الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنا وأصبحنا

ضياء المياح
كاتب وباحث، أكاديمي

(Dhiaa Al Mayah)

2024 / 3 / 30
المجتمع المدني


كنا نعرف الناس من أشكالهم وأقوالهم وتصرفاتهم وسياراتهم وبيوتهم ومناطق سكناهم. فنقول هذا غني وهذا فقير، هذا وزير وهذا مدير وذاك موظف محترم، هذا مثقف وذاك انسان بسيط في معلوماته، هذا أستاذ وذاك طالب، هذا أبن عز أو أبن عائلة، أو أبن السادة أو أبن الشيوخ وذاك لا. كانت التصرفات والمظاهر تعبر عن حقائق هذا وذاك.
أصبحنا اليوم لا نفرق بين هذا وذاك ولم تعد الأشكال والأقوال والتصرفات والسيارات والبيوت ومناطق السكن تميز هذا عن ذاك. حتى الشهادات أصبحت متاحة بشكل مفرط وسهلة المنال. صار بمقدور ذاك أن يملك أو يبدو أو يصبح مثل هذا مظهرا حتى ضيعنا من هو هذا ومن هو ذاك. أصبح جني المال يسيرا والحصول على الشهادة الأولية والعليا سهل المنال، والوصول إلى المنصب بدعم الآخرين ممكنا وتكوين علاقات أساسها وهدفها مصالح أفراد أو مجموعات.
كان الكذب عيبا والفساد حراما، ومخادعة الآخرين صفة مذمومة. واصبح اليوم الكذب مباحا والفساد حلالا وخداع الآخرين منقبة. أصبح اليوم الغش شطارة والغشاش فردا مهما في المجتمع وأن خالف هذا الأمر حديثا نبويا شريفا. يتفاخر اليوم الكاذبون بكذبهم والفاسدون بفسادهم والغشاشون بغشهم. ووصل التفاخر إلى زوجات وأبناء وأشقاء وأقرباء وأصدقاء الفاسدين والكاذبين والغشاشين في جلساتهم وتنقلاتهم. كانت اللقمة الحلال وستر الله هي مطالب الناس ورضاهم وفخرهم بين الآخرين. واليوم أصبح المال مجهول المصدر والمناصب المشتراة والعلاقات القائمة على المصالح الآنية والمستقبلية أهم ما في حياة أفراد كثيرون من العراقيين.
كان عدد الحرامية والفاسدين قليلا وعدد الشرفاء كبيرا. أما اليوم فأعداد الحرامية والفاسدين أزدادت كثيرا وتفرقوا بين الشرفاء الذين تناقصت اعدادهم وأصبحنا لا نفرق بين الفاسد والعفيف وبين والحرامي والنزيه. اصبح الفاسدون والحرامية اليوم لا يخجلون من هذا الوصف وإن حاولوا إبعاده عنهم. كانت الناس تزدري الفساد والسرقة الغش وتبتعد عن مخالطة من ينعت بهذا الوصف. واليوم أصبح كثير من افراد المجتمع العراقي يتوجه لهؤلاء ويتفاخرون بعلاقاتهم معهم ويقتدون بهم في حياتهم.
حينما نشير إلى "كنا" في هذا المقال، فإننا نعني هنا ما مر به المجتمع العراقي خلال أكثر من مئة سنة ثم نقارنه بما أصبحنا عليه أو ما وصلنا إليه في الوقت الحاضر، ولا نقصد ربط التغييرات التي حصلت في هذا المجتمع بفترة زمنية محددة. وحتى المقارنة هنا لا تعدو إلا ان تكون من زاوية واحدة من زوايا الحياة المتعددة والمتنوعة. وهذه المقارنة في جميع الأحوال لا تكفي أساسا للحكم على سيرة مجتمع، ولكنها ستكون مفيدة لمن يتفق او يختلف معنا في نظرتنا لأنها ستشير إلى حالات قد نراها كل يوم ونحتاج إلى توصيفها وتحليلها.
كانت الأخلاق في مجتمعنا العراقي قبل القانون تردع أفراده من أن يقوموا بفعل يخالف الأخلاق والقانون. أما اليوم فلا الأخلاق ولا القانون يمنع البعض من إتيان الغلط والباطل والحرام والفساد. تغيرت منظومة الأخلاق لدى البعض في مجتمعنا العراقي وأصبح الممنوع شرعا وقانونا وأخلاقا ممكنا أو مباحا. وحل محل ازدراء الأخلاق السيئة سكوتا عنها ثم قبولا لها واستحسانا لتتحول إلى ثقافة مجتمعية لدى البعض (الكثير أو القليل) من المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين


.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين




.. موريتانيا تتصدر الدول العربية والا?فريقية في مجال حرية الصحا


.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين




.. الأمم المتحدة التوغل في رفح سيعرض حياة الآلاف للخطر