الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الأول) –- العقيدة الحق والحق الأزلي–

ابرام لويس حنا

2024 / 3 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يُعرف سيلسوس Celsus (حوالي 170 م.) بانه من اتباع الأفلاطونية الوسطي و بمعــادته الصارمة للمسيحية الرافضة والرفض التام لكل مِن الأسفار اليهودية والمسيحية مصنفاً الكتاب المقدس على انه "نــفايات مُطلقة"، وصفه العديد من العلماء بكونه "مثقف محافظ" و انه "محتفظ دينياً" و "مجادل/مناظر مطّلع" وإنه لا يوجد أي سبب لاعتباره من ذوي العقول المتوسطة أو المتواضعة أو انه ادني فكرياً من المسيحية فكما صرح جدليا سترومسا Guy Gedalyah Stroumsa ‪ بأن سيلسوس يقدم نظام فلسفي متكامل، هذا النظام الذي دمج فيه كل العبادات "الوثنية" في الإمبراطورية ومن بينها المسيحية، مقارناً بعضهم ببعض، بالطبع بالنسبة له فإن الثقافة اليونانية الرومانية تتفوق على ما تنادي به الأسفار المسيحية‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬.

وبصفته فيلسوف أفلاطوني فقد فرق بين العالم الذي يدرك عالم الكينونة world of being و بين العالم الحسي الذي يدرك بالحواس عالم الصيرورة world of becoming، و طبقاً له (فإن الحقيقة التي هي مُرتبطة بالعالم الذي لا يُدرك إن حُصرت بالعالم الذي يدرك بالحواس تكون حقيقة خاطئة)، فالحقيقة المطلقة تكمن في الأفكار الغير ملموسة التي يحاول العالم الملموس تفسيرها، و (أن الحَق وُجد منذ البدء وحُفظ دائماً من قبل أكثر الأمم حكمة و من احكم البشر)، وبما أن الحقيقة وجدت منذ البداية فمعني هذا بأن العقيدة الحقة يجب أن تكون ذات أصول بدائية التي تسبق تسجيل التاريخ متمثلة في عقائدهم، لهذا اصر سيلسوس بأن أفلاطون لم يجد أي شيء جديد فهو كان في موضع الدفاع عن العقيدة القديمة (الحكمة القديمة)، الحكمة التي هي في الأصل أفكار إلهية أوحى بها للتعبير عن الغير مدرك، فالعقيدة الحقة لسيلسوس قائمة على الحكمة القديمة (الحق الأزلي) و ليس على (الفلسفة) فالفلسفة تقوم على ذاك الحق الأزلي الأبدي، ولهذا فهناك ديانات يمكن اعتبارها تمثل ظلال مثال الكهف المعروف والمشهور في جمهورية أفلاطون، أي تمثل مجرد ظلال للعقيدة الحقة، تلك الأديان تعكس العالم الغير مُدرك /الغير حسي بطريقتهم الخاصة، إلا أن تلك الأديان لم تنادي بمفاهيم عالمية و أو تحصر الحق مثلما فعلت اليهودية و المسيحية مِن بعدها.

وعلى هذا بالنسبة لسيلسوس فإن العقيدة لكي تكون شرعية لا يمكن أن تكون جديدة، لهذا قال بانه (ليس عنده أي شيء جديد ليقوله ما عدا العقائد القديمة) (Contra Celsum IV 14) و بالمثل أفلاطون (لم يجد أي شيء جديد) (Contra Celsum VI 10) ، بل اليهود بالنسبة له (كانوا في الأصل مصريين ثم تركوا مصر حين ثاروا ضد المجتمع المصري، و هكذا المسيحيين كانوا يهوداً حتى ثاروا على اليهودية) ( Contra Celsum III 5, V 33 )، فكما اليهود ابتــعدوا عن العقيدة الصحيحة التي كانت تمارس بينهم وثاروا عليها هكذا المسيحيين الذين خرجوا عن اليهود، ولذا فإن الأثنين اليهود و المسيحيين بأسفارهم فاسدة لانهم ابتعدوا ابتعــدت عن العقيدة الحقة، والثاني أشد مِن الأول .فحتى ولو عاد المسيحيين لليهودية فهم ما يزالون يتشاركون معهم كتابهم المقدس أي سيكونوا ضالين كذلك، بالإضافة له فإن موسي" قاد" و "خدع" الشعب ، لهذا فإن ما جمعه موسي و الأنبياء من بعده هو "قمامة تماماً" (Contra Celsum VI 50) و التصور المسيحي عن الله لا يتوافق مع العقيدة الحقة، فحتى لو كان هناك إله واحد مطلق يُعبد بأسماء مُختلفة من بين الشعوب مثل زيوس الأعلى أو أدوناي أو الصباؤوت Σαβαώθ أو أمون أو بابيوس Papaeus أو غيرها من الآلهة العليا ،فالله واحد لكنه يظهر بأشكال مختلفة في مختلف الثقافات ، لهذا يجب احترام و الإيمان بباقي الثقافات والعقائد الأخرى، إلا إن المسيحية و اليهودية على خطأ لانهما حصرا الإله على إلهم و يريدون تعــميمه على البقية وعلى كل العالم، فكيف يُمكن أن يُحصر الحق في ديانة أو إثنتين أو ثلاثة ؟! فالعقيدة الحقة (اللوغوس الصحيح Αληθής Λόγος) من المفترض أن يمثل الحق الشامل للحقيقة التي لا يُمكن حصرها أو حصر التعبير المادي للغير مادي وجعل هذا الوصف هو الحق الوحيد، فهناك فرق بين عالم الكينونة world of being و عالم الصيرورة world of becoming، وعلى هذا فإن (الحقيقة مرتبطة بالعالم الذي لا يُدرك اذا حُصرت بالعالم الذي يدرك بالحواس تكون خاطئة)، فالحقيقة المطلقة تكمن في الأفكار الغير ملموسة التي يحاول العالم الملموس تفسيرها، ولا يُمكن حَصرها في ديانة أو أخري.

ويعيب سيلسوس على المسيحيين اعتبار معجزات يسوع كدليل على ألوهيته، حيث يجب أن يأخذ المسيحيين بعين الاعتبار المعجزات و الآلهة الأخرى الموجودة في باقي الثقافات، فيسوع لم يكن سوى ساحراً مثل أريستيس الذي من بروكونيسوس Aristeas the Proconnesian، بالرغم أنه لم يَعتبر أحدا أريستيس إلهاً، على الرغم أن أبولو أمر بأن يُعتبر أريستيس إلهاً (Contra Celsum III 26) فلماذا المسيحيين اذا يؤمنون بألوهية يسوع و ينكرون ألوهية أريستيس ؟!

يرجع عمل سيلسوس (العقــيدة /الكلمة الحقة) إلى فترة حكم ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius، بينما يرجع كتاب أوريجانوس في الرد عليه لعام 246 لعام 248 م، على الرغم من اتهام أوريجانوس لسيلسوس بانه أبيقوري المذهب، إلا أن إعجاب سيلسوس الصريح بأفلاطون إلى جانب العديد من الأدلة الأخرى تدل على أن أوريجانوس كان بكل تأكيد مُخطئاً، فبعدما شعر سيلسوس بأهمية قراءة كتاب اليهود و المسيحيين بسبب إستمرار انتشار المسيحية، وفزعه من تحول الحكام للمسيحية كما تشير كلماته التي ينقلها أوريجانوس في ( الكتاب الثامن ، الفصل 71) بأن (إعتناق الحكام لآراء المسيحين فهذا سيؤدي لهلاك الإمبراطورية) فإله المسيحيين حسب سيلوس لم يكن سيأتي ليدافع عن الإمبراطورية.

بالطبع هناك سؤال شائك وهو هل اعتمد سيلسوس على نص السبعينية فهو أقتبس من السـبـعينية مرة واحدة فقط بصورة حرفية حيث أورد (ليكن نور γενηθήτω φῶς) (التكوين 1 :3)، هذا النص قصير جدا ليُمكنا مِن تحديد إن كان فعلياً اقتبس من السبعينية أم كانت لديه مصادر يهودية مكتوبة أخرى؟ فمثلاً يذكر سيلسوس (أن هناك سبعون أو ستون ملاكاً من دموعهم نبعت الينابيع الدافئة) كالتالي (دعونا نتخطى تفنيد ادعاءات معلـمهم -أي المسيح- و لنعتبره ملاكاً حقاً، لكن هل كان الملاك الوحيد الذي جاء إلى البشرية ؟ أم كان هناك ملائكة آخرون ؟ إن قالوا هو الوحيد اذا هم يكذبون على أنفسهم، لانهم بأنفسهم يؤكدون على أن هناك ملائكة آخرون قد أتت حوالي ستين أو سبعون منهم قد أتوا معاً بصورة جماعية إلا انهم اصبحوا أشرارا و عـوقبوا بالطرح تحت الأرض مقيدين بالسلاسل، ومن دموعهم انفجرت اليـنابيع الدافئة) (أوريجانوس، ضد سيلسوس، الكتاب الخامس، الفصل 52)، )، والتي لا توجد على الإطلاق في السبعينية، وسيأتي مناقشتها لاحقًا في المُدونات القادمة ومَعرفة مصادرها.


المراجع والحاشيات
--------------------

(1) MARKUS VINZENT (2013), Studia Patristica. Vol. LXV - Papers presented at the Sixteenth International Conference on Patristic Studies held in Oxford 2011 , Volume 13: The First Two Centuries Apocrypha Tertullian and Rhetoric From Tertullian to Tyconius, PEETERS LEUVEN – PARIS – WALPOLE, MA , ISBN: 9789042929982 , p.175-84.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترمب يغازل المانحين اليهود بالورقة الفلسطينية ويطلق سلسلة من


.. حلمي النمنم: فكر الإخوان مثل -الكشري- | #حديث_العرب




.. 40-Ali-Imran


.. 41-Ali-Imran




.. 42-Ali-Imran