الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيتشه: عبقرية فلسفية هزت أركان الفكر الإنساني

إسلام أشرف عطية
(Eslam Ashraf Attia)

2024 / 3 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


«أحب أولئك الذين لا يطلعون إلى النجوم بحثًا عن مبرر للهلاك و للتضحية بأنفسهم، بل ينفقون أنفسهم لصالح الأرض.»

هكذا تكلم نيتشه، الفيلسوف الجرئ، والعبقرى الذي غيّر مجرى التفكير الفلسفي وترك أثرًا لا يمحى على الثقافة البشرية.

ومن أبرز أفكاره:

الإنسان الأعلى

في كتابه «هكذا تكلم زرادشت»، يقدم لنا الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه مفهوم «الإنسان الأعلى» (Übermensch) - كائن يتجاوز القيم التقليدية ويخلق قوانينه الخاصة. يرى نيتشه أن البشرية مجرد جسر عبور نحو هذا الكائن المُستقبلي، والذي سيكون مختلفًا بشكل جوهري عن الإنسان، فالإنسان الأعلى أجمل وأقوى من الإنسان الحالى.

تعرضت فكرة نيتشه لسوء فهم كبير من قبل النازيين، الذين استخدموها لتبرير سياستهم العنصرية والتوسعية. ادعى النازيون أن الإنسان الأعلى سيكون من نسل العرق الآري الألماني، وأنهم يجب أن يحكموا العالم لمنع «الأجناس الوضيعة» (من وجهة نظرهم) من تلويث «العرق النقي».

العود الأبدى

وفقًا لنيتشه، فإن فكرة «العود الأبدي» هي أن حياتنا بكل ما فيها، مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، بما في ذلك الأفكار والمشاعر، ستتكرر إلى ما لا نهاية، بنفس الترتيب الدقيق للأحداث.

بعبارة أخرى، فإن كل ما حدث أو سيحدث في حياتنا، سيعود ليحدث مرة أخرى، ستتكرر جميع الأحداث والتفاصيل، بما في ذلك أصغرها وأكثرها تفاهة، بنفس التفاصيل إلى الأبد.

كان نيتشه يريد متسعًا من الوقت لدراسة العلوم الطبيعية، ليثبت صحة نظريته علميًا، ولكن بسبب مرضه لم يتمكن من تحقيق هدفه.

إعادة تقييم القيم

قسم فريدريك نيتشه الأخلاق إلى نوعين: أخلاق السادة وأخلاق العبيد. ورأى أن نظام القيم هو في الحقيقة من صنع الأقوياء، بينما اخترع العبيد نظامًا آخر للقيم بدافع الحقد والغل.

انتقد نيتشه بشدة الأخلاق التقليدية، واعتبرها مناقضة للغرائز الطبيعية للإنسان. ورأى أنها تُكرس للضعف وتُعيق التقدم البشري. واعتبر أن هذه الأخلاق هي نتاج ثقافة العبيد.

يعتقد نيتشه أن العبيد نجحوا في قلب القيم الطبيعية رأسًا على عقب. ففي حين تُمجّد الفطرة البشرية القوة والسيادة، يرى العبيد في الضعف والتواضع ميزة. ويفسر نيتشه ذلك بأن العبيد سعوا للانتقام من الأقوياء الذين سيطروا عليهم عبر التاريخ. فقاموا بتأسيس أخلاق جديدة تُعلي من شأن الضعف وتُدنّي من القوة. ويقول نيتشه أن اخلاق العبيد هى اخلاق منفعة.

يضيف نيتشه أن المنحطين، وهم أولئك الذين قبلوا بأخلاق العبيد، بحاجة ماسة إلى الدين لتحمل بؤس حياتهم. فالدين يُضفي على وجودهم أهمية وهمية، ويُوهِمهم بحياة أفضل بعد الموت.

اعتبر نيتشه أن مفاهيم مثل «الخير» و«الشر» هي مفاهيم نسبية.

دعا نيتشه إلى «إعادة تقييم القيم» الأخلاقية. وابتكار قيم جديدة تُعلي من شأن القوة والإبداع والحرية الفردية.

إرادة القوة

يُعتبر مفهوم «إرادة القوة» أحد المفاهيم الأساسية في فلسفة نيتشه.
يرى نيتشه أن الدافع الأساسي للبشر هو إرادة القوة، فكل سلوك، ينبثق من رغبة عميقة في السيطرة على الذات والآخرين والبيئة المحيطة.

موت الإله

من بين مفاهيم نيتشه، يبرز مفهوم «موت الإله» كأحد أكثرها إثارة للجدل. عبر نيتشه عن عدم اعتقاده بوجود إله للكون بطريقة استفزازية، ربما سعى من خلالها إلى صدمة الناس لحثهم على إعادة النظر في معتقداتهم الراسخة.

نيتشه: عبقرية فلسفية ونموذج فريد في علم النفس

لا شك أن نيتشه كان مفكرًا وفيلسوفًا عبقريًا، بل يمكن القول أيضًا أنه كان أحد أفضل علماء النفس في تاريخ البشرية. تجلى هذا في تحليله الدقيق للدوافع النفسية، بدايةً بمؤسسي الديانات، مرورًا بالكهنة، وانتهاءً إلى المتدينين. فقد فكك هذه الدوافع بدقة لم يسبقه إليها أحد.

يعتقد نيتشه أن مفاهيم مثل «الروح» و«الله» و«الماوراء» هي مفاهيم زائفة، ولا تعني سوى التدمير الفسيولوجي للإنسانية. وقد تم ابتداعها من طرف المتدهورين جسديًا كمفاهيم نقيضه للحياة من اجل تحقير الجسد، وتجريد العالم الواقعي من كل قيمة. ليجد الضعفاء فرصة للمساواة مع الاقوياء.

والأديان، برأيه، تقدم تعاليم لا تمثل سوى وصفة للتخلف والانحطاط، وتُرسخ قيمًا تُضعف الإنسان وتعيق تطوره على المستوى الجسدي والنفسي. يرى نيتشه أن المتدينين هم أشخاص مرضى، ولم يبلغوا بعد مرتبة الإنسان، ويدعوهم إلى وضع حد لحياتهم البائسة وأن يسرعوا بالرحيل إلى عالمهم السماوي إذا كانوا يعتقدون حقًا أنه موجود.

يسعى نيتشه، من خلال مفهوم «الإنسان الأعلى»، إلى إعادة الاعتبار للجسد وتمجيد الأرض. يرى نيتشه أن الإنسان جسد فقط، وأن ما يسمى بالروح أو العقل ليس سوى أداة لخدمة هذا الجسد.

ومن خلال فكرة «العود الأبدي» يسعى نيتشه إلى الرد على سؤال أين سنذهب بعد الموت؟، يسعى ايضًا للتخلص من الخوف من فكرة الموت نفسها. ويُثير مفهوم «العود الأبدى» العديدَ من التساؤلات، حولَ معنى الحياة وحرية الإرادة. فإذا كانتْ حياتنا مُكررة، فهلْ نملك حرية الاختيار؟ وهلْ نستطيع تغييرَ مسار الأحداث؟.

بعد ان اعلن نيتشه «موت الإله» سعى إلى ملء الفراغ الروحي الذي خلفه هذا «الموت» من خلال فكرة «الإنسان الأعلى».
لكن نيتشه لم يكن ينوي تأسيس عقيدة. فقد رفض بشدة فكرة أن يكون مؤسسًا لدين، واصفًا الأديان بأنها «شأن الرعاع». كما عبر عن كرهه لفكرة التقديس، واعتبر أن أسوأ ما يمكن أن يحدث له هو أن يكرّسه الناس قديسًا.

يُؤكد نيتشه على أهمية التمتع بكل لحظة في الحياة، والتفاؤل بالمستقبل والإيمان بقدرات الإنسان الهائلة. كما ينادي بالرفض القاطع للضعف والانحطاط، ويدعو إلى السعي الدؤوب نحو الكمال والسمو.

وبهذا، يُعتبر نيتشه أحد أكثر الفلاسفة تأثيرًا في تاريخ الفكر الغربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء