الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثمن الذى ندفعه من أعصابنا ودمنا وسعادتنا لنأكل

منى نوال حلمى

2024 / 2 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


----------------------------------------

هل أنا حُرة فى هذا العالم ؟.
راحت وجاءت أزمنة ، وأنا أزهو بأننى ذقت طعم الحرية ، منذ أن كنت جنينا فى بطن أمى . راحت وجاءت أزمنة ، وأنا أشبك وردة الحرية ، بين خصلات شعرى ، والثوب الذى يلف قوامى .
أشم رائحة وردة الحرية ، فتسرى فى أنسجتى طاقة غامضة تدهشنى . أروى الوردة بدمى ، أطعمها بنور الشمس ، وفى المساء أدفئها ، أغنى لها ، وأنام وهى فى أحضانى .
كسرت تحريم التبنى ، وأصبحت طفلتى الوحيدة المدللة ، منحتها اسمى ، وكل ما أملك ، ربيتها ، رعيتها ، كبرتها ، حتى أصبحت شجرة وارفة الظلال ، شهية الثمار .
هل أنا حُرة فى هذا العالم ؟ .
أحقا مشيت كل هذا الطريق الطويل ، المفروش بالأشواك ، لأصل الى واحة الحرية ، وأنال جائزتها الكبرى ؟. وهل يمكننى أن أكتب بكل ارتياح على قبرى : " هنا ترقد امرأة وُلدت حُرة ، عاشت حُرة وماتت حُرة " ؟.
هل أنا حُرة فى هذا العالم ؟.
سؤال يشاركنى دفء السرير ، كل ليلة .
********************************************

كل عام مع اقتراب رمضان ، تستعد فتيات ونساء مصريات ، أن يلحقن بأخواتهن المحجبات ، كنوع من اكتمال الهداية الدينية ، مع الصوم والصلاة . سمعت كثيرا جملة : " ان شاء الله هاتحجب فى رمضان .. خلاص نويت .. وربنا هدانى .. كله باذنه سبحانه وتعالى " .
وانتشرت بين المحجبات وغير المحجبات ، مقولة : " الحجاب حرية شخصية " ، بحيث أصبح السؤال عن الحجاب ، بأى شكل ، هو نوعا من التعدى الصارخ ضد الحرية ، وتدخلا غير مقبول ، يواجه باستنكار ، واتهامات .
أسأل ، أين كانت " الحرية الشخصية " للحجاب ، فى الخمسينات ، أو الستينات من القرن الماضى ؟ .ألم يكن هناك دين ، أو اسلام ، أو أخلاق فى مصر ، عندما كانت الفتيات والنساء دون حجاب ، سافرات الشعر والوجه ؟؟. ألم نعرف " الحرية الشخصية " ، الا على أيدى الاخوان ، وتوابعهم ، الخارجين من الجحور، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى وحتى الآن ؟؟. واذا كانت " حرية شخصية " ، لماذا يشن أشرس هجوم دينى ، على المعارضين له ، أو على منْ تقرر خلع الحجاب ؟؟. واذا كان الحجاب حرية شخصية ، لماذا أصبح الرجال المسلمون ، يشترطون فى الزوجة أن تكون " محجبة " ؟؟.
اذا كان الحجاب " حرية شخصية " ، لماذا طلب مرشد الاخوان المسلمين من الرئيس " عبد الناصر " عندما تولى الحكم ، أن " يحجب "فتيات و نساء مصر ، ويلبسهن طرح ، ورفض " عبد الناصر " ، وتهكم على طلبه ، فى واحدة من خطبه الهامة والشهيرة ؟؟.
المفروض أن " الحرية الشخصية " ، لا تتعارض ، ولا تتناقض ، مع توجهات المجتمع الذى أعيش فيه ، والا فلماذا تكتب الدول الدساتير ؟؟.ان الدستور المصرى ، يمنع استخدام الرموز الدينية بأى شكل ، لأنه تمييز دينى صارخ على الملأ .
" الحرية الشخصية " ، لابد أن تكون متناغمة مع مصلحة الوطن ، واختياراته ، ومحاربة لأعدائه فى الداخل ، والخارج . ومنْ لا يعجبه توجه المجتمع ، فليذهب للعيش فى أفغانستان مثلا .
" الحرية الشخصية " ، أمارسها فى بيتى ، بطريقتى ، متى أشاء ، وكيفما أريد ، ولهذا اسمها " شخصية " ، ومكفولة للجميع . لكن لا توجد " حرية شخصية "، اذا كانت رمزا لعدو الوطن ، وترسخ التفرقة بالأزياء الدينية ، وتخلق معانى خاطئة للأخلاق .
اذا كان الحجاب " حرية شخصية " ، للمرأة ، لماذا تلبسه خارج البيت ؟. اذا اقتصر الحجاب على البيت ، لن يراه أحد ، وبالتالى ، سوف تنتفى الرسالة التى يوجهها للمجتمع .
أيها النساء والرجال ، اقرأوا التاريخ ، قبل تسمية الأشياء بغير مسمياتها ، حتى لا تجرونا الى مناقشة أمور ، من المفروض أن ننتهى منها ، جذريا ، لنصنع الدولة المدنية المصرية الحديثة .
اننى على يقين ، أنه لا توجد فتاة أو امرأة محجبة ، فى بلادنا ،قرأت كتابا واحدا عن تاريخ الاسلام ونشوء الأديان ، وعلاقة تغطية النساء ، بصعود الأصولية والرجعية الدينية على رأسهما الاخوان المسلمين ، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى وحتى الآن .
لا أعتقد أن الفتيات والنساء المصريات ، لا يعرفن شيئا عن واحدة من أعظم الثورات فى تاريخ البشرية ، وقام بها الشعب المصرى ، هى ثورة 1919 ، والتى نحتفل بذكرى ميلادها المائة وخمس فى 9 مارس القادم . فى هذه الثورة ، انتفضت فتيات ونساء مصر فى مظاهرات حاشدة ضد الاحتلال الانجليزى ، وقمن بخلع الحجاب ، الذى بدأ مرحلة جديدة فى تحرير المرأة المصرية . هل كان الشعب المصرى حينئذ ، أقل اسلاما ، وأقل تدينا ، وأقل أخلاقا ؟؟.
لقد انهزم الإخوان يوم 30 يونيو 2013، وقال أحد قادتهم حينئذ مبتسما : " على الأقل انتصرنا فى تحجيب فتيات ونساء مصر ".
********************************************
برامج اعلامية كثيرة ، تحذر الناس من الإفراط فى الأكل ، والاخلال بقواعد الوزن المثالى ، والجسم المثالى . وننسى أن الذين يفرطون فى الأكل نسبة ضئيلة، حيث ما يزيد على ٤٠٪ من الشعب المصرى تحت خط الفقر، فكيف إذن يفرطون فى الأكل ، وهم أصلًا " فى منتهى الرشاقة " ، بفضل الفقر .
أما الأغنياء الذين يعانون من السمنة الزائدة ، لأن لديهم أشهى المأكولات بوفرة ، ويقدرون على الإفراط فى الأكل ، فهم إما مرضى بداء عضوى يجعلهم يأكلون أكثر من احتياج الجسد، أو يعانون من أمراض نفسية مثل الاكتئاب، أو يشعرون بالإحباط والملل وانعدام الهدف وخيبة الأمل ، والندم على قرارات وسلوكيات ، فات أوان تصحيحها.
إن المرأة مثلًا التى تُفرض عليها أدوار حددتها الثقافة الذكورية ، لن تسعدها، لن تنفعها، طرق التخسيس . المشكلة ليست فى الأكل ، ولكن مع منْ تأكل هذه المرأة ؟ . وفى أى إطار تأكل ؟ . وما الثمن الذى تدفعه لتأكل؟. لو اتبعت كل نصائح التغذية السليمة ، وزوجها يعاملها كجارية كل وظيفتها الطاعة العمياء ، تحتمل الوطئ ، والتنظيف والغسيل ، وتربية الأطفال ، هل يمكن لهذه المرأة ، أن تصبح حقا " رشيقة " ؟؟.
والرجل مثلًا الذى يشعر بالتعاسة وخيبة الأمل ، بعد زواجه بامرأة كان يحبها ، واتضح أنها قيد على حريته ، وعبء نفسى ومادى ثقيل خانق ، سوف يفرط فى الأكل ، تعبيرًا عن هذه الحالة ، وتنفيسًا عن عجزه فى إنهاء هذا الزواج.
ننام ونصحو ، على أخبار الإرهاب والحروب والمجاعات والجرائم البشعة من أجل الفلوس أو الانتقام أو الشرف أو الثأر ، ويتكلمون عن الجسم المثالى ، والرشاقة !!!!.
نعاصر عدم العدالة والفساد الذى يتحايل على القانون، والازدواجية الأخلاقية التى ترسخها العادات والتقاليد البالية، والتعصب العنصرى والدينى الذى أصبح متأصلًا فى الوجدان، والفن المتدنى ، والقيم المخربة للانسانية ، ثم نتكلم عن معايير السعرات الحرارية الصحية ؟؟.
هل يمكن أن نعيش وسط كل هذه الأمراض ولا نمرض؟ . هل يمكن أن نتواجد على كوكب محترق دون أن تمسنا النار؟ .
من المستحيل أن نكون أسوياء على كوكب مريض . ومن الصعب أن نشعر بالسعادة ، فى عالم يعيش على جثث الفقراء والمهمشين والنساء والضعفاء والنازحين من أوطانهم ، وأن نكون عقلاء ، فى حضارة مختلة المقاييس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس