الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفر القضاة والتاريخ اليمني في نظرية الربيعي

عباس يونس العنزي
(عèçَ حونَ الْيïي الْنٍي)

2024 / 3 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سفر القضاة والتاريخ اليمني
في نظرية الربيعي
كي تكتمل اللوحة الحقيقية للتوراة وبعد كل ما تقدم في دراسات كثيرة واكتشافات أركيولوجية برهنت على انعدام وجود صلة ومن أي نوع بين جغرافية الأرض الموعودة توراتيا والتي وزعها يشوع بن نون على الأسباط وبين فلسطين ومن بعد ذلك تواتر محاولات مطابقة تلك الأرض بجغرافية اليمن ووصول تلك المحاولات الى مستوى البرهان، بات من الضروري دراسة التأريخ الذي تقدمه التوراة ومقابلته بالتاريخ اليمني الحميري السبئي، وذاك ما أفاض به الدكتور فاضل الربيعي في العديد من كتبه ومنها كتابه المهم (الألغاز الكبرى في اليهودية) حيث اكتشاف حقيقة التطابق المذهل بينهما. وأول ما يلاقينا في مسيرة المقابلة هو الاستخدام المزدوج اليمني ــ التوراتي لمصطلحات مهمة وهي: (مكرب)، (يشوع)، (قاضي)، تلك المصطلحات االتي لاتعرف بتاتا في كل الحضارات القديمة عدا الحضارة اليمنية، فكلمة مكرب أو كرب حيث الميم حرف مضاف كعادة صوتية قديمة عند جزء من اليمنيين هي لقب ديني يمنح للكاهن بمعنى منير أو مشع أو مضيء أو الهادي أو المخلص تماما كما هو مصطلح يشوع أو شوع والذي له نفس المعنى والوظيفة وقد وردت كلمة شوع أو يشوع بإضافة الياء اليمنية في نقوش مملكة معين بالجوف وبالخط المسندي الحميري، أما (قضاة) و(قاضي) فأن هذا المصطلح مستعمل في اليمن حصرا ويذكر الدكتور فاضل الربيعي أنه لا وجود لهذا التعبير في الحياة اليومية لأي شعب قديم إلا في اليمن حيث استعمل كلقب ديني عند قبائل الشمال فلكل قبيلة قاضي أو قضاة يتناوبون على حكمها ويقودون معاركها ويحرسون شعائرها الدينية، وحتى اليوم فأن هذا اللقب يستعمل في اليمن كلقب قبائلي. واستعراض السفر المسمى بالقضاة (שֹופְטִים) كنموذج لأجراء التناظر بين النصوص التوراتية والتاريخ اليمني جاء لاعتبارات عديدة منها كون هذا السفر يصف افتراضيا المرحلة التي تلت موت يشوع مباشرة وبذلك تسبق أحداثه تأسيس المملكة الموحدة لكن في مستوى التحليل لايمكن لهذه الأحداث أن تجري كما وردت في هذا السفر إلا بعد انهيار المملكة الموحدة وبعد سلسلة الحروب التي وقعت بين الشمال والجنوب ومن ثم انهيار المملكتين على يد الآشوريين وتحول مدينة أورشليم الى مدينة وثنية تخلت عن دورها الديني، فهذا السفر متأخر وقد دونه الكهنة في إطار سعيهم للتذكير بإمكانية بعث مملكة حمير اليهودية. ويرى الربيعي إن أحداث سفر القضاة وقعت نحو 400 - 300 ق.م بعد انهيار دولة معين مصرن في الجوف ثم مملكة سبأ التي ظهرت على أنقاضها، ونلاحظ أن كتبة السفر ابتدؤا الأحداث من بعد موت يشوع بن نون وهو الكاهن الاسرائيلي الذي تلا موسى النبي والذي خاض معارك طاحنة من أجل الاستيلاء على الأراضي ومن ثم توزيعها على الاسباط أي تحالف العشائر الاسرائيلية وقد جرت تلك المعارك مع الكنعانيين (وهم قبائل قتبان وأوسان وحلفائهما) والفلشتيين حيث انتصر يشوع انتصارا كبيرا وأفلح بتحقيق أهدافه. والانتقال الى مرحلة المملكة الموحدة التي تشكلت بالطريقة التي تذكرها اسفار صموئيل والملوك من نقطة انتصاره سيبقى غير متأثر البتة بشطب أو نقل أحداث سفر القضاة الى زمن آخر، لأن أحداثه مقحمة عسفا في هذه المرحلة وجلها أحداث غير تاريخية وميثولوجية بالغالب، تنعش الحماسة وترفع الهمم، والتذكير بيشوع وببطولاته في مقدمة سفر القضاة الذي كتبه الكهنة بلغتهم وبتأثير غاياتهم الدينية حيث وصفت أحداثا تمحورت حول موضوع الاستيلاء على الأرض والتذكير بالماضي وبدين إله إسرائيل إنما جاء في خضم السعي لبعث المملكة اليهودية الضائعة. وأحداث سفر يوشع ومعاركه الشرسة تقابلها نصوص تاريخية وردت في الآثار اليمينة المسندية وصفت رسميا تلك المعارك التي جرت عام 650 ق.م. والتي قادها كاهن يمني يدعى كرب إيل وتر بن ذمر سمه ــ علي والذي اقتبست شخصيته لتكون عند الكهنة مدوني السفر يشوع (كرب) بن نون، حيث دحر الكنعانيين في مملكتي قتبان وأوسان واستولى على أراضيهما ووزعها على القبائل الجنوبية والشمالية المتحالفة ومنها بني اسرائيل وتوجه نحو الجوف حيث مملكة مصرين (مصريم) التوراتية والمعروفة لدى المؤرخين (معين مصرن). لكن سفر القضاة يسرد قصصا أخرى مفعمة بالألغاز والخيال المتوجع المنكسر ولا علاقة لها بحالة الانتصار والاندفاع التي كان يعيشها بنو اسرائيل على عهد يوشع بن نون وما تلاه، وقد تعرض الربيعي لتلك القصص بتحليلات مفصلة مبينا المعاني الرمزية لها الى جانب توضيح أخطاء ترجمات النصوص، ففي السفر هناك كالب أو غالب الذي زوج ابنته من عمها عثنئيل بن قناز وبين الدكتور فاضل الربيعي أنه ليس عمها البايولوجي إنما حليف أبيها من مدينة قطنة وفق ترجمته الشخصية التي خالفت الترجمة التقليدية، وهناك أهود الكاهن الذي اغتال عجلون ملك موآب وطريقة هروبه ويحاكم الربيعي مرة تلو أخرى الترجمات المعروفة ويوضح مدى زيفها، ويطرح السفر مسألة خضوع بني اسرائيل لسلطة مملكة حضور (حصور) وهي مملكة يمنية معروفة ويتساءل بحق هل يمكن لعاقل ألاّ يلاحظ هذا التطابق، أن التوراة تتحدث عن ( مملكة حضور) وهناك (مخلاف حضور) في اليمن ، أي (مملكة حضور)؟. ومن الملاحظات المهمة التي سجلها الربيعي على نتائج معارك سفر القضاة بأنها لم تفض الى أي تغيير ديموغرافي إنما أدت الى تغيير قادة السلطة في المدن المحررة وبما يشبه تغيير الأنظمة السياسية في العصر الحالي، ولعل في هذا دليل إضافي على أن الأحداث ينتابها استقرار سكاني رغم شدة المعارك بين المتناحرين مما يعني أنها حروب داخلية جرت فيما بين قبائل التحالف ذاتها بعد عصر المملكة الموحدة وليس قبله عندما كانت تحصل تغييرات ديموغرافية واسعة النظاق. وبعد سرد هذه الأحداث الحربية ينتقل السفر الى قصص ذات طابع شعبي ميثولوجي مثل قصة ديبورة النبية التي كانت قاضية لبني اسرائيل وباراق حيث تردد القصة بأسلوب الأناشيد في الأعياد والمناسبات الدينية والتي تستهدف بث الحماس والتذكير ببطولات مملكة حمير ودور النساء المهم فيها عندما تمكنت النبية من دفع باراق لمحاربة (يبين) ملك (حضور) بينما منحت امرأة شرف قتل قائد جيشه المسمى سيسرا، إن الجغرافية الجبلية الوعرة التي جرت فيها تلك المعارك تبرهن بسطوع أنها ليست فلسطين بل هي جغرافية اليمن. ويستفيض الدكتور فاضل الربيعي في مناقشة نص قصة جدعون الذي صعد من مدينة ماوية في تعز واستولى على سكوت واتجه نحو جبال ردفان ويجدد تفسيره وترجمته لبعض النصوص الغامضة واستعادة الجغرافية الأصلية للأحداث وهي الجغرافية اليمنية حيث كان الصراع يجري بين المديانيين وبين جدعون الاسرائيلي الذي تمكن من قتل ملكي مديان زبح (ذبح) وصلمناع موضحا جملة من التوضيحات حول الأخطاء الواردة في النص. وفكك الربيعي أسطورة شمشون الجبار محب النساء الذي تآمرت عليه دليله وربط قصته مع قصة ملك سبئي إسمه (رب شمس نمران) حيث أن اسم شمشون مشتق من كلمة شمس وأن الكهنة اليهود تخيلوه في صورة شمشون وهو الوزن العبري من شمس، وقد رأى الربيعي أن قص شعر شمشون من أجل إضعافه هو صورة رمزية لأشعة الشمس التي يؤدي حجبها الى الضعف وأن احتيال دليله على شمشون هو ترميز لصراع الآلهة الشمس والقمر وامتداد ذلك الى الصراع بين التقويمين الشمسي والقمري، ويقول الربيعي (ويبدو لي أن شخصية شمشون التوراتية هي مزيج من ثلاثة عناصر: اسم ملك أو أكثر حمل هذا اللقب - الاسم (رب شمس – يدع بن رب شمس... إلخ)، ثم وجود شخصية ثائرة تعرفها النقوش اليمنية باسم (شمس) وكان من الجنوب اليمني وقاتل الشماليين، وأخيرا، عقيدة دينية قديمة سابقة على اليهودية هي عبادة الشمس. هذا المزيج من العقيدة والشخصيات التاريخية، كون وأنشأ شخصية (شمشون) الأسطورية للتعبير عن عصر انهيار (التقويم الشمسي) والانتقال إلى (التقويم القمري)، وذلك ما يفسر لنا سبب إبطال القرآن للنسئ، أي العمل على إيجاد مقاربة بين التقويمين)، ويخلص الى أن السرد الديني الميثولوجي بنى على وقائع حقيقية من تاريخ سبأ وحمير.وأيضا شمجر الذي قتل ستمائة شخص من الفلشتيين بمنساس البقر حيث بين الربيعي أن هناك خطأ في الترجمة فليس هناك منساس البقر إنما ملمد وبقر ּבְמַלְמַד הַּבָקָר وهما موضعان متقاربان في محافظة تعز، وهناك غير هذه القصص وكلها ذات طابع تحريضي وبروح ميثولوجية لاتبتعد كثيرا عن القصص الشعبي الحماسي. ولعله من المحال استعراض كل ما قدمه الدكتور فاضل الربيعي في محاكمته الكبيرة لسفر القضاة في مقال واحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة