الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنظيمات العثمانية في ولاية العراق

قطران عباس مجبل راشد

2024 / 3 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ما هي التنظيمات الإصلاحات ومظاهرها : -
تمثل الوضع المتردي الذي مرت به الدولة العثمانية خلال القرن الثامن عشر بعدم استتباب الوضع الداخلي وذلك بزيادة تمرد الإنكشاريين والولاة على الحكومات المركزية، وسوء الأحوال الاقتصادية، والانكسارات العثمانية أمام القوى الخارجية، الأمر الذي دفع بالسلاطين العثمانيين إلى الإسراع في عملية الإصلاح.
ورغم الحماس الفياض الذي أبداه السلاطين العثمانيون وفي مقدمتهم سليم الثالث ومحمود الثاني للسير قدما بسياسة الإصلاح، في محاولة منهما لترويض الإمبراطورية لمدة تزيد عن ثلاثة قرون، إلا ان ظروف الدولة العثمانية كانت أقوى، فليس من السهل القضاء على جوهر العقلية القديمة التي ظلت ممسكة بزمام أمور للدولة ولعهود طويلة، والدول الأوروبية تتربص للانقضاض فرغم النجاح والاخفاق اللذان اتسمت بهما سياستهما، إلا أن إصلاحاتهما كانت المقدمة والقدوة التي أنارت طريق السلاطين الذين تابعوا إجراءات التحديث من بعدهما، لتدخل بذلك الدولة آخر مرحلة من عمر حركة الاصلاح العثماني، فرضتها عليها الدول الأوروبية وباتفاقيات دولية انتهت بالإمبراطورية إلى حالة الاستلام العقول الحضاري للغرب.

أشرف على ادارة مشروع التنظيمات العثمانية بعض الرموز الإصلاحية العثمانية السياسية، الذين تبوأوا أرفع المناصب في الدولة، وتخرج أغلبهم من المدارس الأوروبية، وحملوا أفكار ما يسمى بعصر النهضة والثورة الفرنسية وقيمها من أمثال مصطفي رشيد باشا، وفؤاد باشا، وعالي باشا، ومدحت باشا، وهم الذين كانوا وراء حركة التنظيمات التي بدأت رسميا سنة 1839 م(1) .

تعرف دائرة المعارف الإسلامية التنظيمات فتقول: إنها اصطلاح مأخوذ من قانون تنظيم إثمك"، ويقصد بالتنظيمات الإصلاحات التي أدخلت أداة للحكم والإدارة في الدولة العثمانية من مطلع عهد السلطان عبد المجيد الأول. وقد استهلت بالقانون المعروف بصفة عامة باسم خط شريف كالخانة. وورد اصطلاح تنظيمات خيرية لأول مرة في السنوات الخيرة من حكم السلطان محمود الثاني ، أما نهاية عهدها فكانت حوالي عام (1876 م) عندما تولى الحكم عبد الحميد الثاني وفي تعريف آخر للتنظيمات: هي إصلاحات تستوحي التجربة الأوروبية إلى حد بعيد، وهدفها تتغير نظام الإمبراطورية العسكري والإداري، وإرساء هذه الإمبراطورية على أسس فكرية وقانونية جديدة. أو هي إصلاح المجتمع وفق أنظمة سياسية تستوحي التجربة الأوروبية القائمة على الحرية والعدالة والمساواة، متجسدة في مجالس نيابية منتخبة ..
روادها
تولى مسؤولية الإشراف على إدارة التنظيمات عدد من الوزراء الذين عرفوا في مجموعهم باسم رجال تنظيمات. ورغم اختلاف هؤلاء من حيث نزعاتهم ومثلهم إلا أنهم اتفقوا على ضرورة الإصلاحات التي بذلوا كل ما في وسعهم لإرساء قواعدها عبر الباب العالي، ومن أبرزهم مصطفي رشيد باشا وتلاميذه أمثال فؤاد باشا، وعالي باشا، ومدحت باشا(1).
خصائصها
أنها جمعت في جميع توجهاتها الأساسية أغلب البنود التي احتواها الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان في عام (۱۷۸۹م) فقد اشتمل خط كالخانة على "الأمنية الكاملة(2) .
1 - بمقتضى الحكم الشرعي لجميع أهالي ممالكنا المحروسة على نفوسهم وأعراضهم وناموسهم وتكثير أعضاء مجلس الأحكام العدلية بقدر اللزوم.... وأن يجتمع أيضا هناك في بعض أيام يصير تعيينها، ويتكلموا جميعا بحرية غير متأخرين عن إيذاء آرائهم ومطالعتهم، ويتذاكروا من جهة القوانين المتقضية فيما يخص هذه الأمنية على الأنفس والأموال".

2 - كانت أولى الوثائق الرسمية التي لم تستمد مصدرها من الشرعية الإسلامية، بل اعتمدت مصدرا وضعيا للتشريع مستوحى من التجربة الدستورية الأوروبية، وقد احتوت على مفاهيم غربية مثل "وطن" التي تضمنها خط كالخانة بدلا من "الأمة"، فكانت الحالة هذه أولى الخطوات نحو فصل الدين عن الدولة وإرساء النظام العلماني.
اهداف التنظيمات
1 - حدثت هذه التنظيمات نتيجة للعمل المشترك بين سلطان يرغب في الإصلاح وجماعة من كبار الموظفين كان لهم علم وخبرة مباشرة بأوروبا هدف السلطان من وراء إصدارها إلى النظر في الأحوال السائدة في الدولة وتنظيم أمورها وفقا للنظم المرعية في الدول الأوروبية، بغرض إعادة اللحمة إلى المجتمع العثماني على أسس اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة تحت شعار ما عرف بالعثنة وإلغاء التناقض بين جميع طوائف السلطنة وقومياتها(1) .
2 - استحداث الإدارة، والبدء بسياسة مركزية من شأنها ربط الولايات جميعها بالمركز والقضاء على كل أشكال الاستقلال الأسري، ونفوذ العصبيات المحلية الموروثة في السلطنة، بقصد توطيد الثقة بحكومة البلاد، واسترضاء الدول الأوروبية التي زاد مع الأيام تدخلها في شؤون البلاد تحت ذرائع حماية المسيحيين من رعايا الدولة ، بغية خلق دولة حديثة يكون الحاكم فيها حاكما لا بحسب الأهواء والميول الخاصة، ولكن بناءاً على العدالة الطبيعية المنصوص عليها في القوانين، بحيث تكون هذه العدالة وهذه القوانين مقيدة بنظام إداري بيروقراطي.
3 - كان اقرار التنظيمات للأمنية الكاملة وعهد الأمان ومجلس شورى النواب، أولى المظاهر المستوحاة من التجربة الغربية، فقد فتحت الطريق لطبقة من التجار الغربيين والمبشرين لإلحاق المجتمع العثماني بقوانين السوق الغربية من ناحية، وبمعايير الفكر التبشيري من ناحية ثانية.
٤ - لقد تكلل خط كالخانة وهمايون بدستور مدحت باشا ۱۸䖬م ولأول مرة في تاريخ الإسلام يجري العمل بدستور مأخوذ عن الدستور الفرنسي والبلجيكي والسويسري، وهي دساتير وضعية علمانية(1).
مراحل التنظيمات
المرحلة الأولى: التنظيمات الخيرية، وبدأت من سنة (۱۸۳۹م) إلى سنة (١٨٧٦م) وتشمل عصري السلطان عبد المجيد الأول والسلطان عبد العزيز الأول.
المرحــــلة الثانية: تعــــــــــرف بالمشروطة وتشمل عصر عبد الحميد الثاني، من عام (1876 – 1908 م )
مظاهر التنظيمات العثمانية تجسدت مظاهر التنظيمات العثمانية في سلسلة طويلة من القوانين والنظم الإصلاحية، وعدد كبير من الخطوط العمايدنية ، صدرت بين وفاة السلطان محمود الثاني سنة (١٨٣٩م) وإلغاء عبد الحميد الثاني الدستور سنة (١٨٧٦م) واستهدفت تنظيم مختلف ادارات واجهزة الدولة واهمها ثلاثة قوانين اصلاحية عدت في التاريخ العثماني من ابرز مظاهر التنظيمات التي لفتت انظار اوربا .
التنظيمات العثمانية في ولاية العراق(1):
دخل العراق كجزء من الإمبراطورية العثمانية عهد التنظيمات وأقيمت في بغداد احتفالات كبيرة وأعلن عن وضع قوانين جديدة لاكتشاف مدى قابلية الأهالي لهذا الاتجاه الجديد.
إلا أن وطيلة فترة ( ۱۸۳۹ - 1868 م ) لم ينجح أي أحد من الولاة الذين جاءوا قبل مدحت باشا في فرض الإصلاح الذي وعد به خط كلخانة ( ۱۸۳۹ م) ، وخط الهمايوني ( ١٨٥٦ م). ولم يصل شيئا من تلك الوعود الإصلاحية إلى التنفيذ الجدي إلا في عهد الوالي مدحت باشا أحد أبرز رواد الإصلاح آنذاك ،الذي أدرك فور إسناده حكم ولاية العراق ( ۱۸۹۹۱۸۷۲ م)
أن العراق يعيش بعيدا جدا عن تيارات التحضر التي شملت العديد من الولايات العثمانية ، وفور مباشرتة عمل على تقوية قبضة الحكم التركي في العراق ،بإدخال إصلاحات عديدة إليها في مختلف المجالات ، الإدارة والحكم ، التعليم ، القضاء ، الجيش وغيرها . فكان نشاطه منطلقا من العراق نحو الخليج العربي واحد من أهم المشروعات التي نفذها وأعادت للعراق دوره في الخليج العربي وكانت فلسفته في الحكم تقوم على الأسس التالية :-
أ - المساواة بين رعايا السلطان .
ب - تركيز القوة الإدارية والقضائية في يد رجال الحكومة .
ج - خلق الموظف الأمين الذي يستطيع أن يلائم بين مصالح حكومته والرعية
د - إشراك الأهالي مع الإدارات المختلفة في إصلاح أمور البلاد
هـ - سد الثغرات التي ينفذ منها الأجنبي إلى داخل الولايات .
الآثار الإدارية
أقدم مدحت باشا فور توليه أمر ولاية العراق على تطبيق قوانين التنظيمات التي لم تطبق بعد في العراق مثل قوانين الأراضي (۱䖵۸م) وقانون الولايات والبلديات (١٨٦٤ م)، فكان لهذه القوانين التنظيمية تأثير مباشر على العراق ، باعتبارها قوانين عملية هدف من خلالها مدحت باشا إلى إصلاح أحوال ولاية العراق من جميع النواحي الإدارية ، العسكرية ، الاقتصادية ، والاجتماعية . واستند إلى القانون الولايات العثماني الصادر سنة (١٨٦٤ م ) لتنظيم إدارة البلاد(1) فعرف العراق لأول مرة في العصر الحديث تنظيما محكما ارتبطت بواسطته أنحاء العراق كافة بمراكز ادارية رئيسية هي النواحي التي ربطت بدورها بمراكز أعلى الأقضية وترتبط هذه الأخيرة بالسناجق ( الألوية ) التي تشكل تنظيمات أوسع وهي :-

1 - رئاسة مجلس إدارة الولاية .
2- توزيع قوات الضبطية على الأقضية والألوية .
3 - تنفيذ الأحكام الصادرة من ديوان التمييز
4- التفتيش على أحكام المتصرفين والقائمقامين وموظفي الدولة .
5 - مراقبة عملية تحصيل الأموال الحكومية .
6 - التقيد بميزانية الولاية .
7 - العمل على ترقية المصاريف .
8 - وضع مشروعات اقتصادية للبلاد .
9 - له الحق في الظروف الاستثنائية القيام بأمور دون الرجوع إلى الباب العالي .
ويساعد الوالي مجموعة من الموظفين الجدد على رأسهم معاون الوالي الذي حل محل كتخدا الوالي . والمكتوبجي مسؤول عن قلم التحريرات بالولاية فهو مكلف بتحرير المكاتبات بين الولاية والجهات الرسمية وحفظ المكاتبات والوثائق الحكومية ( الأرشيف ) . أما الدفتردار فمسؤول عن الأمور المالية ويعنيه الباب العالي . ومدير الأمور الأجنبية هو الواسطة بين السلطات العامة والدول الأجنبية ويعينة الباب العالي بترشيح من وزارة الخارجية ويتولى قيادة قوات الضبطية(1).


الآثار الاقتصادية
طبقت الدولة العثمانية قانون الأراضي في العراق على نطاق ضيق جدا ، وأسأت تطبيقه ، فأتى على نتائج على غير ما كان يتوقع منه إذ مكن أصحاب النفوذ في الولاية من الحصول على مساحات شاسعة من الأراضي بالرشوة وبأسعار بخسة ، حتى بلغ الأمر أن أصبح بعض هؤلاء ملاك كبار مما أضر بالقدرة الشرائية لصغار الفلاحين لارتفاع أسعار الأراضي وازدادت معاناتهم كثيرا تحت ويلات نظام الالتزام ونظام الطابو المستخدمان جنب إلى جنب في العراق(1) .
لذلك قرر مدحت باشا فور توليه الحكم معالجة مشكلة ملكية الأرض ، وأخذ بعين الاعتبار ظروف العراق وخصائصه الاجتماعية وقام بتطبيق نظام الطابو ( التسجيل العقاري ) وهو نظام يتضمن قيام إدارة التسجيلات الأراضي ببيع أراضي الحكومة بأقساط صغيرة سهلة الدفع على أن يبقى لأصحاب الأراضي حرية التصرف العامة لا المطلقة ، ولتخليص الناس نهائيا من استبداد الملتزمين وإتاحة الفرصة لإقرار العشائر في أراضيها فتخف عن مشاغباتها وتقوى قبضة(2) .
الآثار التعليمية والثقافية
كانت ولاية العراق أكثر استفادة من إجراءات التنظيمات في مجال التعليم والثقافة إذ نالت التربية والثقافة اهتماما كبيرا خاصة في عهد الوالي مدحت باشا ( ١٨٦٩ م - ١٨٧٢ م ) . فكانت أبرز انجازاته في هذا الميدان إنشاء عدد كبير من المدارس الحديثة في العراق وإدخال النظم الحديثة عليها .
1 - المدرسة الرشيدية المدنية .
٢ - المدرسة الرشيدية العسكرية .
- المدرسة الإعدادية العسكرية .
4 - مدرسة مهنية سميت مدرسة الفنون والصنائع. وكانت المدارس الرشيدية العسكرية تعد الطالب للالتحاق بالمدرسة الإعدادية العسكرية ليصبح بعد ذلك ضابطا في الجيش العثماني(3).
وكانت تدرس فيها إلى جانب المواد العسكرية اللغات التركية ، والفارسية ، والعربية وعدد من العلوم الرياضية ، والمعارف . ومعلميها كانوا معظمهم من العسكريين ، وهذا هو السبب الذي أدى إلى ظهور طبقة من العسكريين العراقيين الذين لعبوا دورا هاما في أحداث الدولة العثمانية في السنوات الأولى من القرن العشرين . ( الحركة القومية ( أما المدارس الرشيدية المدنية فكانت تعتني أكثر باللغات وبالمواد الاجتماعية والعلوم الرياضية(1) .
وامتازت المدرسة الإعدادية بأنها لم تكن مجانية فقط وإنما كذلك ( داخلية ) وقد خرجت هذه المدرسة خلال السنوات العشرين بين ( ۱۸۷۰ ۱۸۹۰ م ) عددا من أحسن الضباط التحق معظمهم بالجيش السادس الذي كان مقره بغداد . كانت لغة التدريس في هذه المدارس الثلاث ، وفي مدرسة الفنون والصنائع التركية، وكانت اللغة العربية تدرس بالتركية وهذا ما فتح الطريق ان نسميه بسياسة التتريك في العراق وتعتبر هذه الخطوة بداية سيئة هي تعليمية في أرض عربية ، على أنها أذكت روح العروبة في الناس . وتعتبر مدرسة الفنون والصنائع أكثر تلك المدارس فائدة على العراق وعرفت في عهد مدحت باشا باسم " مكتب السنية " وخصصت ليعمل بها الأيتام ، ولعل هذا الهدف النبيل هو الذي جعل أثرياء العراق يتجنبون إرسال أبنائهم إليها . ومع ذلك مدحت باشا في خطته وجعل المدرسة في خدمة البيئة التي كانت في أشد الحاجة إلى الأيدي الفتية والصناعية المدربة ونجح في أن يغطي معظم مصروفات المدرسة من دخل إنتاجها(2) .





المراجع
1 - دائرة المعارف الاسلامية ، مادة التنظيمات ، المجلد 7 ، دار المعارف ، بیروت 1933 ص 79 .
2 - أحمد عبد الرحيم مصطفى ، في أصول التاريخ العثماني ، ط ا، دار الشرق القاهرة ، 1987 ، ص 199 .
3 - وجية كوثراني، السلطة والمجتمع والعمل السياسي من تاريخ ولاية العثمانية في بلاد الشام ، ط 1 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، تشرين الأول1988 ، ص 82 .
٤ - عباس العزاوي، تاريخ العراق بين الاحتلالين ، ج 7 ، دار الجيل للطباعة والنشر، 1949 ، ص68 .
5 - عمر عبد العزيز سليمان نوار ، تاريخ العراق الحديث القاهرة ص 353 – 354 .
6 – عمر عبد العزيز عمر ، دراسات في تاريخ العرب الحديث ، الشرق العربي من الفتح العثماني حتى نهاية القرن الثامن عشر ، ج1 ، دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، بيروت 1971 ، ص 109 .
7 – تقي الدباغ ، العراق في التاريخ ، دار الجيل للطباعة والنشر ، بيروت ، 1983 ، ص624.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا