الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأثير الخرافة الإيجابي

بارباروسا آكيم

2024 / 3 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد الحوار الأخير للمفتي علي جمعة و الذي أثار جدلا واسعا
بسبب إقرار العلاقات الجنسية قبل الزواج و توسيعه لمفهوم الجنة ليشمل غير المسلمين

استوقفني تعليق من متثاقف عربي ( ملحد ) من خلفية إسلامية يهاجم شخص المفتي علي جمعة بدعوة إن وقت الخرافات قد انتهى و لا داعي لإعطاء هذه الفتوى اكبر من حجمها !

و ان معركتنا الأساسية هي مع الإسلام و الأديان في صميمها معركة انهاء الخرافة و القضاء عليها !

و في الحقيقة قد ادهشني هذا التعليق بمدى سطحيته و سذاجته و قصر نظر صاحبه الذي  يختلق معارك وهمية عديمة النفع بل و مؤذية الى ابعد الحدود .

لأننا اذ كنا ننظر الى الأمور بمقاييس الإشتراط السلوكي البافلوفي فلابد ان نكافيء كل صوت يدعو للسلم الأهلي الإجتماعي بغض النظر عن العناوين العقائدية و نشجب كل صوت نشاز يدعو للتحزب و الطائفية
و بخلاف ذلك فأننا نرتكب ماهو مخالف للعرف الإنساني

فأنا شخصيا لم اعتبر معركة التوعية هي معركة ضد خرافات !
لأنني لو فعلت ذلك فسأكون بمنزله دون كيخوتي دي لا مانتشا
الذي يحارب طواحين الهواء ظنا منه انها وحوش عملاقة

لمن لا يعرف رواية دون كيخوتي فهي شخصية في رائعة
ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا

ثم من قال ان الخرافة بحد ذاتها مضرة ؟
هل تعلم أخي العزيز إنه لولا الخرافات لأنقرض الجنس البشري !
لا اعلم ان كان الشخص صاحب هذا التعليق السلبي نفسه من مصر او سواها من الأمصار  ، و لكن لو نظرنا الى الخرافات الشعبية المصرية على سبيل المثال لا الحصر
فأننا نجد إن هذه الخرافات إنما قد صيغت لحماية النسل
فقصص ( ابو رجل مسلوخة ) و ( النداهة ) و ( امنا الغولة )
إنما أُعدت لتكون حكايات ذات طابع تعليمي للأطفال ، لدفعهم الى عدم الثقة بالغرباء و الى عدم مغادرة المنزل الى مناطق بعيدة عن رقابة الوالدين
و لولا ذلك الوعيد و التهديد لكان اولئك الأطفال جثث هامدة ملقاة على حواف الترع بعد انتزاع براءتها منها

اخي العزيز .. شعب بلا خرافة يعني شعب بلا ثقافة !
و لا يوجد على وجه البسيطة من مشرق الشمس الى مغربها شعب بلا خرافة ، لأن الخرافة إحدى إفرازات الثقافة

كلا لست ضد الخرافة بل أَنا اعشقها و انكب على دراستها  !
قد تصدمك مثل هذه الإجابة و لكنها الحقيقة الغير مرئية لمثقفينا مع الأسف في العالم العربي و هذا ما يجعلهم في صدام مع تراثهم الشعبي و الديني

لأن الخرافة قصة اسطورية تقدم لك الحقيقة الصعبة بشكلها الجميل و السلس الذي يعلق بالذهن

واريد هاهنا أن اضرب مثلا لكل معتبر
أحدهما من مملكة السويد و الآخر من جمهورية المانيا الاتحادية

لو سألت اي من مثقفينا من هي الشخصية الأدبية الأكثر تأثيرا في وجدان العالم العربي لأجيال السبعينات و الثمانينات و التسعينات ؟
و هنا اكاد اجزم أن لا أحد سيقدر على الإجابة لهكذا سؤال معقد

و لكن من جهتي فأنا قادر على إجابتك بثقة وإطمئنان الى درجة أنني اعتقد أن لا أحد سيقدر على مخالفتي !
إنها الكاتبة و الأديبة السويدية 
سِلما لاگَه لوف
Selma Lagerlöf

طبعا للوهلة الأولى ستصدم ! و ستقول من هي هذه المرأة ؟ فأنا بحياتي لم اسمع بها . و كيف لإمرأة لم أسمع بها أن تشكل وجداني فتؤثر في معلوماتي و أخلاقي؟
و ما علاقة هذه المرأة اساسا بموضوع الخرافات و الأساطير ؟

و بأختصار شديد فالسيدة
Selma Lagerlöf
هي روائية سويدية حازت على جائزة نوبل في الآداب في سنة ١٩٠٩

و كما قلت عزيزي المولود في جيل الثمانينات فأنت لن تعنيك مثل هذه المعلومة
و لكن لو سألتك هل تعرف شخصية نيلز هولگە شونز في افلام الرسوم المتحركة  ؟
Niels Holgerssons

ذلك الفتى الأشقر الذي يرتدي قبعة حمراء مخروطية في ذنبها صافرة و الذي يتحول إلى قزم فيسافر على ظهر اوزته عبر انحاء السويد ؟
فبكل تأكيد ستعرف نيلز  !

هل تعرف عزيزي
بأن السيدة
سِلما لاگَه لوف
قدمت هذه الرواية للأطفال لدفعهم لتعلم مادة الجغرافية ( الجافة ) بعشق لا مثيل له ؟!
هل تعلم بأن هذه المرأة سافرت عبر انحاء السويد من شمالها الى جنوبها لكي تدرس اساطير و خرافات كل منطقة على حدة ؟!

فجمعت في رواية واحدة ..جغرافية السويد و اساطيرها الشعبية و علمت الأطفال معنى الرفق بالحيوان وحب الوالدين !

و قد بلغ تقدير مملكة السويد لهذه المرأة بأن طبعت صورتها على عملتها النقدية من فئة ٢٠ كرون !

أَما اذا جئنا الى الى التجارب العلمية التي أجرتها جامعات مرموقة حول تأثير الخرافة الإيجابي
فلدينا تجربة موثقة لصالح جامعة كولن أجراها مجموعة من علماء علم النفس الإجتماعي و التجربة نقلتها صحيفة
Süddeutschland zeitung
بتاريخ ٢١ / ٠٧ / ٢٠١٠
تحت عنوان :
Wie Aberglaube hilft
كيف تساعد الخرافة

Denn: Aberglaube hilft. Das ist das Fazit einer Studie der Universität Köln.

Bekanntlich setzen viele Sportler auf Glücksbringer oder hängen irgendeiner anderen Form des Aberglaubens an. Golfprofi Tiger Woods etwa trägt am letzten Turniertag immer ein rotes Hemd, Basketball-Star Michael Jordan wollte niemals auf seine Shorts von der North Carolina University unter dem eigentlichen Trikot verzichten. Und Miroslav Klose folgt einem festen Ritual beim Anziehen von Schuhen und Stutzen. Außerdem muss es der rechte Fuß sein, mit dem er das Spielfeld betritt. Aber bringt ein solches Verhalten tatsächlich etwas? Und wenn ja, was?

Genau diesen Fragen ist die Sozialpsychologin Lysann Damisch nachgegangen. Zusammen mit ihren Kollegen Barbara Stoberock und Thomas Musseiler hat sie eine Reihe von Versuchen unternommen. So luden die Forscher 28 Studenten zum Golfspielen ein. Bevor die Versuchsteilnehmer jedoch abschlagen durften, erklärten die Psychologen der Hälfte von ihnen, ihr Ball habe sich bisher als Glücksball erwiesen.

https://www.sueddeutsche.de/wissen/psychologie-wie-aberglaube-hilft-1.962888

اذا الخرافة يمكن ان تحاربها حينما يكون لها تأثير سلبي على الواقع المعاش
و لكن حينما يكون لهذه الخرافة تأثير ايجابي فأنا لن اقف ضدها
هذا هو الواقع و المنطق
و موقف الشيخ علي جمعة يشكر عليه و هو يمثل موقف إسلامي بوجه سمح ينبغي أن نعضده لا ان نقف ضده

فأخي المثقف العربي المحترم  ..
لا تتكبر على الناس !
و لا تقرف عيشتنا بسحنتك البائسة لأنك قرأت فصلين في كتاب اصل الأنواع !

الله يطيح حظك مع خالص حبي و تقديري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أخي باربا
عدلي جندي ( 2024 / 3 / 15 - 22:40 )
الخرافة كما ذكرت ف مادتك كالملح والتوابل ف حياة الأمم ولكن إذا زاد العيار عن الحد تصبح مادة ضارة ومصر وبالطبع باقي دول الغبار البشري من إيران لليمن حالتهم لا تسر لا عدو ولا حبيب
رجال الدين ف بلادنا صاروا ك الهْم ما يتكلم مع تخاريفهم الزيادة وكأنهم توا راجعين من قعدة تحشيش مع الخالق وبينقلوا نيابة عنه مالم يستطع سبحانه أن يوضح الخليفة
اليوم الحرس الثوري أغلق مستشفى ف إيران لأن سيدة إشتبكت مع معمم كان يصورها لأن حجابها مخالف والمسكينة لظروف مرض وليدها لم تنتبه وآدي الخرافة وآدي ما فيها
الخرافة ف بلاد الكُفر نعمة أما ف بلاد خير أمة وأخوانهم صارت نقمة و ضباب
تحياتي


2 - الاخ العزيز بربروسا
nasha ( 2024 / 3 / 16 - 00:31 )
المقال ممتاز بكل جوانبه.
أما احلى مقطع في المقال فهو النصيحة:
فأخي المثقف العربي المحترم ..
لا تتكبر على الناس !
و لا تقرف عيشتنا بسحنتك البائسة لأنك قرأت فصلين في كتاب اصل الأنواع !

الله يطيح حظك مع خالص حبي و تقديري .هههههههه


3 - العزيز بارباروسا
كامل النجار ( 2024 / 3 / 16 - 06:17 )
موضوع شيق وجميل . واتفق معك أن الأساطير مهمة جداً في حياة الشعوب وكانت تمثل المكتبة العامة للمجتمع، يقرأ منها الصغار والكبار على حد شواء. ويجب علينا دراسة الأساطير في جميع الشعوب واستخلاص مغزاها. ولكن علينا كذلك أن نفرّق بين أساطير العالم القديم وبين أساطير الأديان التى زرعت التفرقة بين الشعوب واحتلت أدمغة العامة بأساطير مضرة للإنسان تفضّل بعض الناس على بعض وتدعوهم إلى قتل من يخالفهم. كل الأساطير الدينية مضرة ويجب محاربنها.
بالنسبة للمفتي علي جمعه فمن المفيد للعالم الإسلامي الاصطفاف حول بعض فتاواه كالتي ذكرتها في مقالك ولكن نحاربه في فتاوى مثل رضاع الكبير في المكت
تحياتي لك، والى المزيد


4 - الأخ عدلي الجندي
بارباروسا آكيم ( 2024 / 3 / 16 - 15:52 )
تحية طيبة اخي عدلي
الموضوع بحد ذاته قابل للأخذ و الرد و لكن ما يعنينا إنه هناك موقف جيد من رجل يعتبر الرجل الأول في العالم الإسلامي السني .
فلماذا نهاجم موقفه اذا كان مصيب ؟
فمن المفروض ان نقول للمصيب انت مصيب و للمخطيء انت مخطيء .
و من نافلة القول ، لو قارنا شيخ الأزهر بهذا الملى الإيراني ستجد إن موقف شيخ الأزهر متفوق من الناحية الأخلاقية على هذا الروزوخون
فشيخ الأزهر يتحدث على الملأ عن ما يجول بخاطره بينما هذا الكائن المتطفل يتلصص على النساء خلسة و يصورهن

للعلم انا ارسلت لهذا الروزوخون على الفيس بوك
مع يتيوب مرفق و قلت له حاول ان تنظر كثيرا الى فتحة الفستان
لأنني شخصيا لم ارى شيء

https://youtu.be/5fRW7Is1z8Q?si=YfmWg44UKmu_f227
مع التقدير


5 - الأخ ناشا
بارباروسا آكيم ( 2024 / 3 / 16 - 15:55 )
شكرا للأخ ناشا على التعليق و التشجيع
مع تمنياتي لك بالخير و الصحة و السلامة


6 - استاذي الكبير كامل النجار المحترم
بارباروسا آكيم ( 2024 / 3 / 16 - 16:15 )
استاذي الكبير د . كامل النجار المحترم
جميل أن ينال المقال استحسانكم و رضاكم

أما بعد ..
ففي ذات التجربة التي أجرتها جامعة كولن هناك اشارة الى الأعراض السلبية للخرافة
مثل خرافة قرون ( حيوان وحيد القرن ) حيث ادت الخرافة القائلة ان قرون وحيد القرن تقي من مرض الأيدز و انها تعمل كمنشط جنسي الى اقتراب هذا الحيوان من خطر الإنقراض

و بناءا عليه و كما قلت سابقا ان التعامل مع الخرافة يكون من حيث ضررها او نفعها

فأن كانت مضرة ، فهلم بنا جميعا نهاجمها
و لكن ان كانت عديمة الضرر او نافعة
فما لي و لها ؟!
فمثلا لو ذهبت الى المراقد الشيعية ستجد اسراب من الحمام و الطيور تحط و ترحل دون ان يؤيذها احد
لماذا ؟ لأن الشيعة يقولون بحرمة مساس الحجيج بهذا الطائر الذي هو في حضرة الأئمة !
و يسموه حمام الحرم
فالبنتيجة صار لدينا محميات خاصة للطيور تحميها من خطر الإنقراض

و على هذا الأساس اتعامل شخصيا مع الخرافة

مع جزيل شكري و امتناني لمروركم الذي اسعدني


7 - سامي سيمو
احمد علي الجندي ( 2024 / 3 / 27 - 17:57 )
الناس تكبر وتتغير
الا انت
ثابت محلك
!
لا يمكن ان تطور معارفك الفكرية
او تزيد معلوماتك
اما مسألة الانتقائية
فيمكن مراجعة الفاتيكان
فهذا منهج من السبعينات اذا لم اخطئ
عندهم