الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هزيمة حكومة!

جوزيف بشارة

2006 / 12 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا تزال الطريقة التي تتعاطى بها الحكومة المصرية مع إشكالية الوجود الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر تثير جدلاً واسعاً في المحيطات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، إذ لا يوجد معيار موحد أو محدد لتعامل الحكومة المصرية مع الجماعة المتشددة. ما من شخص يستطيع القول بأن الحكومة المصرية تحظر الجماعة التي تتواجد بكثافة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أنه لا يمكن لأحد التأكيد على أن الحكومة تطلق عنان الجماعة، لأن لا وجود رسمي أو قانوني للجماعة في مصر، فلا هي حزب سياسي شرعي ولا هي جمعية اجتماعية مصرح بها. حالة التردد التي تخوض بها الحكومة المصرية مواجهاتها السياسية والفكرية مع جماعة الإخوان المسلمين أثرت دون شك بالسلب على المحصلة النهائية لسياسات الحكومة، فضلاً عن أنها أصابت المجتمع المصري بمختلف طوائفه بحالة شديدة من التوهان.

تعددت في السنوات الأخيرة المواجهات بين الحكومة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين، وكانت المواجهات البرلمانية على رأس هذه المواجهات بعدما أصبح للإخوان المسلمين نحو 88 نائباً بمجلس الشعب. ولكن الحكومة سعت دوماً لتحجيم النفوذ البرلماني للإخوان المسلمين عبر الحزم و الشدة في التعامل مع رجال الجماعة في البرلمان، حيث لم يسمح لهم إلا بالحديث دون الأخذ بمطالبهم أو تأييد مشاريعهم. كانت آخر المواجهات البرلمانية بين الجانبين هي المواجهة الخاصة بتصريحات وزير الثقافة فاروق حسني التي قال فيها أن الحجاب فضلاً عن أنه ردة إلى الخلف، فإنه تحول إلى لعبة يستخدمها البعض لتحقيق أغراض سياسية. كانت المواجهة الأخيرة غير تقليدية بكل المقاييس ليس فقط لمطالبة نواب الإخوان باستقالة أو إقالة الوزير، ولكن للدعم الغير متوقع الذي وجده مطلبهم من العشرات من نواب حزب الحكومة في البرلمان.

لم تكن مطالبة نواب الإخوان في حد ذاتها مفاجئة لأحد، ولكن المفاجأة الكبرى هي التي فجرها نواب الحزب الوطني الحاكم بتأييدهم المتشنج للمطلب الإخواني برحيل الوزير. ذلك التأييد الذي غير من مسار الأزمة، وحولها إلى أزمة داخلية خاصة بالحزب الحاكم بعدما بدا أن نوابه خرجوا عن طاعتة. ولكن لم يستمر بالطبع نواب الحكومة على تشنجهم لفترة طويلة، فقد صدرت تعليمات عليا باحتواء الموقف وتهدئة الرأي العام والحفاظ على كرامة وهيبة الحكومة. ما لبثت الأزمة بين وزير الثقافة المصري فاروق حسني ونواب الحزب الحاكم أن انتهت، حتى عاد الوزير للمارسة عمله الذي كان امتنع عنه لفترة تزيد عن العشرة أيام. لم يستمر الموقف الإخواني على هديره، ربما مؤقتاً بانتظار معركة جديدة بعدما فقد دعم نواب الأغلبية. ولكن تبقى آثار الموقف المخجل والهزيل للحكومة المصرية من الأزمة. لم يكن احتواء الأزمة بالأمر الهين، ولكن كان هناك ثمن باهظ دفعته الحكومة وستظل تدفعه لسنوات طويلة من حريات وحقوق الشعب المصري المسكين.

لقد شهدت المواجهة هذه المرة تراجعاً حكومياً ملحوظاً عن الخط الرسمي الذي طالما انتهجته والتزمت به منذ بدأت مواجهاتها مع الإخوان المسلمين تأخد منحى حاداً متوتراً في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بعدما انتهى شهر العسل بين الجانبين باغتيال الرئيس السابق أنور السادات. فقد اتبعت الحكومة المصرية منذ عرف الإخوان المسلمون طريقهم إلى البرلمان خطاً متشدداً قاومت من خلاله بصرامة كافة المحاولات الإخوانية لفرض توجهاتهم المتطرفة وأيديولوجياتهم المتشددة على قرارات البرلمان. في المواجهة الأخيرة تعرض وزير الثقافة لثورة مسعورة من نواب الإخوان استخدمت فيها ألفاظ سوقية واتهامات جزافية. كان من الممكن أن تمر ثورة الإخوان بهدوء كما حدث ويحدث في كافة ثوراتهم الأخرى المتعلقة بقضايا أخرى يثيرونها لمعارضة الحكومة. ولكن نواباً بارزين ينتمون الى الحزب الوطني الحاكم مثل ذكريا عزمي وفتحي سرور وكمال الشاذلي وغيرهم أنكروا على الوزير حريته في العغبير عن رأيه، ومن ثم تضامنوا بمداخلاتهم الغير متوازنة مع التوجه الفكري لنواب الإخوان، وهو الأمر الذي يعد بكل تأكيد انتهاكاً لمبدأ الالتزام الحزبي الذي يلزم نواب الحزب الحاكم بتأييد وزراء الحكومة.

ربما كانت هذه هي المرة الاولى من عمر البرلمان المصري التي يتفق فيها النواب الحكوميون مع نظرائهم الإسلاميين على شأن واحد، ومن المخجل أن هذا الشأن كان إقالة وزير الثقافة بتهمة "عدم الترويج" للحجاب. لطالما شهدت قاعة مجلس النواب في الماضي البعيد والقريب صراعات ومشاحنات ومشادات بين الجانبين بشأن معظم القرارات والقوانين التي كانت تسعى الحكومة لإقرارها. لم تكن الفوارق الفكرية أو الأيديولوجية بين نواب الجانبين في العادة هي السبب في الاختلافات، فالفوارق بين معظم نواب مجلس الشعب المصري كانت دوماً ملتبسة وغير واضحة بسبب عدم وجود أيديولوجية واضحة مميزة لأعضاء حزب الحكومة، وإنما كانت توجهات الحكومة ومصالح جماعة الإخوان المسلمين المضادة لها هي السبب الدائم للاختلافات بين الطرفين.

تدور تكهنات كثيرة بشأن ثورة نواب حزب الحكومة المفاجئة والغير معتادة. فيرى البعض بأن الثورة ربما كانت مصطنعة لاستباق الإعلان عن الرفض المطلق لتوجهات وزير الثقافة العلمانية في سياق سياسة المزايدة على الأصولية التي تتبعها الحكومة المصرية للفوز بالسبق الذي تخوضه في هذا المجال مع جماعة الإخوان المسلمين. يشير العديد من المراقبين إلى الكثير من المواقف الدينية المتشددة التي اتخذتها الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة بغرض سحب البساط من تحت أقدام نواب جماعة الإخوان المسلمين، والظهور أمام الرأي العام المحلي والإسلامي في موقف الدفاع عن الدين الإسلامي ومقدساته.

من ناحية أخرى يردد البعض أن ثورة نواب الحزب الحاكم كانت طبيعية وربما عبرت بصدق عن عقلياتهم المنغلقة وتوجهاتهم الفكرية المتطرفة. يعزو أصحاب هذه الرؤية وجود مثل هؤلاء النواب المتطرفين ضمن قائمة الحزب الحاكم إلى الفشل الكبير الذي مني به الحزب في الانتخابات البرلمانية السابقة، والذي دفع قياداته إلى اللجوء إلى تقديم إغراءات عينية ومعنوية لبعض النواب المستقلين والمحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين بغرض انضمامهم إلى قائمة الحزب البرلمانية لضمان الأغلبية المطلقة. يؤكد المحللون من مؤيدي هذه الرؤية أن النتيجة المنطقية لاستعانة الحزب الحاكم بأولئك النواب أسفر عن فقدان الحكومة المصرية بشكل كبير لسيطرتها على نوابها في البرلمان.

لم تكن إدارة الحكومة المصرية لأزمة تصريحات وزير الثقافة تتسم بالحكمة. فسواء اصطنع نواب الحكومة ثورتهم أو عبروا عن توجهاتهم الحقيقية، لقد خسرت الحكومة المصرية الكثير مما حدث بشأن قضية الحجاب. لقد خسرت الحكومة أرضية جديدة لمصلحة جماعة الإخوان المسلمين. بدلاً من أن تخوض الحكومة صراعاته مع الجماعات المتطرفة بالهجوم علي توجهاتها المتطرفة، ودفاعاً عن الحريات العامة والحقوق الأساسية للإنسان، أصبحت الحكومة تخوض الصراع تلو الآخر دون أيديولوجية محددة، وأمست تسعى للمزايدة على التطرف لإعادة اكتساب شعبيتها الصدئة المتأكلة، وغدت تخسر المزيد والمزيد من حقوق الشعب المصري. لقد كان من المفترض أن يقاوم نواب حزب الحكومة التوجهات المتطرفة لجماعة الإخوان بتوجهات معتدلة، ولكن بدلاً من ذلك تبنى نواب الحزب توجهاً متطرفاً موازياً ظناً منهم أنهم سيهزمون شعبية الجماعة ويتجاوزونها.

لأن إدارة الحكومة المصرية للأزمة لم تتسم بالحكمة، فقد كانت تنتظرها هزيمة جديدة في معركتها مع الإخوان المسلمين. كان خروج الحكومة المصرية من المآزق الذي وضعت نفسها به يتطلب تنازلاً جديداً لجماعة الإخوان. تمثل التنازل في إنشاء لجنة رقابية جديدة تابعة لوزارة الثقافة تختص بمراجعة اصدارات الوزارة ومصادرة ما هو معارض للأديان. لم تكتف الحكومة المصرية بالهيئات الرقابية الأخرى التابعة للأزهر وغيره، تلك الهيئات التي تضع حد السيف على حرية التعبير والفكر في مصر، فكان قرارها بإنشاء اللجنة الجديدة إرضاءً لجماعة الإخوان التي خرجت دون شك منتصرة معنوياً في معركة الحجاب بالبرلمان. ربما لا يعد الحزب الحاكم في مصر ما حدث هزيمة بمنطق الانتخابات التي تتطلب في مجتمع بدائي كالمجتمع المصري مزايدة على التدين، ولكن إنشاء هيئة رقابية جديدة بمصر يعد انتصاراً بكل المقاييس للجماعات المتطرفة والإرهابية وهزيمة للحريات العامة وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير التي كان يفترض من الحكومة المصرية حمايتها لا التضحية بها في هزيمة تسببت فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت


.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان




.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا