الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام التعليمي كبنية تحتية للوعي الاجتماعي

ثامر عباس

2024 / 3 / 7
التربية والتعليم والبحث العلمي


لقد تضاربت آراء الكتاب والباحثين حول أسباب ديمومة تخلف منظومة الوعي الاجتماعي في المجتمع العراقي ، كما لو أن هناك لعنة ميتافيزيقية أو تعويذة سحرية تطارده كظله عبر الأيام والسنين ، دون أن يكون – على ما يبدو – أن هناك أمل بالخلاص من آثارها والنجاة من عواقبها ، وهو الأمر أشاع بين الأفراد والجماعات حالة من البلادة الذهنية والنكوصية النفسية واللا - أوبالية الأخلاقية .
والغريب في الأمر إنه كلما ازدادت وطأة المعاناة التي يكابدها العراقيون ويرزحون تحتها ، كلما كانوا أقرب إلى الاستكانة وأميل إلى الخنوع وأسرع إلى الطاعة ، بحيث مكنوا كل من ساسهم وامتلك زمام أمورهم وتمكن من أعنة قيادهم ، من إلباسهم رداء الفقر والجوع وسامهم صنوف الحرمان والهوان ، فضلا"عن جعلهم (أكباش محارق) مجانية جاهزين للذبح فداء"لطيش سلوكه المتهور ونزوة قرارته المهلكة .
والحقيقة أنه لو أمعنا النظر بأسباب هذه الحالة الارتدادية ومحصّنا جيدا"بمصادر صيرورتها ، سنفاجئ ان الأمر لا يتعلق بأي غموض ولا يرتبط بأية غرابة في هذه القضية المحيّرة ، بقدر ما هي حصيلة تراكم انحرافات وإخفاقات وتشوهات (النظم التعليمية) التي أخضع لها عقل الإنسان العراقي وتماها مع قيمها ، عبر سلسلة متواصلة من مراحل (التدجين) البدياغوجي و(التنميط) الإيديولوجي الممنهج ؛ ابتداء بالمرحلة الابتدائية الأولية وصولا"الى المرحلة الجامعية النهائية ، مرورا"بالمراحل الانتقالية المتوسطة والثانوية . بحيث ان هذا الإنسان المستباح لايكاد يخرج من هذه الدوامة إلاّ وقد اكتملت عمليات (تعليب) وعيه و(نمذجة) سلوكه و(تأطير) مخياله .
وإذا ما كان الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي (بيير بورديو) قد أشاح الستار عن الدور الخطير الذي تلعبه أنظمة التربية والتعليم في المجتمعات الرأسمالية المتطورة ، من حيث تكريس التفاوت الاقتصادي والاجتماعي والفكري بين طبقات المجتمع ، ومن ثم خلق حالة من الشرعية الزائفة بين الحاكم والمحكوم تتمخض عنها وتترتب عليها ، ليس فقط حالة من القبول والرضا السيكولوجي بين الفئات والشرائح الفقيرة إزاء (الهيمنة السياسية) المبطنة التي تمارس ضدها من لدن رموز السلطة فحسب ، بل وكذلك حملها على الرضوخ والامتثال لشتى ضروب (العنف الرمزي) الذي تبرع في توظيفه واستثماره وسائل الميديا العملاقة .
نقول إذا كان هكذا هو الحال في المجتمعات الغربية التي بلغ فيها وعي الإنسان بمواطنيته الحضارية شأوا متقدما"من النضج والاكتمال ، كيف ينبغي لنا أن ننظر الى دور ووظيفة أنظمة التربية والتعليم في المجتمعات العربية بصورة عامة والمجتمع العراقي بشكل خاص ، لاسيما وأن مناهجها وأساليبها مصممة لانتهاج سبل ملتوية تسعى من خلالها خلق أجيال من الكائنات (المحنطة) ذهنيا"و(المنمطة) سلوكيا"؟! . وعلى ضوء هذه الحقيقة البينة ، لن يتأتى لكل من يعتلي صهوة السلطة في العراق ويروم إصلاح أوضاع شعبه ويضمن مستقبل أجياله ، دون مراعاة تسلسل الأولويات التي من ِشأنها النهوض بواقع هذا المجتمع الذي لم تفتأ مكوناته المتشظية تندفع صوب الحضيض الحضاري والإنساني على نحو متسارع .
ولعلنا لا نخطئ الحقيقة ولا نجانب الصواب إذا ما أجزمنا بواقعة أن سلامة (النظام التعليمي) لأي دولة ، من حيث المحتوى العلمي والمعرفي الذي يشتمل عليه ، ومن حيث طبيعة المناهج التحليلية والأساليب الإدارية التي يعتمدها ، هي من يقرر – في المحصلة النهائية - مصير المجتمع ويحدد مسار تطوره الحضاري ايجابيا"أم سلبيا". ذلك لأن هذا النظام - المهمل عادة في البلدان الضعيفة والمتخلفة - أضحى يشكل في الوقت الحاضر (البنية التحتية) التي يقام عليها مدماك (الوعي الاجتماعي) برمته . وبعبارة موجزة ، حيثما يكون عليه النظام التعليمي والتربوي في المجتمع المعني ، سيكون عليه (وعي) مكوناته وجماعاته التي يتشكل منها نسيجه السوسيولوجي ومعماره الثقافي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يهدد.. سنجتاح رفح بغض النظر عن اتفاق التهدئة | #رادا


.. دلالات استهداف القسام لجرافة عسكرية إسرائيلية في بيت حانون ف




.. من هو -ساكلانان- الذي نفذ عملية طعن بالقدس؟


.. أخبار الساعة | غياب الضمانات يعرقل -هدنة غزة-.. والجوع يخيم




.. مستوطنون إسرائيليون يعترضون شاحنات المساعدات القادمة من الأر