الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهر رمضان بين المانوية والصابئة المندائية

إلياس شتواني

2024 / 3 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الاسلامي الهجري الذي يلي شهر شعبان. يولي المسلمون مكانة خاصة لرمضان، فهو شهر الصوم-الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، والذي يمتنع المسلمون في أيامه عن شهوتي البطن والفرج، أي عن تناول الطعام و‌الشراب وممارسة الجنس وذلك خلال مدة محددة تمتد من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

حسب السردية الاسلامية الرسمية، فقد تم فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة (والتي توافق سنة 624 بعد الميلاد). وهذا ما يؤكد عليه الامام النووي في "المجموع" (6/250) حيث يقول: "صام رسول الله ﷺ رمضان تسع سنين، لأنه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة وتوفي النبي ﷺ في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة."

جذور صيام الشهر

من البديهي والمعلوم أن الصيام يشكّل عنصرا من أهم عناصر ديانات الشرق القديم، خصوصا ديانتي اليهودية والمسيحية السابقتي للاسلام (صيام يوم الغفران اليهودي والصوم الكبير المسيحي على سبيل المثال). لكن مما يقرُّه التاريخ أيضا وجود ديانات أخرى تبنَّت الصوم وجعلته عبادة رئيسية وأساسا لها للتنظيم اللاهوتي والعقائدي.

الصابئة المندائية

مما يتفق عليه في كتب التاريخ أنه بحلول سنة 200 بعد الميلاد، كانت ديانة الصابئة في جنوب العراق مكتملة الأركان والمعالم. تؤمن الصابئة ب«الحي العظيم» كخالق واحد للكون والانسان (أنظر الكنزا ربا، الكتاب المقدس للصابئة). الديانة المندائية تتبنى في عمقها عناصر بابلية-سريانية، ويهودية-مسيحية، لكن يغلب على أكثر معتقداتها النظرة الغنوصية للوجود. تؤمن الصابئة، من بين أشياء أخرى، بضرورة الغسل والطهارة، وبأداء الزكاة والصلاة ثلاث مرات في اليوم، وأيضا بوجوب صيام ثلاثين يوما متفرقة. وهذا ما يؤكده كتاب "الفهرست" لابن النديم ص 443:

"والمفترض عليهم من الصيام ثلاثون يوما، أولها لثمان مضين من اجتماع أذار، وتسعة أخر أولها لتسع بقين من اجتماع كانون الأول، وسبعة أيام أخر أولها لثمان مضين من شباط، وهي أعظمها،..."

المانوية

ولد ماني، الرسول البابلي وخاتم الأنبياء، سنة 216 بعد الميلاد. تلقى ماني تعليمه داخل وسط من المؤثرات والعناصر المندائية، ولما بلغ اثنتا عشرة سنة أتاه الوحي للمرة الأولى. المانوية، بصورة عامة، هي خليط توفيقي بين ديانات فارس القديمة (من أهمها الزرادشتية، ولو أنها انسلخت عنها!) والمسيحية، وذلك في إطار غنطوسي عام وشامل. فرض ماني، من بين أشياء عديدة، الامتناع عن المعاشرة الجنسية بما في ذلك الزواج، وأوصى أتباعه بالصلاة والزكاة والصيام شهرا كاملا من كل سنة. وهذا ما يؤكده كتاب "ماني والمانوية" (Mani and manichaeism) لجيو وايدنغرين (Geo Widengren) (وهو من المصادر الأكثر موثوقية فيما يخص المانوية) ص 129:

"وكان على المجتبين أن يصوموا يومين في الأسبوع، وهما يوما: الأحد والاثنين، لأنهما اليومان المقدسان بين أيام الأسبوع، يضاف الى هذا أنه وجدت فترات أكثر امتدادا للصوم المستمر خاصة خلال شهر كامل قبل العيد الديني الأكبر في العام، وهو عيد الوليمة المقدسة، ومن المحتمل أن شهر الصيام هذا قد تقدم كنمط لصوم شهر رمضان المذكور في القرآن."

ويضيف الكاتب في ص 135، مبينا ظروف «الوليمة المقدسة» المانوية:

"ومن الضروري أن نقول شيئا ما في البداية عن العيد الذي جرت فيه هذه الوجبة التي عرفت باسم «الوليمة المقدسة»، وهي التي جرى الاحتفال بها في نهاية الشهر الثاني عشر، أو نهاية شهر الصوم المانوي، وكان محور هذا العيد هو تذكر وفاة ماني مؤسس الدين والذي كان حاضرا بشكل خفي،..."

بالاضافة إلى هذا، يؤكد جملة من المؤرخين المسلمين (ابن النديم والهمذاني والبيروني والشهرستاني على سبيل المثال) على أسبقية الصابئة والمانوية فيما يخص صيام الشهر والصلاة والزكاة (العشر في الأموال) والاغتسال من الجنابة والدعاء إلى الحق وترك القتل والزنا والكذب. يتبين إذن أن اثنتين من أهم ديانات منطقة الهلال الخصيب، المندائية والمانوية، عملتا بشكل ملحوظ كوسيط أو كجسر تفاعلي مكّن من نقل جملة من الأفكار والعقائد إلى الدين الإسلامي الناشئ والمنتشر أنذاك..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت


.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق




.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با