الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الجهاد في المسيحية – الجزء الثاني - جهاد الأيمان وسط الآلام والاضطهادات

نافع شابو

2024 / 3 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقدمة
طريق الله للحياة يناقض ، عادة طريق العالم .فإن أردّت ان تعيش لله ، فيجب أن تكون مستعدّاً أن تقول وأن تفعل ما يبدو للعالم غريبا . يجب أن تكون مُستعدّا بينما يأخذ الآخرون .فإن فعلتَ هذا ،فإنّك يوما ما ستحصل على كُلِّ شيء ، بينما ينتهي الآخرون الى لا شيء (راجع متى 5 : 3-12) . يطلب منّا الرب يسوع أن نفرح عندما نُضطهد . فالأضطهاد يكون خيرا لنا ، لأنّه :
1 – يجلب أنظارنا بعيدا عن المكافآت ألأرضية .
2 – يُظهر المؤمنين الغير الحقيقيّين
3 – يُقدّم مثال للآخرين حتى يحذوا حُذونا .
وقد يُعزّينا أنّ أعظم أنبياء الله أُضطهدوا في الماضي مثل
النبي"إرميا " القي في السجن وعُذّب وكاد ان يموت ( راجع ارميا 38 :6)، اشعيا (يقول التقليد أنّ الملك منسيّ قتله ) ، انظر "2ملوك 21 :16" ، عاموس اضطهد وطرد من مكان عبادته"راجع عاموس 7 :10-13" ، زكريا رجموه بالحجارة"2أخ 24 :20-22" ،إيليا "1ملوك 19:2". وأخيرا يوحنا المعمدان(مرقس 6 : 16).
" فمذ أيّام يوحنا المعمذان الى اليوم ملكوت السماوات يؤخذ بالجهاد، والمجاهدون يختطفون" متى 11 :12". فدخول الملكوت يستلزم الشجاعة والأيمان الذي لا يتزعزع والعزم والصبر بسبب الاضطهاد ".
خلاصنا يساعدنا على تحمل الأضطهاد. يتطلّع الشهداء الى الله أن يقيم العدل في الأرض لكنه يطلب منهم ان ينتظروا. فالذين تألَّموا وماتوا من أجل ايمانهم لن ينساهم الله، كما أنّهم لم يموتوا هباءِ.فبحسب كلمات يسوع يجلب التألُّم السعادة عندما يكون من أجل البرّ .إنّ التألُّم بحد ذاته ليس أمرا نستحق المدح عليه ، ولكن ان كُنّا نفعل ما هو صالح ونتألم عندها نكون في حالة مسرّة عند الله لهذا يقول الرب يسوع المسيح :"طوبى (هنيئا) للمُضطهدين َ من أجل البرِّ ، لانّ لهم ملكوت ُ السماوات " متى 5 : 10".
معانات الأنبياء والمرسلين في العهد القديم(التوراة)
لم تكن حياة الأنبياء سهلة، فغالبية الرسائل التي كان عليهم إبلاغها، كانت بغيضة على السمع. فقد نادوا بالتوبة، والدينونة، والهلاك الوشيك ،والخطيئة. وبصورة عامة كيف كان الله غير راضٍ عن سلوك شعبه. فلم يكن الأنبياء في العهد القديم أحب الناس في المدينة (إلّا من كانوا أنبياء كذبة، لايقولون الّا ما يريد الشعب أن يسمعهُ). ولكن لم تكن الشهرة هدف الأنبياء الحقيقيين، بل كان هدفهم الطاعة لله والمنادات بكلمته بأمانة. وكان صموئيل مثالا طيبا للنبي الأمين والله لديه أقوال علينا نحن أن ننادي بها، ومع ان رسائله مشحونة "بالأخبار الطيبة" فإن فيها أيضا "اخباراً سيئة"، وليتنا مثل الأنبياء الحقيقيين نكرز باقوال الله بأمانة بغض النضر عن قبولها او عدم قبولها. وقد اضطهد الشعب الأسرائيلي الأنبياء الأمناء.
كانت أورشليم (القدس )عاصمة شعب بني إسرائيل وكانت مقر بيت داود اعظم ملوكهم ، وفيها كان الهيكل مسكن الله على الأرض ، وكانت من المفروض ان تكون مركز عبادة الله الحقيقي، ونموذج للعدالة لكل الشعوب ، ولكن أورشليم عميت عن الله وفقدت إحساسها بحاجات البشر. وها هنا نرى أعماق عواطف الرب يسوع من جهة الشعب الضال، ومن جهة مدينته المحبوبة التي كانت على وشك ان تدمّر فيقول:
" أُورُشَلِيمُ، أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!" متى 23: 37"
وجاء في اعمال الرسل 7 :52:"أَيُّ الأَنْبِيَاءِ لَمْ يَضْطَهِدْهُ آبَاؤُكُمْ؟ وَقَدْ قَتَلُوا الَّذِينَ سَبَقُوا فَأَنْبَأُوا بِمَجِيءِ الْبَارِّ(المسيح)، الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ صِرْتُمْ مُسَلِّمِيهِ وَقَاتِلِيهِ،" (أع 7: 52).
جاء الرب يسوع المسيح ليعطينا مثل عن هذا الأضطهاد للأنبياء في العهد القديم وكيف أيضا في عهده كانوا يريدون قتله:
أورد الرب يسوع مثلا عن كيفية رفض اليهود المستمر لرسائل الله، واضطهادهم لانبيائه ومرسليه (راجع لوقا 20 :9-15)
.ويذكر يسوع الأنبياء الذي يبدو التلاميذ امتدادا لهم.
استعاد يسوع المسيح صورة الكرمة التي ترمز الى شعب إسرائيل (اشعيا 5 : 1-7)، فطبّقها على مسؤولي الشعب اللذين أصمّوا آذانهم فرفضوا نداء الملكوت الذي يُعلن لهم ، كما جاء في مثل الكرامين :"لوقا 20 :9-19"
"وَابْتَدَأَ(يسوع) يَقُولُ لِلشَّعْبِ هذَا الْمَثَلَ: «إِنْسَانٌ غَرَسَ كَرْمًا وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ زَمَانًا طَوِيلًا. وَفِي الْوَقْتِ أَرْسَلَ إِلَى الْكَرَّامِينَ عَبْدًا لِكَيْ يُعْطُوهُ مِنْ ثَمَرِ الْكَرْمِ، فَجَلَدَهُ الْكَرَّامُونَ، وَأَرْسَلُوهُ فَارِغًا. فَعَادَ وَأَرْسَلَ عَبْدًا آخَرَ، فَجَلَدُوا ذلِكَ أَيْضًا وَأَهَانُوهُ، وَأَرْسَلُوهُ فَارِغًا. ثُمَّ عَادَ فَأَرْسَلَ ثَالِثًا، فَجَرَّحُوا هذَا أَيْضًا وَأَخْرَجُوهُ. فَقَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ: مَاذَا أَفْعَلُ؟ أُرْسِلُ ابْنِي الْحَبِيبَ، لَعَلَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ يَهَابُونَ! فَلَمَّا رَآهُ الْكَرَّامُونَ تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ قَائِلِينَ: هذَا هُوَ الْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ لِكَيْ يَصِيرَ لَنَا الْمِيرَاثُ! فَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ. فَمَاذَا يَفْعَلُ بِهِمْ صَاحِبُ الْكَرْمِ؟ يَأْتِي وَيُهْلِكُ هؤُلاَءِ الْكَرَّامِينَ وَيُعْطِي الْكَرْمَ لآخَرِينَ». فَلَمَّا سَمِعُوا قَالُوا: «حَاشَا!» فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «إِذًا مَا هُوَ هذَا الْمَكْتُوبُ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ كُلُّ مَنْ يَسْقُطُ عَلَى ذلِكَ الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ!» فَطَلَبَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ أَنْ يُلْقُوا الأَيَادِيَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، وَلكِنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ قَالَ هذَا الْمَثَلَ عَلَيْهِمْ."
ما يُريد لوقا أن يقوله هو أنّ عمل الله هلاك لمن لا يؤمن وخلاص للمؤمن. فصاحب الكرم هو الله. والكرم هو بنو إسرائيل والمزارعون هم الرؤساء الدينيّون، ورجال صاحب الكرم المرسلون هم الأنبياء الذين أرسلهم الله ليوبّخوا بني إسرائيل على خطاياهم. أمّا صاحب الكرم فهوالمسيح يسوع. والآخرون الذين أخذوا الكرم هم الأمميّون. لقد أجاب هذا المثل، بصورة غير مباشرة على سؤال الرؤساء الدينيين حول سلطان المسيح. كما أوضح لهم ان الرب يسوع قد عرف خطّتهم لقتله. تجمّع عليه الجنود وحرّاس الهيكل، الذين ارسلهم رؤساء الكهنة والفريسيّون.. فتقدّم نحوهم (يسوع) يسألهم : "من تريدون ؟".أجابوه :"يسوع الناصري". فقال:"أنا هو " ، تراجعوا وسقطوا على الأرض "يوحنا 18 : 3-9"."أنا هو" هي إعلان عن لاهوته .(راجع خروج 3 :14).
معاناة التلاميذ ورسل المسيح في العهد الجديد
يقول الرب يسوع المسيح :"ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام.ولكن احذروا من الناس، لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس، وفي مجامعهم يجلدونكم.وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم. .. وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ولده، ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم.وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي. ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص...ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإني الحق أقول لكم: لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان. راجع متى 10 : 16-25)
إعلان ملكوت الله يعارض معارضة جذريّة مصالح العُظماء، في العالم. لهذا تحلُّ الأضطهادات بالمؤمنين الذين يشهدون للرب. فمصير التلاميذ هو مصير يسوع. شدّد يسوع المسيح على الوداعة (الخراف، الحمام) تجاه الشراسة (الذئاب) . فالعنف لا يولد إلّا العنف ، كما تشدّد على الحكمة والفطنة (الحيّات)(راجع متى 10 : 16-25)
لقد عانى التلاميذ من هذه الصعاب ليس من الخارج فحسب (الحكومات والمحاكم) بل ومن الداخل أيضا (ألأصدقاء والعائلات)، فالعيشة لله كثيرا ما تجلب الأضطهاد ، ولكن ذلك يتيح الفرصة أن نطمئن لان الرب يسوع قد غلب العالم"
"قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ»." "يوحنا 16 :33"
اكتسب بطرس تلميذ يسوع وسائر الرسل من احترام الناس ما لم يقدر على اكتسابه قادة اليهود على الأطلاق (راجع اعمال الرسل 5: 16-18). أمّا الفرق بين المجموعتين فهو أنّ قادة اليهود أرادوا الأحترام والتوقير لأنفسهم، بينما كان هدف الرسل هو تقديم ألأحترام والتوقير والتمجيد لله.
ولم يكن الرسل يطلبون الأحترام، لكنهم نالوهُ لانَّهم استحقوه. كانت لدى الرسل القوّة لعمل المعجزات، كما كانت لهم جرأة كبرى في التبشير والكرازة وكان الله موجودا في حياتهم، لكنهم مع هذا لم يسلموا من كراهية الناس وحقدهم وإضطهادهم . فكثيرا ما قُبض عليهم وأودعوا السجون وضُربوا بالعصى والسياط، ولاقوا الأفتراء من قيادات المجتمع.
إنّ ألأيمان بالله لا يلغي المشاكل في حياتنا، بل يبطل الخوف منها لانَّهُ يعطينا المنظور الصحيح لها. لا تتصور أن جميع الناس سيتجاوبون بصورة مرضية حين تُقدّم لهم الأيمان بالمسيح. فقد يحقد البعض عليك أو ربما يهدّدونك، والأهم من ذلك أن تعني بافعال الله اكثر من رد فعل الناس.
لو حدث وهدَّدك شخص ما بقتلك إن لم تكف عن الكرازة فربما تخاف وتصمت. أمّا الرسل فقد لاقوا من قادة اليهود التهديد والحبس والضرب والسجن، ولكن ما إن أُطلق سراحهم حتى عادوا الى الكرازة ثانية . ولم يكن هذا سوى قوّة الروح القدس العاملة في هذه الجماعة. وعندما نقتنع بقوّة قيامة المسيح ونختبر وجود الروح القدس في حياتنا، يمكن ان يكون لدينا الثقة للمنادات والكرازة بالمسيح.
استيفانوس كان يعلم، وهويعرض دفاعه، أنّه ينطق بحكم الموت على نفسه، بسبب شهادته للمسيح المخلّص. ولم يقدر أعضاء المجلس اليهودي المجتمعون ان يحتملوا كشف دوافعهم الشريرة. ولذلك رجموه بالحجارة حتى الموت. بينما كان هو يصلّي طالبا الغفران لهم. وتُبيّن كلماته الأخيرة كيف صار شبيها بالمسيح في وقت قصير. وقد كان لموت استيفانوس أثر فعّال مستمر على الشاب شاول (بولس) الطرسوسي، الذي تحوّل من مضطهد عظيم للمسيحيين الى واحد من أبطال ألأنجيل العظماء الذين عرفتهم الكنيسة.
إنّ حياة استيفانوس تحدّ لكل المسيحيين. ولأنّه كان أول من مات شهيدا من اجل الأيمان أثارت تضحيته أسئلة كثيرة:
كم نتحمّل من مخاطر من أجل شركة تبعيّة يسوع؟
هل نحنُ مستعدّين للموت من أجل المسيح؟ وهل نحن مستعدون حقّا للحياة من أجله؟
ماهو مفهوم الجهاد الذي كان بولس الرسول قدوة لهذا الجهاد في بدايات المسيحية؟
كيف أضرمت الاضطهادات شعلة الأنجيل فأمتدّت الى المدن والأمم. وكيف انّ المؤمنين غمرهم الله برحمته، وقد اختارهم للمجد وختمهم بالروح القدس وحرّرهم من لعنة الخطيئة وعبوديتها وقرّبهم الى معرفة الله الحق؟
جاء في سفر أعمال الرسل عن أوّل مجاهد في المسيحية :
" وكان استفانوس مُمتلئا من النعمة والقدرة فأخذ يصنع
العجائب وآيات عظيمة بين الشعب". أع 6: 8".
استفانوس سيكون نموذج المسيحيّين الذين يخاطرون بحياتهم ليظلّوا أمناء ليسوع ولروحه، فشهد ليسوع المسيح الذي جاء الى خاصته فما قبله اهل بيته . ذاك البار الذي قتلوه، بعد أن ظلّوا عميانا للمعنى الحقيقي للشريعة.
استهل استفانوس بصفاته الروحيّة من ايمان، وحكمة، ونعمة، وقوّة، ووجود الروح القدس في حياته. قائد متميّز، ومعلم قدير، وخطيب بليغ. نتعلم من الشهيد استيفانوس دروسا وعبر من حياته.
جهاد ألأنسان للأمتياز في المهام الصغيرة، يعدّهُ لمسؤوليات أكبر" و"فهم الأنسان لله بصورة حقيقية يؤدي بالأنسان دائما الى أعمال المحبّة العمليّة نحو الناس". وها هو استيفانوس قبل تسليم روحه يصلّي للرب يسوع فيقول:
"أيُّها الرب يسوع، أقبل روحي. ثم ركع وصرخ بصوت عال "يا ربّ، لأتحسب عليهم هذه الخطيئة!”. وإذ قال هذا رقد "اعمال 7: 59، 60".
لقد رأى استيفانوس مجد الله ويسوع المسيح وقفا عن يمين الله (أعمال 7 :55) وكلمات استفاوس شبيهة بكلمات يسوع امام المجلس "فرفع استفانوس نظره الى السماء ، وهو ممتلي من الروح القدس . فرأى مجد الله ويسوع واقفا عن يمين الله "اعمال 7 : 55"
المجلس اليهودي لم يحتملوا كلمات استفانوس فهجموا عليه وقتلوه. وقد لا يقتلنا الناس عند شهادتنا للمسيح، لكنهم سيظهرون رفضهم سماع الحق. وقد يحاولون اسكاتنا.
هكذا يُضطهد بولس الرسول لانّه ينادي بالأنجيل وعثار الصليب، من اليهود ( والمتهودين) لأنّ الصليب يشكّكُهم ، ويُدمّر إفتخارهم للشريعة : فهم لا يستطيعون أن ينتظروا خلاصا من مصلوب اعتبرته الشريعة ملعونا . لهذا يقول بولس الرسول: "وَأَمَّا أَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَإِنْ كُنْتُ بَعْدُ أَكْرِزُ بِالْخِتَانِ، فَلِمَاذَا أُضْطَهَدُ بَعْدُ؟ إِذًا عَثْرَةُ الصَّلِيبِ قَدْ بَطَلَت"غلاطية 5 :11".
إنّ المناداة بالصليب تجعل حياة المسيحيّين في خطر، وهم لذلك ينالون الأضطهاد. أمّا الختان فيمنحهم الأمان على المستوى اليهودي (هكذا يرتبطون بابراهيم وإن على مستوى الجسد) وعلى المستوى الروماني (إنّ الشريعة الرومانية تعترف بنظم العالم اليهوديّ) . فلو أراد بولس أن يرتاح لنادى بالختان والأيمان بالمسيح معا. ولكنه لا يساوم، وإلّا جعل موت المسيح عبثاً، وأغلق أمام الأنسان باب النعمة الذي يتجلّى في عثار الصليب. بولس كان ينادي بختان القلب في الروح وليس بحروف الشريعة."رومية 2: 29". الختان الحقيقي هو الذي يصل بالأنسان الى أمانة لله : هذا ما سمّاه العهد القديم ختان القلب . إذن لا نتوقف عند الخارج، عند اللحم والدم، وننسى القلب . بل نقف عند الروح وننسى الحرف. ختان الروح هو عمل الروح القدس فينا.
كان الأضطهاد دليلا على ان الرسول بولس كان يكرز بالأنجيل، لأنّه لوعلّم بما كان يعلّمه المعلمون الكذبة، ما غضب أحد. ولكن لانّه كان يُعلّم الحقّ، أضطهده كل من اليهود والمتهودين. وتاريخ الكنيسة شرقا وغربا خير دليل أنّ المسيحيين كانوا مضطهدين عبر التاريخ، ولا زالوا مضطهدين لان رئيس هذا العالم (الشيطان) يحارب المسيحية التي تبشر بيسوع المسيح "الحق" و"الطريق" و"الحياة". ولهذا يقول بولس الرسول:" نُعامل كمضلّلين ونحن صادقون، كمجهولين ونحنُ معروفون، كمائتين وها نحن نحيا، كمعاقين ولا نُقتلُ، كمحزونين ونحن دائما فرحون كفقراء ونحن نغني كثيرين، كمن لاشيء عندهم ونحن نملك كل شيء" 2كورنثوس 6: 9-10".
بولس الرسول كان مسجونا لا لذنب (او جرم) اقترفه، وهكذا بقيّة الرسل والتلاميذ لم يفعلوا ذنوب أو جرائم، بل من أجل المسيح، من أجل الشهادة للخبر السار. ولكن وهو في السجن جعل الأنجيل معروفا، وما أعاق أبدا عمل البشارة، فالأنجيل يتابع وينتشر (فيلبي 2 :25).

بدل دم الحيوانات عند المذبح رأى يوحنا الرائي نفوس الشهداء الذين ماتوا من أجل الكرازة بكلمة الله. لقد تأصّل ألأنجيل في العالم في المواضع التي أرتوت بدماء الشهداء. وقبل ان يقدر إنسان أن "يقدّم" حياته من أجل ألأنجيل (الخبر السار) لابدَّ أن "يحيا" حياته من أجل الأنجيل.. "ثمّ فك الحمل الختم الخامس، فرأيتُ مذبحا تحتهُ أرواح الذين سفك دمائهم من أجل كلمة الله، ومن أجل الشهادة التي أدوها ..."رؤيا 6 :9-11" .
الشهداء لا يموتون هباء. نعم المسيحيّة لا تضمن أنّ الحياة خالية من المتاعب والآلام والإضطهادات وحتى الأستشهاد ، كلها هي امتحان للأيمان والتمسك بيسوع المسيح الذي اختبر آلامنا في حياته حتى الموت على الصليب من اجلنا . يبيّن الرسول بولس لقُرّائه أنَّ الألم لا يُفصل المؤمنين عن المسيح، بل يقودهم مُنذُ الآن الى الأنتصار في المسيح إذ يقول:
" فمن يفصلنا عن محبّة المسيح؟ أتفصلنا الشدّةُ أم الضيقُ أم الأضطهاد أم الجوع أم العُري أمِ الخطرُ أمِ السيفُ؟ فالكِتاب يقولُ "من أجلك نحنُ نُعاني الموت طوالَ النهارِ، ونُحسِبُ كغنم للذبح". ولكننا في هذه الشدائد ننتصر كُلِّ الأنتصار بالذي أحبّنا" رومية 8 : 35- 37".
كان الألم دوما جزء من خبرة شعب الله. فرغم كُلّ ما يحدث لنا أو أينما نكون، فإننا لن نفتقد محبة الله لنا. عندما تواجهنا ألآلام والإضطهادات، يجب أن لا تُبعدنا عن الله بل بالحري تساعدنا على الألتصاق به اكثر، وأن تغمرنا محبّته وتشفينا. إنّ هذه الأعداد مواعيد من أكثر مواعيد الكتاب تعزية ، فعلى المؤمنين مواجهة الصعاب من كل نوع ، إضطهادات وأمراض وسجون بل حتى الموت ، يمكن أن تجعلنا نخشى ان المسيح تخلّى عنا . الرسول بولس يهيبُ بنا أنّه من المستحيل ان ننفصل عن المسيح فموته لأجلنا هو أعظم برهان على محبته التي لا تُقهر. فإذا آمنا به فلن نخاف مطلقا. وتاريخ شهداء الكنيسة خير دليل على انّ الأضطهادات كانت سبب رئيسي في انتشار المسيحية . كان بولس الرسول على استعداد ان يضحي بالوقت والمال والجهد والراحة والأمن في سبيل أن يأتي الناس بالأيما بالرب يسوع المسيح.
كان اليهودي الذي يؤمن بأنّ يسوع هو المسيح، يقطع من أُسرته. (ولازال هذا جاريا في العديد من دول العالم وخاصة في الدول الأسلامية). ونتيجة لذلك أعتمد المؤمنون على بعضهم البعض في سدّ احتياجاتهم، فكانت الشركة في الطعام والمال والبيوت علامة ضرورية للكنيسة الأولى (بدايات المسيحية).
إنّ الأنسان المسيحي مدعو للثبات على إيمانه في مواجهة الحرب والمجاعة والأضطهاد والموت. ولن يكافئ الله سوى من يثبت الى المنتهى "رؤيا 6 :9” وتكونون مكروهين لدى الجميع من أجل إسمي. ولكن الذي يثبت حتى النهاية، فهو يخلص" مرقس 13 : 13"
فخلاصنا يساعدنا على تحمل الأضطهاد. "فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ وَرَأَيْتُكُمْ، أَوْ كُنْتُ غَائِبًا أَسْمَعُ أُمُورَكُمْ أَنَّكُمْ تَثْبُتُونَ فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيلِ،" (في 1: 27).
تسلم بولس الرسول مهمة اعلان سرّ الله (قصده الخلاصي) للأمم الوثنية، لابعمله فحسب، بل بحياته وآلامه، التي هي مشاركة في عمل المسيح الذي جاء لكي يحررنا وينقذنا. يقول ببساطة انه لايمكنه ان يتجنب الألم في سبيل توصيل انجيل المسيح الى العالم. هذا هو جهاد المسيحي ان يحمل صليبه ويتبع المسيح الذي حمل صليبه الى الجلجلة.
اختبر بولس الرسول كلّ أنواع الضيقات ولاسيّما السجن في اخر أيامه. هكذا حين ينادي الرسول (وكل مؤمن مسيحي) بالأنجيل، يعاني الضيق الذي عاناه المسيح. وهكذا تصبح آلام الرسول إمتدادا لآلام المسيح كما كانت الحال بالنسبة الى اساتفانوس، وبطرس وكُل التلاميذ والمؤمنون عبر التاريخ.
هكذا آمن بطرس ايضا ايمانا قويا بانتصار مشروع الله، وأعتبر أنّ آلام هذه الحياة هي مشاركة في عمل التحرير الذي يقوم به المسيح، وزمن محنة ودينونة يدّل على حقيقة كل واحد، سواء كان خاطئا أو بارا. وهذا الأيمان يجعل الرسول (المجاهد) يتكلم عن السعادة التي وُعِد بها المضطهدون" أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ امْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ،"(1بطرس 4 : 12) .
بطرس هنا يتذكّر كلمات الرب يسوع" طوبى لكم (هنيئا لكم)
متى اهانكم الناس واضطهدوكم ...." متى 5 : 11"
إنّ التألُّم من اجل المسيح ليس مخزيا او مخجلا وليس معنى هذا ان كُلّ ألم جيّدٌ . فقد يتذمَّر شخص قائلا "إنّهم يضايقونني لأنّي مسيحي" ، بينما يكون واضحا للجميع ان سبب مشاكل هذا الشخص هو سلوكه السيء . وقد يتطلّب الأمر تفكيرا دقيقا أو مشورة حكيمة لتحديد السبب الحقيقي للألم والمعاناة . لكن لدينا يقين أنّه حين نتألم من اجل اخلاصنا وأمانتنا للمسيح سيكون المسيح معنا طول الوقت " ولكن إن تألّم أحدكم لانّه "مسيحي" فعليه ألّا يخجل ، بل أن يُمجّد الله لأجل هذا الأسم " 1بطرس 4 : 16".
لا تسعى نحو الألم ، لكن لا تحاول أن تتجنّبه ، بل ، بالعكس ، داوم على ما هو حق بغض النظر عمّأ ينتج عن ذلك من ألم وعذاب ."مرقس 8 : 34-38"
" ولكن إن تألّم أحدكم لأنّه "مسيحي" فعليه ألّا يخجل، بل أن يُمجّد الله لاجل هذا الأسم !"بطرس 4 : 16"
ليس امرا مخجلا ان نتألّم كمسيحيين بسبب ايماننا. فعندما تعرّض بطرس ويوحنا للأضطهاد ، بسبب الكرازة بالأخبار السارة فرحوا لانّ هذا ألأضطهاد كان علامة على قبول الله لعملهم (راجع اعمال الرسل 5 : 41)
إن كان البار يخلص بالجهد (بسبب رحمة الله فقط ، او كما يقول البعض إنّه بالجهد يخلص بتحمُّل الإضطهاد) ، فما هي فرصة خلاص من يرفض المسيح ؟
يجب أن نشهد للآخرين عن إيماننا حتى في المواقف الصعبة، كما فعل بولس الرسول، عندما بشّر بالمسيح وهو في السجن ويقول: "يتعظَّم المسيح في جسدي، سواء كان بالحياة أم بالموت. فالحياة عندي هي المسيح "أعمال 1 :20،21". فمعنى الحياة عند بولس، وعند كُلّ المؤمنين بيسوع المسيح، هي: تحقيق القيمة الأبدية (مجد كرامة حياة في ملكوت الله) ، وتبشير الآخرين بالمسيح ، فهو وحده الذي يقدر أن يعيننا ، على رؤية الحياة من وجهة نظر أبدية . كانت حياة بولس الرسول كلها عن المسيح وكان يزداد شبها به، ولذلك استطاع أن يقول: أنّ الموت أفضل له من الحياة، لأنّه بالموت سيخلص من متاعب العالم ويرى المسيح وجها لوجه.

إنّ الأنسان المسيحي مدعو للثبات على ايمانه في مواجهة الحرب والمجاعة والأضطهاد والموت. ولن يكافيء الله سوى من يثبت الى المنتهى "رؤيا 6 :9"
الأنسان الخاطيء يكره من ينبّهه الى خطيئة ويحثُّه على التوبة. فقد كره الناس الرب يسوع المسيح، كما كرهوا أيضا أتباعه وتلاميذه (راجع 1يوحنا 3 :13) ، عندما تطيع المسيح وتتخذ وقفتك ضد الشيطان، كن مستعدا لاستقبال كراهية العالم لك. لكن تذكَّر دائما أنّ المكافأة العظمى التي تنتظرك في السماء تفوق بكثير أي تعب أو ألم قد يواجهك. "لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟" مر 8: 36"
يقول الرسول يعقوب في رسالته :" يا أخوتي ، عندما تُنزل بكم التجارب والمحن المختلفة ، أعتبروها سبيلا الى الفرح الكُلّي ، وكونوا على ثقة بأنّ إمتحان إيمانكم هذا ينتجُ صبرا... وتصيروا أقوياء على مواجهة جميع ألأحوال "يعقوب 1 : 1-5"
بعد استشهاد استيفانوس ، تشتّت المسيحيون الذين في اورشليم ، في كُلّ أنحاء العالم الروماني آنذاك ، وأزداد الأضطهاد . لهذا كتب يعقوب رسالته ليشجّع المؤمنون ويطلب منهم أن يحوّلوا المصاعب الى ازمنة تعلُّم. فالأيّأم العصيبة تُعلّمنا الصبر والثبات في الأيمان. لا يمكن للأنسان أن يتعرّف على أعماق شخصيّته حتى يرى كيف يتصرَّف وهو تحت الضغط. فمن السهل أن يكون الأنسان رحيما عندما تسيرألأمور على ما يُرام، لكن هل يمكنه أن يستمر رحيما حينما يعامله الناس بالظلم؟ وعوض الشكوى من المعاناة والجهاد لا بُدَّ أن نرى في ذلك فرصة للنمو في الأيمان. أشكر الله لوعده لك بان يكون معك في الأيّام العصيبة.
" وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ." (مت 28: 20" . هذا ما قاله يسوع المسيح لتلاميذه عندما اوصاهم ان يبشروا العالم بملكوت الله . اطلب من الله ان يحل مشاكلك، أو ان يعطيك القدرة على تحملها ، ثمّ عليك بعد ذلك بالصبر ، فلن يتركك الله وحيدا مع مشاكلك بل سيكون قريبا منك يعينك على النمو" طوبى لمن يتحمَّل المحنة بصبر . فإنّه بعد أن يجتاز الامتحان بنجاح، سينال "إكليل الحياة " الذي وعد به الربُّ مُحبّيه . وإذا تعرّض احدٌ لتجربة ما، فلا يقُل "إنَّ الله يُجرّبني!” لأن الله لا يمكن أن يجرّبه الشرُّ، وهو لا يجرّب به أحداً. ولكن ألأنسان يسقط في التجربة حين يندفع مخدوعا وراء شهواته"يعقوب 1 : 13-14
كان يوحنا الرسول، حسب التقليد، هو الوحيد من تلاميذ يسوع المسيح الأثني عشر الذي لم يقتل بسبب الأيمان، بل مات ميتة طبيعية، وعندما كتب يوحنا سفر الرؤيا كان منفيا في جزيرة بطمس في بحر ايجة ، حيث نفاه الرومان الى هناك بسبب شهادته عن الرب يسوع المسيح (رؤيا 6 :10-11)
لقد مات أول شهيد للمسيحيين وهو استفانوس (اعمال 6 :5) وهو رجل مملوء من الأيمان والروح القدس، مات بعد ان رجم
يعقوب اخي المسيح مات بعد ان قطع رأسه
بطرس مات مصلوبا ورأسه تحت ورجليه فوق بعد ان طلب ذلك حبا بالمسيح
بولس مات بالسيف
توما قتل في الهند

جهد ومجد
يقول هنري بولاد اليسوعي في كتابه "الولادة في الموت":
"طبيعة الأنسان أن يكون السماء شيئا جاهزا، ومصيرا مُحتّما، سعادة مُعدَّ على المقاس ولا مفرٌّ منها. نتمنّى أن يقول لنا الله:"سأُجهّزُكم سماء تذهبون إليها كُلُّكُم مهما فعلتم، ولا مفرّ منها". ويكون الأنسان محكوما عليه بالسماء (جنّة)، لكن أينَ الحُرّيّة في هذا؟
إن لم يكُن هناك احتمال مُخيف ورهيب للرفض فأنا لا أقبل هذه السعادة (كما يرفض المتسابقون في ساحة الميدان الرياضي ان يحصلوا على الكأس دون جهد مبذول). فسعادة الأنسان مظفور بها.إنّ المسيح لايعدنا بالسعادة الأبدية لكن بالمجد ألأبدي والمجد هو حالة يظفر بها الأنسان بالمجهود، كقمة جبل يصلها مغامر بعد ساعات من التسلُّق، فيكشف من أعلاها منظرا يُبهر الأبصار، ولا قيمة لهذا المنظر بدون الجهد المبذول للوصول الى قمة الجبل . وهناك يشعر بالسعادة والفرح. (انتهى الأقتباس)
فهلْ نهجرُ الإنجيلَ أم عليه نَصُرْ؟
ونجرعُ من كأسِ الحياةِ طعمَها المُرْ؟
أم ندعو للمحبّةِ بكل سرورْ؟
نبذرُ في دربِ الإيمانِ أحلى الزهورْ
نُبشّرُ بالمسيحِ عبرَ كلِّ الدهورْ
وكلُّ شهيدٍ لهُ في الملكوتِ نورْ
إسمعي يا أيقونة كل العصورْ


المراجع
الكتاب المُقدَّس -قراءة رعائيّة
التفسير التطبيقي للكتاب المُقدَّس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با


.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط




.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-