الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حوار مطول مع جوليا كريستيفا (الجزء الثالث)

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 3 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


آلان براكونييه: كتبت في كتابك الأخير: "نحن لا نعرف الكثير عن الأنوثة التي يمكن أن تكون نتاج المتخيل الأنثوي وحده"، وأنت تتحدثين بالتأكيد عن ندرة الرسامات. ماذا يمكنك أن تقولي لنا عن هذا الخيال الأنثوي الذي، ربما على نحو متناقض، نال إعجاب فرويد؟
جوليا كريستيفا: سوف آخذ من سؤالك لغز "المؤنث" العنيد دوما. أنا أؤكد، مع آخرين، وبطريقتي الخاصة، أنه لا يمكننا التحرك نحو تعقيد "المؤنث" دون الأخذ بعين الاعتبار الأوديبين (الاثنين) اللذين يبنينان الذات الأنثوية.
أنا أسمي "أوديب الأولي" الاستثارة المشتركة الأولي ابنة-أم، حيث تكون التجربة الحسية قبل اللغوية حاسمة: اقتحام وتخميل الجسم المجوف، بما في ذلك المهبل، من قبل الآخر الأمومي؛ اعتداء واستحواذ فموي، شرجي، وبظري من قبل الآخر؛ وأخيرا، كبت الاستثارة والتعويض من خلال الاستثمار النفسي والحسي المفرط للموضوع، والذي يخلق في وقت مبكر استدماجا نفسيا والذي سيتطور في شكل هذه الداخلية "الغامضة" للمرأة، المعتمدة على الموضوع، في "أوأن مستطرقة"معه، الرائعة والملتهمة. رغم أن الموضوع الأمومي ينقل الرابطة إلى الأب على الفور، فإن هذا الاعتماد المبكر للأم أساسي ومختلف لدى الفتاة، مقارنة بالفتى: لأن والدتها نصبتها أقل كمقوم قضيبي (كالحال الذي عليه الصبي) بحيث أنها لا تعكس استيهاماتها النرجسية ودفائنها السادومازوشية والاكتئابية، في تصاد مع الملذات الفموية والحسية للفتاة الصغيرة. وهذا يعني أن الواقع الحسي للموضوع، والحضور الحقيقي للأم (ولاحقاً للحبيب) مطلوبان - من قبل الفتاة الصغيرة - كتعويض عن اقتحام الجسد المجوف والاستدماج النفسي المشتغل باستمرار.
كما ترى، لا أعتقد أن هناك "كائنًا" مبكرا، قبل-موضوعيا وهادئا، سابقا على "الفعل الغريزي"، في الرابطة المبكرة أم-طفل، لا مع الفتاة ولا مع الصبي. ربما يكون المؤنث "الخالص" و"المقطر" عند وينيكوت استيهاما تحويليا مضادا. علاوة على ذلك، فحتى الفيلسوف الأكثر انتباها لـ "صفاء الوجود" الذي كانه هيدجر، لا يعتقد أنه خالٍ من "السلبية"، ولكنه "مضمن" حتماً في "العدم"، عندما لا يصر على "خبث الوجود".
أما "أوديب مكررا"، فهو يواجه الفتاة الصغيرة بما أسميه تعقيد "اللقاء القضيبي": التماهي مع المحظورات الأبوية، تكامل القانون، القواعد الاجتماعية، بناء الأنا الأعلى؛ وفي الوقت نفسه، استبدال الموضوع الأمومي بالأب باعتباره موضوعا شهوانيا. إن التلاعب بالقضيب وتقبل الموضوع (بدلاً من السلبية) يشكلان المرأة من الآن فصاعداً كموضوع للقانون القضيبي بالتأكيد، ولكنها "غريبة" في جوهرها عن النظام القضيبي للقانون، لأنها مدينة لأوديب الأولي، في "القارة المينوية الميسينية" حسب فرويد، وبعبارة أخرى، البصمة الحسية “السيميائية”. والتي تتحكم جاذبيتها اللاواعية في "الازدواجية النفسية الأكثر حدة" لدى النساء، مع نتيجتين: الكمون الاكتئابي من ناحية، وعدم الرضا الهستيري من ناحية أخرى (وهو ما كان يخشاه هيجل، أو يرحب به، عندما يلاحظ في المؤنث "السخرية الأبدية" للجماعة). سوف تتطور الأنوثة كمحاولة لسد هذا التفكك التأسيسي للمؤنث بين أوديب الأولي وأوديب مكرر، على إطلاق "أعرف جيدا لكن على كل حال": إغواء، تنكر، انتصاب جسد الفتاة (عندما لا يكون ثنائي الجنس)، كقضيب يخفي الإخصاء، المكر، الخداع، وحتى "الذوات الزائفة" التي تأخذ الهستيري كخط حدود؛ الفخ الذي يبدو أن الممارسة السريرية الحديثة قد وقعت فيه، متناسية الهستيريا على حساب "الحالات الحدودية". يمكن أن تكون الأمومة مناسبة للقاء الحقيقي، الذي يصلح أوديب مكررا وخاصة أوديب الأولي، ويمنح المرأة الاستيهام المتجسد (بمعنى التخيلات الكلينية) للوجود أخيرا.
ومع ذلك، هناك يقين سريع الزوال، والذي يجب الحفاظ عليه في حالة الحمل المتكرر، عندما لا يؤدي عدم وجود الشيء إلى تدمير السيدة التي تنهار مكتئبة، متعبة. إن العمل النفسي المتمثل في عمل الاستيعاب والتسامي يقدم نفسه باعتباره السبيل الوحيد للخروج من هذا التعقيد للمسار الذي يحدد ذات- امراة، ويقدر أن يكن النساء أكثر المحللين (بكسر وتشديد اللام الأول) والمحللين (بفتحه وتشديده) عددا، بل أفضلهم.
ومع ذلك، ليس من المؤكد أن هذه الخصائص النفسية الجنسية الأنثوية ستقود المتخيل الأنثوي إلى التفوق في الرسم. هذا الأخير يتطلب استثمار النظر أكثر من استثمار ما هو غير مرئي، واستثمار الخارج أكثر من الداخل، والعدوانية أكثر من الإصلاح. كان لا بد من هوية قضيبية قوية، مثل هوية أرتميسيا جينتيليسك (Artemisia Gentileschi) أو جورجيا أوكيف (Georgia O’Keefe)، حتى يحصل تطور كل من الثنائية الجنسية النفسية الأنثوية و"أشكال" الفن الحديث.
(يتبع)
المصدر: https://www.cairn.info/revue-le-carnet-psy-2006-6-page-40.htm








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل