الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحقيق النصي لإعتماد رسالة بطرس على رسالة يهوذا والجحيم اليوناني

ابرام لويس حنا

2024 / 3 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كما ذكرنا مِن قبل أن نص رسالة يهوذا يعتمد على سفر أخنوخ، هكذا نرى أنه مِن بين البراهين المَعروضة في الوسط العلمي بإنه كذلك نص سفر رسالة بطرس الثانية يعتمد بشكل ما على سفر أخنوخ وهو ما نَحن بصدد بحثه والغور في أدلته.

يذكر الرسول بطرس في رسالته:

(فإذا كانَ اللهُ لَم يَعْفُ عنِ المَلائِكةِ الخاطِئين، بل أَهبَطَهم أَسفَلَ الجَحيم ταρταρώσας وأُسلَمَهم إِلى أُحابيلِ الظُّلُمات حَيثُ يُحفَظونَ لِيَوم الدَّينونَة... فذلِكَ أَنَّ الرَّبَّ يَعلَمُ كَيفَ يُنقِذُ الأَتْقِياءَ مِنَ المِحنَة وُيبْقي الفُجَّارَ لِلعِقابِ يَومَ الدَّينونَة) (رسالة بطرس الثانية، الاصحاح الثاني، العدد 4، 9).

نَرى أن لقب (تارتاروس وهو الجحيم) هو إسم الجحيم في الأساطير اليونانية، حيث يعتبر تارتاروس Tartarus هو مكان عقاب الجبابرة و الآلهة المنفية وهو أقتم بقعة تحت الارض فطبقاً لملحمة هسيودوس و إلياذة هوميروس هو (اسفل هاديس على بعد مسافة تعادل ارتفاع السماء عن الارض)، فهاديس هي مأوي الرجال الفانين، بينما تارتاروس هي مأوى الخالدين الساقطين (1) وهو المكان الذي نُفى له الجبابرة بعد الحرب ضد زيوس و تم تصويره على انه سجن لا مفر منه فالإله بوسيدون وضع حوله ابواب برونزية وسوراً يحاوطه من كل الجوانب (2)، كما إستخدم بطرس لهذه الكلمة يتفق مع فكر أخنوخ، فيذكر أخنوخ و كذلك ظهر استخدامها في سفر أخنوخ، فسفر أخنوخ الاول يُركز بشكل خاص على اسطورة الملائكة الساقطة خصوصاً ( الأصحاحات 6 -21 ) مستخدما لفظة (التارتاروس) مرة واحدة في أخنوخ الاول عند وصف واجبات رؤساء الملائكة، كالتالي: (إليك أسماء ملائكة القدرة: أورئيل أحد الملائكة القدّيسين، أوكل على العالم و تارتاروس ταρτάρου) (1 أخنوخ ، الاصحاح 20 :، عدد 2).

ويجب علينا أن نُلاحظ أن كلاً مِن (بَطرس وأخنوخ والاساطير اليونانية) تصف ذاك المكان بكونه موضع (الملائكة ساقطة وليس البشر الساقطين) (3).

كذلك تأثرت الترجمة السبـعينية بأسطورة تارتاروس، فظهر استخدامها ثلاث مرات في العهد القديم خارج سياق اسطورة الملائكة الساقطة، فبما أن تارتاروس هو اعمق منطقة في العالم السفلي فبالتالي كان أداة بليغة وفعالة للتعبير عن أعمق نقطة التي لا منتهي لها مثل، كقوله:

(للعَلَقَةِ ثلاث محبوبات بناتها وهذه الثلاثة لم تملئها. والرَّابِعةُ لا تكتفي وتقولُ :كفَى ، وهم هاديس/ الْهَاوِيَةُ و حب إمراه و الرجيم/ تارتاروس τάρταρος و وَأَرْضٌ لاَ تَشْبَعُ مَاءً ، وَالنَّارُ والماء لاَ تَقُولُا: كَفَى) (أمثال 30: 15 -16)

(وعندما تصعد الجبل المسّور /الحاد تـبتهج ذوات الاربع في العمق/ تارتاروس ταρτάρῳ) (أيوب 40 : 20)

(يُغْلي الهاوِيةَ كالمِرجَل وُيحَولُ البَحرَ إِلى قِدرِ طيب/ قّدر دهن، يجعل تارتاروس τάρταρον العمق أسيره ، يَحسب العمق مداه) (أيوب 41: 23- 24).

عرض Samuel Davidson بعض المتوازيات بين رسالة بطرس الثانية وسفر يهوذا يُمكن تَلخيصها في الجدول التالي:-
------------------------------------------------------------
أ) تذكر رسالة يهوذا (إِلَى الْمَدْعُوِّينَ الْمُقَدَّسِينَ فِي اللهِ الآبِ، وَالْمَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ) ( 1:1)، في حين تذكر رسالة بطرس الثانية (إِلَى الَّذِينَ نَالُوا مَعَنَا إِيمَانًا ثَمِينًا مُسَاوِيًا لَنَا، بِبِرِّ إِلهِنَا وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ) (1:1).

ب) تذكر رسالة يهوذا (أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ) (1: 3)، في حين تذكر رسالة بطرس الثانية (وَلِهذَا عَيْنِهِ ­وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ­ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً) (1: 5).

ج) تذكر رسالة يهوذا (لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ) (1: 4)، في حين تذكر رسالة بطرس الثانية (وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا، وَسَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ تَهْلُكَاتِهِمْ. الَّذِينَ بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ) (2: 1-2).

د) تذكر رسالة يهوذا (وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ) ( 1: 6)، في حين تذكر رسالة بطرس الثانية (لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ) (2: 4).

هـ) تذكر رسالة يهوذا (كَمَا أَنَّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَالْمُدُنَ الَّتِي حَوْلَهُمَا، إِذْ زَنَتْ عَلَى طَرِيق مِثْلِهِمَا، وَمَضَتْ وَرَاءَ جَسَدٍ آخَرَ، جُعِلَتْ عِبْرَةً مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ أَبَدِيَّةٍ) (1: 7)، في حين تذكر رسالة بطرس الثانية (وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالانْقِلاَبِ، وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا... وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَذْهَبُونَ وَرَاءَ الْجَسَدِ فِي شَهْوَةِ النَّجَاسَةِ) (2: 6 ، 10).

و) تذكر رسالة يهوذا (وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ: «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ!») (1: 9)، في حين تذكر رسالة بطرس الثانية (حَيْثُ مَلاَئِكَةٌ­ وَهُمْ أَعْظَمُ قُوَّةً وَقُدْرَةً ­ لاَ يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى الرَّبِّ حُكْمَ افْتِرَاءٍ) (2: 11).

ز) تذكر رسالة يهوذا (وَلكِنَّ هؤُلاَءِ يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ. وَأَمَّا مَا يَفْهَمُونَهُ بِالطَّبِيعَةِ، كَالْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ النَّاطِقَةِ، فَفِي ذلِكَ يَفْسُدُونَ) (1: 10)، في حين تذكر رسالة بطرس الثانية (أَمَّا هؤُلاَءِ فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ، طَبِيعِيَّةٍ، مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَالْهَلاَكِ، يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ، فَسَيَهْلِكُونَ فِي فَسَادِهِمْ) (2: 15).

ح) تذكر رسالة يهوذا (هؤُلاَءِ صُخُورٌ فِي وَلاَئِمِكُمُ الْمَحَبِّيَّةِ، صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعًا بِلاَ خَوْفٍ، رَاعِينَ أَنْفُسَهُمْ. غُيُومٌ بِلاَ مَاءٍ تَحْمِلُهَا الرِّيَاحُ. أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلاَ ثَمَرٍ مَيِّتَةٌ مُضَاعَفًا، مُقْتَلَعَةٌ. أَمْوَاجُ بَحْرٍ هَائِجَةٌ مُزْبِدَةٌ بِخِزْيِهِمْ. نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ) (1 : 12 ، 13)، في حين تذكر رسالة بطرس الثانية (آخِذِينَ أُجْرَةَ الإِثْمِ. الَّذِينَ يَحْسِبُونَ تَنَعُّمَ يَوْمٍ لَذَّةً. أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ، يَتَنَعَّمُونَ فِي غُرُورِهِمْ صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعَكُمْ.... هؤُلاَءِ هُمْ آبَارٌ بِلاَ مَاءٍ، غُيُومٌ يَسُوقُهَا النَّوْءُ. الَّذِينَ قَدْ حُفِظَ لَهُمْ قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ) ( 2 : 13 ، 17).

ط) تذكر رسالة يهوذا (هؤُلاَءِ هُمْ مُدَمْدِمُونَ مُتَشَكُّونَ، سَالِكُونَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ، وَفَمُهُمْ يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ، يُحَابُونَ بِالْوُجُوهِ مِنْ أَجْلِ الْمَنْفَعَةِ) ( 1: 16)، في حين تذكر رسالة بطرس الثانية (لأَنَّهُمْ إِذْ يَنْطِقُونَ بِعَظَائِمِ الْبُطْلِ، يَخْدَعُونَ بِشَهَوَاتِ الْجَسَدِ فِي الدَّعَارَةِ..) ( 2: 18).

ي) تذكر رسالة يهوذا (وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَاذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ: «إِنَّهُ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ سَيَكُونُ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ فُجُورِهِمْ») ( 1: 17 - 18)، في حين تذكر رسالة بطرس الثانية (هذِهِ أَكْتُبُهَا الآنَ إِلَيْكُمْ رِسَالَةً ثَانِيَةً أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، فِيهِمَا أُنْهِضُ بِالتَّذْكِرَةِ ذِهْنَكُمُ النَّقِيَّ،لِتَذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ، عَالِمِينَ هذَا أَوَّلًا: أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ) (3: 1- 3).

من خلال تلك المقابلة يَظهر ان هناك تشابه في الكلمات و الافكار، والسؤال هنا كيف يمكن تفسير تلك الظاهرة ؟ لذا أقترح للإجابة على هذا السؤال عدة اقتراحات منها:-

1- أن يهوذا و أخنوخ اقتبسا من مصدر مُشترك واحد.
2- أن بطرس اعتمد على رسالة يهوذا.
3- أن يهوذا هو من اعتمد على رسالة بطرس.

فضل Samuel Davidson الرأي الثاني وهو ان بطرس استخدم رسالة يهوذا للأسباب الآتية :-
---------------------------------------------------------

أ‌) إن اسلوب يهوذا أبسط من بطرس ذات التكلف بصورة أكبر من يهوذا و أكثر بلاغة و إسهابيّ و أكثر تضخيماً، مثل:-

1- تذكر رسالة يهوذا (كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ) ( 1: 3)، وهكذا رسالة بطرس تذكر (الَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ مُنْذُ الْقَدِيمِ لاَ تَتَوَانَى، وَهَلاَكُهُمْ لاَ يَنْعَسُ) ( 2: 3).

2- تذكر رسالة يهوذا (حَفِظَهُمْ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ (1: 6)، وهكذا رسالة بطرس تذكر (بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ) ( 2: 4).

3- تذكر رسالة يهوذا (جُعِلَتْ عِبْرَةً مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ أَبَدِيَّةٍ) (1: 7)، وهكذا رسالة بطرس تذكر (حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالانْقِلاَبِ، وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا) ( 2: 6).

4- تذكر رسالة يهوذا (يُنَجِّسُونَ الْجَسَدَ) ( 1: 8)، وهكذا رسالة بطرس تذكر (يَذْهَبُونَ وَرَاءَ الْجَسَدِ فِي شَهْوَةِ النَّجَاسَةِ) ( 2: 10).

5- تذكر رسالة يهوذا (وَيَسْتَهِينُونَ بِالسِّيَادَةِκυριότητα δὲ ἀθετοῦσιν) (1 : 8)، وهكذا رسالة بطرس تذكر (وَيزدَرونَ بِالسِّيَادَةِ κυριότητος καταφρονοῦντας) (2: 10).

6- تذكر رسالة يهوذا (يَفْتَرُونَ عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ) (1: 8)، وهكذا رسالة بطرس تذكر (لاَ يَرْتَعِبُونَ أَنْ يَفْتَرُوا عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ) ( 2: 10).

7- تذكر رسالة يهوذا (حُكْمَ افْتِرَاءٍ) (1: 9)، وهكذا رسالة بطرس تذكر (حُكْمَ مُفْتِرَياٍ) (1: 11).

8- تذكر رسالة يهوذا (يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ) (1: 10)، وهكذا رسالة بطرس تذكر (يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ) ( 2: 12).

9- تذكر رسالة يهوذا (فإِنَّهم بِه يَهلِكون) ( 1 : 10) ، وهكذا رسالة بطرس تذكر (فسَيَهلِكونَ هَلاكَها) (2: 12).

10- تذكر رسالة يهوذا (هؤُلاَءِ صُخُورٌ فِي وَلاَئِمِكُمُ الْمَحَبِّيَّةِ) (1: 12) ، وهكذا رسالة بطرس تذكر (أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعَكُمْ) (2: 13).

ب‌) بالإضافة انه لا يمكن لعدم فهم بعض جمل بطرس التي هي عامة وغير مُحددة بدون معرفة ما كتبه يهوذا فمثلاً (لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ) ( 2 بطرس 3: 4) هي عبارة غير مُحددة مقارنة بـقول يهوذا (وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ) (يهوذا 6)، فقول بطرس لا يُمكننا من التعرف من خلاله على الحدث الذي يُشير اليه بالتحديد أو ما هو سبب عقوبة الملائكة ولكن من خلال يهوذا فإننا نعرف تلك النقط فهم (لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ)، وبالمثل (حَيْثُ مَلاَئِكَةٌ وَهُمْ أَعْظَمُ قُوَّةً وَقُدْرَةً لاَ يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى الرَّبِّ حُكْمَ افْتِرَاءٍ) (2 بطرس 2: 11) الاكثر عمومية عند مقارنته بقول يهوذا (وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ: «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ!») (يهوذا 9)، فإن اقتصرنا على قول بطرس فإننا لا يمكن ان ندري ما يُلمح اليه او من الصعب معرفة ما كان يقصده فما يَدري مقصد العبارة الا قلة من المُطلعين على الكتاب العبري، ولكن لأن بطرس إعتبر أن رسالة يهوذا معروفة بالفعل في يدي قراءه و بالتالي اكتفي بتصريح عام خلاصته انه كان هناك نزاعاً بين الملائكة الصالحة و الملائكة الساقطة، يمكن توضيح مقصد بطرس بالصورة التالية (حَيْثُ مَلاَئِكَةٌ­ وَهُمْ أَعْظَمُ [من هؤلاء المُجدفين الذين يُريدون] القُوَّةً وَالقُدْرَةً لاَ يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى الرَّبِّ حُكْمَ افْتِرَاءٍ) (2 بط 2: 11) ، في الجانب الآخر فإن يهوذا يُقدم تصريح مُحدد وهو الصراع بين ميخائيل والشيطان حول جسد موسي.

ج) يَري Samuel Davidson كذلك ان اسلوب يهوذا ثابت و راسخ بينما اسلوب بطرس غير ثابت كما لو كان مُقلد، فالإيجاز والحيوية والعلاقة الوثيقة بين اجزاء رسالة يهوذا تُظهر اصالتها و استقلاليتها، بينما بطرس يتوسع ويضخم الافكار و يعَمم مما يُخفف الترابط الوثيق بين الافكار، و من الغير المحتمل ان يهوذا هو من اشتق تلك الرسالة القصيرة جدا بكل هذه الحيوية والقوة كما هي عليها الان من رسالة اطول أي من -بطرس-. فما الفائدة التي تعود لكاتب يستخلص عدداً قليلاً من رسالة اطول موجودة بالفعل؟

الحجة الوحيدة المعقولة لأولوية بطرس عن يهوذا والتي قدمها Hengstenberg هي الاعتماد على قول يهوذا (وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَاذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ: «إِنَّهُ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ سَيَكُونُ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ فُجُورِهِمْ») (يهوذا 17 - 18)، مُرجحاً انه اقتبس من رسالة بطرس الذي يقول فيه (لِتَذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ. عَالِمِينَ هذَا أَوَّلًا: أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ) ( 2 بطرس 3 : 3) فلا توجد تلك النبوءة التي اشار اليها يهوذا في كتابات العهد الجديد الا في رسالة بطرس، الا انه يمكن الرد على هذا الدليل بأن يهوذا يقول (وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَاذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ) فهنا يتكلم عن كلمات قالها الرسل ولا تعني بالضرورة كتابتها، فيهوذا يَفترض مًسبقاً عدم كتابة تلك الكلمات.

وكذلك قدم Heydenreich و Hengstenberg حجة أخرى وهي أن يهوذا تكلم عن المعلمين الكذبة كُمعلمين بالفعل موجودين وظاهرين (لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ) (يهوذا 4)، في حين ان بطرس تكلم عن المعلمين الكذبة على كونهم سيظهرون مستقبلياً (وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا، وَسَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ تَهْلُكَاتِهِمْ. الَّذِينَ بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ) ( 2 بطرس 2 : 1-2)، بالطبع كانت تلك الحجة لتصبح حجة ودليل قوى لو كانت بالفعل الرسالتين موجهين لنفس الاشخاص و الافراد، الا انه من المُرجح ان تلك الرسائل كُتبت لأشخاص مُختلفة في بلدان مُختلفة، بالإضافة ان بطرس يتحدث عن المُعلمين الكذبة او الهراطقة كقوله (وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ... كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هذِهِ الأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ، كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ) (2 بط 2: ، 3 : 16) في حين يتحدث يهوذا عن الفجار(الخلعاء) رافضين الفرائض (لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ) (يهوذا 4).

أما بالنسبة لقول بطرس (فإذا كانَ اللهُ لَم يَعْفُ عنِ المَلائِكةِ الخاطِئين، بل أَهبَطَهم أَسفَلَ الجَحيم ταρταρώσας وأُسلَمَهم إِلى أُحابيلِ الظُّلُمات حَيثُ يُحفَظونَ لِيَوم الدَّينونَة) (رسالة بطرس الثانية، الاصحاح الثاني، العدد 4 ، 9)، فيري Birger A. Pearson يَدين الى رسالة يهوذا 6 لكنه كذلك تأثر بصورة مباشرة من الاساطير اليونانية مع عدم وجود استخدام مَستقل لسفر أخنوخ هنا (4).


المراجع والحواشي
================
(1) هوميروس، الالياذة Iliad، الكتاب الثامن.
(2) هسيودوس، الثيوغونيا Theogony، السطر 720.
(3) راجع ما كتبناه سابقاً في مقالتنا بعنوان (سيلسوس وأخنوخ مع التحقيق النصي لإعتماد رسالة يهوذا على سفر أخنوخ، والأساس الأسطوري لسقوط الملائكة في سفر أخنوخ، العدد: 7926 - 2024 / 3 / 24).
(4) للمزيد راجع : Bruk Ayele Asale (2020), 1 Enoch as Christian -script-ure : a study in the reception and appropriation of 1 Enoch in Jude and the Ethiopian Orthodox Tewahado Canon, Pickwick Publications, ISBN 978-1-5326-9117-1 / Joseph Trevor Antley, Tartarus in Classical Greco-Roman Mythology, Apocalyptic Judaism, and Early Christianity / Samuel Davidson (1851), An Introduction to the New Testament: Containing an Examination of the Most Important Questions Relating to the Authority, Interpretation, and Integrity of the Canonical Books, with Reference to the Latest Inquiries, Volume III, The First Epistle to Timothy to the Revelation, London: Samuel Bagster and Sons.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج