الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتقم من الخطأ

صائب خليل

2006 / 12 / 2
المجتمع المدني


في نهاية مقالي السابق تساءلت: ؟ هل من امكانية لتوجيه عقلاني حضاري انساني لكل طاقة الغضب والإنتقام المتفجرة في داخل نفوسنا لتعصف بالإتجاه الصحيح لتخدم اسمى امانينا؟ وهنا احاول ان اقترح جواباً لهذا السؤال الذي اعتبرت اختيار الجواب عليه خطير الأهمية لمستقبل العراق في هذا الوضع شديد الغليان. قد يبدو الجواب مثالياً طوباوياً للبعض من القراء, وقد يبدوا ممكنا للبعض الآخر. ولكن حتى المثالية والطوباوية تملك دوراً مؤشراً مرشداً في حياة الإنسان والشعوب. دوراً موجهاً الى هدف يفاد من الإتجاه اليه والإقتراب منه حتى ان كان الوصول اليه صعباً او مستحيلاً ضمن المستقبل القريب.

على اية حال, فان ما ادعو اليه ليس خيالاً صرفاً, بل امر واقع يومي في حياة الشعوب التي لم تبتل بما ابتلت به شعوب مثل شعب العراق وغيره به من دكتاتورية واحتلال وارهاب. واقع اقرأه كل يوم في الصحف واشاهده كل يوم على شاشة التلفزيون.

أقرأ في الصحيفة امامي عن امرأة هولندية فقدت طفلتها حين كانت تمر امام مقهى يدور فيها شجار "لامعنى له" فاصابة الطفلة رصاصة طائشة قتلتها. أسست الأم مع بعض المتعاطفين معها جمعية ضد "العنف الذي لامعنى له". حين تستمع اليها لا تجد في كلامها اثر للغضب على الرجل الذي سحب الزناد فأصاب طفلتها! انها توجه كل غضبها الى المخدرات والمبالغة في تناول الكحول وحياة الليل في شوارع امستردام فيقود الناس كالسائرين في منامهم الى الجريمة.
أية قدرة بشرية هذه لإعادة توجيه الغضب وقيادته الى المجرم الحقيقي الذي لا شكل له, الذي اختطف منها طفلتها "بلا معنى", وهل هناك اكثر وحشية من القتل "بلا معنى"؟
أية قدرة انسانية هذه التي تتمكن من رفض ما يوحي به الهيجان والحزن ويختاره كعدو, لتستمع الى صوت العقل وهو يشير بسبابته الى المجرم الحقيقي – الخطأ - الذي تلبس القاتل وحرك اصبعه ليرسل الموت الى قلب ابنتها؟

يمكننا ان نروح عن انفسنا, حين نعرف وجه القاتل فنوجه خيالنا الغاضب اليه ونقول لأنفسنا"لو وقع في قبضتنا" وكيف سنذيقه العذاب على ما فعل وكيف نمزق وجهه ونتلذذ بعذابه. نفعل ذلك فنرتاح قليلاً...فكيف يا ترى تريح هذه المرأة نفسها وقد وضعت امامها عدواً لا وجه له لتحطمه في خيالها ولا جسم له لتمزقه بسكينها الخيالية فتشفي غليلها؟

وذاك الرجل الذي اصيب بالإيدز فقرر ان ينتقم من المرض وليس من المرأة التي اوصلته اليه, فراح يدور في البلاد ينصح الناس كيف يمكنهم ان يمنعوا هذا الداء من الحياة. وامرأة قتل السرطان زوجها فراحت تدور بلا كلل في كل مكان تجمع المال لمركز بحوث لمحاربة هذا المرض الفتاك....

آخر ما شاهدته من امثلة كان في البرنامج الإخباري "نت ورك" في الأسبوع الماضي حيث ظهر رجل كان ابنه وزوجة ابنه قد قتلا في حادث سير وكان السائق القاتل مخموراً. كان الرجل يجهد من اجل اقناع الوزير المعني بتغيير القانون لتشديد عقوبة من يسوق مخموراً لأكثر من مرة. لم يفلح كثيراً مع الوزير فكتب الى البرلمان وحصل على مقابلة مع نائبين برلمانيين احدهما في حزب رئيسي, وهاهو في البرنامج يحاول ان يصل الى الناس لإقناعهم بما يريد. كان مصراً على حقده, ليس على السائق الذي قتل ولده وزوجته, ولكن على الخطأ الذي اودى بحياتهما الشابة.

وهاهي "سندي شيهان" يقتل ابنها في حرب العراق التي لاتراها ذات معنى لأميركا إلا تحقيق لمصالح المال, فلا تحقد على العراقيين الذين قتلوه بل على الخطأ الذي تسبب في مقتله, فتجمع اهالي الضحايا وتسبب لمشعلي الحرب, والحريصين على ادارتها بشكل مدمر للعراق وللجنود الأمريكيين, الكثير من الإحراج والقلق, وتبدو مصرة على الإستمرار في مسعاها لوقف هذه الحرب ولوقف التدخل الأمريكي حتى النهاية, فتسكن في الخيمة امام البيت الأبيض, ثم امام منتجع الرئيس وتكتب في الصحف وتنظم المسيرات الإحتجاجية وتحاضر في الندوات فتجبر ادارة الرئيس والصحافة ان تعترف بوجودها وتثير مشكلتها وتضعها في دائرة الضوء. لاشك انها عانت ما عانت, ولاشك انها احست احياناً باليأس وفكرت بالعودة الى منزلها لتلعق احزانها, لكن صورة ابنها كانت تطاردها وتجبرها على ان تستمر في حربها مع السبب الذي اودى بحياته, حتى تنتصر عليه.
كيف تمكن كل من هؤلاء من جمع كل هذا الغضب والألم في رؤوسهم, قبل اطلاقه موجهاً الى قلب الهدف, وليس الى الأشباح التي يلبسها فتتراقص حوله؟ كيف لعقلهم ان يصر على تحديد عدوه بنفسه غاضاً بصره عما يأمره به قلبه وهو يفور اهتياجاً؟
ان شعباً يزدهر فيه امثال هؤلاء قادر بلا شك على ان يتجاوز اية ازمة تحل به!

وإذا كان البعض هنا قد تمكن من الإمتناع عن الإنتقام ممن تلبسهم الشر فأصابوه بالآلم, فلم يعجز الناس في بلادي الجريحة عن الإمتناع عن الإنتقام من الأبرياء حينما لايجدون امامهم غير هؤلاء هدفاً لغيضهم وثورتهم؟ السنا ندين بدين مليء بالحث على السيطرة على النفس والغضب وتبين الأمر كي لايصيب غضبنا الأبرياء فنقعد نادمين بعدما لاينفع ندم؟ إن كان امساك المجرمين وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاء ما جنت ايديهم, علامة قوة وجرأة ورجولة فأن قتل الأبرياء من الناس والإنتقام من الأبرياء ليس إلا ضعف مقزز.

اقول: أما تسببت اخطاؤنا وضعفنا بما يكفينا من آلام لنوجه اليها انتقامنا بدلاً ممن تتلبسم من اشخاص تستبدلهم في كل مرة لتزيح انتباهنا عنها. الم يحن الوقت لنوجه انتقامنا الى من يستحقه فعلاً, والى من يكون ذلك الإنتقام منه مؤثراً فعالاً؟ ايمكننا ان نقنع انفسنابالإنتقام من الخطأ نفسه بدلاً من ملابسه؟ أم ان تلك مثالية عسرة المنال بالنسبة لنا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة اعتقال الشرطة الإسرائيلية لمتظاهر في تل أبيب


.. رئيس وزراء بريطانيا الجديد ينهي خطة لترحيل اللاجئين لرواندا




.. شهيدان بينهما موظف أونروا جراء قصف إسرائيلي قرب مخزن مساعدات


.. رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر ينهي خطة ترحيل اللاجئين ?




.. شاهد| نقل نساء وأطفال أصيبوا في قصف إحدى مدارس الأونروا وسط