن خطر التجمعات المنتظمة كالتالي :

(اى كان الاسم الذي نطلقه عليهم - اى على تلك الجمعيات /الاتحادات - ولاي غرض، فإن هولاء الناس الذين يتجمعون معاً سيصبحون عاجلاً ام آجلاً اتحاد سياسي) Letters 10.33–34

فَمن المحتمل أن التجمعات المسيحية في آسيا الصغري قد اثارت ريبة عند المسؤولين الرومان (بما فيهم بـليني) الذين إعتقدوا بإنهم يتجمعون من أجل القيام بحركات معادية للمجتمع الروماني أو ربما لـتخريبه ايضاً، لهذا بعد فحص بـليني وإستجوابه أعضاء مجموعة من تلك المجموعات المسيحية المتواجدة بـيثينيا وجد بأنهم كانوا يتجمعون قبل الفجر لترديد التراتيل ثم المشاركة في وجبة، كما يَصف بنفسه:

(فقد كانوا - اى المسيحيين المُتهمين- يجتمعون على نحو منتظم قبيل الفجر في يوم مُحدد، ويغنون بالتناوب للمسيح كما لو كان إلهاً، وأتخذوا على أنفسهم قَسم وهو عدم ارتكاب اى عمل شرير و الابتعاد عن لاحتيال والنهب و الزنا و ألا يخلفوا عهداً او يحجبوا امانة حان موعد تسليمها، بعد هذا كان من عادتهم ان ينفصلوا، ثم يعيدوا التجمع للاشتراك في الطعام - الذي من النوع العادي والبسيط، الا انه حتى تلك العادة قد تركــوها بناءاً على منشوري الذي بناءاً على أوامرك فقد منعت التَجمعات السياسية الا اني قد رأيت انه من الضروري للغالية استخراج الحقيقة الفعلية، ولهذا قمت بتعذيب إمراتين عبـدتين يطلق عليهم شماسات ، إلا انني لم اجد أكثر من خرافات فاسدة خرافية) (بــليني ، الرسائل، الكتاب العاشر، الرسالة 96)

مؤكدًا للإمبراطور تراجان بإنه وجد فقط (خرافة فاسدة خرافية) وليس مؤامرة سرية كانت تشكل خطراً حــقيقياً على النظام الروماني، إلا أنه لو نظرنا في مواقف تاريخية أخرى في أمكان آخرى فسنري بأن انشطة المجموعات المسيحية من اللقاءات، الوجبات السرية، المعمودية، التماسك القوي، والإضطربات التي سـببوها نتيجة تحول الاشخاص للمسيحية، قد اثارت بالفعل قلق كبير و عداء صريح للإمبراطورية الرومانية وأنه كان يُنظر اليها على كونها تهديد (7)، ولكن بحلول بدايات القرن الثاني كان المسيحيين معروفين جيداً ومكروهين بشكل عام، فكما يلاحظ تاسيتس بأن المسيحيين كان يُنظر اليهم على انهم (كارهي للانسانية odium humani generis) (8).

وبسبب تلك الرؤية العامة للمسيحيين قادت المخبرين لتسليهم للسلطات المحلية، وإحضارهم بصفة مستمرة للبلاط الملكي للمحاكمة ما بين عام 111 الى عام 113 ب.م، و طلب إتخاذ إجراء وردع ضدهم، مما اضطر بــليني لمراسلة الإمبراطور تراجان حول هذه المسألة، كما لو كان لا يعرف الا القليل أو لا يعرف شيئاً عن الناس أو عن الدين الذي من المفترض ان يحكم عليه، فقيام مسئول روماني كبير ، بعد ثمانين عاماً من بداية الحركة المسيحية بالكتابة للإمبراطور للحصول على إرشادات يوضح لنا مدي الغموض الذي كانت فيه المسيحية حتى ذاك الوقت، وبسبب هذا الغموض حاول تقصي الحقائق من المسيحيين السابقين ومن الشماستين اللتين كانتا تعملان في الكنيسة، عادمًا بعضهم بسبب سلوكهم العنيد في المحكمة، حيث رفضوا الامتثال لمعـيار الولاء وهو تقديم البخور لصور الآلهة و الامبراطور، كما يذكر بنفسه:

(أقوم بإستجواب المتهميين ما اذا كانوا مسيحيين، فإن أقروا بإنهم مسيحيين، أعيد عليهم السؤال مرتين ولكن هذه المرة مضيفاً التهديد بعقوبة الإعدام، فإن أستمروا في اجابتهم بالايجاب، أمر بأخذهم للإعدام، مهما كانت طــبيعة عقــيدتهم، لأنــني أعتقد أن عنــادهم و صلابتهم لابد وأن تعاقب، أما المواطنون الرومان الذي يُفتنوا فأمرت بأرسالهم الى روما للمحاكمة) (بــليني ، الرسائل، الكتاب العاشر، الرسالة 96)

وعندما انتشر ان الحاكم يُحقق مع المسيحيين (اصبحت الاتهامات كثيرة و متنوعة) أى ظهرت مزيداً من الاتهامات، لدرجة ان احدهم قام بنشر قائمة بالأشخاص الذي يُشتبه في كونهم مسيحيين، كما نقرأ في رسائل بليني:

(أصبحت التهم أكثر شيوعاً و تنوعاً، كما هو الحال غالباً... وظهرت اشكال كثيرة من الفساد للنور، حيث ظهرت لائحة بدون توقيع تتهم اشخاص عديدة بالاسم، وقد قررت ان اطلق سراح كل من يُنكر كونه أو أنه كان في يوم من الايام مسيحياً، و ذلك بالتكرار من بعدي دعاء للآلهة، وتقديم العبادة مع قرابين الخمر والبخور لصورتك التي أمرت بإحضارها لهذا الغرض بعينه مع أيقونات الآلهة لهذا السبب، وعندما يقوم المتهم بلعن المسيح، لأني علمت انه لا يمكن لأي مسيحي حقيقي أن يتم إجباره على اداء تلك الاشياء أطلق سراحه، أما اولئك الذين اعطيت أسماؤهم لي عن طريق بعض المخبرين فكانوا بداية يقولن انهم مسيحيون من ثم ينكرون ذلك، وقالوا انهم لم يعــودوا مسيحيين منذ سـنتين أو أكثر ، والبعض منهم منذ عشرين عاماً، و قاموا كلهم بعبادة تمثالك وصور الآلهة ، كما قاموا بلعن المسيح ايضاً) (بــليني ، الرسائل، الكتاب العاشر، الرسالة 96)

ولهذا فإن إعتقالات بليني زادت بمقدار كان إتهام الأشخاص بالأخص للمذكورين في القائمة التي يبدو أن بليني قد استخدمها بـليني في عدد من الاعتقالات، الا ان المعتقلين نفوا فوراً تلك التهمة، معترفين بإنهم كانوا من أتباعها قديماً الا انهم الان ليسوا كذلك الآن كما يصف بــليني، ولكن من المؤكد ان هولاء الاشخاص لم يكن ليُشك فيهم لانهم تركوا المسيحية منذ زمن، فلماذا اذا تم توجية الاتهامات اليهم ؟ بالرغم من قيامهم بممارسة عبادة الآلهة المعتادة؟ هل بسبب زيادة في الإضطهاد؟ من المحتمل، ومن المحتمل كذلك ان المخبر قد ادعى على بعض الاشخاص بكونهم "مسيحيين" لتشوية صورة بعض الاعداء الشخصيين او السياسيين سواء كانوا مسيحيين حقاً او لا ، وهذا يعني انه في اوائل القرن الثاني الميلادي في اسيا الصغري كان مجرد الشك فى كون الشخص مسيحياً كان معرضاً للإتهام و المضايقة، ومن الواضح ان الحركات المعادية للمسيحية في القرن الثاني كانت تُعزى للكراهية الشعبية، ولكن بأمر او بمرسوم ملكي (9).

تقييم شهادة بــليني الصغير:-
----------------------------
يؤكد بليني الصغير على انتشار الجهل بماهية المسيحيـين و معتقدهــم حتى من بين النخبة الرومانية الاكثر إطلاعاً حتى في وقت تاسيتس اى ما بين ( 110 - 120 م.)، ويخبرنا إنه لم يحضر ابداً اى محــاكمات للمسيحيين ولا يعرف شيئاً عن ما الذي يؤمنوا به او الجرائم المُتهمين بسببها، كان يحكم بليني مقاطعة بــيثنيا لبعض السنوات قبل ان يتمكن من أن يعرف بوجود بوجود مسيحييـن هناك، بالرغم إنه كان يشغل منصب القنصل consul ( وهو اعلى منصب في الإمبراطورة الرومانية ، أدني من الإمبراطور) و كان محامياً في المحاكم الرومانية لعدة عقود، قبل ان يخدم في روما كبريتور Praetor(وهو المصطلح القديم المعادل لكلاً من رئيس الشرطة و وزير العدل)، وكان واحداً من المستشارين القــانونين لتراجان لعدة سنوات، قبل ان يتم تعينه لحكم مقاطعة بيثنيا ، إلا انه يخبرنا انه لم يشهد اى محاكمة لهم ولا يعرف شيئاً عن المسيحيين بالرغم من كل تلك الوظائف العالية، مما يؤكد لنا بأن المسيحيين كانوا غامضين للغاية و ان معـتقداتهم و اصولهم كانت غير معروفة كلياً حتى لأعلى السلطات الرومانية والاكثر خبرة.

لهذا من غير المحتمل ان يكون تاسيتس يعرف أكثر مما يعرف صديقه بليني، بل وان كان سيعرف اى شئ عن المسيحيين سيكون من خلال صديقه و مرسالاته، وذلك لان تاسيتس كان حاكم المقاطعة المجاورة وهي مقاطعة آسيا في الوقت الذى كان فيه بليني يستجوب المسيحيين في بـيثـنيا، وكان تاسيتس يستشير بليني في عدة امور لادراجها فى كتابه التواريخ Histories، انظر مثلا استجابة بليني لطلب تاسيتس لبعض المعلومات لاضافتها في تاريخه ( رسائل بليني الاصغر Epistulae ، الكتاب السادس ، الرسالة 16 ، 20 ، الكتاب السابع ،الرسالة 33 )، بالاضافة الى عملهم بجانب بعضهم البعض في مجلس الشيوخ ( الرسائل ، الكتاب الثاني ،الرسالة 11 ) و في الحملات السياسية حيث كانوا على علاقات حميمة و وثيقة (الرسائل، الكتاب السادس ، الرسالة 9)، وكان لديهم الكثير من نفس الاصدقاء المقــربيـن اليهم ( الرسائل ، الكتاب الاول ، الرسالة 6 ، الكتاب الرابع ، الرسالة 15 ، الكتاب السابع، الرسالة 20)، كما أعجب بليني بمهارات تاسيتس الخطابية معترفاً بها ( الرسائل ، الكتاب الثاني ، الرسالة 1) و المهارات الكتابية ( الرسائل ، الكتاب التاسع ، الرسالة 23 ) متحدثاً عنها للجميع، كما اشار بليني انه غالباً كان يزور تاسيتوس، وكان حريصاً على إبلاغه على سلامته، كما كان بليني يثق في تاسيتس لأداء بعض الخدمات الشخصية التي عادة كان يتحدث معه عنها على انفراد، والتي بكل تاكيد لم يكن ليطلبها من معارفه (الرسائل، الكتاب الرابع ، 13)، و كان بليني يكتب لتاسيتس عن الاحداث في حياته الشخصية و ينصحه كذلك (الرسائل ، الكتاب الاول ، الرسالة 6) ، وبدوره كان يسعي لسماع نصيحة تاسيتس وكان يثق فيها ( الرسائل، الكتاب الاول ، 20) ، و كان يرسل اليه رسائل للتعبير عن اعجابه به ( الرسائل، الكتاب التاسع ، الرسالة 14) ، و كانوا يشاركون بعضهم البعض الشعر و يناقشون شعرهما (الرسائل، الكتاب التاسع ، الرسالة 10) ، وقد طلب تاسيتس من بليني ان يقرأ مسودات كتابه التواريخ Histories ويعلق عليهم سواء بالنقد أم بالنصيحة، وهكذا طلب بليني من تاسيتس ( الرسائل ، الكتاب السابع، الرسالة 20 ، الكتاب الثامن ، الرسالة 7)، اخيراً اطلق بليني على تاسيتس لقب الصديق ( الرسائل ، الكتاب السادس ، الرسالة 16)، قائلاً " سيتم سرد قصة صداقتنا و ولائنا و انسجامنا و أمانتنا تجاة بعضنا البعض مدي الحياة" ( الرسائل ، الكتاب السابع ، الرسالة 20) ، كذلك قال أن "حبنا يجب ان يظل دافئ، بسبب مشاركتهم نفس الاصدقاء و الاعمال" (الرسائل ، الكتاب السابع ، الرسالة 20)

وعلى هذا فإن كان تاسيتس يعلم عن المسيحيين اى شئ فسيكون بنفس المقدار الذي كان يعرفه بليني قبل قيامه باستجواب المسيحيين وهو مجرد وجود جماعة تسمي بالمسيحيين وانهم كانوا في نَظر المُجتمع الروماني مجرمين بطريقة ما.


المراجع:
---------
1- Robert E. Van Voorst (2000), Jesus Outside the New Testament: An Introduction to the Ancient Evidence (Studying the Historical Jesus),ISBN 0802843689, p 29.،
2- و ذلك بناءاً على تلك الاصدارات لرسائل بـليني الأصغر وهيWilliam Melmoth (1931), Pliny the Younger: Letters (Books 1-7) , Loeb Classical Library ,ISBN : 9780674990616, First -print-ed 1915. Re-print-ed 1923, 1927, 1931/ William Melmoth (1927), Pliny the Younger: Letters (Books 8-10), Loeb Classical Library, ISBN: 9780674990661, First -print-ed 1915. Re-print-ed, 1924, 1927 /A. N. Sherwin-White (1966), The Letters of Pliny: a historical and social Commentary ,Oxford AT Clarendon Press, ISBN : 9780198144359/ John Delaware Lewis (1879), The letters of the younger Pliny literally translated, London: Trubner & Co., Ludgate Hill.
3- ففي بداية القرن الثاني الميلادي ( 110 – 112 م ) ارسل الامبراطور تراجان Trajan بلـيني الأصغر ليحكم مقاطعة بيثينيا-بنطس Bithynia-Pontus التي تقع جنوب شاطئ البحر الاسود وذلك بصفته نائب عن الامبراطور legatus Augusti pro praetor، راجعChristopher Kelly (2006),The Roman Empire: A Very Short Introduction,Oxford University Press, USA, ISBN :9780192803917, p.42/ Amy-Jill Levine, Dale C. Allison Jr., John Dominic Crossan (2006), The Historical Jesus in Context, ISBN : 9781400827374, p. 366.
وذلك بعدما كان يعمل في مناصب الإشراف على الشؤون المالية في الدولة وتدقيق الحسابات النقدية أي (كويستور quaestor) في عام 81 أو 82 م، ثم تنصيبه كقاضي عدل للـدولة (بريتور praetor) في عام 88 م، ثم قنصلاً في عام 97 م ، إلى أن اصبح حاكماً لآسيا ( إحدى مقاطعات الامبراطورية و تقع بتركيا الآن)، راجع Joyce Moss (2006), Classical Literature and Its Times: Profiles of Notable Literary Works and the Historical Events That Influenced Them (World Literature and Its Times, Volume 8) , ISBN 0-7876-6038-8, p.11- 12.
3- Robert E. Van Voorst (2000), Jesus Outside the New Testament, p. 29.
4- Amy-Jill Levine, Dale C. Allison Jr., John Dominic Crossan (2006), The Historical Jesus in Context, ISBN : 9781400827374, p.195
5- Tertullian Apology, trans. Rudolph Arbesmann, Emily Joseph Daly, and Edwin A. Quain, 1.7
6- Christopher Kelly (2006),The Roman Empire: A Very Short Introduction,Oxford University Press, USA, ISBN :9780192803917,p. 88-89
7- Amy-Jill Levine, Dale C. Allison Jr., John Dominic Crossan (2006), The Historical Jesus in Context, ISBN : 9781400827374, p.326-27, 367.
8- Tacitus, The Annals (1937), Loeb Classical Library,15.44
9- [ Jeffrey W. Hargis (1999), Against the Christians: The Rise of Early Anti-Christian Polemic, Patristic Studies 1 , ISBN : 9780820441566,p.10-11








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah