الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر39

عبدالرحيم قروي

2024 / 3 / 1
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية
الجزء الثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة التاسعة والثلاثون

المادية التاريخية

طريقة الإنتاج
ليس هناك شيء آخر سوى الطبيعة والناس. ولقد رأينا أن كلا من هذين العنصرين لا يمكن أن يفسر، لوحده نمو المجتمعات بل أن اتحادهما الجدلي هو الذي يمدنا بالجواب. وهذا الاتحاد الجدلي هو العمل والإنتاج. إذ لا يمكن للمجتمع أن يعيش أو ينمو بدون العمل والإنتاج. وليس هذا قضاء إليهاً محتوما بل هو الشرط الموضوعي لكل وجود إنساني.
وأمام المجتمع طرق عديدة للحصول على وسائل المعيشة الضرورية. فهو يمكنه مثلا أن يستخدم آلاف المصانع اليدوية أو يستخدم الآلات أو الحيوانات أو الأرقاء. ولهذا يجب أن ندرس الطريقة التي يتم بها الإنتاج أو طريقة الإنتاج.
يفهم البرجوازي الصغير، حين نتحدث عن طريق الحصول على الوسائل المادية الضرورية للعيش , الظروف التي نشتريها بها في السوق. ولكن هذا يتعلق بالتوزيع والاستهلاك وليس بالإنتاج مطلقاً. ومن البديهي أنه لا يوجد توزيع أو استهلاك بدون الإنتاج.ا – قوى الإنتاجية
قوى الإنتاج -
يحتاج الإنسان إلى الغذاء والثياب والأحذية والمسكن والمحروقات في معاشه. ويجب أن ينتج المجتمع هذه الوسائل المادية لكي يستطيع الحصول عليها. ويحتاج المجتمع في إنتاجها لآلات خاصه، فيجب أن يعرف كيف يصنع هذه الآلات وكيف يستعملها.
يؤدي بنا، إذن تحليل القوى التي تساعدنا على الحصول من الطبيعة على معيشة المجتمع، إلى أن نميز بين:
- آلات الإنتاج التي تنتج بواسطتها وسائل الحياة المادية (ولا تحتوي هذه الوسائل على وسائل الأستهلاك بل آلات الإنتاج نفسها).
- الناس الذين يستخدمون الآلات (ولا سيما عددهم) والذين لا يمكن استعمال هذه الآلات بدونهم.
- تجربة الإنتاج التي اكتسبتها الأجيال المتتابعة: التقاليد المهنية، المعارف التقنية والعلمية. فمن الصعب مثلا أن نستغني، في وقت قصير، عن التجربة التي تجمعت في صناعة الحرير في ليون.
- عادات العمل الخاصة بكل عامل، صفته، مهارته إذا نظرنا إلى هذه القوى المادية في مجموعها وتفاعلها تكون لنا منها قوى الإنتاج.
- فما هو العنصر الأساسي الذي يسمح بتحديد حالة قوى الإنتاج؟ هي آلات الإنتاج. لأن طبيعة هذه الآلات هي التي تحدد عدد الناس الضروري لإتمام عمل معين، والمعارف التقنية الضرورية، وعادات العمل التي يكتسبها المنتج باستخدامه لها. كما أن طابع العمل اليدوي وطابعة الفكري يتعلقان بطبيعة وسائل الإنتاج.
- ذلك لأن تطور قوى الإنتاج مشروط بتطور وسائل الإنتاج، فقد كانت هذه الوسائل، في أول الامر، عبارة عن حجارة ضخمة بدائية، ثم أصبحت سهاماً مما ساعد على الانتقال من الصيد إلى تأليف الحيوانات وتربية القطعان عند البدائي، ثم ظهرت الآلات المعدنية التي ساعدت على الانتقال إلى تطور الزراعة، وبعد ذلك حدثت اختراعات جديدة ساعدت على صنع المواد، كصناعة الخزف POTERIE وصناعة الحديد ثم تطورت المهن. وتم انفصالها عن الزراعة، ومن ثم ظهرت الصناعات اليدوية التي تمتاز بتقسيم العمل إلى مهام جزئية لصنع منتوج معين ، وبعد ذلك تم الانتقال من وسائل إنتاج الصناعة اليدوية إلى الآلة التي ساعدت على التطور من الصناعة اليدوية إلى الصناعة الآلية والمصنع والصناعة الضخمة الإلية الحديثة بظهور الآلة البخارية والطاقة الكهربائية.
- ذلك هو عرض مختصر لنمو قوى الإنتاج على ممر تاريخ الإنسانية.
- ونلاحظ أن هذا النمو هو أصل تقسيم العمل بين الناس، ولا سيما التقسيم الأول الكبير للعمل بين الصيادين البدائيين وصيادى الأسماك وبين القبائل التي تقوم بتربية المواشي ثم الزراعة.
- وأما التقسيم الثاني للعمل بين المهني والزراعة فقد أدى بالضرورة إلى وجوب تبادل المنتوجات بين الزراع وبين العمال اليدويين المهنيين والبحث عن توزيع آخر غير التوزيع العائلي. وهكذا ظهرت في ظروف معينة، سنحددها فيما بعد السلعة ، كما أن هذا التقسيم الثاني للعمل هو أصل الاختلاف التدريجي بين القرية والمدينة (وهذه الاخيرة ضرورية كمركز للإنتاج ومصدر للتبادل).
- وأخيراً أثر تطور وسائل الإنتاج على مظاهر قوى الإنتاج الأخرى: لا شك أن تطور وسائل الإنتاج وكما لها قد تما على يد الناس الذين لهم علاقة بالإنتاج ولم يحدث ذلك بعيدا عن الناس. ولهذا ففي الوقت الذي تغيرت فيه وسائل الإنتاج تغير الناس – وهم العنصر الأساسي في قوى الإنتاج – أيضا وتطوروا. فتغيرت ذلك تجربتهم الإنتاجية وعاداتهم في العمل ومقدرتهم على استخدام وسائل الإنتاج وتطورت .
- فاضطرت البرجوازية الرأسمالية، تلبية لحاجات الصناعة الضخمة الحديثة، إلى تعليم العمال القراءة والكتابة والحساب، كما اضطرت إلى تنظيم التعليم الابتدائي المجاني الأجباري وفتح بعض المدارس المهنية.
- ولقد حاول ليون بلوم أن يدخل النزعة المثالية من جديد فادعى أن الآلات لا يمكن إتقانهاإلا بفضل اختراعات الفكر الإنساني، ولهذا فأن الفكر هو أصل تقدم قوى الإنتاج ولكننا نعرف كيف تتولد الأفكار من التطبيق العملي نفسه: وذلك أن أفكار الإتقان تتولد بفعل حاجات الحياة المادية فهي تظهر عند استعمال آلة من الآلات.
- والآلة هي الواسطة بين الإنسان والطبيعة، ووظيفتها أنها تساعدنا على تحويل الأشياء الطبيعية إلى أشياء يمكن أن يستعملها الإنسان. ولهذا تعكس الآلة متطلبات المادة التي يجب معالجتها (لا يعالج النحاس بنفس الآلات التي يعالج بها الصلب) ولتطلبات الإنسان الحياتية، أي صفات الشيء الذي يجب أن يقوم بخدمته و الذي يجب صنعه (ولهذا اختلفت الآلات باختلاف المهام).
تعبر الآلة، في المظهر الأول، عن خضوع الإنسان للضرورة الطبيعية، بينما هي تعبر في المظهر الثاني عن خضوع الطبيعة لحاجات الإنسان وعمله، أي لحرية الإنسان. تعبر الآلة إذن بصورة جدلية، عن النضال بين الإنسان والطبيعة.
وأما قوى الإنتاج فهي تعبر عن مسلك الناس نحو الأشياء وقوى الطبيعة التي يستخدمونها لإنتاج منتوجات مادية فبماذا ينتج الناس؟ هل ينتجون بواسطة المحراث البدائي أم بواسطة المحراث المتعدد السكك؟
تلك هي المسألة الأولى التي يثيرها تحليل طريقة الإنتاج ألا وهي مسألة مستوى قوى الإنتاج.
ب – علاقات الإنتاج
الإنتاج هو نضال الإنسان ضد الطبيعة. ولكن الإنسان لا يناضل قط لوحده لأنه إن فعل ذلك فشل وعاد القهقرى إلى حالة الحيوان. ولهذا يناضل الناس سوية ضد الطبيعة. فمهما كانت الظروف فالإنتاج دائماً هو إنتاج اجتماعي. لأن المجتمع هو الذي جعل الإنسان ما هو عليه، وهو الذي أنقذه من حالة الحيوانية.
ولهذا فإن خطأ الاقتصاد السياسي البرجوازي الأساسي هو التحدث عن النشاط الاقتصادي عند رجل وحيد يشبه روبنسون كروزوه أو آدم، وهذا الإنسان لم يوجد قط، بل هو ضرب خيال ميتافيزيقي. ولهذا لم نبدأ نحن بالحديث عن المنتوجات المادية الضرورية للفرد بل عن المنتوجات الضرورية للمجتمع في مجموعة.
فإذا كان للإنتاج دائما طابع اجتماعي فلا بد من أن تنشأ بعض العلاقات بين الناس بصدد هذا الإنتاج. وليست هذه العلاقات علاقات أفلاطونية بل هي علاقات تتصل بالإنتاج وتخضع له. وليس هناك فقط علاقات الناس بالطبيعة (قوى الإنتاج) بل هناك علاقات الناس فيما بينهم خلال عملية الإنتاج، ونسمى هذه العلاقات بين الناس علاقات إنتاج.
ويمكن لعلاقات الإنتاج بين الناس أن تكون أنواعا متعددة:
يمكن للناس أن يجتمعوا بحرية للقيام معا بعمل مشترك كبناء بيت مثلا فتنشأ بذلك علاقات تعاون و تعاضد بين أناس أحرار من كل استغلال.
- ولكن يمكن لإنسان أيضاً، في بعض الظروف، أن يضطر أخاه الإنسان للانتاج من أجله: فيتغير بذلك طابع الإنتاج تغييرا سياسيا، فتصبح علاقات سيطرة وخضوع ويظهر استغلال عمل الآخرين.
- وأخيرا يمكن أن نلقى، عبر التاريخ، مجتمعات يوجد فيها هذان النموذجان: أحدهما في طريق الزوال والآخرة في طريق الاشتداد فتنشأ علاقات فترة انتقال من صورة لأخرى.
ولكن مهما كان نموذج علاقات الإنتاج فإن هذه العلاقات عنصر ضروري للإنتاج. ولنكتف الآن بمثال بسيط فنقول أن الإنسان الذي يعمل من أجل نفسه لا يعمل كالذي يشتغل من أجل الآخرين. ولقد بلغ من صحة هذا الأمر أن المستغلين يحاولون دائما تغطية الاستغلال تحت ستار تعاون مزعوم وإيهام المستغلين بأن علاقات الاستغلال هي علاقات تعاون "عائلي" وهذا ما يسمى Paternalisme فيقولون للعمال: "دافعوا عن مصالح صاحب العمل فسوف تنالون الأجر على ذلك في الآخرة!".
ولكن إذا كان طابع علاقات الإنتاج عنصرا أساسيا في الإنتاج، فإن هذه العلاقات لا تتفق والفكرة التي يمكن أن نكونها عنها. وكان ليون بلوم يقول، منافقا أنه لا يفهم بماذا تزيد العلاقات الاقتصادية بماديتها على سائر العلاقات. ونحن نعلم أن المادية تعني الوجود بعيدا عن إرادة الناس ووعيهم، والإنتاج بالنسبة للناس ضرورة موضوعية لا يمكن أن تتم إلا ضمن نطاق المجتمع كما هو كائن. مثال ذلك أن من لا يملك أي شيء من المنتوجات المادية الضرورية للحياة مضطر، ماديا، للعمل من أجل الآخرين، خاضعا ليسيطرة الاخرين و هكذا ليس الاستغلال ((فكرة)) و إنما هوً واقع موضوعي يؤثر في الإنتاج.
ولا يؤثر الناس في الإنتاج على الطبيعة فقط، بل يؤثر أيضاً كل منهم في الآخر. فهم لا ينتجون إلا بالتعاون بصورة معينة، متبادلين نشاط كل منهم فيما بينهم. فهم يقيمون في سبيل الإنتاج، علاقات معينة بعضهم مع بعض، ويتحدد تأثيرهم في الطبيعة، أي الإنتاج، في حدود هذه العلاقات الاجتماعية .
لا يمكن، إذن، فصل قوى الإنتاج عن طابع علاقات الإنتاج، لأن قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج "مظهران" لا ينفصلان عن طريقة الإنتاج التي " تجسد" حسب تعبير ستالين، وحدتهما الجدلية في عملية إنتاج منتوجات المادية.
وإنه لمن الخطأ الأساسي أن نجعل من دراسة الإنتاج دراسة قوى الإنتاج فقط. ولقد ارتكب هذا الخطأ، مع ذلك، الذين يعتقدون أن الماركسية تقوم على تفسير تطور المجتمعات بواسطة تطور قوى الإنتاج فقط، ويتغاضون عن طبيعة علاقات إنتاج. ولهذا فإن تفسير العالم الحديث بواسطة آلة البخار وإهمال تحليل علاقات الإنتاج الرأسمالية لا يدل على إيمان بالمادية بل هو تشويه لها. كما أن تعليم أطفال المدارس التقدم التاريخي للوسائل التقنية والتغاضي عن تعليمهم ما هية الاستغلال الرأسمالي خداع لهم وتقرير الماضي والحاضر والمستقبل تقريراً خاطئاً لهم.
ويرتكب نفس الخطأ أولئك الذين ينسون التقدم الاجتماعي وتقدم علاقات الإنتاج فلا يرون في "التقدم" سوى التقدم التقني. ذلك كان وهم البرجوازية في القرن التاسع عشر.وبهذا نشأت خيبة أمل مريرة لأن التقدم التقني العلمي يمكن أن يخدم أعمال السلام كما يخدم أعمال الحرب، إذ أن الآلة يمكنها أما أن تقضي على العامل أو تحرره، حتى إذا ما أخذت الرأسمالية بالانحطاط، في عصر الاستعمار، وكشفت عن جروحها المزمنة من فقر واضطهاد وحرب، مستخدمة أحدث الوسائل في التقتيل، أعلن الخياليون من أنصار "التقنية" بإفلاس التقدم وحملوا الآلة مسؤولية المصائب التي يولدها رأس المال! ويكرس بعض علماء الاجتماع البرجوازيين أنفسهم لمثل هذه السفسطة ألا وهم دعاء "علم الاجتماع الصناعي" ولا سيما زعيمهم جورج فريدمان فيتبنون وجهة نظر "أصحاب العمل" ويتظاهرون بالبحث عن سبب موقف العامل "السلبي" في بلاد الرأسمالية، أمام العمل، فإذا به النزعة الآلية، بينما السبب الحقيقي هو استخدام الآلات الرأسمالي من أجل الإنتاج الرأسمالي وزيادة الاستغلال. يقول ماركس أن قوى الإنتاج لا تؤثر ألا في حدود علاقات الإنتاج. ولهذا فإن استخدام الآلة، في الاتحاد السوفياتي حيث زالت علاقات الاستغلال، لا يمكن أن يكون له سوى نتائج طيبة بالنسبة للعامل.
لا تختصر الآلات، في روسيا، العمل فقط، بل هي تسهل في نفس الوقت، العمل للعمال. ولهذا يستخدم العمال الآلات عن طيبة خاطر في عملهم لأنهم يعيشون في ظروف اقتصاد اشتراكي، على عكس ما يجري في ظروف الرأسمالية
تنظر النزعة المادية التاريخية إلى طريقة الإنتاج في مجموعها وفي وحدتها: علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج. ولما كانت قوى الإنتاج لا تؤثر إلا في حدود علاقات الإنتاج فإننا نسمي، عادة مختلف طرق الإنتاج بطابع علاقات الإنتاج التي تسيطر عليها، حين نتحدث عن طريقة الإنتاج نريد بذلك القول بأن علاقات الإنتاج الإقطاعية كانت مسيطرة عليها، وكانت تطبع الحياة الاجتماعية بطابعها. ولا نعني بالضرورة القول بأنها كانت العلاقات الوحيدة. كما أنه ليس من العلم في شيء أن تسمى عصراً تاريخياً بالنسبة لحالة قوى الإنتاج كقولنا العصر الحجري والعصر المعدني وعصر الآلة البخارية أو العصر الذري.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام




.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف


.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام




.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا