الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حوار مطول مع جوليا كريستيفا (الجزء الأول)

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 3 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أجرى آلان برا كونييه Alain Braconnier حوارا مطولا مع جوليا كريستيفا Julia Kristeva لفائدة الموقع الاكاديمي cairn.info الذي نشره يوم فاتح يناير 2010. قبل الاطلاع على فحوى هذا الحوار، يستحسن التعريف بضيفة الموقع في سطور.
ولدت الكاتبة واللغوية والمحللة النفسية الفرنسية جوليا كريستيفا في بلغاريا. هاجرت إلى باريس للحصول على الدكتوراه، وانضمت إلى مجموعة تيل كيل (Tel Quel) بقيادة فيليب سولرز، وتابعت دروس جاك لاكان. بصفتها مُنظِّرة لغوية، درست اللسانييات والأدب في جامعة باريس 7 - دينيس ديدرو وفي جامعة كولومبيا في نيويورك.
في الوقت نفسه، عملت كمحللة نفسية وكاتبة. وهي مؤلفة لنحو ثلاثين كتابًا مترجمة إلى حوالي ثلاثين لغة، بما في ذلك "سيميوتيكي. بحث من تحليل سيمنطيقي" (1969)، "قوى الرعب. مقالة عن الحقارة" (1980)، "قصص حب" (1983)، "في البدء كان الحب. التحليل النفسي والإيمان" (1985)، "الشمس السوداء. الاكتئاب والحزن" (1987)، "غرباء عن أنفسنا" (1988)، "الساموراي" (1990)، "أمراض الروح الجديدة" (1993)، "المؤنث والمقدس" (1998، مع كاثرين كليمان)، "الزمن المحسوس. بروست والتجربة الأدبية" (1994)، "المعنى والامعنى في التمرد" (1996)، "التمرد الحميمي" (1997)، "رؤى أساسية" (1998)، "العبقرية الأنثوية" (3 مجلدات: حنة أرندت، 1999؛ ميلاني كلاين ، 2000؛ كوليت 2002)، "جريمة قتل في بيزنطة" (2004)، "الكراهية والصفح" (2005). جوليا كريستيفا تعمل حاليا أستاذة في المعهد الجامعي الفرنسي وحصلت على جائزة هولبرغ (التي تعادل جائزة نوبل في العلوم الإنسانية) في عام 2004).
آلان براكونييه: كتابك الأخير، "الكراهية والصفح"، يستعرض ويكمل المواضيع الأربعة الرئيسية التي سبرت غورها منذ أولى أعمالك في التحليل النفسي: دور اللغة، والسرد والكتابة، ومسألة المؤنث، إلى حد كبير لم تكتمل من قبل فرويد وحتى تلميذاته من المحللات النفسيات، الأسئلة التي يثيرها الدين وظاهرة الإيمان، وأخيرا المساهمة المعاصرة للتحليل النفسي. هل يمكنك إنشاء خط شخصي يسمح لقرائنا بفهم الروابط التي سمحت لك بالاعتكاف على مواضيع بحثه المختلفة بشكل متتابع ومشترك؟
جوليا كريستيفا: طموح فرويد هو، في الأصل وبشكل أساسي، علاجي: عبقريته النظرية، وثقافته الواسعة كيهودي التي جعلت أفكار التنوير (Aufklärung) في حوزته، ساهم غالبا في نسيان ذلك. في مواجهة هذيان الكائنات الناطقة التي نكونها، يكتشف أن الرغبة هي الموجة الحاملة، وأن في هذا التذاوت الغرامي الذي سيكون هو التحويل، تبقى اللغة هي أفضل وسيلة والوسيلة المثلى (الوحيدة؟ ) التي تسمح لكل واحد منا بإعادة بناء هوياتنا الهشة والمهددة دوما. إذا لخصت التشاؤم الفرويدي والتزامه العلاجي بهذه الطريقة، فذلك أيضا من أجل تحديد نطاق وحدود منهجه، منهجنا.
أولا النطاق: التحليل النفسي عيادة، مجال محدود، “إطار” منسجم من النظريات، لكنه أيضا يتوقف بشكل جوهري على ظروف الوجود، والمحللين (بكسر وتشديد اللام الأول)، والمحللين (بفتح وتشديده). وهذا لا يعني فقط أن «خارج الإطار» يهمنا وأنه يُفهم في التحويل والتحويل المضاد. لكن أيضا أن "الوقائع" النفسية التي تهمنا هي على الفور "معطيات" اجتماعية وتاريخية وسياسية. هذا هو الحال مع تعديل الرغبة/الحب، والحاجة إلى الاعتقاد/الوهم، وحتى حدود الاختلاف الجنسي المؤنث/المذكر. من المؤكد أن «المعطى الذي يجب التفكير فيه» في التحليل النفسي هو أمر كوني، لكنه أيضا اقتصادات أو بنيات متحركة، مرنة في تاريخ البشر: لم يتوقف فرويد أبدا عن فهمها على هذا النحو في حفرياته الحضارية. ويجب علينا أن ندرك أننا نعاني من أجل متابعة هذا المنظور وتحيينه.
الآن الحدود: في "موسى والتوحيد"، يرى فرويد أن “أول فرد في تاريخ البشرية” هو أمنحتب الرابع، فرعون الأسرة الثامنة عشر هذا الذي فرض التوحيد على شعبه، في نفس الوقت الذي كان يعيش فيه موسى. وهكذا يعترف فرويد بأن موضوع التحليل النفسي تابع لموضوع التوحيد: علاوة على ذلك، فإن إرهاصات اكتشاف فرويد ترتكز على مسرحية سوفوكليس "أوديب ملكا"، مع الدور البناء للأب الذي يفترض "حظر زنى المحارم". كونه في مفترق طرق (نتذكر أن أوديب قتل أباه في مفترق طرق على شكل À، غاما اليونانية، التقاطع بين الرغبة والقتل)، عاشق أمه جوكاستا، وقاتل أبيه لايوس، يجب على أوديب، مع ذلك، الاعتراف بهذه الجرائم لتخليص طيبة من الطاعون. من خلال إجراء تحقيقه، من خلال استجواب نفسه، من خلال التفكير، فإن رجل الرغبة والقتل "يضفي طابعا نفسيا"، أو بالأحرى، يجعل المصير الذي توقعته الآلهة ذاتيا، ولا يمكنه، إلا بهذا الثمن، أن يشكل نفسه ذاتا مأساوية منقسمة؛ أي موضوعا للرغبة وموضوعا للمعرفة. في الواقع، فإن رغبته في معرفة الحقيقة من خلال ذكرها لا تتحقق إلا على حساب التخلي عن رغبته، في الشعور بالذنب والعقاب: العديد من معادلات قبول الحقيقة في نفس الوقت مع سلطة الأب و/أو المدينة. نحن نفهم أن الأسطورة اليونانية، التي تم تعديلها في نص سوفوكليس الذي يجب أن نصفه بالملزم، وحتى بالتشريعي تماما، كان من الممكن أن تغوي فرويد، الحريص على التعرف على المتعة، بمباهجها ومخاطرها، ليرمز إليها بوسائل مشتركة بين المحظور. والمعرفة. ولأن "المتعة محرمة على من تكلم كما هو"، "فإنها لا تقال إلا بين السطور بالنسبة إلى من هو خاضع للشرع، لأن الشرع مبني على هذا التحريم بالذات" (لاكان).
هكذا يحدد مؤسس التحليل النفسي في آن واحد مفهومه للذاتية المأساوية التي تشكل الذات المتكلمة كخاضعة للقانون، وأخلاقيات التحليل النفسي، وتشاؤمها النشط، اللذين تقوم عليهما التجربة التحليلية. من الضروري أن نتذكر ذلك، لأن "أمراض الروح الجديدة" التي تكشف اليوم عن أسس هذه الذاتية - والتي غالبا ما تظل غير قابلة لأن تختزل فيها - تظهر صعوبات، إن لم تكن استحالة، التفردن في بعض الحالات النكوصية، وتستحضر بالتالي تجارب إنسانية من نوع آخر، تنتدب شرعية الإطار التحليلي، من خلال التشكيك في كونية أوديب ذاتها. مثلا، مسرحية أوريستيا لإسخيلوس ألا تفتح في الواقع على "ذاتية" مختلفة تماما، تتمرد على القانون الأبيسي، وفي نوع من بقاء النظام الأميسي الأسطوري، تتطلب خيال قتل الأم كحالة نفسية متحررة؟ هذا ما تذكره ميلاني كلاين. وبالمثل، هل ينبغي لنا أن ننسى يوربيدس ومسرحيته "الباكوسيات"، ومبارزة بينثيوس/ديونيسوس، التي تقدم طريقين على الأقل في عبور الأميسي: النسخة الأم من بينثيوس والتسامي الديونيسي، الذي سوف ترمز "ولادته المزدوجة" إلى قيامة المسيح؟ ولا تزال القائمة طويلة من "نساوات" فرويد، التي لم تفشل في إثارة الابتكارات في الممارسة السريرية الحديثة، فيما يتعلق بالروابط المبكرة بين الأم والطفل، وكذلك الذهان والتوحد. والإغراء كبير لتغيير المواضيع الفرويدية نفسها، لصالح "الطريق الثالث"، أو بطريقة أقل "قتل الأب"، للتغطية على المشكلة الأوديبية المتمثلة في نماذج التجزئة النفسية والحالات الحدودية.
استكشافي للتجارب الجمالية للحداثة (الأدب والفنون التشكيلية)، في محيط الذهان، وكذلك تجربتي مع النظام الشمولي الذي يقمع الإمكانات الإبداعية للأفراد، من خلال فرض تهديد الأتمتة المشددة عليهم في إطار سياسي وثقافي فصامي بارانويدي، أقنعتني بأنه كان من الضروري فتح الاستماع التحليلنفسي على إعدادات نفسية جديدة، وتفرض بالتالي مواقف تأويلية جديدة ذاتها في إجراء العلاجات، أسفل أوديب وبجانبه.
أزمة مذهب "التوحيد" (إذا استخدمنا لغة نيتشه) رغم تفشي "عودة الإيمان" وغيرها من النهضات الروحية، مزيج الأصولية والعدمية الناتج عن العولمة، زيادة "أمراض الروح الجديدة" (إدمان المخدرات، أمراض بدنية نفسية، انفصام الشخصية، اكتئابات سوداوية، ميول للتخريب، الانحرافات المرضية التي تخفي الاكتئاب الخطير في تمجيد الهوس بالاستمتاع حتى الموت، إلخ..)، كل هذه المظاهر التي تهيمن على عصر ما بعد الحداثة تتطلب بوضوح إعادة النظر في السوابق والإخفاقات في الذات الأوديبية (الرغبة - الشعور بالذنب - عمل الاستيعاب - التسامي).
غير أنني على قناعة بأن «موضوعات الانقسام» بين الذات الحقيقية والذات الزائفة، والتي تفرض نفسها في راهنية التحليل النفسي، اللاعقلنة أو اللاشعور البدائي خارج التمثيل المؤسسان على الاستيهامات الأصلية وظواهر التماهي الإسقاطي من النمط العاطفي وليس المعرفي، لا تتمتع باستقلالية محددة، ولكنها ترتبط بأعراض أو أمراض ذاتية يمكن فهمها وعلاجها فقط في أفق التكامل الأوديبي العصابي. لا يتعلق الأمر باختزالها في هذه المقاربة، بل بأن نتذكر، بوضوح تام، أنه في إطارها يجب على المحلل أن يضع نفسه بشكل حتمي إذا كان لا يريد أن يصبح متواطئا مع "الطاعون": طاعون الرضا عن النفس، الغامض إلى حد ما، مع الانحدار، التجزئة، الجنون.
هكذا، بانتباه للروابط ما قبل الأوديبية، لدى المرضى الذين يعانون من الحدود أو في علاج الأطفال والمراهقين، اهتديت إلى إعادة التفكير في "العلاقة بالموضوع". في مواجهة اضطرابات الفصل بين "الذات" و"الموضوع"، ودون افتراض وجود تشابه مع الانقسام الفصامي، أقترح أن تكون الأم والرضع، في الفترات الأولى من وجود الطفل، مثل "ab-jects" لا ذوات لا أشياء، بل أقطاب جذب ورفض، تدشن الانفصال االاحق في المثلث الأوديبي؛ قريبا من ذلك أن في جهة التذوتن المعني، السابقة منطقيا وكرونولوجيا على أوديب، التفاعل بين "ab-jects" تتأسس على "التماهي الأولي"، "المباشر والفوري"، مع أب ما قبل التاريخ الفردي، و تتجسد في التبادلات ما قبل اللفظية، والتي أسميها "السيميائية" (النبضات التي تتخذ الطريق الحسي، ويتم التعبير عن اللغة السابقة بتوترات وإيقاعات وتنغيمات).
على حدود الكبت الأصلي، تسمح كلمتي "دنيء" (abject) و"الدناءة" (abjection) للمحلل بتحسين استماعه، من خلال تسجيل التحويل السلبي في التواصل "السيميائي" العابر للغة، وبمتابعة محلله (بفتح وتشديد اللام الأول) عن كثب قدر الإمكان، والبقاء في وضع الأم الدنيئة (المرغوبة والمكروهة كما هو الحال في التمثيل الأنثوي تحت فرشاة بيكاسو أو دي كونينج) وكذلك في وضع “أب ما قبل التاريخ الفردي”، قطب "التماهي الأولي" وليس بعد "الحظر الأوديبي". ها أنت ترى كيف أن هذا النوع من الاستماع، المؤقت أو المتقطع في عملية المعالجة الطويلة، يستوعب الأوديب بدلاً من استبعاده، وفي رأيي يوفر الشروط النفسية لإعادة بناء المحلل كموضوع للرغبة وبالتالي للإبداع، من خلال دمجه في التحويل/التحويل المضاد انطلاقا من دفائن ما قبل أوديبية؛ لأنه منذ المرحلة "القديمة" لاحتياجاته الناقصة، يتم الاستماع إليه وتأويله ضمن تناقض وجداني للرابطة الموضوعية المبكرة على طريق التشكيل والرفض. هذا ما اقترحته، لا سيما في كتابي "قوى الرعب"، التي قادتني إلى "معالجة" هذه الطرائق المبكرة للتذوتن، تحت مظهر طقوس التطهير من الدنس، في مختلف الأديان (اليهودية، المسيحية، الهندوسية)، أو إخفاقاتها التصعيدية، في هذيان سيلين المعادي للسامية، مثلا.
(يتبع)
المصدر: https://www.cairn.info/revue-le-carnet-psy-2006-6-page-40.htm?ref=doi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -