الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بردية «آني» والأصل الرّباني

إلياس شتواني

2024 / 3 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"لقد جئت إلى الوجود من الهيولي" -«آني»
----
يعود تاريخ بردية «آني» إلى العصر الطيبي حوالي 1250 قبل الميلاد، عصر الدولة الحديثة الفرعونية. تدور هذه البردية التاريخية حول شخصية «آني» الكاتب، حيث نكتشف معه خبايا وأسرار طقوس الموت الفرعوني وثيولوجيا الحضارة المصرية القديمة. ترجم متن البردية عن الهيروغليفية السير والس بدج، وترجمها إلى العربية د. فيليب عطية.

يقف «آني» في سرور أمام مائدة قرابين وهو يرتدي ثوبا من الكتان ويضع فوق رأسه شعرا مستعارا وقلادة وأساور معصم. تقف خلفه زوجته «توتو» الكاهنة وهي ترتدي ثيابا مشابهة وتمسك في يدها الصلصلة (الشخشيخة) وغصن كروم ورمز المسرة. يتضرع «آني» إلى «أوزيريس» رب الأبدية، وسيد الخلود، وسيد أرباب مصر القديمة، و"الواحد خالق البشر وصانع مادة آلهة الجنوب والشمال والغرب والشرق" (ص-8)، و"الواحد الوحيد الذي في السماء قبل البدء قبل أن تصنع الأرض والجبال" (ص-30)، و"يا من أخرجت كل ما أتى من المياه" (ص-31)، والذي النجوم "تغني أغاني المديح لك" (ص-30).
يتقدم «آني» بالقرابين والترانيم إلى آلهة السماء "في احتفال اليوم السادس" (ص-23).

تكشف البردية عن إيمان المصريين القدماء بثنائية ميتافيزقية للوجود، حيث يتم تصوير الحياة بشكل ميثولوجي وربطها بالعالمي العلوي والسفلي، وعالمي النور والظلام، حيث الخير والشر في صراع ملحمي مستمر. هذه العوالم في حاجة ماسة إلى دور الآلهة في تنظيمها والتوفيق بينها. آمن المصريون بتعدد الآلهة، لكنهم كانوا هينوثيين، بمعنى أنهم كانوا يعظمون بشكل خاص من شأن الرب «أوزيريس»، حيث "الذين يقطنون في الأعالي وهؤلاء الذين يسكنون الأعماق يعبدونك" (ص-8). تمثّل عالم الظلام والشر، من ناحية مقابلة، في شخصية الخبيث «الثعبان» أو «سيبو» والذي كما يخبرنا «آني» "قد ألقى إلى النيران" (ص-8).

الموت عبارة عن رحلة مرور خلال القبر حيث يزن الآلهة قلب الإنسان وأعماله. إعتقد المصريون في وجود الروح والعقاب والحساب، وفي وجود بوابات الجحيم والعذاب، "بوابات دوات"، وفي وجود مسارات أو "أبواب السماء" (ص-68)، والتي من خلالها يفتح الناجي من العالم السفلي "كل الدروب في السماء وعلى الأرض" (ص-28). نيل الخلاص مشروط أيضا بما يسمى ب"الإعتراف السلبي"، حيث ينغمس «آني» في نوبة اعتراف وتطهير، فهو لم يرتكب إثما، ولم يسرق، ولم يسطو، ولم يقتل ولم يرتكب زنا، ولم يختلس القرابين، ولم يسلب إلها، ولم ينطق بالأكاذيب، ولم يفعل غشا، ولم يرتكب نميمة، ولم يغرر بزوجة رجل، ولم يكن غضوبا، ولم يلوث المياه، ولم يلعن أبدا إلها، ولم يدنس قرابين الموتى، ولم يذبح بنية شريرة ماشية الآلهة (ص-117-119-120-121). وهو أيضا لم يغش الكيل ولم يطفف الميزان (ص-123).

تشير البردية بشكل مباشر إلى فكرة البعث بعد الموت، حيث يتضرع «آني» إلى «أوزيريس» راجيا منه أن "تتجدد أطراف جسدي ثانية عندما أنظر محاسنك مثلما يحدث لجميع المقربين لديك" (ص-36). عندما ينجو الإنسان من نيران «الدوات»، يمر على "حراس الأبواب" (ص-100) ثم يكافأ بغذاء وماء ومشروبات تتمثل في "أوعية من اللبن مع الكعك وأرغفة الخبز وأكواب الجعة واللحم في معبد «إنبو»" (ص-79).

يمر «آني» خلال المنازل السبعة والتي تنتهي برؤيته لوجه الرب «أوزيريس» (ص-148). أخيرا يكافأ «آني» "كرسيا مع هؤلاء الذين في العالم الآخر،...والذين يعيشون ملايين ملايين السنين" (ص-167).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah


.. 98-Al-Baqarah




.. -من غزة| -أبيع غذاء الروح