الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لَعَلَّنَا نفهم الخير والشر

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2024 / 3 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بداية، دعونا نتفق على أن أغلى ما في الحياة هي الحياة ذاتها. نحن حتى من قبل تَشكُل الوعي، ومن دون وعي، وبكامل وعينا نقاوم بكل قوانا الخطر على حياتنا، من أول حتى آخر يوم لنا فيها. ولا نستسلم أبداً إلى أن يَقهرُنا الموت رغماً عنا، حين ينتزع منا روحنا التي ظللنا نحميها وندافع عنها بضراوة المفترسات طوال حياتنا. وفي ذلك، نحن البشر لسنا وحدنا. إذ تُشاركنا في حب الحياة والتشبث بها والسعي إلى ديمومة البقاء فيها بكل قواها الممكنة كافة الكائنات الحية بلا استثناء، من الديناصورات والأفيال إلى الجرذان والديدان والفيروسات المجهرية. ليس ذلك فحسب، بل حتى الكون المادي بأسره من حجر وشجر وكواكب ونجوم وذرات وجزيئات ربما يشاركنا أيضاً الغريزة الوجودية ذاتها ونراه، مثلنا، يُقاوم ويأبى الفناء، أو هكذا نظنه على الأقل. فإذا كانت النفس هي أعز ما نَملك في هذه الحياة، ألا يصبح إزهاق النفس هو أكثر ما نكرهه ونخافه؟

إذا كان كذلك، يصبح كل ما من شأنه أن يحفظ الأرواح ويضيف إلى هذه الحياة هو خير؛ وكل ما من شأنه أن يتسبب في إزهاق الأرواح والانتقاص من سِعة الحياة ورفاهيتها شر. عندئذٍ، لا تحمل جوامع فكرية وتنظيمية في حياة البشر من شاكلة الرأسمالية والشيوعية، السلطوية والديمقراطية، الحرية والعبودية، الوثنية والتوحيد، الإيمان والكفر، الله والشيطان أو أي فكرة تنظيمية أخرى قيمة خيرية في حياة البشر والكون إلا بمقدار ما تُضيفه إلى هذه الحياة؛ وفي المقابل، تتحول إلى قيمة شريرة بمقدار ما تنتقصه من سِعة حيواتهم وأرزاقهم وأرواحهم. في قول آخر، تصبح الحياة ورفاهيتها، ليس أي شيء آخر، هي المقياس لأي وكل فكر أو فعل يأتي به البشر، أو يُفرض عليهم من بيئتهم وكونهم الأشمل.

حين تُزلزل الأرض من تحت أقدامنا كما فعلت مؤخراً في تركيا وسوريا والمغرب، وتُزهق آلاف الأرواح البريئة وتهدم بيوتهم وتُخرب مقدرات معيشتهم، أليس في ذلك شر مستطير بحق البشر؟ وحين عصف الإعصار دانيال بالشواطئ الليبية وحصد آلاف الأرواح وأباد من على وجه الأرض قرى وبلدات بأكملها، ألا يُحتسب ذلك شراً. وحين اجتاح وباء كوفيد-19 العالم كله وحصد الملايين الكثيرة من سكانه، أليس في ذلك شر؟ في الحقيقة، تاريخ البشرية مليء بالكوارث الطبيعية من كافة الأنواع، بعضها قد راح ضحيتها أمم وشعوب عن بكرة أبيها. رغم ذلك، إذا ما نظرنا لمثل هذه الكوارث الطبيعية من منظور آخر، منظور كوني من خارج البشري، قد لا نعثر فعلاً على الشر الذي نتصوره فيها. أليس من الجائز أن الطبيعة من خلال هذه الثورات البركانية وحرائق الغابات والزلازل والفيضانات وخلافه مجرد أنها تُعالج اضطراب أو اختلال ما بداخلها لكي تسترد عافيتها وتوازنها الأصلي؟ بتعبير آخر، ألا يُحتمل أن معظم ما تُوقعه بنا الطبيعة مما نَحسبه شرٌ لا يعدو كونه محاولة بريئة وفطرية منها لحفظ بقائها واستمرارية الحياة، ومن ثم استمرارية حياتنا المُعلقة والمرهونة بها بالضرورة؟ كذلك، ألم يكن فيروس كورونا- مثلنا نحن البشر أنفسنا- مجرد يَنْشُد الدفاع عن روحه والتشبث بالحياة، حتى لو من داخل أحشائنا وعلى أنقاض جثثنا؟ أليس هو، مثلنا، كائن حيّ من طبيعته، ومن حقه، أن ينشد سِعة الحياة ويدافع عن بقاءه بكل ما أوتي من قوة؟ هل إذا ما وقع نَفرٌ منا ضحية أحد المفترسات الجائعة يكون شراً، لكن حين نحتفل بذبح الديك الرومي أو الخروف أو أضحية العيد ونتصدق بلحومها على الفقراء يكون خيراً؟!

من ناحية أخرى، في سعينا الدؤوب وراء المزيد من الرفاهية وسعة العيش، نحن نتسبب في مضاعفات ضخمة مثل الاحتباس الحراري وذوبان طبقة الجليد وارتفاع منسوب مياه البحار القادر على إغراق مدناً كاملة؛ قطع أشجار الغابات وازدياد رقعة التصحر الذي يلتهم سُبل تغذية ومعيشة شعوب وأوطان كاملة؛ ومراكمة القدرات التقنية والنووية بما يكفي لنسف أضعاف الكوكب ذاته وإفناء كافة أشكال الحياة البشرية وغير البشرية في غمضة عين. أليس في هذا الخير البشري المتزايد شراً متصاعداً ضد التوازن الطبيعي، وما يشكله ذلك من تهديد مؤكد حتى على هذا الخير البشري الآني ذاته؟

معنى ذلك أن نفس فعل الخير الكوني قد يكون شراً على البشر؛ ونفس فعل الخير البشري قد يكون شراً على الكون. أو، في قول آخر، لا يوجد خير كامل للكون كله، ولا شر كامل للكون كله أيضاً. بل إن العلاقة بين الخير والشر نسبية ومتبادلة- متكاملة أحياناً ومتضادة في أحيان أخرى- بين عناصر ومكونات هذا الكون الواسع. فما هو خير لنا، هو بالضرورة شر لفيروس الكورونا. وهو ما يوصلنا إلى استنتاج أن ليس هناك- كما نتصور- خير مطلق ولا شر مطلق في هذه الحياة بصورتها الكلية، من منظور فوق/خارج بشري. لكن حين تغيب صفة "المُطلق" عن الوجود، تغيب معها بالضرورة "الوحدانية". عندئذٍ لا يكون الوجود مُرتباً ومُتسقاً ومُوحداً كما نعتقد. إذا صح هذا الاستنتاج، هل لا يزال يصح الاعتقاد أن ثَمَّة واجد- مُسبب أو عِلّة- واحد ومطلق من وراء وجوده واستمراريته؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة