الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السؤال الذي يقتل

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2024 / 3 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٦٩ - التساؤل المميت
يقول المؤرخ اليوناني ديوجين اللائرسي Diogène Laërce - Διογένης Λαέρτιος، عن طاليس الذي عاش بين سنة ٦٢٤ و ٥٤٦ ق.م، والذي يعتبره العديد من أول فلاسفة اليونان " ظن أن الماء كان علة الأشياء وأن العالم حي مليء بالشياطين ويقال أنه أكتشف فصول السنة وقسمها إلى ٣٦٥ يوما ولم يتبع دروس أي معلم ما عدا في مصر حيث كان يصاحب كهنة البلاد". ديوجين الذي عاش في القرن الثالث الميلادي يردد ما قاله إفلاطون قبله بعدة قرون (٤٢٧ ق.م - ٣٤٧ ق.م)، حيث أكد في الجمهورية بأن طاليس تلقى تعليمه على أيدي كهنة مصر. وهناك شبه إجماع أيضا على أن فيثاغوراس 570- 495 ق.م ، قد أقام في مصر ودرس فيها الرياضيات والهندسة وعلم الفلك، ثم أسس مدرسته الفلسفية عندما عاد إلى اليونان فيما بعد. إن هذا لا يعني باي حال من الأحوال أن الفلسفة كمجال حيوي للفكر البشري هي بضاعة أستوردها اليونان من سوق الفكر المصري، أو أنها نسخة منقحة من الفكر الديني الشرقي، ذلك أن الفلسفة ليست دينا وليست أيديولوجية أو مدرسة شعرية أو أدبية. الفلسفة هي العقل أو اللوغوس كما يقول اليونان، في حركته الدائمة لتجاوز ذاته والإبحار نحو جزر مجهولة وإستكشاف فضاءات وأراض جديدة لتوسيع أفقه إلى ما لانهاية. وفي كل عصر وفي كل بقعة جغرافية وفي كل مكان على سطح الكرة الأرضية مارس الإنسان، أي المجتمعات البشرية المتعددة هذا النشاط العقلي لأنه يرتبط إرتباطا وثيقا وأساسيا بـ " وجود " الإنسان وكينونته. غير أن هذا النشاط العقلي لا يتواجد في الفراغ، إنه نتيجة ديالكتيكية لنشاط الإنسان العملي وصراعه الدائم مع العناصر الطبيعية المحيطة به، وبالتالي يختلف الإنتاج الفكري لكل مجتمع حسب نشاطه العملي، فالفكر الذي تنتجه المجتمعات الزراعية يختلف حتما في بعض جوانبه عن الفكر الذي تنتجه المجتمعات الرعوية أو المتنقلة .. ولهذا السبب أنتج العقل البشري فكرا يمكن تسميته بالفكر المرتبط بالصين أو بالهند، باليونان أو ببلاد النهرين .. إلخ والفلسفة هي حقل من هذه الحقول تكونت بذوره في مناطق مختلفة ثم نما ونضج في تربة إجتماعية مناسبة وهي اللغة اليونانية. وإذا كان الهدف من هذه الرحلة الطويلة هي مطاردة "العدم" وإستكشاف مصادر العدمية وتركيبها الأنطولوجي وتتبع مسارها اللولبي في حقل الحياة الإجتماعية والفكرية عموما، فمن الواضح أن كل الطرق التي يمكن إستكشافها تؤدي إلى "الفلسفة" كمحاولة جديدة وكمغامرة فكرية فريدة من نوعها لبناء مفهوم عام يحدد طبيعة وماهية الكينونة والوجود والزمان والمكان، وفي هذا البحث ظهر العدم كمكون أساسي لماهية الكينونة والوجود. ولا نستطيع إلا أن نؤكد على تنوع مصادر الإرهاصات الفلسفية، وأنه توجد بالتالي "علاقة" تربط ظهور الفلسفة في اليونان وبين الفكر السائد في الشرق في تلك الفترة التاريخية. ولكن من المهم التأكيد في نفس الوقت، للأمانة التاريخية، على أن طاليس، هو الذي وضع أسس الفكر الذي تطور إلى ما نعرفه اليوم بإسم الفلسفة. وهو الذي وضع وأكتشف أهم مقولاتها الأساسية، وسمى هذه المقولات ووضع أمامها علامات الإستفهام التي بعضها ما تزال قائمة حتى اليوم تنتظر الإجابة. تساؤلات وإشكاليات تتعلق بمقولات متعددة مثل الطبيعة والله والتكوين والكينونة والعدم والضرورة والروح والزمان والموت .. ولا أحد يمكن أن يشك ولو لحظة واحدة بأن كل هذه التساؤلات والإشكاليات وغيرها كانت مطروحة بالضرورة في ثقافات ومجتمعات أخرى بطرق ولغات وإجابات مختلفة. والسؤال الذي يمكن طرحه اليوم، وإن كان ليس جديدا، ولكنه يبقى بدون إجابة هو هل هناك إمكانية التساؤل وإعادة طرح إشكالية العدم والكينونة والوجود خارج حدود الفلسفة اليونانية عموما وخارج تهويمات نيتشة العشوائية وخارج نظرة هايدغر لهذه الفلسفة ؟ وبطريقة أكثر وضوحا، هل يمكن متابعة وملاحقة العدمية وإعطائها صورة تختلف عن الصورة المشوشة والغامضة والتي تميل غالبا للسواد والسلبية، إعادة بناء هذه الفكرة القاتمة التي تهيمن على الفكر الأوروبي والتي أجتاحت كل المجتمعات المعاصرة. فهل يمكننا اليوم، في الظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي تعانيها البشرية إعتبار العدم والعدمية واللاشيء والفراغ كقيم إنسانية جديدة، كقيم فعالة وديناميكية مضيئة قد تنقذ البشرية من حلكة الظلام الدامس الذي يلف العالم منذ عدة أجيال ؟
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا