الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسحراتي في التراث المصري

قمرات السيد

2024 / 3 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ارتبطت مهنة المسحراتي في التراث المصري إرتباطاً وثيقاً بالتقاليد الشعبية الرمضانية، حيث اشتقت كلمة مسحراتي من السحور، والمسحر هو الشخص الذي يجوب الشوارع والحارات والأزقة حاملاً في إحدى يديه طبلة وفي اليد الأخرى عصا يطرق بها لينبه المسلمين ببدء موعد السحور والاستعداد للصيام، ويكون ذلك قبل صلاة الفجر بوقتٍ كافٍ، فيبدأ المسحراتي بترديد بعض العبارات المشهورة:- "أصحى يانايم وحد ربك الدايم..وقول نويت بكره إن حييت..الشهر صايم والفجر قايم..أصحى يا نايم وحد الرزاق..رمضان كريم"".
ويقال إنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لجأ المسلمون إلى فكرة تشبه المسحراتي لمعرفة وقت السحور، وذلك في ظل عدم وجود ساعات أو طريقة للاستيقاظ، وذلك من خلال مؤذن النبي بلال بن رباح، والذي كان يؤذن في الليل لتنبيه الناس للبدء في السحور، ومع رفع الآذان الفعلي للفجر مرة أخرى بصوت عبد الله بن أم مكتوم يبدأ الصيام والأمتناع عن الطعام، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية تعددت أساليب تنبيه الصائمين إلى أن توصلوا لفكرة المسحراتي، وذلك في عصر الدولة العباسية في مصر في عهد الخليفة المنتصر بالله.
ويذكر المؤرخون أن المسحراتي ظهر للوجود عندما لاحظ والي مصر عتبة بن إسحاق 283هـ أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة في هذا الوقت، لذا فقد تطوع بنفسه لهذه المهمة، فكان يطوف في شوارع القاهرة ليلاً لإيقاظ أهلها وقت السحور، حيث كان يطوف الشوارع سيراً على الأقدام من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط منادياً الناس:"عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة"، ومن هذا الوقت أصبحت مهنة التسحير مقبولة عند عامة الناس، وذلك لكون الوالي بنفسه أول من عمل بها.
ومنذ ما يقرب من ألف عام، وتحديداً في عصر الدولة الفاطمية، أمر الحاكم بأمر الله الناس بأن يناموا مبكرا بعد صلاة التراويح، وأصدر أمراً لجنوده بأن يمروا على المنازل ويدقوا على أبوابها بهدف إيقاظ النائمين للسحور، حتى تم تعيين رجل للقيام بهذه المهمة وأطلقوا عليه أسم المسحراتي، وكان يدق على الأبواب بعصا يحملها في يده ويقول:- "يا أهل الله قوموا تسحروا".
وكادت مهنة المسحراتي أن تندثر في بلاد المحروسة الى ان جاء العصر المملوكي، وتحديدا في عهد السلطان الظاهر بيبرس الذي عمل على إحياء مهنة المسحراتي كتراث إسلامي، ولكي يحقق ذلك قام بتعيين صغار علماء الدين بالدق على البيوت لإيقاظ أهلها للسحور، وبعد أكثر من نصف قرن وتحديدا في عهد الناصر محمد بن قلاوون ظهرت طائفة المسحراتية والتي أسسها أبو بكر محمد بن عبد الغني الشهير بأن نقطة، وهو مخترع فن "القوما" وهي شكل من أشكال التسابيح ولها علاقة كبيرة بالتسحير في شهر رمضان، ظهرت في بغداد في بادئ الأمر قبل أن تنتقل إلى القاهرة، وكان "أبن نقطة" المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون، وعلى يديه تطورت مهنة المسحراتي، فتم استخدام الطبلة، والتي كان يدق عليها دقات منتظمة باسخدام العصا، وكانت طبلة المسحراتي تسمى "البازة" كما طور المسحراتي من ندائه لتنبيه الصائمين فأضاف له الأشعار الشعبية وقصص من الملاحم وزجل خاص بالشهر الكريم.
ومع التطور التكنولوجي وظهور الإذاعة والتلفاز بدأت مهنة المسحراتي في الإندثار نسبياً، وفي محاولة لجذب الأنتباه إليها قام المسحراتي بتدوين اسماء كل من يرغب في النداء عليه لإيقاظه للتسحر، ورويداً روايداً بدأت مهنة المسحراتي تطرق أبواب الفنانين والشعراء أمثال بيرم التونسي وفؤاد حداد وسيد مكاوي وهم من حملوا على عاتقهم مهمة توثيق تلك المهنة ونقلها إلى ميكروفون الإذاعة وشاشة التلفاز من خلال أشعار وأغاني لا تزال شاهدة على هذه المهنة التراثية الأصيلة والمحببة للجميع على مر العصور.
ولم يكن المسحراتي خلال الشهر الكريم يتقاضى أجراً، بل كان ينتظر حتى أول أيام العيد فيمر بالمنازل منزلاً منزلاً حاملاً طبلته المعهوده، فيوالي الضرب على طبلته، فيهب له الناس المال والهدايا والحلويات ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد السعيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟