الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجهر بالافطار فى نهار رمضان من أساسيات الدولة المدنية

منى نوال حلمى

2024 / 3 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حرية الجهر بالافطار فى نهار رمضان من أساسيات الدولة المدنية
-----------------------------------------------------------------------------------------
قال الرئيس السيسى ، فى يوم 11 سبتمبر 2021 ، فى الحلقة النقاشية تحت عنوان ، حقوق الانسان ، الحاضر والمستقبل : " ... لما طالبت بتوثيق الطلاق ورُفض من المؤسسة الدينية ، منشفتش دماغى ، ومعملناش صدام ، مش رفض للصدام فى حد ذاته ، ولكن احتراما لمنطق الزمن ، واحترام الآخر فى حرية الاعتقاد ، أو اللاعتقاد .. كل انسان حر فى اعتقاده ، بس ده مش معناه استهداف مصر ، وفرض مسار فكرى علينا .. ".
هكذا تحدث الرئيس السيسى الى الشعب المصرى ، وأمام جميع المسئولين فى الدولة المصرية ، ضاربا بكلمات واضحة ، جذور الدولة الدينية ، التى تم ارساؤها منذ زمن طويل ، ولم تنجح مصر فى استئصال مفاصلها ، ومحاربة توغلها منذ منتصف سبعينات القرن الماضى . وكان أبلغ تعبير عن اختراقها مؤسسات الدولة ، وعقل ومزاج الأغلبية ، هو وصول الاخوان المسلمين الى الحكم 2012.
على حسب معلوماتى ومتابعتى ، فان الرئيس السيسى ، أول رئيس لمصر ، يتكلم عن
" حرية اللاعتقاد " ، أو حتى يجيب سيرة الحرية ، من أساسها بأى شكل . حتى الرسل والأنبياء ، لم يتفوهوا بكلمة الحرية . الرئيس يتكلم عن حرية اللاعتقاد ، ومتى ؟؟ ، فى وقت متشبع بالفكر الاخوانى ، والسلفى ، وسيادة العقلية الاسلامية الارهابية ، النسخة الوهابية البدوية ، مولودة ومترعرعة وزدهرة فى شبه الجزيرة العربية . المهمة التى اُنفق عليها المليارات من الدولارات ، لمدة ما يقرب من خمسة عقود متتالية ، لزراعة الدولة الدينية الذكورية ، التى ستطبق شرع الله ، وحدود الله ، وتقيم الخلافة الاسلامية ، وقد قضت على كل مكتسبات الدولة المدنية ، ومعالم التنوير ، واحترام النساء .
هذا حديث الرئيس السيسى ، فى 2021 ، والذى انتهى باعلان أن 2022 ، سنة المجتمع المدنى .
لكن وكما قال الرئيس فى الحلقة النقاشية نفسها :" كلامنا كتير وجميل ، ولا يوجد تنفيذ " . لم تبدأ أى مؤسسة من مؤسسات الدولة ، فى تحويل كلام الرئيس ، الى أفعال ، وممارسات ، وشغل وطنى جاد ، ومتابعة مستمرة ، فى تجديد الخطاب الدينى ، وارساء عقلية حرية المعتقد واللامعتقد ، وترسيخ اللغة المدنية . وكأن الرئيس السيسى " ينفخ فى قربة مخرومة " ، أو يتكلم بلغة غير متداولة ، أو يهزر فى شئون البلد .
وهنا يواجهنا واقع فريد من نوعه .. وهو أن يكون الحاكم أو الرئيس ، أكثر انفتاحا ، ووعيا ، وتقدما ، من الشعب .. وأن يبادر هو ، وليست مؤسسات الدولة ، بضرورة التغيير فى تجديد الخطاب الدينى ، وفى توثيق الطلاق . وقد رفض الأزهر ، المبادرتين .
لقد استعدت هذه المشاهد كلها ، فى شريط متصل متتالى ، وأنا أتابع جريمة قتل ، حدثت خلال الأسبوع الأول من رمضان ، والتى ما كانت تتم ، لو أننا صدرنا للناس خطابا دينيا ، واعلاميا ، وثقافيا ، وتعليميا ، يحارب العقلية الاسلامية المستوردة ، التى نخرت فى عظام الوطن ، وأمرضته بالوصايا الدينية ، والاستعلاء الدينى ، والغطرسة الدينية ، والاستعراض الدينى ، والمزايدات الدينية .
فى أحد مستشفيات القاهرة ، توجد كافيتريا يملكها أحد المواطنين ، لكنها لا تقدم مأكولات أو مشروبات فى نهار رمضان . تصادف أن جاء أحد عمال النظافة فى المستشفى ، وأخذ يرتب وينظف المكان . لاحظ صاحب الكافيتريا ، أن العامل يشرب سيجارة . ذهب له قائلا :
" اطفى السيجارة دى حالا ، ده احنا فى نهار رمضان ". رد العامل : " أنا فاطر مش صايم ، انت مالك ، مش هاطفى السيجارة ". غضب صاحب الكافيتريا ، وخطف السيجارة من العامل ورماها . واشتد الجدال بين الاثنين ، فما كان من العامل ، الا أن أخرج سكينا ، وضرب صاحب الكافيتريا طعنة واحدة ، فمات على الفور .
قال الاعلامى معلقا على الجريمة : " احتا وصلنا ازاى للمستوى ده .. كده علنى فى نهار رمضان الراجل بيشرب سيجارة ، من غير خشى ولا دم .. ازاى اتجرأ على ربنا بالشكل ده ، ولا عنده احترام للشهر المبارك ، ولا بيحترم مشاعر الصايمين .. يا أخى لو هتموت على سيجارة استخبى فى حتة ، ولا خش الحمام .. اذا بليتم يا أخى فاستتروا .. وصاحب الكافيتريا اللى مات ده ذنبه ايه .. بيدافع عن دينه ، وربنا عز وجل بيقول منْ رأى منكم منكرا فيغيره بيده أو بلسانه أو بقلبه وهذا هو أضعف الايمان .. لازم يكون فيه عقاب رادع لواحد زى ده .. ده المسيحي بيحترم مشاعر المسلمين ، فى رمضان ومبيفطرش علنا ".
هذا تعليق ربما يكون مقبولا ، فى الدولة الدينية . لكنه فى دولة مدنية مثل مصر ، مرفوض ، وليس له تفسير ، الا أننا محاصرون اعلاميا وثقافيا وتعليميا ، بخطاب يعادى مدنية الدولة ، ومناخ ارهابى يفرض الوصايا الدينية ، ويعطى مساحة كبيرة لنشر التعصب الدينى ، واللغة الدينية ( الحلال والحرام وشرع ربنا ) وانتهاك حرية الأفراد واغتصاب حقوقهم ، داخل أوطانهم ، باسم الاسلام والدين . بالاضافة الى أنه يرسخ للكراهية ، و للكذب والنفاق ، ويعلم الناس الخوف ، وعدم التمسك بحقوقهم ، لأنه يعامل الجهر بالافطار ، وكأنه رذيلة أو معصية ، وجب اخفاؤها فى الحمام . وهذا فعلا ما يحدث ، على أرض الواقع .
الاعلامى يمدح سلوك صاحب الكافيتريا ، لأنه يغير المنكر بيده . وهذا ارهاب علنى ، لو تركناه سوف يمتد الى كل سلوكيات الحياة . فى السعودية تم الغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، التى تطارد الناس وتعتدى عليهم ، فى أوقات الصلاة ، أو عدم لبس الحجاب . وفى ايران ، أُلغيت شرطة الأخلاق ، أو شرطة الآداب ، عام 2022 التى كانت تعتقل منْ لا تلبس الحجاب ، أو ترتدى ملابس غير مرضى عنها ، وذلك بعد تسببها فى مقتل مهسا أمينى . لكن طالبان فى أفغانستان ، بالطبع تسير الى الخلف ، حيث أغلقت وزارة شئون المرأة ، 2021 وأنشأت بدلا منها ، شرطة الأخلاق ، ومنعت النساء من الدخول الى مقر أعمالهن ، وأرجعتهن الى البيوت .
وما معنى احترام مشاعر المسلم الصائم ؟؟. ولماذا لا يحترم المسلم الصائم ، مشاعر غير الصائم ؟؟. ولماذا يكون احترام مشاعر المسلمين ، معناه قتل حريات الناس والغاء حقوقهم ؟؟. لماذا يعتبر المسلمون أنفسهم ، كالطفل الأوحد المدلل ، يجب تلبية رغباته ، حتى لو كانت غير عقلانية ، ومؤذية للآخرين ؟؟. ولماذا المسلمون فى بلادهم أو خارجها ، هم فقط الذين يصدرون ضجة ، عندما يصومون ، وعندما يأكلون وعندما يحتفلون وعندما يصلون ؟؟. لماذا مشاعرهم أهم من مشاعر الآخرين ؟؟. لماذا يريدون دخول الجنة ، على حساب حريات الآخرين ؟؟. المفروض أنهم يمارسون تعاليم دينهم ، عن ايمان وثبات وامتنان ، وفخر ، وهدوء . والمواجهة مع الجهر بالافطار ، يختبر أكثر قوة ايمانهم ، وثبات عقيدتهم .
ان الناس تؤمن بالأديان ، لعلهم يشعرون بالمزيد من الحرية ، طالما أنهم لا يعتدون على أحد لفظيا أو جسديا . وليس مضاعفة للقيود والمحظورات . هذا المفهوم ، كان بامكانه تجديد الخطاب الدينى من جذوره ، كما طالب الرئيس منذ عشر سنوات .
كما أوضحنا سابقا ، ان الرئيس السيسى ، منشفش دماغه ، ومعملش صدام ، لأنه يحترم منطق الزمن وتغيير الناس . لكن الرئيس يدرك جيدا ، أن حماية مصر ، ضرورة ، وليس تنشيفا للدماغ ، أو حبا فى الصدام . ومنطق الزمن ، الذى يرجعنا الى الوراء ، يجب تعديل مساره ، وفضح هدفه ، والمرتزقين من دفعه ، وتدعيمه .
فى 3 مارس 2024 ، مرت مائة عام على سقوط الخلافة الاسلامية ، احدى أهم انجازات مصطفى كمال أتاتورك 19 مايو 1881 – 10 نوفمبر 1938 ، والتى تمثلت فى سيطرة العثمانيين على مساحات كثيرة من العالم ، أربعمائة وسبعة سنة ، من سنة 1517 حتى 1924 .
سقطت الخلافة الاسلامية ، أو الامامة العظمى ، التى تقوم على استخلاف قائد مسلم للحكم بالشريعة الاسلامية . وهى عند أهل السُنة والجماعة ، كفاية عين . وعند الشيعة هى ركن من أركان الاسلام . وهى تؤسس وتتوسع باعتناق الاسلام السياسى ، أو الاسلام الحربى ، أو الجهاد فى سبيل الله ، بالقتال ، والدم ، والاحتلال .
لكن الحلم باستعادة الخلافة ، مازال موجودا ، وحيا يُرزق . وبدأ التخطيط فورا بتأسيس جماعة الاخوان المسلمين فى مصر 1928 ، وكانت الرحم الذى أفرخ كل الحركات الاسلامية الجهادية الارهابية .
لابد اذن أن نقاوم اللغة الدينية ، ونفسد على جنودها وحلفائها ، خطتهم وغايتهم ، من هذا المنطلق التاريخى الأعم . خطة لئيمة ، وغاية خبيثة ، تستغلان الجهل والعواطف الدينية الساذجة ، والأزمات الثقافية و الاقتصادية والفقر والاحباط ، وكثرة التناسل ، وفساد بعض النخب المؤثرة على الرأى العام ، والمزاج العام .
لابد من تطهير الأداء الاعلامى والثقافى والتعليمى ، بشكل صارم ، من مروجى اللغة الدينية ، وترسيخها فى العقول والوجدان .
ميثاق شرف وأخلاقيات وممارسات الدولة المدنية . هذا ما يمليه علينا ، حب الوطن ، وحمايته .
=============================================================








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي