الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-فليكوفسكي- ومحاولة تحويل أساطيرالتوراة لوقائع تاريخية

نبهان خريشه

2024 / 3 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إذا كان النبي موسى هو المؤسس الحقيقي للديانة اليهودية حسب السرديات الدينية اليهودية، وإذا كان شاول وداود وسليمان هم من أسسوا اول كيان سياسي مركزي لليهود بحسب تلك السرديات، فإن اليهودي الروسي "إيمانويل فليكوفسكي" (1895-1979) هو أول من حاول تأسيس ما يسميه بـ "القومية الإسرائيلية" الحديثة، التي بناها على أساطير سفر الخروج في كتابه "عصور في فوضى" الذي نشره في العام 1952، والذي عمل فيه على تزوير التاريخ القديم لمصر وفلسطين ليتناسب مع سردية سفر الخروج.

وتشكل "الكارثة" التي صحبت الخروج من مصر، وانشقاق البحر وإبتلاعه "للفرعون" وجيشة المحورالمركزي لمؤلف فليكوفسكي، حيث يذهب إلى أن الخروج اليهودي من مصرحدث في فترة إتسمت بأحداث جسام، ومن هذه النقطة يبدأ بتأسيسِ موطئ قدم لقبائل بني إسرائيل في التاريخ (ذلك التاريخ الذي لا يعرف شيئا عنهم في مصر ولا بفلسطين)، بتسويغه لأحداث الخروج، والتي ينجو فيها شعب إسرائيل ويغرق الجيش المصري وفرعونه، إذ يحاول فليكوفسكي هنا أن يجعلها مسوغه تاريخيا، بتحويل الأسطورة إلى وقائع حية فاعلة.

ويزعم فيليكوفسكي بأن التيه (الخروج)، لم يحدث خلال عهد المملكة المصرية الحديثة، بل حدث أثناء انهيار المملكة المصرية الوسطى، كما يطرح فيليكوفسكي في مؤلفه (ومؤلفاته الأخرى) مصطلح "الأشباح المزدوجة" أو "الأنا الثانية"، وهو أن الشخصيات التاريخية التي تعرف بأسماء متعددة في مصدرين مختلفين (المصرية واليونانية على سبيل المثال)، هي شخصيات مختلفة عاشت في قرون مختلفة، ويرى أنه جرى تأريخ هذه الشخصيات والروايات على نحو خاطئ ، الا أنها عمليا تعود لنفس الأشخاص ولنفس الأحداث.

ويمضي فيليكوفسكي بعملية التزوير "المتقن" للتاريخ بقوله إن الملك المصري "ديدوموس الأول" (1640-1700 ق.م) هو "فرعون التيه" وليس "رمسيس الثاني" (1303-1213 ق.م). كما عرف "الهكسوس" على أنهم العمالقة التوراتيين، والملكة المصرية "حتشبسوت" على أنّها الملكة التوراتية بلقيس، وعرّف أيضًا بلاد البنط في شرق إفريقيا على أنّها مملكة سليمان، والملك المصري "تحتمس الثالث" على أنّه الملك التوراتي "شيشنق" مؤسس الأسرة الـ 22 .

لكن ما يكشف كذب وتضليل فليكوفسكي، هوأن المؤرخين وصلوا نهاية الأسرة الثانية عشرة وهي آخرأُسرالدولة الوسطى (1788ق.م)، ببداية الأسرة الثامنة عشرة أُولى أُسر الدولة الحديثة، بعد التحرر من الهكسوس (1580ق.م)، ولم يتركوا للأُسر من الثالثة عشرة إلى السابعة عشرة سوى نحو مائتي عام قسمت على خمس أسر مصرية وهكسوسية.

ويؤسس فليكوفسكي نظريته الملفقة علميا، على أن خطأ قد وقع في تأريخ التاريخ المصري القديم، حيث توقف هذا التاريخ في فترة نهاية الأسرة الثانية عشرة في الدولة الوسطى؛ مع دخول الهكسوس إلى مصر. ولأن هؤلاء الغزاة كانوا بدوا برابرة لا يعرفون معنى الحضارة أو حتى الكتابة، فقد حطموا حضارة مصر، لذلك لم يتم تدوين أي شيء طوال فترة الاحتلال الهكسوسي، وهذا حدث بينما كان بنو إسرائيل وقت دخول الهكسوس إلى مصر، في طريق الخروج لشبه جزيرة سيناء، الا أن فترة وقوع الأحداث الجسام لم تسمح بتدوين كامل لتلك الأحداث بحسب إدعائه.

إن ادعاء الصهيونيه ومنظريها المشتشرقين، بأن أسلاف اليهود الغابرين في التاريخ هم من بنوا الأهرامات، وأنهم من دشنوا الثقافات في سوريا والعراق واليمن منذ فجر التاريخ، ليس أكثر من سذاجات وأساطير ومبالغات، مثلها مثل مغامرات يشوع بن نون وشمشون وداود وسليمان المذكورة في التوراة والتناخ. لكن فليكوفسكي في كتابه عصور في فوضى جمع وصنف قرائن وشواهد ودلائل وبراهين، بأسلوب عصري ومنهج علمي متقن التزوير..

لقد فشل علماء الآثار التوراتيين الذين نقبوا في مواقع مختلفة في طول وعرض فلسطين، وهم يحملون الفأس بيد والتوراة باليد الأخرى، فشلوا في اكتشاف ولو دليل واحد يثبت عن وجود تاريخي لليهود في فلسطين بحسب السردية التوراتية المزورة والتي تبنتها الصهيونية... فبني إسرائيل لم يدخلوا "مصر" ليخرجوا منها، وأنه جرى إسقاط جغرافية جنوب الجزيرة العربية التوراتية على فلسطين، وأن الإستشراقيين التوراتيين زوروا تاريخ اليهود لأهداف إستعمارية، ورغم كل ذلك لا تزال السردية التاريخية المزورة لإسرائيل هب السائدة في أوساط قطاعات واسعة من المسيحيين في العالم بل وحتى في "التراث" الديني الإسلامي الذي تسربت الإسرائيليات إليه !! .

ولكن إذا لم يكن لليهود علاقة لا بمصر ولا بفلسطين إذن من أين جاء يهود اليوم ؟؟
يقول المؤرخ اليهودي المجري "ارثر كوستلر"في كتابه (القبيلة الثالثة عشر : إمبراطورية الخزر)، إن اليهود الحاليين ليسوا ساميين وليسوا من نسل بني اسرائيل القدامى، بل هم آريون عامة وقوقازيون من قبائل الخزرالتركية، ازدهرت دولتهم في القرن الثامن الميلادي، وتهودوا عندما وجدوا أنفسهم بين الامبراطورية الرومانية البيزنطيه والدولة الاسلامية العباسيه، وكانوا خاضعين لنفوذ دولة "الهون"، ثم خضعوا لنفوذ القبائل التركية التي شكلت دولة الخزر بقيادة "الكاجان".

وشغلت دولة الخزر الجديدة التي اتخذت من مدينة "إيل" على مصب نهر الفولغا عاصمة لها، موقعا رئيسيا استراتيجيا على المعبر بين البحر الاسود وبحز قزوين، وقامت بحراسة "بيزنطه" من غارات "الروس"، كما ساهمت في عرقلة التقدم الإسلامي نحو اوروبا الشرقية، وضعفت امبراطوريتهم بعد أن هزمهم امراء "كييف"، لكن هذه الامبراطورية ظلت قائمة حتى منتصف القرن الثالث عشر الى أن أجهز عليها المغول نهائيا، ليتوطنوا في القرم واوكرانيا والمجر وبولندا وليتوانيا ثم روسيا، لينتشروا لاحقا في أوروبا الغربية والولايات المتحدة ودول أخرى حول العالم.

ويجمع المؤرخون على أن غالبية من يعرفون باليهود الشرقيين "السفرديم" والغربيين "الاشيكناز"، هم من الخزر من أصول تركية لا من أصول سامية، وهم يفتقرون الى تراث حضاري خاص بهم، اللهم الا عادات وانماط سلوكية لاحقة ورثوها من تجارب العيش بـ "الجيتووات" ، واضفوا عليها طابعا قوميا زائفا لوطن زائف، وارض موعودة زائفة، حفظوها من الكتب اليهودية بعد تهودهم على ضفاف بحر قزوين ونهر الفولغا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل