الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لذة اللبان الوطني المرّ

عامر موسى الشيخ
شاعر وكاتب

(Amer Mousa Alsheik)

2024 / 3 / 23
المجتمع المدني


في واحدة من الصياغات العراقية المحكية التي تصف الذي يتعرض إلى الفضيحة و الإشهار والتشهير هي أنه " صار علچ بالحلوك " ، أو " صار علچ بحلوك الناس " في إشارة إلى أن القصة انتشرت واشتهرت ولا يمكن إيقاف نيران انتشارها على الألسن ، وصارت مثل لبان يُلاك في الأفواه !!.
يتحول هذا اللبان (العلچ) الذي أصله حكاية مجتمعية فضائحية إلى متعة خاصة ، تحقق لذّة الفضول والبحث ، لتدور الحكاية من شخص لآخر ، وهكذا يتغير طعم اللبان من فم إلى فم ، ومن ثم تضاف له النكهات والأطعمة حسب الأهواء والمناطق والمرجعيات الفكرية ، ويتعرض هذا اللبان إلى الطول والقصر حسب الرغبة ، مع إضافة البلاغات اللغوية ، واليقين التام المنقطع .
يبرم الرجال شواربهم ويمطقون لبان الحكاية مع الدخان ، تفك النسوة دبابيس شالاتهن ويتربعن جلوسا على الأرائك في البيوت من ثم تنطلق الأقاويل عن القصة الواحدة ، والشخص الواحد ، ليتحول هذا الواحد إلى مثال يساق عن مجتمع متكامل و يشترك في مضغه الجميع ، وخلال ذلك سيدخل ويخرج ويُحذف ويُضاف من القصة أبطال وضحايا ، لتتسع دائرة لوك (العلچ) وتتحول إلى لذّة عامة تشبه لذة قضاء الأوقات في المقاهي والأسواق والصالونات والحانات والمطاعم ، حتى تصير القصة المراد الايغال فيها مثل (علچ) وطني، يشترك في مضغه الجميع .
وهل هنالك أجمل من (علچ) الفضيحة والفضائح ؟ وهل هنالك أفضل من الإيغال في قضايا لها مساس بشخص ما يتحول إلى شماعة فضائح نعلق عليها كل موبقات المجتمع ورذائله ؟ وكأنّ المجتمع بريء من الرذيلة ومُطهر من الخطايا .
إن أضعف شريحة بين شرائح المجتمعات المأزومة هي شريحة الوسط الجامعي ، لأنه مجتمع مختلط فبقدر ما هناك منظومة أخلاقية صارمة يفرضها الواقع الجامعي ، تفلت من هنا وهناك حالات شاذة تعكر صفو هذه المنظومة ، فينبري من هو خارج هذه الدائرة إلى التمتع بمضغ لبان الجامعة ويبصقه ومن ثم يعيده إلى فمه من دون الالتفات إلى فعل اللوثة التي يحدثها ، ولا يستطيع هذا الماضغ أن يميز بين الحالة الشاذة الوحيدة ، وبين العلامات المضيئة التي تقدمها الجامعات ، وفي بلد مثل العراق لم يتبق لديه سوى الجامعات والمدارس ، ولأنها بلا قوة وبلا سلاح ، ستكون هذه الشريحة هي الأضعف والأكثر تعرضا إلى القذف الكلامي ، رغم أن العراقيين يعولون كثيرا عليها وعلى أجيالها في أن يمارسوا فعل التصحيح لمسار البلد ، لكن من يوقف عملية المضغ الجماعي للبان الفضيحة الذي تتعرض له هذه المؤسسات ، رغم وجود اتفاق مرتبك مسبق عن إن هذه المؤسسات يشوبها بعض من الخلل .
يطول القول عن الحادثة الشاذة التي وقعت في البصرة ، ولكنه يطول أكثر عن الفرح بالفضيحة ووقوعها ، تحالف الجمع على القذف بالحجارة والإيغال بالفضح ، ولم يفكر العقل الجمعي بالستر ، ويأتي هنا السؤال المُلح ، هل الجميع أبرياء من الخطيئة ؟ ، وكأنها الفضيحة الوحيدة التي وقعت في العالم !!!
ولعل استحضار مقولة السيد المسيح (عليه السلام ) هنا تعد ضرورة لمحاسبة النفس ، إذ ورد عنه أنه قال عن امرأة متهمة بالفاحشة، وأرادوا رجمها، وأرادوا أن يحرجوا المسيح بأن يشارك هو في رجمها، أو أن يقف موقف المعترض على شريعة موسى (عليه السلام) قال : " من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف


.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد




.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال


.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا




.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة