الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل رواية سوتونيوس و ديو كاسيوس عن الحركة المسيحية

ابرام لويس حنا

2024 / 2 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


زاول الكاتب الروماني غايوس سوتونيوس ترانكيلوس Gaius Suetonius Tranquillus الذي عاش حوالي 70 -140 م مهنة المحاماة في روما، وكان صديقاً لـ "بليني الأصغر" ( بلينيPliny ، الرسائل Letters 1. 18)، و حوالي عام 120م كان سكرتيراً للإمبراطور "هادريان Hadrian" لفترة وجيزة ثم صَرَفه، ربما بسبب سوء معاملته لزوجته (إسبارتانيوس Spartianus ، حياة هادريان Life of Hadrian 3. 11)، و فيما عدا ذلك لا نعرف إلا القليل على وجه اليقين عن الأحداث الاساسية في حياته، لقد كان "سوتونيوس"كاتباً وفير الإنتاج يكتب في عدة أنواع مختلفة من الأدب، لكن كاتبه "حياة القياصرة De vita Caesarum" هو الوحيد الذي بقى من اعماله سليماً بشكل رئيسي، يغطي هذا الكتاب، الذي نُشر عام 120م، حياة وسيرة أول اثني عشر امبراطوراً من "يوليوس قيصر Julius Caesar" الى "دوميتيان Domitian" و يتناول كتاب "حياة القياصرة" التاريخ بصيغة سير شخصية، كما يشير من عنوانه، كما يتناول الجزء الاول من كل فصل لمحة عن خلفية عائلة الامبراطور و حياته، أما الجزء الاخير فيتناول مظهره الخارجي وحياته الخاصة، وينظم "سوتونيوس" هذين الجزأين وفق الترتيب الزمني للأحداث (1)، و بحكم موقعه في القصر الإمبراطوري فقد استطاع أن يستمد معلومات كثيرة قيمة من "دار حفظ الوثائق الرسمية"، ويجب هنا أن ننبه الى أن هؤلاء المؤرخين من أمثال تاكيتوس و سويتونيوس لم يهاجموا الأباطرة الذين عاشوا في ظلهم، بل كانوا يطلقون لأقلامهم العنان في مهاجمة الأباطرة السابقين وخاصة الذين ينتمون الى أسرة انقرضت من الحكم (2).

يشهد سوتونيوس أولاً على اضطهاد المسيحيين تحت حكم نيرون لكنه لا يذكر على الاطلاق بان هذا الاضطهاد له علاقة بحرق روما وذلك في قوله "تم معاقبة المسيحيين ، وهم طبقة من الناس يحملون معتقدات خرافية جديدة وآثمةafflicti suppliciis Christiani, genus hominum superstitionis novae ac maleficae/ superstitio nova et malefica " (نيرون ، المقطع السادس عشر ، القطعة / العدد 2)، فمن بين حملات نيرون الكثيرة لفرض النظام، يذكر سوتونيوس هذه الجزيئة، ولكن ليس بسبب جريمة الحرق المتعمد سواء كانوا فعلا مذنبين او مفتري عليهم، بل و يمكن تعديل النص و تخمين القراءة الاصلية الاكثر، وتغير كلمة "المسيحيين Christiani" الى أصلها "كریستونیین Chrestiani" تلك القراءة التي تم تغيرها لاحقاً، و اذا كان بالفعل تخميننا صحيح فهي بالتالي تشير الى المتظاهرين اليهود الذين اخبرنا عنهم سوتونيوس بإنهم كانوا يثيرون القلاقل تحت حكم كلاوديوس (حياة القياصرة الاثني عشر، الكتاب الخامس : كلاوديوس، المقطع الخامس والعشرين ، العدد الرابع )، ومن الممكن كذلك ان يكون هذا السطر عبارة عن اضافة متاخرة وتم إقحامه فيما بعد في متن النص ، تلك الاضافة التي كانت تختصر شهادة تاسيتس Testimonium Taciteum، و ذلك لان لغة ذاك السطر لا تتطابق مع اسلوب سوتونيوس، فهي تعكس المصطلح اللاتيني الذى نشأ بعد وقته، فلدينا مثلاً من العلماء K. R Bradley الذي قال بأن نص سوتونيوس غير سليم وإنه يجب استعادة النص الاصلي ليتماشي مع ذكره أوروسيوس Orosius الذي اعتمد على سوتونيوس في إقتباساته، ولهذا يمُكننا تعديل لفظة Christians "الــمسيحييـن" الى Chrestians "الــكریستونییـن" ، وبالرغم من هذا ، فقد أفترض Carrier بإنه حتى لو إفترضنا أن العبارة أصلية وسلمية كما بالصورة التي لدينا الان، فهي تؤكد أن سوتونيوس - المؤلف اللاتيني الضليع و البارز و مدير مكتبة الارشيفات والسجلات الإمبراطورية - لا يدري اى علاقة بين المسيحيين وبين حريق روما، فكل ما نعرفه من خلال كلامه فقط هو ان نيرون اعدم بعض المسيحيين بروما التي مِن المُحتمل بسبب تهمة ممارسة السحر malefica superstitio كجزء من خطته الشاملة لفرض نظام أخلاقي صارم في المدينة وهذا هو السياق العام للنص.

يشهد سوتونيوس ثانياً أن الامبراطور كلاوديوس "منذ ان كان اليهود يثيرون القلاقل بصفة مستمرة بتحريض من كريستوس قام بطردهم من روما Iudaeos impulsore Chresto assidue tumultuantis Roma expulit" (سوتونيوس ، كلاوديوس ، المقطع 25 ، القطعة 4) وذلك حين ذكِره لمختلف الامثلة عن كيفية معاملة كلاوديوس للأجانب، لكن نفي كل اليهود من روما هو امر شبة مستحيلاً، فقد كان هناك العشرات مِن آلاف اليهود في ذاك الوقت في روما، بالاضافة للمعابد اليهودية والعقارات و الاعمال التجارية اليهودية، فضلا عن العدد الذي لا يحصي من العبيد اليهود، ولا غني عن كل هذا للاقتصاد، ناهيك عن كيفية تحديد كل اليهود و طردهم، ويكشف لنا المؤرخ الروماني كاسيوس ديو Cassius Dio ان "كلاوديوس لم يقم بطرد اليهود الذىن تضاعف عددهم بشكل كبير، لانه كان من الصعب القيام بهذا بسبب عددهم الكبير وبدون اثارة فتنة لمنعهم عن المدينة، ولكنه امرهم بعدم عقد إجتماعات مع استمرار نمط حياتهم التقليدي" (كاسيوس ديو ، التاريخ الروماني Roman History ، الكتاب الستون ، المقطع السادس، القطعة 6)، لكن البعض يستشهد بما قاله أوروسيوس Orosius الذى يرجع للقرن الخامس والذي يقول في كتابه ( تاريخ ضد الـوثـنيـن History against the Pagans، الكتاب السابع، الفصل السادس ، المقطع 15 - 16) أن يوسيفوس سجل هذا الطرد ، ولكننا لا نجد يوسيفوس في اعماله المحفوظة لدينا ما يُسجل مثل هذا الطرد ولا حتى في النسخة المطولة، فعلى الارجح ان Orosius اختلط عليه الامر بين الطرد الذي وقع ايام طيباريوس الذي يذكره يوسيفوس و بين الطرد الذى وقع ايام كلاوديوس، و كذلك اختلط عليه الامر عندما اقتبس من سوتونيوس حيث إفترض ان سوتونيوس يتحدث عن المسيحية لهذا غير الاسم الذي يذكره سوتونيوس من "Chrestus كريستوس" الى "Christus المسيح"، فُمحاولة البعض بالافتراض أن سوتونيوس أخطأ في النقل غير مُحتملة فإسم Chrestus كان شائعاً، بالاضافة لهذا لو كانت بالفعل العبارة الاخرى الموجودة في اعمال سوتونيوس منقولة بشكل سليم و التي توثق إضطهاد نيرون للمسحييـين فهي توضح لنا ان سوتونيوس يعرف الفرق جيداً بين المسيحيـين وبين اليهود الذين يتبعون Chrestus إذ تُظهر معرفته بالتهجئة الصحيحة لكلمة "مسيحي"، ومن المرجح ان يكون هذا الرجل معروفا لدي سوتونيوس وأقرانه ، لهذا لم يستطرد سوتونيوس في شرحه لنا من كان، وهذا امر مهم لانه يساعدنا في معرفة ما يقوله تاسيتس.

بالطبع يَظل تقرير كاسيوس ديو هو الأكثر عقلانية، لكن يظل احتمال طرد "بعض" اليهود امراً محتملاً أو ارتحالهم من تلقاء انفسهم، فسوتونيوس لا يقول فعلياً ان جميع اليهود قد طــردوا في الواقع ولكنه يقول فقط "يهوداً" مما يعني انه قد تكون مجموعة معينة او بعض اليهود، فالطرد والنفي الجماعي لا يمكن تصديقه لانه من غير الممكن حدوثه، الوحيد الذي يذكر الطرد الجماعي هو سفر الاعمال فهو الوحيد الذى يقول ان" كل اليهود" قد تم طردهم: "لأَنَّ كُلُودِيُوسَ كَانَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يَمْضِيَ جَمِيعُ الْيَهُودِ مِنْ رُومِيَةَ" (اعمال 18: 2) ولكن مصداقية تلك النقطة في سفر الأعمال هي ضعيفة للغاية، لاحظ ان سفر الاعمال ( 28 : 22 - 24) يظهر اليهود في روما لا يعرفون سوى القليل جدا عن المسيحية، كما يّذكر النص :

"وَلَمَّا أَتَيْنَا إِلَى رُومِيَةَ سَلَّمَ قَائِدُ الْمِئَةِ الأَسْرَى إِلَى رَئِيسِ الْمُعَسْكَرِ، وَأَمَّا بُولُسُ فَأُذِنَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ وَحْدَهُ مَعَ الْعَسْكَرِيِّ الَّذِي كَانَ يَحْرُسُهُ. وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ اسْتَدْعَى بُولُسُ الَّذِينَ كَانُوا وُجُوهَ الْيَهُودِ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، مَعَ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا ضِدَّ الشَّعْبِ أَوْ عَوَائِدِ الآبَاءِ، أُسْلِمْتُ مُقَيَّدًا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَيْدِي الرُّومَانِيِّينَ، الَّذِينَ لَمَّا فَحَصُوا كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُطْلِقُونِي، لأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِيَّ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ لِلْمَوْتِ. وَلكِنْ لَمَّا قَاوَمَ الْيَهُودُ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَرْفَعَ دَعْوَايَ إِلَى قَيْصَرَ، لَيْسَ كَأَنَّ لِي شَيْئًا لأَشْتَكِيَ بِهِ عَلَى أُمَّتِي. فَلِهذَا السَّبَبِ طَلَبْتُكُمْ لأَرَاكُمْ وَأُكَلِّمَكُمْ، لأَنِّي مِنْ أَجْلِ رَجَاءِ إِسْرَائِيلَ مُوثَقٌ بِهذِهِ السِّلْسِلَةِ». فَقَالُوا لَهُ: «نَحْنُ لَمْ نَقْبَلْ كِتَابَاتٍ فِيكَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَلاَ أَحَدٌ مِنَ الإِخْوَةِ جَاءَ فَأَخْبَرَنَا أَوْ تَكَلَّمَ عَنْكَ بِشَيْءٍ رَدِيٍّ. وَلكِنَّنَا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نَسْمَعَ مِنْكَ مَاذَا تَرَى، لأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَنَا مِنْ جِهَةِ هذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَاوَمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ».فَعَيَّنُوا لَهُ يَوْمًا، فَجَاءَ إِلَيْهِ كَثِيرُونَ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَطَفِقَ يَشْرَحُ لَهُمْ شَاهِدًا بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمُقْنِعًا إِيَّاهُمْ مِنْ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ بِأَمْرِ يَسُوعَ، مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ. فَاقْتَنَعَ بَعْضُهُمْ بِمَا قِيلَ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا" (أعمال 28: 16- 24)

فلم يكن هناك شئ سئ الا بعض أحاديث الناس التي تتحدث بسوء ضد المسيحية مثلما يذكر سفر الاعمال "لأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَنَا مِنْ جِهَةِ هذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَاوَمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ" (أع 28: 22) ، وبالتالي من الصعب ان نقبل ان "جميع" الشعب اليهودي بروما قد قاموا ضد المسيحيين قبل هذا بعقد فقط من الزمان والذي يُذكر في (اعمال 18: 2) وبإن "كُلُودِيُوسَ كَانَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يَمْضِيَ جَمِيعُ الْيَهُودِ مِنْ رُومِيَةَ" ولهذا لم يرى بولس اى حاجة ليتحدث عن هذا الامر فى رسالته الى اهل رومية مما يشير كذلك لعدم حدوث طرد لليهود بسبب المسيحيين.

النتيحة : ان كلاً من سوتونيوس وديو كاسيوس لا يظهرا اى معرفة بمرسوم نيرون مرتبط بإضطهاد المسيحييـن نتيجة حرق روما، فبكل صراحة يقول سوتونيوس أن اعمال الشغب حرض عليها كريستوس بنفسه فالعبارة اللاتيـنية تقل حرفياً "impulsore Chresto خريستوس المحرض" فالمحرض هنا هو رجل يحرض على شئ ما، ولهذا لا يمكن القول انه كان يقصد يسوع لانه لم يكن حي ولم يكن فى روما تحت حكم كلاوديوس.

وإن اى قارئ لما سبق يستطيع بكل سهولة ان يستنتج أن المسيحيين اشتقوا اسمهم من المسيح، و بالرغم ان ما سبق يقدم لنا معلومات اساسية عن الحياة والطقوس المسيحية في ناحية واحدة على الاقل من انحاء الامبراطورة الرمانية في بداية القرن الثاني الميلادي، لكنها لا تخبرنا من كان المسيح ؟ من اين جاء ؟ أو كيف ارتبط به المسيحيين، فواقع الامر إننا لا نحصل تلك المعلومات من بــليني - أول الغرباء الــوثنين الذين تكلموا عن المسيحية - ولا نحصل عليها حتى من سوتونيوس - ثانِ الغرباء الــوثنين الذين تكلموا عن المسيحية - فقط شهادة تاسيتس التي تَذكر المسيح بإنه قد أعدم وهي شهادة على الأرجح إضافة مسيحية متأخرة.
كما نُدرك إن المسيحيين كانوا يُنسبون للمسيح، وليس ليسوع، وهذا يُمكن كذلك أخذ المسيا (الملك البار) كنموذج يُحتذى ويُقتدى به، لكن لا يَلزم أن يكون (المسيا) شخصية حقيقة وُجدت وولدت وعاشت ثم صُلبت وماتت، وإن المسيحية كان في أصلها كونها يهودية روحية تثور على الظلام والشر تسعي للطهارة والنور والعتق من ظُلمة الرومان والشر وعودتهم تحت راية (الآب والإبن والروح القدوس) أي (يهوه والملك المسياني اليهودي والنور الإلهي).

المراجع
----------
1- Robert E. Van Voorst (2000), Jesus Outside the New Testament: An Introduction to the Ancient Evidence (Studying the Historical Jesus),ISBN 0802843689, p 29-30.
2-مصطفي العبادي (1999)، الأمبراطورية الرومانية النظام الأمبراطوري ومصر الرومانية، دار المعرفة الجامعية ، ص 22
للمزيد راجع:Richard Carrier (2014), Hitler Homer Bible Christ: The Historical Papers of Richard Carrier 1995-2013 , Publisher: Philosophy Press, ISBN: 978-1493567126, chapter 20 The Prospect of a Christian Interpolation in Tacitus, Annals 15.44, pp. 370-391 with Notes








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج