الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الثامن) –العلاقة بين المسحة المقدسة والختم وشجرة الحياة والصليب–

ابرام لويس حنا

2024 / 3 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقل أوريجانوس اشارة سيلسوس لتعاليم مجموعة مسيحية عن "الختم σφραγιδος" – التي عدها مجموعة غنوصية – تطورت تعاليمها من ممارسات مسح المتعمدين حديثاً بالزيت ، قائلاً :-

(فالذي يطبق الختم هو الأب ، و الذي يُختَم هو الابن وهو الذي يُردد قائلاً : مُسحت بالدهن الابيض من شجرة الحياة) (1)

حاكماً عليها بـأنها:

(اشياء لم نسمعها حتى من بين الهراطقة) (2)

لكن كيف لم يفطن علامة مثل أوريجانوس إلى كونها مُمارسة ولقب للمسحة المقدسة؟! فالإنسان يُمارس أولاً المعمودية (الخروج من الماء) مثلما تخرج الشمس من ظُلمتها ومثلما يَخرج الإبن من رحم أمه ليلقي وليشع بنوره على الظُلمة، ذاك النور وتلك الشعلة التي تزداد إيقاداً من خلال الزيت، مثل يُستخدم في زيادة إتقاد نيران السراج، هكذا فإن الإنسان (يُختم) على جسمه بعلامة (الصليب) فالختم يوضع على الجسد هكذا الزيت يوضع على الجسد، فِمثلما الختم يُعلن تَخصيص وإنتماء المرء الى سيد مُعين أو لفرقة مُعينة او مملكة مُعينة أو ملك ما، هكذا المِسحة التي نُختم بها فإنها تختم خروج ونور المرء بالإنتماء للنور، ومثلما يُخرج الآب النور من السماء رافعاً الشمس بيديه، واهبًا للشمس ديمومة النور و الإفتعال والإشتعال، مثلما لو يهب لها زيتاً، فهكذا نحن كأولاده مثل الشمس، يهب لنا إتقاد ويَقظة الروح (النور) كأنه يهب لنا زيتاً ليقظة نورنا، لهذا كيف لم يَفطن علامة مثل أوريجانوس إلى ذاك الربط؟! مُتهماً إياهم بكونها خرافية جداً؟! وأنه لم يُسمع بها حتى مِن بين الهراطقة؟! وكما شرحنا من ذي قبل في عِدة من مقالتنا أن شجرة الحياة هي رمز (ليهوه) أي (للنور وشمسه)، وفي أَبُوكْرِيفَا إكليمندس Pseudo-Clementines للاعترافات نجد ربطاً واضحاً بين (المَسحة) وبين (المعمودية) فٌذكر ما يلي:

(ثم بدأ بطرس يرشدني قائلاً : عندما خلق الله العالم كسيد على الكون، قام بتعين رؤساء على المـخلوقات، حتى على الاشجار و الجبال و اليـنابيع و الانهار و كل شيء قام بصنعه...بل وكذلك عين رئيس ملائكة على الملائكة، وروحا على كل الارواح، ونجماً على كل النجوم، وشيطاناً على الشياطين، وطيراً على الطيور، و وحشاً على الوحوش، و ثعباناً على الثعابين، و سمكة على الاسماك، ورجلاً على كل الرجال والذي هو يسوع المسيح، هذا الذي اطلق عليه المسيح بسبب طقس ديني مُميز (المِسحة)، فالملك كان يُسمى بالأسماء المُختلفة مثل البطل Ἀρσάκης / Arsaces عند الفرس ، وقيصر Caesar عند الرومان، و فرعون Pharaoh عند المصريين ، هكذا كان الملك بين اليهود يُطلق عليه المسيح، فبالرغم من كونه ابن الله واصل كل الاشياء ، الا انه اصبح رجلاً مسحه الله بالزيت الذي اخده من خشب شجرة الحياة ومن هنا اطلق عليه المسيح) (3).

ولان المَسحة هي التي تزيد إتقاد النفس والنور وتجعل الروح مُتقدة بروح الله ونوره، صارت أعظم مِن المعمودية، كما نرى في إنجيل فيلبس:

(إن المسحة اعظم من المعمودية لأنه من المسحة دُعينا ممسوحين/ مسيحيين وليس بسبب المعمودية، فمن المسحة أخذ المسيح كذلك لقبه لأن الآب قد مَسح الابن و الابن بدوره مسح الرسل و الرسل بدورهم مَسحونا ومن مُسح فقد نال كل شيء: القيامة، النور، الصليب و الروح القدوس) (4).

فشجرة الحياة وهي يهوه وهو الذي نحصل منه إتقاد روحنا وزيت نورنا، ولهذا نجد القدماء ربطوا بين (شجرة الحياة) و (شجرة الزيتون) كالتالي:

(اننا نجد في وسط الفردوس شجرة الحياة و شجرة الزيتون التي نحصل منها على زيت المسحة ومنها القيامة) (5).

مٌشبهين يوسف النجار الذي سيج على إبنه المسيح برحمته وبجوده ورعايته بيهوه، لذا سُمى بيوسف إبن هالي أي (يوسف إبن النور) أو (يوسف إبن الإله Ηλί)، فشبهوا يُوسف النجار بيهوه الزارع، الذي زرع شجرة الحياة، فقالوا إن المسيح قد صُلب على خشبة الحياة (أي رُفع على شجرة الحياة) فشجرة الحياة تَرفع النور لتخفيه فيها، مثلما يرفع الله النور ويخفيه (قارن بين قول سيلسوس إن المسيح صُلب على خشبة شجرة الحياة، وبين قول إنجيل فيلبس أن يوسف النجار زرع الخشبة التي صُلب عليها المسيح) كالتالي:

(في كل كتابتهم نجد ان هناك قيامة جسدية من تلك الشجرة اي شجرة الحياة، وهذا بسبب تسمير معلمهم على الصليب وبسبب مهـنته كنجار) (6).

(زرع يوسف النجار حديقته بسبب ما تحتاجه حرفته من خشب، الا انه صنع من الأشجار التي زرعها الصليب الذي عُلق ابنه عليه) (7).

لهذا يَرد أوريجانوس على سيلسوس مُستغرباً عليه عدم إقتناعه كالتالي:

(فقد سخر سيلسوس من القيامة التي لم يفهمها مستغرباً "أهناك قيامة جسدية بواسطة شجرة !"، فهو لم يفهم التعبير الرمزي باستخدام تعبير "بشجرة أتى الموت وبشجرة أتت الحياة"، و ذلك لان الموت كان في أدم وكانت الحياة في المسيح) (8).

فنرى هنا أن أوريجانوس ينقل قول سيلسوس واستغرابه بأن (القيامة حصلت بواسطة شجرة) أي كان هُناك تشبية قديم للصليب بكونه الشجرة، وتلك الشجرة التي أخفت النور بداخلها مثلما تخفي الأشجار الطيور النيرة بداخلها.

فتشبيه الشجرة (على كونها ذات تحمل حياة) ليس غريباً على فهم القدماء، فمثلا شبه يوستينوس الشهيد شجرة الحياة بالمسيح و مجيئه في المستقبل بالمجد، كالتالي:

(والآن ايها السادة أريدكم أن تفهموا ان الذي قال عنه الكتاب إنه سيأتي ثانية في مجده بعد الصلب رُمز له بشجرة الحياة التي في الفردوس وبالأحداث التي ستحدث لجميع الابرار) (9).

المراجع والحاشيات
=============
(1) أوريجانوس، ضد سيلسوس ، الكتاب السادس، المقطع 27.
(2) أوريجانوس، ضد سيلسوس ، الكتاب السادس، المقطع 27.
(3) الاعترافات الأَبُوكْرِيفَية لإكليمندسPseudo- Clementine Recognitions ، الكتاب الاول ، المقطع 45.
(4) انجيل فيلبس، الاصحاح 78، العدد 1- 5.
(5) انجيل فيلبس، الاصحاح 75، العدد 5.
(6) أوريجانوس، ضد سيلسوس، الكتاب السادس، المقطع 27.
(7) انجيل فيلبس، الاصحاح 75، العدد 5.
(8) أوريجانوس، ضد سيلسوس، الكتاب السادس، المقطع 34، 36.
(9) يوستينوس، الحوار مع تريفون اليهودي، الفصل السادس و الثمانون، المقطع 1.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah