الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


« لِمَ هذا الخذلان ؟ نحن لسنا كفاراً، نحن مسلمون ! »

أحمد إدريس

2024 / 3 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


https://www.tiktok.com/@musta.amg/video/7321273104313994528


هذا مقطع من نداء في فيديو لفلسطيني غزاوي مُوَجه لِمَن يُعرفون في دنيانا تحت مُسمى المسلمون. أود أولاً أن أُذكِّره بأن الذين رفعوا دعوى قضائية ضد ظالميه أمام محكمة العدل الدولية هم من الذين ينعتُهم بالكفار. أتمنى أن تُترجم هذه الصرخة إلى كل اللغات التي يتحدث بها البشر، لعل ذلك يُسهم في ردنا إلى جادة الصواب فيما يتعلق بنظرتنا للغير. لأن كلامه التوبيخي المُوَجه لمن يُسمَّون بالمسلمين، يعني ضِمناً، حتى و إن لم يقصد ذلك فعقله الباطن هو المُتحدث : « يا مسلمين خِذلانُكم أو قلة اكتراثكم لحالنا، يُمكن تفهُّمهما و استساغتُهما لو كنا كفاراً ».

هكذا سيتلقاه و يفهمه الرأي العالَمي. هذا الشخص الذي كان يتكلم بحُرقة نسي تماماً، لأنه ما تربى على الإنسانية الواسعة الرحبة التي لا تقف عند حدود الهوية العرقية أو الثقافية أو الدينية، شُركاءه في الوطن و الذين يُشاطرونه المأساة : الفلسطينيين المسيحيين. و مؤخراً أحد مَن يُسميهم هذا الشخص "الكفار" أحرق نفسه احتجاجاً على مذبحة غزة ! قلت في نفسي لهذا المسكين : "الكفار" على مستوى المعمورة خرجوا في مظاهرات حاشدة نُصرةً لقضيتك و هم يجمعون لك المساعدات من خلال منظماتهم الإغاثية و جمعياتهم الخيرية، لقد أغرقوا المواقع و الصفحات الإلكترونية بالمنشورات و الفيديوهات التي تُعرِّف و تُحسِّس بمأساتك و هم يدعون و يُصلُّون من أجلك في معابدهم "الكافرة".

هل ندعو في مساجدنا لكُل المظلومين و المُعذَّبين في الأرض ؟ أتمنى أن أرى و أبلُغ اليوم الذي يتحوَّل فيه عندنا هذا الدعاء « اللهم اشفِ مرضانا و مرضى المُسلمين » إلى « اللهم اشفِ مرضانا و مرضى العالَمين » إذ بدون التفكير و الإهتمام بكافة الخَلق لن يُستجاب لنا دعاء ! قبل أسابيع وصلني دعاء طويل لأهالي غزة يُختتم بـ« و اجعل يا رب القصف برداً و سلاماً على المسلمين ». إلى جانب أبنائها المُسلمين، يوجد بغزة مسيحيون، و أفراد من دِيانات أخرى : فلسطينيون بين أهاليها و كذلك أشخاص مُبارَكون (مُمرضون و أطباء مثلاً) قدموا مِن بلدان شتى لمُساعدة وإغاثة الفلسطينيين. لكنْ : « يا رب اجعل القصف برداً و سلاماً على المسلمين ». عليهم وحدهم فَهُم فقط عباد الله، و مَن مات تحت القصف مِن الناس المُبارَكين ("الغير مُسلمين" بِحسب فُقهائنا) الذين قدموا لإغاثتهم و التخفيف مِن مُعاناتهم، يحرُم شرعاً الدعاء له بالرحمة ! لأنهم تربَّوا على فكرة شِريرة مُنغرسة في لاشُعورهم، مَفادُها أنهم مركز الوجود و وحدهم مَوضع عِناية الله. لكنَّ الواقع يُكذِّب تماماً هذا الوهم المُقدس. عُنصرية و أنانية مُذهلة و جد مُرعبة حتى في الدعاء : للأسف ما تغيَّر شيء مِمَّا في العقل الباطن لهذه الأمة.

لن أكُف عن التأكيد بأنه لن تُشرق شمس الخلاص على مَن يُسمَّون بالمسلمين، ما دام هؤلاء ينعَتُون و يُنادون الغالبية العُظمى من سكان هذا العالَم بالكافرين. يستحيل علي أن أُجاري هذه الأمة في ما أرى و اقتنعت تماماً أنه يُجافي الحق و العدل بالكامل و يحول دون التعايش السلمي و الأخوي مع الآخَرين : صحيح أن أمتنا تتعرض منذ أمد لظلم كبير و عدوان مُتكرر من طرف خصومها التقليديين - نحن أيضاً إرتكبنا الكثير من الشرور فيما بيننا و بحق غيرنا و لا ينبغي لنا أن نتناسى ذلك - لكن هذا لا يُعفينا بأي حال من الإلتزام بالعدل و الإنصاف في الفعل و القول تجاه الآخَرين. لذا وجب علينا إعادة بناء مفهوم الكفر من أجل الإرتقاء النوعي بفلسفتنا الدينية. هذا الموضوع هو بالنسبة لي قضية أساسية و جَوهرية، مسألة لها أولوية قُصوى في عملية تجديد فكرنا الديني. بالنسبة لي ذلك هو شرطُ النصر الأول.

أدعو بالفَرَج العاجل و الكامل لأهالينا في غزة و لكل المظلومين و المُعذبين في الأرض. اللهم آمين.


اللهم هيِّئ لنا من أمرنا رشداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال