الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الرابع) –حواء وباندروا وسرقة النار–

ابرام لويس حنا

2024 / 3 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كما رأينا في المقالة السابقة في الجزء الثاني من كتابتنا والتي كانت بعنوان رؤية (العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا–الصراع بين التفسير الرمزي والحرفي–) مِن خجل العقلانيين من السرد التوراتي لذا يجعلونه رمزياً، فكما يقول سيلسوس (أن اليهود والمسيحيين الأكثر عقلانية يقومون بجعل عقائدهم رمزية إذ يخجلون من هذه النصوص فيهربون للرمزية ) (1) سنجد في تِلك المقالة إعتراضات كذلك على الفهم المجازي أو الرمزي لقصة الخلق التوراتية وغيرها.

وفي تلك المقالة سأنقاش كيف رأي سيلسوس القصة التوراتية عن خلق حواء :
==========================================
وَجد سيلسوس أن قصة خلق حواء من ضلع آدم مَدعاة للسُخرية (2)، فالضلع يُمكن أن يُفهم على كونه إشارة لذَكر الرجل (3) أو كأن آدم شخص ثنائي الجنس Androgynous وإن الله مُجرد أخرج الأنثى منه (4)، لذا حاول أوريجانوس الإعتماد على القصص اليونانية والرومانية التي تَحمل معنى أسطوري كذلك، مُتستشهداً بالقصص المُخزية التي لعل الناس كانوا يتسامرون ويضحكون عليها، ليُجابه بذاك النوع من السٌخرية مِن القصص اليونانية والرومانية السُخرية التي يُلقيها الناس على القصص التوراتي، فسأل لماذا يقبل سيلسوس لأساطير هسيودوس أو هِسْيُود (شاعر إغريقي يظن أنه عاش بين 750 و650 قبل الميلاد) التي يَعدها سيلوس مُوحي بها وأن لها معنى رمزي بينما الغيبة التي وقع فيها آدم و الضلع ليس أي رمز؟، مُقارنا بطريقة دفاعية بين سرقة بروميثيوس للنار (الشمس) في القصص اليونانية وخلق باندروا، وبين سرقة نور آدم و خلق حواء، وبهذا وٌجدت المرأة (الظلمة صاحبة الصندوق اللامع) فبعدما أخذ الله نوراً من آدم وٌجدت حواء (نفس الترتيب ونفس الفكر) بل الميثولوجيا الإغريقية تَسرد إبان سردها لسرقة بروميثيوس للنار وخلق حواء (باندورا Πανδώρα) (5) خلقها مِن (طين ومن سواد) إشارة لسماء الليل، لذا يربط النص التوراتي وقوع (الظلمة/ السواد) و (خلق حواء)، كأن يد (الظلمة) إمتدت على نور آدم أثناء نومه (لتسرق نوره) وتُشتته وتخرج به (حواء) كخروج بنادروا بعد سرقة الشمس و سيادة الظُلمة، بل وصف النص التوراتي بوقوع أدم وقع في السُبات (الظلمة) لكي يُسرق منه نوره أو يُاخذ منه كقوله (فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا) (تك 2: 21) هو كارثي، إذ يُفهمه أي قاىء جيد لتلك أن النص يُشبه الله (بالسارق) أو (الآخذ)، الذي عندما ينام المرء يدخل عليه ليسرق الأشياء أو على الأقل ليأخذها، ولهذا فإن أوريجانوس قد ركز على تلك القصة بالأخص في دفاعه كالتالي:

(بما أن كان هدف سيلسوس القدح في أسفارنا ساخراً من قوله (فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا، وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَة) دون أن يقتبس الكلمات التي تعطي بالفعل انطباع المعنى المجازي، فلم يكن يريد أن يعترف أن الكلمات تستخدم هنا بصورة مجازية بالرغم من اعترافه بهذا هذا في قوله (أن اليهود والمسيحيين الأكثر عقلانية يخجلون من تلك الأشياء مما يجعلهم ينادون برمزيتها)، وردنا عليه هو لماذا إذا أقوال هسيودوس (المعتبر مُلهم عندكم) التي قالها بخصوص المرأة في شكل أسطورة يجب أن تفهم مجازياً كهبة زيوس للعالم المرأة على كونها إشارة للشر وعقاباً من الإله لسرقة النار؟!، في حين انه عندما يقال أن المرأة أخذت من جانب رجل بعد أن القي الله عليه سباتاً عميقاً وتشكيلها من جانبه ليس لها أي معنى منطقي أو أي دلاله خفية أو سرية! ألا ترى انه من عدم النزاهة عدم الاستهزاء بالأولى واعتبارها مجرد أساطير، ولكن على العكس من هذا تعجب بها على إنها أفكار فلــسفية في ثوب أسطوري، بينما تزدري بالأخرى ؟ وتعتبرها تهين الفهم و لا قيمة لها بسبب طريقة صياغتها؟! فنحن هكذا نجد مشكلة فيما قيل انه يحمل معاني سرية كالأبيات التي قالها هسيودوس الرجل الذي يُقال عنه انه مُلهم، تلك الأبيات المثيرة للضحك، مثل:

هكذا تكلم قابض السحاب بقلب غاضب : يا ابن يابيتوس/ ايابيتوس (6)، حقاً انه لم يكن هناك مثيل لهذا الخداع!، هل تبتهج بسبب الشعلة التي أعطيتها للبشر؟ هل تفرح بإخداعك لله؟ ستندم أنت و ذرية البشر، فبسبب غشكما سأرسل البلايا العظيمة عن ما سرقت من نار سأرسل عليكم الشر، سيحتضنها الجميع، ستحضنها رغباتكم وستهلككم، تكلم حاكم الأرض كلها و أرتجت الأعمدة و أمتلأ المكان بضحكاته، فأمر زيوس الإله الفنان (7) بمزج الطين الطري بالماء وتشكيله باثاً فيه نفخة الحياة، و بالفعل لقد بدأ في العمل وبدأ الطين يتصلب و ظهر صوت أنسان، لقد كان مظهرها مثل مظهر الآلهة، عذراء في وجهها، أمر زيوس منيرڤا ( 8 ) أن تعلمها موهبة الغزل بالألوان على وَشيعِة النسيج، و أمر زيوس ملكة سحر الحب (9) بأن تُظلل رأسها بما لا يوصف من نعم، و بأن تغرس في داخلها رغبة تواقة لهدف لا يلين، أما هيرميس (10) فقد غرس فيها الطبيعة الداهية و العقل الوقح، امر زيوس و أطاعت كل القوى، شُكلت على هيئة فتاة بريئة مصنوعة من طين الأرض المُتقلب، وطوت منيرڤا ثوبها و صُدرِيّتها بيديها، فكانت ثنايا جسدها الدائرية نعم سماوية تُقنع تقلدها السلاسل الذهبية، وتوجتها الهورات (11) بزهور الربيع، وتوجتها منيرڤا بالزينة، وصاغ زيوس في نهديها مشورات الاله زيوس، وامتلئ فمها بالطبيعة الماكرة الهائجة و الأكاذيب الغادرة الخائنة،كلام فمها يهيج الدم ويخرس الحكيم، ونادي ترجوم الآلهة قائلاً: وسميت المرأة باندروا Πανδώρα، لأنها أعطيت عطايا من كل الآلهة لكي تسحر عرق بني الإنسان الخّلاق، هذا هو الشر الجميل) (12)


المراجع والحاشيات
=============
(1) أوريجانوس، ضد سيلسوس، الكتاب الرابع، الفصل 48.
(2) أوريجانوس، ضد سيلسوس، الكتاب الرابع، الفصل 38.
(3) كما شرحه صوني زافيت، انظر، Ziony Zevit, Ziony Zevit, What Really Happened in the Garden of Eden, Ziony Zevit, What Really Happened in the Garden of Eden، إلا إن النص يُشبه آدم بالنجم ومن نور ذاك النجم خَرجت حواء، لذا يصف النص بإن حواء هي من (لحم آدم ومِن عظامه) (تك 2: 23) أي من (ذاته ونوره).
(4) فالمرأة نور مِن نور آدم، لذا يصف النص التوراتي خروجها من نور آدم كالتالي ( وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فأخرج אֶֽעֱשֶׂהּ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ) (تكوين 2: 18)، فهناك هناك فرق بين (برأ ברא) أي خلق وبين (أخرج/ عَشَ עשׂה) اي أخرجه من ظلمته وجعله حياً عائشًا، مثلما وصف خروجه للجلد (الرقيع) في السموات (فَعَمِلَ וַיַּ֣עַשׂ اللهُ الْجَلَدَ) (تك 1: 7)، ومثلما ما الشجر (يُخرج) ثماراً كقوله (وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يُخرج ثَمَرًا كَجِنْسِهِ) (تك 1: 11) وهكذا الشمس والقمر والنجوم فجميعها من نور الله أو نور السموات (فأخرج וַיַּ֣עַשׂ اللهُ النُّورَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ) (تك 1: 16)، في حين الإبراء يعني (الخلق) كقوله (فَخَلَق اللهُ التَّنَانِينَ الْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحيَّةِ الدَّبَّابَةِ الْتِى فَاضَتْ بِهَا الْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ)، (فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ)، فمواليد السماء قد (خٌلقت) وبخلق تلك المواليد عاشت الأرض والسماء أي (أُخرج نورها) كقوله (هذِهِ مَبَادِئُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حِينَ خُلِقَتْ/ بُرئت בְּהִבָּֽרְאָ֑ם يَوْمَ أخرجעֲשׂ֛וֹת الرَّبُّ الإِلهُ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ." (تك 2: 4).
(5) باندروا Pandora أي التي وهبت كل شيء أو المَرسي أو الحاوية لكل شىء كحواء (من حوى).
(6) ايابيتوس Iapetus هو أبن أورانوس Uranus و غيا/جيا Gaea والذي تزوج كليمين Clymene التي شغفته حباً ثم تزوجها و أنجا أربعة هم أطلس Atlas (حامل القبة الزرقاء) و مينويتيوس Menoetius و برومثيوس Prometheus و إبيميثيوس Epimetheus.
(7) الإله هيفايستوس Hephaestus وهو رب الحدادة والنار والصناعة والبرونز.
( 8 ) منيرڤا Minerva إلهة العقل والحكمة وربة جميع المهارات والفنون والحرف اليدوية
(9) أفروديت Aphrodite في الأساطير اليونانية هي إلهة الحب والشهوة والجمال.
(10) هيرميس أو هيرميز Hermes وهو رسول الآلهة الإغريق عُرف عنه أنه ماكر ومحتال وسارق.
(11) الهورات أو الهُوراي Horae وهن ربات الطبيعية ويشرفن على الجو الفصول و الأخصاب وكان الناس يتوسلون إليهن كلما حان موعد الزواج أو حلت ساعة الميلاد، وقد صورن في هيئة فتيات صغيرات جميلات يرتدين ملابس طويلة فضفاضة ويحملن أزهاراً أو فاكهة أو سنابل قمح ليرمزن إلى الفصول المختلفة.
(12) أوريجانوس، ضد سيلسوس، الكتاب الرابع، الفصل 38، Hesiod , Works and Days ,Trans. M. L. West (1988), Oxford University Press, ISBN: 0-19 281 788-4, Lines 62-96, P.39








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في