الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع نيتشه في كهف زرادشت/2 تخير الموت

مراد سليمان علو
شاعر وكاتب

(Murad Hakrash)

2024 / 3 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(النصّ)
تخيّر الموت*
ترجمة: فليكس فارس
"كثير مًنْ يتأخرون في موتهم، وكثير من يبكرون. فإذا قال قائل للناس بالموت في الزمن المناسب، رفعوا عقيرتهم مستغربين. وزارا يعلّم الناس أن يموتوا في الزمن المناسب. ولكن أنى لمن يعرف الحياة أن يتخيّر الموت في أوانه؟
أفما كان خيرا للدخلاء على الحياة لو أنهم لم يولدوا. ولكن هؤلاء الدخلاء يريدون أن يولي الناس أهمية كبرى لموتهم، وكم من نواة تباهي بأنها كسرت وهي جوفاء.
إنهم يعلقون أهمية على الموت لأنهم ما عرفوا بهجة الموت، فالناس لم يعرفوا حتى اليوم كيف يقدسون أبهج الأعياد. ولسوف أنبئكم بالموت الذي يقدس، الموت الذي يدفع الأحياء ويجتذبهم بحوافزه وآماله. إن من أكمل عمله يموت ظافرا وحوله من يحفزهم الأمل وتنطوي فيهم الأماني. تعلموا أن تموتوا هكذا، ولكن أعلموا أن لا ظفر لمن يموت إذا هو لم يبارك ما أقسم الأحياء بإتمامه.
تلك هي الميتة الفضلى، تليها في المراتب من يسقط في المعركة وهو ينشر عليها عظمة روحه. غير أن ما يحتقره المجاهدون والظافرون على السواء إنما هو ميتتكم الشوهاء التي تزحف لصا وتتقدم آمرا مطاعا.
ما أجمل ميتتي إذا أنا تخيرتها فجاءتني لأنني أطلبها.
ولكن متى يجدر بالإنسان أن يطلب الموت؟
إن من يتجه إلى مقصد في الحياة وله وريث، وجب عليه أن يتمنى الموت في الزمن المناسب لغايته ولوريثه، لأنه يأنف حرمة لهما /ن أن يلقي بالأكاليل الذابلة على هيكل الحياة.
أنني لا أريد أن أحبُك الخيوط وانسحب إلى الوراء كمن يفتلون الحبال.
من الناس من لا يتجاوزون بأعمارهم الحد اللائق بالحقائق والظفر، وخليق بالفم المجرد من ألا يتناول ببيانه جميع الحقائق. على الطامحين إلى الظفر أن يودعوا الأمجاد في الزمن المناسب ليتمرنوا على فن الرحيل عن الدنيا في الزمن المناسب أيضا، ومن واجب المرء أن يتوقف عن عرض نفسه للآكلين عندما يكفون عن تذوقها.
ولكن من الأثمار كالتفاح من تقضي طبيعته الحامضة عليه أن ينتظر النضوج إلى آخر أيام الخريف، فإذا هو ماثل للنظر باصفرار الشيخوخة وتجاعيد أساريرها.
ومن الناس من يدبّ الهرم إلى قلوبهم أولا، ومنهم من يدب الهرم إلى عقولهم، ومنهم من يشيخون في ربيع الحياة، غير أن من يبلغ الشباب متأخرا يحتفظ بشبابه أمدا طويلا.
ومن الناس من ضلوا السبيل في حياتهم، فأضاعوا عمرهم، فعلى هؤلاء أن يعملوا على بلوغ التوفيق في موتهم على الأقل.
وهنالك أثمار لا تنضج لأنها تتهرأ في الصيف ولكنها تبقى معلقة بأغصانها لأن جبنها يصدها عن السقوط. وهكذا نرى في العالم أناسا يلتصقون التصاقا بأغصانهم، فهل من عاصفة تهب على الشجرة لتسقط ما عليها من أثمار تهرأت ورعى الدود قلبها؟ ليتقدم دعاة الموت العاجل وليهبوا كالعاصفة على دوحة الحياة، غير أنني لا أرى غير دعاة للموت البطيء يعظون بالصبر واحتمال كل مصائب الأرض.
إنكم تدعون إلى مكابرة الأرض ومجالدتها، أيها المجّدفون والأرض صابرة عليكم صبرها الجميل.
والحق إن ذلك العبراني الذي يمجده المبشرون بالموت البطيء قد مات قبل أوانه، ولم يزل جمٌّ غفير (يقصد بها جمع غفير ـ الكاتب) يعتقد بان ميتته المبكرة كانت مقدورة عليه.
وما كان هذا المسيح العبراني فد عرف غير دموع قومه وأحزانهم وكيد أهل الصلاح والعدل، لذلك راودته فجأة شهوة الفناء.
صدقوني، أيها الأخوة، إن المسيح قد مات قبل أوانه، ولو إنه بلغ العمر الذي بلغت، لكان جحد تعاليمه، وقد كان له من النبل ما يكفيه لاقتحام العدول عنها، ولكنه لم يبلغ النضوج، ولم تبلغه النحبة في الشباب، فكره الناس وكره الأرض. وهكذا بقيت روحه مثقله ولم ينشر جناحه المهيض.
إن في الرجل من الطفولة ما ليس في الشباب، فالرجل الناضج أقل حزنا وأقدر على فهم الحياة والموت، لأنه يشعر بحريته للموت وبحريته في الموت، وإذا امتنع عليه أن يثبت شيئا أنكره.
حاذروا أن يكون موتكم تجديفا على الأرض والإنسان أيها الأصحاب. تلك هي النعمة التي استجديها من وداعة روحكم.
ليرسل فكركم وفضيلتكم آخر أشعتها في احتضاركم كما ترسل الشمس الغاربة آخر أنوارها على الأرض، وإلا فإن ميتتكم ستكون فاشلة. إنني هكذا أريد أن أموت ليزداد حبكم للأرض من أجلي، أيها الأصحاب. أريد أن أعود إلى الأرض التي خلقت منها لأجد الراحة في أحضانها.
لقد كان زارا يرمي إلى هدف وقد أطلق سهمه الآن فارموا إلى هذا الهدف بعدي، لأنني من أجلكم أطلقت سهمي الذهبي. فما أشتهي شيئا اشتهائي أن أراكم تطلقون سهامكم الذهبية أيضا، ولسوف أبقى على الأرض قليلا لأمتع عيني بهذا المشهد، فاغتفروا لي هذا التخلف إلى حين.
هكذا تكلم زرادشت.

(1)
تفكيك النصّ وتحليله حسب رؤية كاتب المقال
في هذا النصّ يقول نيتشه على لسان بطله:
"... يجب أن يكون موت المرء تذكارا خالدا، ومهرجانا حافلا، احتفالا بالحياة التي أحياها والتي دربها هو التغلب على الذات بعد معرفته حق المعرفة. يدعوا على لسان زرادشت من أجل العبور إلى مرتبة الإنسان الأعلى ـ الإنسان الخارق ـ (السوبرمان)، فالموت عنده ضرورة أخلاقية على المرء أن يعيش بطريقة تجعله يمتلك إرادة موته في الوقت الملائم".
وما يزيد إثارة هذا النص الاستثنائي هو مناقشة نيتشه ـ طبعا على لسان بطل الرواية زرادشت ـ وكما يذكر الباحث والمترجم (إبراهيم جركس): "
صراحَةً حياة يسوع كشكل من أشكال المفارقات التاريخية، متذمّراً من كونه مات صغيراً وشاباً يافعاً قبل أن يقضي في البرية وقتاً كافياً: ((لقد مات مبكّراً جداً ذاك العبراني الذي يمجّده الداعون إلى الموت البطيء: ومنذئذٍ غدا ذلك بالنسبة للكثيرين قَدَرَاً محتوماً أن ماتَ في سِنٍ مبكّرة... لو أنّه ظَلّ في الصحراء بعيداً عن أهل الصلاح والعَدل! لَعَلَّه كان سيتعلّم كيف يحيا وكيف يُحِبُّ الأرض والضحكَ إضافةً إلى ذلك)). يؤكّد نيتشه على لسان زرادشت أنّه ((كان نبيلاً بما فيه الكفاية كي يَقوَى على النقض والتراجع)). لكنّه لم ينضَج بعد. (ينبغي على المرء أن يقارن هذه المناقشة الموجَزَة ليسوع مع تلك الواردة في كتاب "ضدّ المسيح").
وينتهي القسم بشكل مثير، فبعد مَدح الموت "في الوقت المناسب"، طلب البطل الصَّفحَ عن بقاءه "لفترة أطول قليلاً على الأرض".
هل كان نيتشه يعتبر نفسه من مرتبة الإنسان الأعلى وبالتالي لا يهم بقاءه على قيد الحياة لتستفيد من حكمته الأجيال اللاحقة، ويزداد الغموض عندما يرحل دون أن يجيب بنفسه على هذا السؤال.

(2)
تحليل النصّ من وجهة نظر أخرى
في بداية موعظته يقول نيتشه: "كثير مًنْ يتأخرون في موتهم، وكثير من يبكرون. فإذا قال قائل للناس بالموت في الزمن المناسب، رفعوا عقيرتهم مستغربين. وزارا يعلّم الناس أن يموتوا في الزمن المناسب".
وكأني به يخاطب الشعب الأيزيدي (الشنكالي) ويفهم الشعب المسكين من الدعوة (الموت) فقط فنقوم الفتيات الشنكاليات بصب النفط الأبيض على أجسادهن ويحرقهن أنفسهم (وحدث هذا بمئات الحالات قبل عام 2003 في سنوات الحصار وبنسبة أقل بين الشباب وكذلك بعد الفرمان الرابع والسبعون في مخيمات كردستان) دون أن يلتفتوا إلى ضرورة التأكد من إنهم أو الأقل قسم منهم إنما يبكرون دون أن يموتوا في الوقت المناسب.
ومن المهم أن نلاحظ إن نيتشه يضيف في نفس الفقرة ما يلي: "ولكن أنى لمن يعرف الحياة أن يتخيّر الموت في أوانه؟
وأولئك المساكين لم يعرفوا الحياة يوما ومع ذلك اختاروا الموت. وكان خيرا لهم لو لم يلدوا، وعلى عكس ما توقع المعلم نيتشه فإنهم لم يرغبوا أن يولي الناس أهمية كبرى لموتهم، ولم يتباهوا بأنهم نواة وقد كسروا بل كانوا يرغبون بشدة التخلص من بؤسهم وحرمانهم من الحياة فكانت الفتاة تتباهى بحصولها على قنينة من النفط الأبيض لتدلقها على ملابسها وتشعل فيها النار لتتفحم.
وأيضا على عكس ما توقع نيتشه فهؤلاء المساكين كانوا يعلقون أهمية على الموت (الانتحار) لأنهم ما عرفوا بهجة الحياة أبدا. فقط عرفوا دموع قومهم وأحزانهم وكيد أهل الصلاح والعدل، لذلك راودتهم فجأة شهوة الفناء.
ما أقبح الميتة التي طلبوها الشباب وجاءتهم لأنهم طلبوها.
يتساءل المعلم: "متى يجدر بالإنسان أن يطلب الموت؟
وجاوب الشعب الأيزيدي على هذا السؤال في بداية الفرمان الرابع والسبعون عند تحزموا لمحاربة (الدواعش) فسقط بعضهم في المعارك وكانت ميتة فضلى تجلت في رحيل القائد الشيخ (خيري الشيخ خدر) فتوج يوم رحيله يوما لشهداء عموم أيزيدخان.
وجاوب على تساءله (الرايخ الثالث) أيضا وبشكل خاطئ ومفرط وسنتناوله في الفقرة التالية.

(3)
(هكذا تكلم زرادشت) كتاب مقدس
قال نيتشه أيضا عن كتابه (هكذا تكلم زرادشت): "دهليز فلسفته". ولا يخفى قد أثرت أفكار هذا الكتاب في مجالات إنسانية عدة كالحرب، والسياسة، والفن؛ فعلى سبيل المثال: كان بعض الجنود في الحرب العالمية الأولى يضعونه في حقائبهم، ويرى البعض أن أفكار نيتشه عن «الإنسان المتفوق» مثلت الأساس الذي قامت عليه الأيديولوجيا النازية فأشعلت الحرب العالمية الثانية.
وهكذا تم تطويع الأفكار الواردة في هذا الكتاب ليسهم في فصل الإنسان عن الدين، وليس فقط السياسة.
يمكن أن تتكلم عن نيتشه كما تشاء فهو قابل للطرق مثلما هو نفسه المطرقة، فقد يقال عنه أن أفكاره قمعية وقائمة على الغطرسة والهيمنة، وقد استغلت النازية هذا لتغذية خطابها المتطرف وتمجيد العرق الآري باعتباره (الإنسان الأعلى) فكان كتاب نيتشه (هكذا تكلم زرادشت) أشبه بالكتاب المقدس لدى النازية وقادتها وقاعدتها الاجتماعية.
لم يكتف النازيون بتلقين وتحفيظ أفكاره ورموزه ومفرداته بل طبقوها على أرض الواقع فكانت الحرب العالمية الثانية. ومفرداته.
ألا يذكرنا فكر نيتشه وتأثيره الكبير على المجتمعات الأوربية، بانتشار رؤى وأفكار متطرفة استعانت بها الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل (القاعدة) و(داعش) وغيرها في التأثير في المجتمعات.
لنتأمل الوجه الآخر من الكتاب ونحمل مطرقة نيتشه ونحطم ما من شأنه يعيق تقدمنا كمجتمع ولس كأفراد لنرتقي أكثر وأكثر.
هكذا تكلمت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) في ترجمة (علي مصباح) عنوان النصّ هو "عن الموت اختيارا" وكذلك نرى معظم العناوين تبتدأ ب (عن...) ومن المفيد نقل الفقرة الأولى بترجمة (علي مصباح) التي يبدأ قائلا: الكثير من الناس يموت في وقت متأخر، والبعض يموت قبل الأوان، والحكمة القائلة: "لتمت في الوقت المناسب!" مازالت تبدو غريبة.
لتمت في الوقت المناسب؛ هكذا يعلم زرادشت.
لكن كيف يمكن لمن لم يعش في الوقت المناسب أن يموت في الوقت المناسب؟ ليته لم يولد أصلا!
نلاحظ اختلاف الترجمتين مما يشعر القارئ باختلاف المعنى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -