الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هنري لوفيفر: الفكر النقدي حول المجال المصمم والمجال المجهز (الجزء الثاني)

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 3 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- المجال الأداتي للرأسمالية
تؤثر هذه التناقضات في المجال على المجال الرأسمالي، الختلف عن المجالات الأخرى التي تم بناؤها سابقا في العصور التاريخية الأخرى. هذا لمجال تداتي، وفقا لصيغة فرانسواز شواي، التي استشهد بها هنري لوفيفر:
"يتم إنتاجه والتلاعب به كما هو على المستوى العالمي من قبل تكنوقراط الدولة والاستراتيجيات. يحمل الاسم البيروقراطي: "التخطيط الترابي". هو ليس سوى تجريد. فمن ناحية، يحيل على التاريخ الذي تم تأسيسه على أنقاضه، وكذلك على الأنثروبولوجي، وحتى على ما قبل التاريخ. لكن من ناحية أخرى، فإن ما يسمى بالمصالح "الخاصة" فقط، أي تلك الخاصة بالمنعشين والبنوك، هي التي تمنحه وجودا عمليا [...] هم وحدهم يستخدمون الأداة التي توفرها لهم الدولة؛ لديهم الوسائل، وهم أسياد الأرض (على الرغم من بعض العقبات المؤسسية)."
هذا المجال هو “مجال التمثيل، مجال التكنوقراط، إنه ليس المجال الاجتماعي المتحقق […] فهو يميل إلى التضييق، والانغلاق، وعدم الاعتراف بأي شيء سوى المتكرر، الدال المعترف به”. هذا المجال المجرد، بالنسبة إلى لوفيفر، هندسي، مرئية وقضيبي. "مجال ولغة القوة وإرادة القوة" هو مجال السيطرة والمراقبة. بالنسبة إليه، هو أيضا مجال للموت، مما يقلل القدرات الإنتاجية، ويجبر الممارسة الاجتماعية على العودة إلى الوراء، مما يدمر الطبيعة، في حين أن "التمدن ينتشر في مجال شبه طبيعي".
لا يزال المجال الأداتي مجالا استراتيجيا لأنه يسمح بالفصل المعمم بين المجموعات، والوظائف والأماكن. يبدو أنه يتم وضع تخطيط مكاني تكون أهدافه أوسع من أهداف تخطيط المدن، وقد يرتبط بالاقتصاد السياسي للمجال، "العلم المطلوب على نطاق عالمي ويميل إلى استبدال نماذج النمو التي سقطت في الإهمال". يستخدم هذا التخطيط المكاني إجراءات التخطيط القديمة، الأرصدة المادية، الأرصدة المالية ويتعامل أيضا مع التدفقات “تدفقات متعددة: بضائع، أشخاص، أشياء، مواد خام، منتجات نهائية، مال، عملة، رأس مال، معلومات ومعارف، علامات ورموز، إلخ .." ويبدو له أن السيناريوهات والتوقعات المتعلقة بهذه التدفقات مبنية على أساس أفضل من الأساليب المتوقعة المعتادة. وما يستخلصه من ذلك هو أن "الطبقة العاملة موزعة مكانيا وفقا لمتطلبات هذه التدفقات وإكراهات الشبكات (وصول المواد الخام، الطاقة، تدفق المنتجات، سواء كانت منتهية أم لا)" وأن تقسيم العمل، التقني والاجتماعي، يتم إسقاطه على أرض الواقع. تقسيم عمل "يتم تحديده على نطاق كوكبي، أي على مستوى السوق العالمية، ومحدد على المستويات المحلية، الإقليمية، الوطنية، القارية". وتوضح تحليلاته أمثلة مثل مصير حوض اللورين (Lorraine)، والاستثمارات الضخمة في فوس سور مير (Fos-sur-Mer)، في دونكيرك (Dunkerque)، وبناء مدن جديدة.
يبدو المجال استراتيجيا بالنسبة إليه من حيث أن العلاقات الاجتماعية للرأسمالية يتم الحفاظ عليها “من خلال وفي المجال بأكمله، من خلال وفي المجال الأداتي” إلى "إنتاج الأشياء في المجال" يضاف "إنتاج المجال الكوكبي":
"ننتقل من الاعتبار الكلاسيكي للمواقع الصناعية إلى المجال بأكمله […] نعني بالاستراتيجية أن جميع موارد مجال معين مسيطر عليه سياسيًا تكون بمثابة وسيلة لرسم وتحقيق الأهداف على المستوى الكوكبي وفي ما عداه. الاستراتيجيات العالمية هي في نفس الوقت اقتصادية، علمية، ثقافية، عسكرية وسياسية."
- المجال المملوك
بعد هذه القراءة السريعة للغاية لتحليلات لوفيفر للمجال المصمم والمبني في الستينيات والسبعينيات، يمكننا أن نحاول تحديد "ما يتشكل" بالنسبة إليه، رغم التأثير الرأسمالي، ما ينبثق من التناقضات التي ليست بالتالي لا تفاوتات بسيطة أو اختلالات بسيطة.
إن ما يتشكيله هو بطريقة ما عكس ما هو موجود، وهو شكل آخر من أشكال نقد الواقع الحضري الحالي. هذه هي نوعية المجال:
"فكرة وجود مجال اجتماعي قائم، معقد وناجح، مجال الممارسات الاجتماعية، بكلمة واحدة: مجال مملوك وليس فقط مهيمن عليه من قبل التكنولوجيا والسلطة السياسية.
هو أيضاً «زمكان تفاضلي»، خاص بالعصر الحضري، بينما زمان ومكان العصر الصناعي الذي سبقه كانا وما زالا يميلان نحو التجانس التناسق، الاستمرارية الملزمة. من خلال تشابك وتراكب الشبكات والتدفقات المختلفة، تلك الخاصة بالطرق، يالمعلومات، بالمنتجات، بالرموز، عبر جدلية المركزية، التي تقدم حركة تفاضلية قوية، تظهر مجالات متمايزة يمكن تمييزها في النظائر، مجالات ذات وظائف وهياكل متماثلة، في المنتذبات، مجالات متناقضة، حيث تعتمل القوى والتوترات الطاردة، أحيانا المتطرفة، في اليوتوبيات، أماكن في الخارج وفي ما ليس له مكان، الإلهي، المقدس، الممكن.
بشكل عام، المشاريع المضادة، والمجالات المضادة التي يتم تخيلها:
"عندما يعارض السكان برنامجا للتوسع العمراني أو لشق طريق سريع، عندما يطالبون بـ "تجهيزات" وأماكن شاغرة للألعاب والاجتماعات، [ينتفضون] ضد العين والنظر، ضد الكمية والتجانس، ضد السلطة والغطرسة، ضد التوسع اللامحدود ومردودية المقاولة، ضد المجالات الخاصة، ضد الوظائف المحلية الضيقة."
يمكن أن يستدرج الاقتصاد والقوة الرأسمالية فضاءات جديدة، مثل عالم الضواحي، مراكز التسوق، المرافق الرياضية، على سبيل المثال. ولا يتم إنتاجها من قبل قوى أخرى. وحتى لو كانت أيضا بحجة انتخابية (تلبي رغبة سكان المدن في الاخضرار)، وحجة اقتصادية (وسيلة لزيادة دخل الملاك المحليين)، فإن صيانة أو تطوير "المساحات الخضراء" التي غالبا ما يطالب بها سكان المدن، تثبت ملحاحية الاستهلاك غير المنتج. ولأن إشكالية المجال تطرح في إطار القوى وعلاقات القوى، فإن "الضغط من القاعدة يجب أن يهاجم الدولة كمنظمة للفضاء، تتحكم في "التحضر، وتشييد المباني، والتخطيط المجالي" ويجب أن تستمر في تخيل فضاءات أخرى. كما أن أي اقتراح لفضاء مضاد يهز الفضاء القائم، واستراتيجياته، وأهدافه، لأنه ممارسة اجتماعية تطلق العنان للقدرات الابتكارية وتتعارض، ولو بشكل بسيط، مع الفضاء الذي تحدده وتخلقه المجموعات المهيمنة.
"[من ناحية] القوى التي تحاول السيطرة على الفضاء ومراقبته: المقاولة والدولة، المؤسسات والعائلة، المؤسسة والنظام القائم، المقاولات والهيئات الاعتبارية. من ناحية أخرى، القوى التي تحاول امتلاك الفضاء: الأشكال المختلفة للإدارة الذاتية للوحدات الإقليمية والإنتاجية، الجماعات، النخب التي تريد تغيير الحياة وتحاول تخطي المؤسسات والأحزاب السياسية.
يرى لوفيفر في أماكن الترفيه مجالا لمراقبة الممارسات التي تظهر التعبير عن الرغبات وليس عن مجرد احتياجات. لا يعني ذلك أنها تشكل، كفضاءات مرحة، فضاءاات مضادة.
"لا تحتاج عملية الترفيه، كما يقول، إلى تعليمات إضافية: سواء كانت مغتربة - مغتربة (فاعل ومفعول، م) مثل العمل، بشكل متماثل، معوضة ومعوضة (نفس الملحوظة، م)، تيقى اوقات الفراغ جزء لا يتجزأ من "النظام"، [من] نمط الإنتاج."
حتى لو أن "المحاكاة والتقليد يقيمان امتلاكا حقيقيا للوجود والمجال الطبيعي"، حتى لو تحولت طاقة الجسم إلى سلبية، يميل الجسم إلى التصرف كمجال تفاضلي، مع حواسه، دون تفضيل البصر، كجسم كامل، كذات وموضوع. لذا :
"الانتقال بين الفضاءات القديمة والآثار والمواقع من أجل العمل من جهة والمساحات الافتراضية للمتعة والفرح، فإن الفضاء الترفيهي هو الفضاء المتناقض بامتياز."
- المجال الممكن/ المجال المستحيل
تتم مقاربة المجال التفاضلي الذي يتوقعه هنري لوفيفر ويرغب فيه على أنه مجال ممكن/ مستحيل، باعتباره مجالا يمكن تخيله اليوم. الأسئلة التي يطرحها ملموسة: كيف نؤسس علم المجال؟ كيف نسلك الضوء على العمل السياسي؟ كيف يمكننا إقناع مهنيي في المجال بتجديد أساليبهم وممارساتهم؟ هذه الأسئلة تدعم تحليلات المؤلف وخطبه واجتماعاته طوال الفترة قيد النظر.
إذًا، ألا يمكننا كسر الفصل والتخصص بين مقاربات التخطيط المعماري والحضري؟
"المستوى الأدنى هو مستوى القرية أو الحي. المستوى "الكلي" هو المستوى الحضري. وبين الاثنين، عند نقطة الهجوم، سيكون عدد السكان الذي يمكننا حاليا أن نحاول توفير مجال مناسب لهم بين عشرة آلاف وعشرين ألف نسمة. في الوقت الراهن، كخطوة أولى في هذه اللحظة!"
وفق هذا المقياس فإن "الحق في المدينة" يعني:
"الحق في الحياة الحضرية، في المركزية المتجددة، في أماكن الاجتماعات والتبادلات، في إيقاعات الحياة والجداول الزمنية التي تسمح بالاستخدام التام والكامل لهذه اللحظات والأمكنة، [هذا الحق] يمكن أن يتدخل بطريقة إجرائية ويحفز البحث."
أو عندما يتطلع كذبك إلى وضع يبدو له سابقا على الحيازة وإلإدارة الجماعيتين للفضاء، وهو إلغاء الملكية الذاتية:
"تعطي الدولنة نتائج كارثية، لأنها تنقل إلى الدولة الحقوق المطلقة للمالك […]، كشفت حيازة البلدية للأراضي عن عيوبها وحدودها."
إن التنشئة الاجتماعية، أي الشعب بأكمله، التي تنتهك علاقات الملكية، وتحتل الفضاء الاجتماعي وتستولي عليه، هي، كما يحدد، اعتبار "طوباوي"، لكن ما هو مستحيل اليوم قد يكون ممكنا غدا. لم يتصور لوفيفر في أي مكان أن الرأسمالية قادرة على مواصلة تقدمها بتناقضاتها، وأنها تستطيع حتى استيعاب المعارضة للنظام القائم. الاختراعات العلمية والتقنية، وعقلنة العمل وتراجع الطبقة العاملة (ما لاحظه مع ذلك)، والتغيرات في تنظيم الإنتاج والاستهلاك، وحتى اللامركزية السياسية أو عولمة التجارة... كل التغييرات تبدو له سائرة بالضرورة عبر التناقضات، في اتجاه الجودة والإبداع والاستخدام، ليس في اتجاه التبادل، ولكن في اتجاه امتلاك الناس لمكانهم وزمانهم.
- هنري لوفيفر اليوم
إن آمالنا ليست تلك التي علقناها في هذه الفترة الحديثة جدًا والبعيدة جدًا بالفعل. ومع ذلك، فإن قراءة لوفيفر تكون دائما محفزة عندما يفتح آفاقا، ويقدم قراءة متجددة لتاريخ المدن، ويتساءل عن دور المجال في الفكر والأنشطة الإنسانية، السياسة، الاقتصاد، اللغة، الحياة اليومية؛ عندما يبدع المفاهيم. هكذا، مثلا، يفترض التملك أو السكن، اللذين يتعاليان على ثنائية خاص/عام، اللذين يربطان النظام القريب بالنظام البعيد، أن كل شخص هو فاعل في حياته الخاصة وفاعل في المدينة. لا يعني التملك ملكية بل حياة يومية نشطة تتجاوز المنزل كمكان منفصل عن الأنشطة الأخرى، مكان خاص، مكان متخصص. السكن يتوافق مع "إضفاء الطابع الاجتماعي على المنزل وإضفاء الطابع الفردي على الفضاء الاجتماعي" . يرتبط بالبعد الأنثروبولوجي وبالعمل، وبالوضع الإنساني وبما يتعالى عليه. السكن يعني أن تكون حاضرا في العالم وأن تدرك قدراتك الإبداعية. تلك كانت أمنية هنري لوفيفر ويوتوبياه.
المصدر: https://books.openedition.org/puc/10401?lang=fr








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة