الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة الوسطى العراقية وأوهام وعيها الطبقي

ثامر عباس

2024 / 3 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الطبقة الوسطى العراقية وأوهام وعيها الطبقي !

ثامرعباس

لا يكاد يخلو أدب الفكر الاجتماعي والسياسي المعاصر ، بمختلف أصنافه وتياراته ، وتنوع اهتمامه وتوجهاته ، وتعدد مصادره ومرجعياته ؛ من الحديث عن (الطبقة) أو (الطبقات) الاجتماعية ؛ إن لجهة تبلورها كمعطى سوسيولوجي يعي ذاته بالمغايرة مع وعي بقية المكونات الأخرى في المجتمع ، أو لجهة تصنيفها بين ارستقراطية / عليا ، وبرجوازية / وسطى ، ودنيا / عاملة ، أو لجهة علاقاتها البينية واستقطاباتها المتقابلة هل هي قائمة على أساس التفاعل والتواصل أو التصارع والتقاطع .
وعلى الرغم من كون النقاش حول مكانة (الطبقة) الاجتماعية وبيان دورها في سيرورات المجتمع ، فضلا"عن وظيفتها في عمليات الإنتاج الاقتصادي والتبادل الثقافي والتداول القيمي ، يمتد إلى حقب تاريخ ما قبل الميلاد ، لاسيما ضمن أعمال الشهير للفيلسوف الإغريقي (أفلاطون) وخصوصا"كتابه المعروف (الجمهورية) ، والذي اعتقد من خلاله إن سلامة المجتمع واستقراره يرتهن بضرورة تقسبمه إلى ثلاث طبقات ؛ الذهبية والفضية والبرونزية ، حيث لكل طبقة مكانتها ووظيفتها اللتان ينبغي المحافظة على الحدود بين طبيعة كل منها ، مع مراعاة عدم التخالط فيما بين خصائصها النوعية . بيد أن من الإنصاف الإشارة إلى أن الفكر الماركسي كان من أبرز الأنظمة الفلسفية التي شيدت معمار مفهوم (الطبقة) ببعديها النظري والعملي على حدّ سواء ، من منطلق إن كل من (الطبقة) وصراعها (الطبقي) هما الداينمو المحرك للجدلية الاجتماعية برمتها ؛ سواء أكان في مجال التاريخ ، أو في حقل الاجتماع ، أو في مضمار الوعي ، أو في إطار الدين ، ومن ثم رصد أشكال التناضح بين الطبقات وتشخيص أنماط التلاقح بين الذهنيات .
وكغيره من الأنساق الفكرية الكبرى التي حاولت تغطية كل ما يتعلق ؛ بأصل الكون / الوجود ، وطبيعة الإنسان / المجتمع ، وماهية الفكر / الوعي ، بحيث تعطي الحلول لكل القضايا وتقدم الإجابات لجميع المسائل . فقد تعرض الفكر الماركسي للكثير من الإساءات النظرية والتشويهات المنهجية ؛ ليس فقط من قبل خصومه ومناوئيه فحسب ، وإنما كذلك من جانب المنتمين إليه والمحسوبين عليه – بل ربما تبدو إساءات الأولين أقل وطأة من تشويهات الآخرين – وهو الأمر سمح لبعض الكتاب والباحثين (المتمركسين) التهاون – إن لم يكن التخلي – عن أهم المعايير الاجتماعية والضوابط المعرفية ، التي أفضى إهمالها والتفريط بها إلى فقدانهم امتياز الرؤية الواضحة لتضاريس الواقع الاجتماعي ، وحرمانهم فضيلة التفكير السليم بأواليات تفاعله واتجاهات حراكه .
وهكذا بقدر ما يكثر الأنصار ويزداد المشايعين لهذا الفكر أو ذاك ، فضلا"عن تضاعف المفكرين والباحثين بين صفوفه ، بقدر ما يتشظى إلى مدارس مختلفة إن لم تكن متعارضة ، وينشطر إلى نظريات متنوعة إن لم تكن متناقضة . ومن المفيد التذكير هنا إن الطابع الموضوعي لصيرورات الظواهر الاجتماعية ، فضلا"عن حتمية تفاعلها وتصادمها وتصارعها وبالتالي تطورها ، لا يمنع عنها حالات الاستثناء التي قد تخل بآليات تلك السيرورات الجدلية ، كما قد يحصل في حالات (الطفرات) المفاجئة و(الانحرافات) المباغتة و(الانقطاعات) الغامضة .
وعلى هذا الأساس ، فإن توقعات حصول هذه الحالات وارتفاع معدلاتها ترتبط بطبيعة المجتمعات المدروسة وأنماط ثقافاتها وسياقات تاريخها ، من حيث أنه كلما كان المجتمع المعنى أكثر تطورا"في مضامير التطور الاقتصادي والإبداع الثقافي والتقدم الحضاري ، كلما كان الفرز (الطبقي) بين جماعاته ومكوناته أكثر تبلورا"وأشدّ وضوحا"، والعكس بالعكس . أي بمعنى ان التكوين (الطبقي) للمجتمع لا يرتبط بالشوط الزمني / التاريخي الذي قطعه ضمن مسار صيرورته الاجتماعية – كما يحاجج البعض عادة – وإنما يتحدد نمط ذلك التكوين بالقياس الى مدى انخراطه بالسيرورة الحضارية للعالم ، مثلما في حجم إسهامه في تجاوز أطوارها البدائية وتخطي مراحلها التقليدية ، والانتقال بها ، من ثم ، الى أطوار الرقي والتحضر الإنساني .
وإذا ما وضعنا (الطبقة الوسطى) العراقية ضمن إطار هذه الشروط والمعايير ، سنلاحظ أن عمليات تبلورها على الصعيدين النظري والواقعي قد أعيقت وأجهضت مرارا"وتكرارا"، نتيجة للظروف والأوضاع الشاذة التي لم يفتأ المجتمع العراقي من التعرض لها والانخراط في أتونها ، بحيث لم يتسنى لمقومات صيرورة تلك الطبقة من التبلور والنضوج بالشكل والصيغة التي تمكنها ، ليس فقط من حيازة وامتلاك تلك المقومات الأساسية فحسب ، وإنما حالت دونها والقدرة على اكتساب (الوعي) بدورها التاريخي والتمكن من وظيفتها الحضارية . ولهذا فقد ساهمت تلك العوامل على وضع عناصر هذه (الطبقة) بين شقي رحى ؛ تخلف الشروط والمعايير الموضوعية للواقع من جهة ، وضعف القدرات والإمكانيات الذاتية (الوعي) من جهة أخرى . والى أن تتحقق تلك الشروط وتتوفر تلك العوامل ستبقى (الطبقة الوسطى) العراقية في حالة من الترجرج والهلامية على صعيد الوجود من جانب ، والغموض والالتباس على صعيد الوعي بذلك الوجود من جانب ثان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا