الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية العالم اليوناني للمسيحية (سيلسوس) نَموذجًا (الجزء الخامس عشر) –العقاب بالنار مِن بعد الطوفان وإسم زوجة نوح هو العذراء بارثينوس وتطور اللفظ اليوناني–

ابرام لويس حنا

2024 / 4 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ادعى سيلسوس أن المسيحيين واليهود انتحلوا قصة دوران الأزمنة ومصائب الدهور وربطوها بالطوفان والنيران، فالطوفان لم يكن سوى حدث طبيعي و كذلك سقوط النار (الكواكب والنيازك والشهب) هو حدث طبيعي يَحدث في دورة الحياة والأزمنة، وليس عقاباً إلهياً، بالاضافة إلى تعرض الشىء للشىء ونقيضه، فالشىء إن سخن بَرد، والشىء الحي سيتعرض للموت، هكذا الطبيعة او الارض إذ تعرضت للحرارة فهي كذلك من المفترض إنها سستعرض للبرودة، وهذا ما نراه في تتابع الازمنة والفصول من تتابع الصيف والشتاء، وعلى هذا فإن اليهود قالوا بما إنه قد وقع الطوفان أو التطهير بالمياة فيجب أن يلحقه فيما بعد التطهير بالنار، وهو ما عبر عنه سيلسوس ونقل لنا أوريجانوس عنه قائلاً:

(بعد هذه الامور يحاول سيلسوس أن يثبت انه ليس لدينا أي شيء جدير بالملاحظة او جديد ليُقال سواء عن الطوفان والحريق، و إننا فقط اساءنا فهم ما قد قيل سابقاً من قبل الاغريق والبرابرة عن تلك الاحداث، و إننا صدقنا ما قيل لنا في اسفارنا فقط، فقال: انهم اساءوا فهم افكارنا، فقالوا انه سواء الطوفان أو الحريق فإنهما يقعا اعتماداً على تتابع دورات الزمن (1) ....وبما إن آخر طوفان وقع على ايام ديوكاليون فإنه سيتبقى الحريق الذي سيحدث عند انقلاب الدورة الزمنية، الذي سيَقلب كل الاشياء و عندها سيحدث الحريق، مما جعلهم يقولون بأن الله هو من سيأتي بالنيران للعذاب) (2).

فرد أوريجانوس على سيلسوس بإن رواية الطوفان كتبت قبل ان يُعرف دوران الكواكب أو دورات تتابع الأزمنة والفصول، كالتالي:

(وفي ردنا عليه؛ نقول اننا لا ندري كيف استطاع سيلسوس الذي قرأ كثيراً و الذي اظهر انه اطلع على الكثير من التواريخ لم يَستوقف عند آثار موسى الذي ربطه عدداً من المؤرخين اليونانيين بزمن إناخوس ابن فورونيوس (3)، ويعترف به المصريون على انه رجل العصور القديمة العظيمة وكذلك من قبل من يدرس تاريخ الفينيقيين، أو يطلع على كتابي يوسيفوس فلافيوس لأثار اليهود، سيري كيف ان موسى اقدم جداً من الذين أكدوا ان الطوفان والنار تحدث خلال فترات زمنية طويلة، وهو ما يدعيه سيلسوس ان المسيحيين واليهود اساءوا فهم ما يقولونه، وعندما لم يستوعبوا ما قد قيل عن الحريق، قالوا أن الله سينزل بالعقاب بالنار مثلما لو كان مُعذباً) (4).

أما عن قول أوريجانوس بان سيلسوس (لم يَستوقف عند آثار موسى الذي ربطه عدداً من المؤرخين اليونانيين بزمن إناخوس ابن فورونيوس) وذلك الإغريق بدؤا في رسم خطوط تاريخهم و ربطه بثقافات الشرق الأدنى و وفقا لمدرسة ماركوس تيرينتيوس فارو Marcus Terentius Varro، فإنه يُمكن ربط ديوكاليون بزمن إناخوس Inachus الذي قاد ‏ السكان القدامي لمنطقة آرجوس من بعد الطوفان، مثلما نقرأ في رؤيا آدم (القرن الأول او الثاني الميلادي) أن:

(الله قال لنوح الذي أطلقت عليه الاجيال فيما بعد ديوكاليون، ها انا حميتك في الفلك مع زوجتك وابناءك) (5)

تلك الزوجة سَمتها المراجع الغنوصية أحيانا بـ (نوريا/ نورة Norea / Noria) التي هي إبنه آدم وحواء وأخت ست/ شيث، كما نَقرأ في كتاب (حقيقة الآرخون أو الحكام) الغنوصي:

(وعرف آدم نظيره حواء، فحملت وولدت شيثاً لآدم...وحملت حواء مرة أخرى وأنجبت نورة Norea قائلة: نورة العذراء parthenos المولودة لتُعين بني البشر غير المُدنسة) (6).

والتي أرادت الصعود مع نوح على الفلك لكنه مَنعها فاحرقت الفلك، فهي تمثل (النور) الذي لا يُريد للبشر الفناء، فهي المُعينة للبشر، لذا صَرخت إلى العلي لينقذها من الموت والظلمة، كما توضحه لنا القصة:

(فذهب الآرخون/ الحُكام لمقابلتهامصممين على تضليلها، فقال رئيسهم : جاءت امك حواء الينا، فقاطعته نورة فوراً قائلة : انتم هم رؤساء الظلمة انتم مَلعونين ، انت لا تعرف أمي ... انا لست من نسلكم لكني اتيت من فوق، فالتفت اليها الحاكم بكل غطرسته وقوته وأصبح وجهه أسود كالنار المُتقدة قائلاً لها: يجب عليكِ خدمتنا نحن كما فَعلت أمك حواء من قبل ... فقاطعته نورة و بكل قوتها صرخت بصوت عالي الى القدوس إله الجميع: لتنقذني من حكام الإثم لتنقذني من براثنهم) (7).

لكن ظهرت مُشكلة وهو إنه كان يتم بإستمرار إعتبار إناخوس معاصراً لموسى النبي في معظم التقديرات اليونانية واليهودية، وبالتالي ظهرت مٌعضلة التداخل الزمني بين الطوفان وموسى، ولهذا بدأ الفصل بين ديوكاليون ونوح وعدم قبول المسيحيين لكون ديوكاليون هو نوح بدءً من القرن الثاني والثالث الميلادي، و بعد مجمع نيقية اكتمل الفصل بين الاسطورتين، باستثناء أَبُوكْرِيفَا إكليمندس (أو الادب الذي يُنسب لإكليمندس) ( 8 ).

يذكر القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس Epiphanius of Salamis في كتابه خزانة الدواء Panarion (الذي يعرف احياناً بضد الهرطقات) بأنه قد حدث خلط بين (بارة Πύῤῥα Pyrrha) زوجة نوح اليوناني (ديوكاليون) و بين (Norea) إبنه آدم وحواء، وذلك لان زوجة ديوكاليون (Πύῤῥα) من (πυρρός) أي (لون اللهب أو الأحمر) وباللاتيني pyrrhus أي (الأحمر) (9)، في حين (نوريا أو نورة) تُنسب (للنور) الذي يعني (النار) كذلك، لهذا إعتقدوا بان (نورة) إبنة آدم وحواء هي (بَارة) زوجة ديوكاليون، وهو ما أوضحه ق. أبيقانيوس بقوله:

(إنهم يقدمون أسماء لا معنى لها و يصيغوا كتب لا معنى لها، فمثلاً يطلقون على احدهم نورة، مازجين الباطل بالحق عن طريق تغير هراء وخيال الاغريق وتغير المعنى الفعلي للخرافات الاغريقية، فيقولون ان نورة هي زوجة نوح ولكنهم يطلقون عليها هذا اللقب لكي يخدعون السدج بتغير الاسماء الإغريقية بلغـتهم، فقاموا بترجمة البارة الى نورة، لان نور يعني نار بالسريانية، ولكن النار بالعبرية هي "إيش אֵשׂ " ... فزوجة نوح لم تكن هي بارة الاغريقية أو نورة الغنوصية بل بارثينوس Barthenos، ثم يذكر هؤلاء الناس لماذا لم يُسمح لنورة للانضمام لنوح في الفلك بالرغم من رغبتها في ذلك، والسبب في ذلك كما يقولون هو أن الأرخون / الحكام الأشرار الذين صنعوا العالم أراد تدمير النور في الطوفان مع البقية، ولهذا قامت نورا/ نورة بإحراق الفلك ليس مرة فقط أو مرتين بل ثلاث مرات، مما أدى لتأخر بناء الفلك واستغرق سنيناً عديدة وذلك لأنه أحرق عديداً من المرات...) (10).

فهنا يذكر القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس أن إسم زوجة (نوح) هو (العذراء أو بارثينوس) ولكن على أي مَصدر إعتمد عليه؟! إلا لو إعتبارنا أن (نوح) هو بمِثابة (المياة) وعلى هذا فإن من يُمسك ماءه او نوره يٌدري (بارثينوس) فإسم (بارثينوس) هو مشهور كما يَشهد له تمثال (أثينا بارثينوس Ἀθηνᾶ Παρθένος) والمراجع اليونانية القديمة (11) الذي لعله يُمكن ترجمته إلى (أثينا البارة أو السمائية أو الممسكة بالنور) بعد حذف (الاوس اليوناني ος) مِن (παρθένος) ليُصبح (παρθέν بارثين) مع إعتبار (النون هي في الأصل تنوين أي بارثياً) لتصبح (παρθ بارث) والتي هي في الاصل اليوناني القديم تُنطق (بارته/ بُردة/ بَارت) إذا (θ) يجب أن تُنطق بالنطق اليوناني القديم وليس الحديث (12)، و البُردة هو (كساءٌ مُخَطَّطٌ يُلْتَحَفُ به) (13) كالسماء التي شُبهت بالكساء الذي يغطي الإنسان (يمسك نوره وحرارته ويُخرج النور كذلك) هو مِن الأصل المصري (الصباح prt ) (14)، ولانه (المُمسك بالنور وبالحرارة) عُبر عن (غياب الحرارة أي إمساك الحرارة) الذي ما تَلبث إلى أن تُخرج النور والحرارة بـ (البرد) المُشتق مُباشرة من الأصل المصري (برد prt) (15) فهو الذي يُمسك بالنور مثل المركب الذي هو كذلك (برد)، ولذا سُمى الشىء اللامع (الذي يمسك بالنور) (بٌر) مثل حبة القمح كقول (ابن دريد: البُرُّ أَفصَحُ من قوله القَمْحُ والحنطةُ، واحدته بُرَّةٌ) (16) أو أي حَلْقةٌ من صُفْرٍ أو غيره (17) وهو من الأصل المصري ( بُرد) الذي يعني (فاكهة، بذور، نسل، ذرية) (18) ونسل الإله (الأبرار) أي (بُرد) (19) فهم كالصبح المُمسك بالنور كما أوردنا سابقاً (بُرد)، وعلى هذا فإن (παρθ) يٌقصد بها (البارة، كالسماء التي تمسك بالنور وتُخرجه، لذا وُصفت المرأة العذراء بكونها (بارة παρθένον)، لذا وٌصفت المرأة (عنَسَت، لم تتزوّج، لم تُخطب) بكونها (بارت) أي (اُمسكت عن إعطاء النور)، لذا نجد أن (برةπαρὰ ) تعني (خارج، مِن، عند، بجوار) (20) وعلى هذا فإن (παρθ بارت) أي (الُمسكة بالنور كالسماء).


الملاحظات والحواشي
==================
(1) فالطبيعة تتعرض للبرودة (الشتاء) ثم تتعرض للحرارة (الصيف)، وهكذا تتعرض للخريف (الجفاف) ثم تتعرض للربيع (الإعتدال).
(2) أوريجانوس، ضد سيلسوس، الكتاب الرابع، الفصل 11.
(3) كان إناخوس Inachus هو الاب وليس ابن فورونيوس، ربما خانت أوريجانوس ذاكرته، انظر Henry Chadwick (1953), Origen Contra Celsum, p.190.
(4) أوريجانوس، ضد سيلسوس، الكتاب الرابع، الفصل 11.
(5) رؤيا آدم The Apocalypse of Adam ، ترجمة George W. MacRae.
(6) كتاب حقيقية الآرخون أو الحكام (hyp. Arch. 93, 29-32) انظر كذلك Hypostasis of the Archons، ترجمةBentley Layton.، وشرح Karen L. King, 2000, Images of the Feminine in Gnosticism, p.248.
(7) كتاب حقيقية الآرخون أو الحكام Hypostasis of the Archons، ترجمة Bentley Layton، يمكنك قراءة الترجمة من هنا http://gnosis.org/naghamm/hypostas.html، وكذلك يمكنك تصفح ترجمة Willis Barnstone و Marvin Meyer من هنا http://gnosis.org/naghamm/Hypostas-Barnstone.html
( 8 ) Jesse A. Hoover, The Demise of the Greek Deluge Myth in the Christian Narration, Baylor University.
(9) πυρρός. Liddell, Henry George Scott, Robert A Greek–English Lexicon at the Perseus Project.
(10) The Panarion of Epiphanius of Salamis, book 1 (Sects 1-46), Nag Hammadi and Manichaean Studies,vol.63, Frank Williams (2009), ISBN 978-90-04-17017-9, p.90-91.
(11) https://www.perseus.tufts.edu/hopper/text?doc=Perseus:text:1999.04.0057:entry=parqe/nos
(12) Greek Pronunciation: φ θ χ (phi theta chi), the full history | Ancient Greek & Latin,:
https://youtube.com/watch?v=5lcIcYFveII
(13) معجم (الغني، برد).
(14) Wörterbuch der Ägyptischen Sprache", Adolf Erman and Hermann Grapow, Volume I, Page 531.
(15) A Concise Dictionary of Middle Egyptain", Raymond O Faulkner, Page 91/ Wörterbuch der Ägyptischen Sprache", Adolf Erman and Hermann Grapow, Volume I, Page 530.
(16) لسان العرب، برد.
(17) القاموس المحيط، الوسيط، البُرة.
(18) A Concise Dictionary of Middle Egyptain", Raymond O Faulkner, Page 91/ Wörterbuch der Ägyptischen Sprache", Adolf Erman and Hermann Grapow, Volume I, Page 530.
(19) Wörterbuch der Ägyptischen Sprache", Adolf Erman and Hermann Grapow, Volume I, Page 531.
(20) Friberg, Analytical Greek Lexicon παρά/ Gingrich, Greek NT Lexicon (GIN) παρά/ Danker, Greek NT Lexicon (DAN) παρά.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج