الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان والتدريب على السمو والرقي

ماجد ايوب القيسي

2024 / 3 / 6
التربية والتعليم والبحث العلمي


ان وراء كل عبادة غاية سامية تهدف لتحقيقها، فشهر رمضان موسم راق لتدريب الصائمين على الرقي بسلوكهم، والانضباط بأقوالهم وافعالهم، من خلال تقوية الإرادة وضبط التوجهات الإنسانية وتوجيهها الوجهة الصحيحة، فترك الطعام والشراب ينبغي ان يرافقه الصدق والامانة والاخلاص والاحترام والابتعاد عن الكذب والغش والخيانة، نلتزم بها أثناء الصيام، ونتدرب عليها لتوجه سلوكنا بعد الصيام، وهذه قيم الحضارة والمدنية الحقة وتلك حقيقة الصيام.
والتدريب بمفهومه العام عبارة عن سلسلة مُنظمة من الأنشطة والعمليات التي تستهدف فئة معينة من الأشخاص لغرض النهوض بقدراتهم ومهاراتهم، ونقلها من وضع إلى وضع أفضل منه، ويشمل التدريب كافة جوانب وميادين العمل المختلفة، بما في ذلك المجال الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والثقافي، وكذلك التعليمي والتربوي.
ويطبق الصائمون نظاما حياتيا لم يألفوه الا في أشهر رمضان من السنين السابقة، وهناك من يتعامل مع العبادات بصورتها الشكلية دون تأثير في النفس والواقع،
وهناك من يرى في الصيام برنامجا فعالا للطعام والمنام والكلام، وفيه خروج عن الروتين اليومي واختراق حاجز الكسل والتغلب على نداء المعدة الخاوية وظمأ الجسد، وينبغي نقل مهاراته الى واقع الحياة وتفاصيلها المختلفة وتلك هن أهم أهداف الصيام وفيها يتحقق من الأجر والثواب ما لا يتحقق بغيرها.
الصيام والتدريب على النظام :-
ان صفتي النظام والانضباط في معناهما العام يعنيان الالتزام والدقة، وعكسهما الانفلات والفوضى، والانضباط والنظام سمتان مميزتان للشعوب الراقية والمتقدمة، ووجودهما معاً في مجتمع ما دليل على تقدمه وازدهاره، وهما من ضروريات حياة الشعوب المتقدمة لإنجاز خططها التنموية وتنفيذ مشاريعها النهضوية في كل المجالات، وتبدأ من الفرد ثم الجماعة فالمجتمع، وتطبيق النظام يحتاج دوافع نفسية كبيرة ومنظومة قيم ينبغي أن يلتزم بها الفرد، والصيام يمثل برنامج تدريب شامل فيه الجد والمثابرة ، بالاستيقاظ في الثلث الأخير من الليل وهو أعز أوقات النوم ، وتناول وجبة طعام لا تخطر بالبال في غير هذا الموسم، يصاحبه شعور بمعية الكثيرين في مشارق الأرض ومغاربها، كلهم يمتثل للأوامر الصادرة اليه كما لوكان جنديا في ثكنة عسكرية ، أو لاعب كرة تحدد حركته ووقوفه صافرة الحكم ،فيتحرك الملايين من البشر كأنهم فصيل عسكري أو فريق كرة يلعب مباراة مهمة ، والصائم ينتهي من طعامه مختارا مع اذان الفجر ويفترض أن ينتهي كذلك من مجموعة السلوكيات التي لا تنسجم وفرضية الصوم ، وهي نوعان : الأول سلوكيات كانت مباحة ومشروعة قبل رمضان كالأكل والشرب وغيرها، والثاني سلوكيات في أصلها محرمة وغير مباحة فهي مرفوضة وينبغي الابتعاد عنها من باب اولى كالكذب والغيبة والنميمة والخيانة والظلم والغش وغيرها، يصاحب ذلك شعور بأن الله تعالى مطلع عليه ، يراه ، ويسمعه ، ويستجيب لدعائه، وبالتالي فسائر أفعال الإنسان وأقواله وعلاقاته تدخل ضمن هذا الشعور ،فالتفوق في الدراسة واتقان العمل والصدق في القول والفعل هي جوانب من هذا النظام ، وابداء النصح ومساعدة الفقراء والمحتاجين الذين نذكرهم عندما نعاني من الجوع والعطش ونتذكر ان رمضان موسم الخيرات.
وفي الصيام تدريب للمعلم في المدرسة على الإخلاص والاتقان والصبر على أذى طلبته، في مخاطبتهم، وتعليمهم، والحرص على ما ينفعهم، ولا تكن قليل الصبر، والصبر والتحمل من أهم صفات الباحث العلمي الناجح الذي يبحث عن حل لمشكلات وقضايا الأمة وأجيالها الصاعدة، والبحث عن مصادر المعلومات المطلوبة والمناسبة.
الصيام والوظيفة :-
وفي الصيام دعوة للكفاءة والإخلاص ومساعدة المراجعين وتحقيق مصالحهم، و تنفيذ التعليمات واللوائح واحترام القواعد والقوانين العامة للمؤسسة وتحقيق سياستها، فهو برنامج تدريب على جملة أمور للموظف المتقن الذي يرغب بقبول صيامه ومنها :-
1- الرقابة الذاتية: فالموظف المنضبط يجعل من نفسه رقيباً وضابطاً لأقواله وأفعاله، وذلك نابع من إيمانه بأن الله رقيب ومطلع عليه.
2- التفاني في العمل: وهو عامل مهم من عوامل الانضباط وتطبيق النظام.
3- الالتزام بالتعليمات واللوائح والقوانين المنظمة للعمل، فمن أهم سمات الموظف المنضبط التزامه بلوائح المنظمة أو المؤسسة التي يعمل بها.
4- العمل بروح الفريق الواحد، فيتحلى جميع العاملين بهذه الروح المثالية، وفيها تتكامل الأدوار، ويؤدي كل منهم مهام عمله ومتطلبات وظيفته.
5- الثقة بالنفس والروح المعنوية العالية، فهما سلاحان قويان في سبيل تحقيق الهدف، وهما سمتان مميزتان للموظف المنضبط والمنظم.
6- مراعاة شعور الجمهور والمراجعين، فعلى الموظف أن يتحلى بالانضباط والنظام عند تقديم خدماته للجمهور حتى يكسب ثقتهم ويحوز رضاهم.
7- القدرة على الإبداع والتميز، فالموظف المنضبط المنظم لديه القدرة على العطاء وابتكار أساليب جديدة لتطوير العمل.
الصيام واحترام الوقت :-
من يقرأ آيات الصيام في القران الكريم يجد التأكيد على أن أيام الصيام أياما معدودات والدعوة لاستغلالها الاستغلال الأمثل لمصلحة الصائم ، والاستفادةُ من الوقت هي التي تحدِّد الفارقَ ما بين الناجحين والفاشلين في هذه الحياة، فالسِّمةُ المشتركة بين كل الناجحين هي قدرتُهم على الموازنة بين الأهداف التي يرغبون في تحقيقها، والواجباتِ اللازمة عليهم، وهذه الموازنةُ تأتي من خلال إدارتهم لأوقاتهم ، ولا شك أننا جميعًا متساوون مِن حيثُ كميةُ الوقت المتاح في اليوم، وقد اشتهر النبي - عليه الصلاة والسلام - في حثِّه على تنظيم الوقت وعدم إضاعته، فقال لرجلٍ وهو يعظه: ((اغتنِمْ خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمِك، وصحتَك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغَك قبل شُغلك، وحياتَك قبل موتك))، والإسلام يعلّم الإنسان أن يُنفِقَ وَقتَهُ إنفاقاً استثماريّاً وليسَ إنفاقاً استهلاكيّاً: فالحياة المليئةِ بالروتين مِثِل الأكل، والنوم، والذهاب إلى العمل وغيرها ، حياة مملة ثقيلة تحتاج لدافع يحرك النشاط ويقوي العزيمة ويجدد الأمل، فهِذه تعطي طعما للحياة وتضفي راحة على النفس والوجدان.
الصيام وحسن التعامل :-
الأخلاق العالية والقيم الإنسانية هي عماد الشخصية السوية المتزنة والمؤثرة للشاب والشابة، للكبير والصغير ، للذكر والأنثى ، للمسؤول والموظف على حد سواء، في البيت والشارع والسوق ومكان العمل ، والصيام يوجب التمسك بالأخلاق والقيم ، ليكون الصوم مقبولاً كالأمانة والصدق والاخلاص والابتعاد عن الغش والكذب والسرقة ، ويبدو جليا أن الذوق العام للناس قد تغير كثيرًا عن الماضي، فأغلب كبار السن يحدثك عن مظاهر التحضر والرقي التي كانت سائدة في كل جانب من جوانب الحياة، والجمال الذي كان حاضرًا في كل شيء، ودماثة الخلق والسلوكيات الراقية في تعاملات الناس بينهم ، وعن مشاعر الود والتسامح وكيف كان الجيران يعبرون عن مشاعرهم الفياضة بتبادل الأطباق المليئة بالخيرات، وعن احترام الصغير للكبير في الشارع والمواصلات والأماكن العامة ونظافة الشوارع ، واحترام الناس لآداب الطريق، وكيف كانت الأناقة عنوانًا للتميز بين الرجال والنساء والفن الجميل الذي كان يخلو من الرداءة والابتذال، وعن الأغاني ذات الكلمات الراقية التي كانت تمس الوجدان والمشاعر ، ثم أصيب ذلك الذوق الرفيع بالتدني والانهيار الذي تراه وتلمسه في الأشكال والأقوال والأفعال باسم الحرية وربما الثقافة والتحرر ، فهل ينسجم ذلك مع الصيام والقيام وطلب رضا الرحمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه