الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأعياد في بلاد الرافدين القديمة

عضيد جواد الخميسي

2024 / 4 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كانت مناسبات الأعياد في بلاد الرافدين القديمة تكرّم الإله الراعي لدولة ـ المدينة أو الإله الرئيسي الذي له السيطرة على المملكة أو الإمبراطورية . وقد كان عيد أكيتو( أقدم الأعياد) ،أُحتفل به لأول مرّة في سومر خلال فترة الأسرات المبكرة (عام 2900-2334 قبل الميلاد) واستمر ما بعد العهد السلوقي (عام 312-63 قبل الميلاد) بقليل إلى جانب الأعياد الدينية الأخرى .
ونظراً لعدم وجود مفهوم للفصل بين الدين والسياسة ؛ لذا فقد خدمت الأعياد أيضاً أغراضاً سياسية في توحيد الشعب عندما كان الملك يكرّم إلهه.
وعن عيد أكيتو، فإنه كان يضفي الشرعية للملك من خلال حضور حشود كبيرة من الناس ، ونيله رضا الإله الراعي عن
طريقة حكمه للدولة. ويتم الاحتفال بالأعياد على مدار العام ، وكما يلي :
(بدء السنة الجديدة) ، (أعياد ميلاد الآلهة وأحداث صادفتهم أثناء توليهم الرعاية) ، (طقوس الحداد ـ مثل طقوس الإله تموز ـ ) ، (مناسبات لا تُنسى ـ مثل الانتصارات العسكرية ـ )، (البذار والحصاد ـ احتفالات الجني ـ ) ، (تتويج الملك) ، (ولادة أولاد للملك) ، (إنجاز بناء قصر أو معبد أو مدينة) .
جميع تلك الأسباب كانت مرتبطة بشكل صريح أو ضمني بالإله الراعي للمدينة أو مع آلهة بلاد الرافدين بشكل عام ، حيث كان يُفهم على أن الآلهة هم الملوك الحقيقيون ، والملك مجرّد وكيل لهم بالنيابة . ومن أجل الحفاظ على سلطته؛ كان الملك بحاجة إلى التودد للآلهة . وعلى الرغم من أنهم يظهرون كامل رضاهم عن الانتصارات العسكرية والمحاصيل الوفيرة والتجارة المزدهرة ؛ فإن مناسبة مثل عيد أكيتو قد تمنح الآلهة فرصة سنوية في مواصلة علاقتها مع الملك أو سحب تأييدها منه.
لقد أصبحت الأدلة الثبوتية شحيحة عن استمرار أعياد بلاد الرافدين بعد العهد السلوقي، ولكن يُعتقد أن أعياد الإمبراطورية البارثية (عام 247 قبل الميلاد إلى 224 ميلادي) ، والإمبراطورية الساسانية (عام 224-651 ميلادي) قد تأثرت بها واستعارت منها بعض الطقوس والتقاليد . كما يُعدّ عيد أكيتو أقدم احتفال بالعام الجديد في العالم . ويُعتقد أيضاً أن هناك أعياد أخرى كانت تقام على مدار السنة رغماً من عدم معرفة الكثير عن تفاصيلها ، لكنها أسست لتقاليد احتفالية تبنتها الحضارات الأخرى لاحقاً .

طبيعة أعياد بلاد الرافدين
كان من المفهوم أن الآلهة خلقت النظام من الفوضى، ووفرت للناس كل ما يحتاجونه في حياتهم . ورغماً من أنه كان متوقعاً من البشر أن يكرموهم يومياً من خلال العيش في هذا العالم وفق مشيئتهم ، إلا أنه حددت الأعياد بأيام خاصة لتقديم الشكر والعرفان . وقد أشار البروفيسور ستيفن بيرتمان إلى هذا الجانب ، وكما في المقطع التالي :
"كان يتم الاحتفال بعظمة الآلهة وبركاتها المتعددة في الأيام والأعياد المقدّسة الخاصة. وأهم هذه المناسبات المقدّسة في المجتمع هي؛ تكريم إلهه المحلّي الذي كان راعيه وحاميه . بيد أنه وعلى نطاق أشمل في جميع البلاد، أعرب شعب بلاد الرافدين أيضاً عن امتنانه الكبير لخصوبة الأرض التي دعمت حياته من خيراتها المستمدة من النعمة الإلهية. وأقدس الأعياد الزراعية كانت تسمّى في السومرية <أكيتي>، وفي الأكدية <أكيتو>؛ وهي كلمة ذات معنى غير مؤكد قد تكون في الواقع ما قبل السومرية... وفي بعض المناطق مثل بابل ، تُقام الاحتفالات مرة واحدة في السنة ، وذلك مباشرة بعد حصاد الشعير في آذار/ مارس في وقت الاعتدال الربيعي (كان الشعير يأتي في المقام الأول في تسلسل الحبوب) . أما في مناطق أخرى مثل أور، كان هناك احتفالان في السنة ، أحدهما موسم الحصاد في الربيع آذار/ مارس، والآخر في الخريف ـ أيلول / سبتمبر عند موسم البذار. لأن سكان بلاد الرافدين كانوا ينظرون إلى الاعتدال الربيعي على أنه بداية عامهم الجديد . و(حصاد أكيتو) هو أيضاً كعطلة لرأس السنة الجديدة ، وفرصة للاحتفالات." (ص 130)
في فترة الأسرات المبكرة، تم الاحتفال بهذه الأعياد بشكل مستقل من قبل كل دولة ـ مدينة سومرية تكريماً لإلهها، بينما استمرت هذه الممارسة خلال الفترة الأكدية (عام 2334-2218 قبل الميلاد) . وقد تمّت مراعاتها في جميع أنحاء سومر تكريماً لآلهة ثالوث أكد : (آن أو آنو ، وإنليل ، وإنكي) ، بالإضافة إلى عشتار (المشتقة من إنانا السومرية ). ومن بين أقدم الطقوس التي لوحظت كانت لشخصية الإله الذي يموت ويحيى( ديموزي ـ تموز) ،والتي يعرّفها العلماء اليوم بطقوس الحداد الاحتفالية عندما يموت فيها الإله ويعود إلى الحياة؛ بما يضمن الخصوبة والنماء. وقد اتبعت هذه الأعياد نفس النموذج الأصلي الذي اتبعه الملوك السومريون سابقاً خدمة لنفس الأغراض: تكريم الآلهة، وإضفاء الشرعية على حكم الملك، وتوحيد الشعب في المعتقد والممارسات الدينية.

الممارسات الدينية في بلاد الرافدين
كان الاعتقاد الأساسي في ديانة بلاد الرافدين؛ أن البشر قد خلقتهم الآلهة باعتبارهم عناصر مشاركة للحفاظ على النظام القائم . ومهما كانت الوظيفة التي يشغلها الإنسان؛ كان من المتوقع منه أن يؤدي هذه الواجبات بامتنان وتواضع، قانعاً بما هو مستحق للآلهة . وعليه فقد تفرّغت الآلهة لإدارة مسؤولياتها الخاصة؛ حيث كانت گولا إلهة الشفاء؛ قادرة على تركيز جهودها على الصحة، وكانت الإلهة نيسابا تُلهم في الكتابة والإبداع، وكان الإله نيرگال يضمن النصر عند الحروب . وسواء كان المرء يحفر قناة للري أو يصنع مجوهرات راقية ، فإنه يبقى يؤازر الآلهة من خلال العمل الجماعي بالحفاظ على الحياة في الأرض . ومن بين آلاف الآلهة في بلاد الرافدين؛ كانت هناك القوى الإلهية السبع والتي هي كما تصوّرها السومريون :(آنو ، إنكي ، إنليل ، إنانا ، نانا ، نينهورساگ ، أوتوـ شمش) .
وقد قدّس هؤلاء الآلهة السبعة والآخرين الفن والهندسة المعمارية في بلاد الرافدين ؛ وذلك من خلال تجسيد أعمالهم العظيمة كما رويت في مؤلفات أدب بلاد الرافدين وفي المعابد مثل؛ مجمّعات المعابد المتمركزة حول الزقورات الشاهقة؛ علماً أن سكان المدن لم يكونوا يزورون المعابد للتعبد ؛ بل كانوا يأتون طلباً لاستشارة الكهنة بأمور تخص حياتهم اليومية . كما يُنظر إليها على أنها مساكن للآلهة. وطالما كان المفهوم أن الإلهة يعيشون في المعبد بهيئة تمثاليهم؛ لذا فانهم يحتاجون وبشكل دوري إلى فترة راحة وتغيير من خلال المشاهد الاستعراضية للتماثيل في مناسبات الأعياد .
خلال هذه الاحتفالات؛ يتم مرافقة تمثال الإله من المعبد إلى مكان آخر حول المدينة ؛ أو إلى مدينة أخرى ، أو حتى خارج المدينة لمزار في ريفها ؛ وذلك بقصد الترفيه. وحسبما ورد على سبيل المثال في القصيدة السومرية (شولگي وعبّارة نينليل) التي يرجع تاريخها إلى عهد الملك شولگي أورـ نمّو (عام 2029-1982 قبل الميلاد) ؛عندما قام شولگي بتزيين العبّارة تكريماً للإله إنليل وقرينته الإلهة نينليل و مرافقته لهما (في شكل تماثيلهم) مع عدد من الآلهة الأخرى المرتبطة بهما. حيث بدأت النزهة النهرية من أسفل النهر في نيبور إلى معبد تومال المقدس لإقامة مأدبة كبيرة على شرفهما .

أكيتو و زگموك
كان عيد أكيتو المناسبة الأكثر شهرة ، والذي تم توثيقه بشكل واضح في بابل من خلال الاحتفال به في عهد الملك حمورابي (عام 1792-1750 قبل الميلاد)، حيث تم فيه تكريم الإله مردوخ وابنه نابو . وكان مردوخ هو الإله الراعي لبابل، و نابو إله بورسيپا قد حلّ محل الإلهة نيسابا كإله راعٍ للكتابة. كما تداخل عيد أكيتو مع عيد زگموك السابق لرأس السنة الجديدة ، ومدّته اثني عشر يوما والذي يصدف في شهر كانون الأول/ ديسمبر، احتفالاً بانتصار الإله مردوخ على تيامات كما ورد في ملحمة إينوما إيليش . واستمر عيد أكيتو أيضاً لمدة اثنا عشر يوماً تكريماً لنفس الحدث، إلا أنه أُحتفل به في شهر آذار/ مارس. وعن هذا الجانب كتب البروفيسور كريستيان روي المقطع التالي :
"بعد أن بدأ كعيد للزرع والحصاد، تحوّل [أكيتو] في بابل باعتباره مناسبة دينية لتتويج وتنصيب ملك جديد. حيث يتم تجديد التفويض الإلهي للملك الحاكم ارتباطاً بانتصار إله السماء مردوخ على تيامات (إلهة المياه المالحة) . وباعتباره عيداً للربيع، فقد ربط أكيتو بين إعادة خصوبة الطبيعة، واستعادة السلطة الإلهية للملك (مراسم الخريف التي كانت تُجرى سابقاً)، وجلب الحظ السعيد للشعب في العام المقبل ( وخاصة في تجنب حرارة الصيف الحارقة ) ، مع وضع نهاية لعقم أشهر الشتاء عندما بدا العالم قديماً ومتهالكاً ." (ص 6)

في ملحمة إينوما إيليش، تشن تيامات حرباً على الآلهة الأصغر سنّاً وتهزمهم في المعركة بشكل متكرر ؛ إلا أنها ( أي الآلهة الأصغر) رشحت مردوخ زعيماً لها . وبصفته البطل الإلهي للنظام ؛ هزم مردوخ قوى الفوضى التي هي تحت قيادة تيامات ، وخلق العالم المعروف بعد أن قتل تيامات .وجاء عيد أكيتو احتفالاً بهذا النصر والتسليم أيضاً بجميع نِعَم الآلهة التي انبثقت منها.

أيام العيد
على الرغم من أن عيد أكيتو كان يتم الاحتفال به في مدن مختلفة وأحياناً تحت مسميات أخرى طوال تاريخ بلاد الرافدين ؛ بيد أن أفضل احتفال موثق جاء من بابل . ومن المرجّح أن الاستعدادات للعيد كانت قد تضمنت طقوس تطهير المدينة وتزيينها. ومن الموثّق أنه قبل اليوم الأول للعيد، يتم جلب تماثيل الآلهة من المدن الأخرى على قوارب أو عربات حمل أو عربات نقل أو زلاّجات ؛ لتبدأ رحلتها نحو بابل للمشاركة في الاحتفال . وتمتد فترة العيد نحو اثنا عشر يوماً ، وهي كالتالي :

اليوم الأول : يقوم بعض الكهنة بإجراء الترتيبات اللازمة لمعبد مردوخ في بابل ، بينما يفعل كهنة آخرون نفس الشيء عند معبد نابو في بورسيپا؛ وتتوفر معلومات قليلة حول تفاصيل ما يتبع ذلك .

اليوم الثاني : يكرّس رئيس كهنة مردوخ نفسه للإله في حفل ديني للصلاة والدعاء من أجل مباركة مردوخ المستمرة للمدينة ، وشكره على هداياه ( الحظوظ السعيدة ) التي يبعثها لعباده .

اليوم الثالث : يترأس كبير الكهنة في بابل مراسم تصنيع دميتان من الخشب تمثل عباد نابو من البشر. ومن المحتمل أن تكون هذه النماذج الخشبية عبارة عن ذكر وأنثى ، على الرغم من أن تفاصيلها غير معروفة إلى الآن .

اليوم الرابع : عند تأدية كبير الكهنة ورجال الدين الأدنى الصلاة إلى مردوخ في ذلك اليوم ؛ يغادر ملك المدينة إلى بورسيپا لمرافقة تمثال الإله نابو إلى بابل . وبينما الملك في رحلته ؛ يقدّم كبير الكهنة فروض الطاعة والاحترام للإله مردوخ وقرينته الإلهية سارـ بانيت ، ويدعوه لمباركة المعبد والمدينة. وعندما يحين المساء ؛ يتلو كبير الكهنة قصة الخلق (إينوما إيليش) ، التي تروي كيف أصبح مردوخ ملك الآلهة عندما هزم قوى الشرّ والفوضى ، والبدء في خلق البشر .

اليوم الخامس : بعد أن ينتهي الكهنة من تطهير معبد مردوخ وتمثاله ومزار نابو ومجمع المعبد بماء الفرات المقدّس ؛ يقوم الكاهن الأعلى بتكريم تمثالي مردوخ وقرينته سارـ بانيت بإطالة الصلاة والتأمل . ويُشار إلى أنه عندما طُهّرالمعبد والمجمع ؛ كان محراب نابو في مزاره مغطى بمظلة من الذهب . وفي ذلك اليوم ؛ ينتظر البابليون عودة ملكهم بتمثال نابو .
وصف البروفيسور بيرتمان لحظة وصول الملك بصحبة تمثال نابو؛ نقلاً عن لوح بابلي ، وكما في المقطع التالي :
" يقوم كبير الكهنة بتجريد الملك من شارته الملكية ، ثم يصفعه على وجهه ، ويجبره على الركوع أمام صورة الإله المقدّسة (وهو مشهد من الإهانة المتواضعة التي تؤكد قوة الكهنوت على الدولة ، والإله على الإنسان) . . يعترف الملك وهو جاثٍ على ركبتيه ، ويقسم أنه لم يسيء استخدام السلطة الموكلة إليه ، ولم يتنازل عن مصالح بابل وشعبها وإلهها منذ توليه العرش . وفي ختام الاعتراف الملكي ؛ يصفع كبير الكهنة بتكرار وجه الملك حتى تسيل دموعه من عينيه ، وهي علامة على ندمه الحقيقي ." (ص 131)

بعد هذا المشهد ؛ ينضم الملك إلى الكهنة في الصلاة للآلهة ثمّ يقدّم القرابين لعطارد (نجم مردوخ المرتبط بنابو أيضاً ) عقب وضع تمثال نابو في مزاره ، وينتهي المساء بالصلاة في جميع أنحاء المدينة .

اليوم السادس : خلال الأيام الخمسة الماضية ، كانت تماثيل آلهة المدن الأخرى في طريقها إلى بابل أيضاً ، وفي اليوم السادس ؛ تأخذ تلك التماثيل مواقعها بين مزار نابو ومعبد مردوخ . عند ذلك ؛ تُجلب الدميتين الخشبيتين (اللتين تم صناعتهما في اليوم الثالث) وعرضهما أمام تمثال نابو. حيث يُقطع رأسيهما ليُحرقا بطقوس خاصة .
يرى بيرتمان أن هذا الطقس كان "رمزاً للتضحية البشرية قديماً ، أو لحلقة غير معروفة في الأساطير ، ولا ُيعرف مدى أهمية تلك الدميتين . " (ص 131)

اليوم السابع والثامن : يحيط الملك بيديه تمثال الإله مردوخ ؛ ناذراً نفسه له ؛ ثم يدعوه لمغادرة المعبد إلى شارع المدينة .
هذه الفعاليّة تُعدّ الأكثر هيبة وقداسة في عيد أكيتو ؛ حيث يحتشد الناس على جانبي الطريق ( شارع المعبد ) ، لكي يتبعوا في مسيرتهم تمثال الإله أثناء تجواله في مدينة بابل عبر طرقاتها وصولاً إلى مزار الأقدار بالقرب من محراب الإله نابو . وعند وصول التمثال ؛ يُطلب من الإله نابو في إعلان رؤيته عن خطط الملك وأحداث السنة القادمة ؛ فيتكفّل الكهنة بذلك الأمر . وبعد أن يوضع التمثالان (مردوخ ونابو) في محرابيهما ؛ يقوم الملك بتكريمهما وجميع الآلهة الأخرى .
في هذا المشهد ، ربما تؤدّى طقوس الزواج المقدّس ؛ والتي يمارس فيها الملك الجنس مع كاهنة تُجسّد الإلهة إنانا. ولايُعرف تماماً فيما إذا كان الزواج المقدّس ؛ هل هو جماع فعلي أم مجرّد محاكاة للطقوس ! . بعد ذلك، يبدأ الموكب مرة أخرى بحمل تمثال الإله مردوخ خارج المدينة لكي يصل مزاره في المعبد المعروف باسم "بت أكيتو"، والذي عادة ما يكون محاطاً بالأشجار والزهور وبمساحة خضراء واسعة .

اليوم التاسع والعاشر : تُقام مأدبة كبرى بتلك المناسبة في المساحة الخضراء ؛ حيث تقدم الدولة الطعام والشراب والترفيه مجاناً لجميع المحتفلين .

اليوم الحادي عشر: يعود تمثال مردوخ برفقة تماثيل الآلهة الأخرى إلى المدينة ، ويتوقف الموكب عند مزار نابو؛ حيث تُعلن تنبؤات نابو التي حُددّت في اليوم السابع على حشود المحتفلين وبصوت عالٍ . بعد ذلك ، يُقام حفل اختتامي يقتصر على الكهنة ورجال الدولة ، بمن فيهم كبار الشخصيات من المدن الأخرى .

اليوم الثاني عشر: تقام مراسم الاختتام العامة في محيط مزار نابو ، ثم يُنقل تمثاله من مزاره مبتدأً رحلة العودة القصيرة بالقارب إلى بورسيپا. وعندما يغادر نابو المدينة ، تترك تماثيل الآلهة الأخرى في أماكنها .

إلى جانب عيد أكيتو كما ذكرنا، كان هناك العديد من الأعياد الأخرى على مدار العام في كل حقبة من تاريخ بلاد الرافدين . وربما كان هناك أعياد أقدم في فترة أوروك (عام 4100-2900 قبل الميلاد)، أو قبلها ، ولكن أُثبت ذكرها لأول مرة تدويناً في فترة الأسرات المبكرة. إذ كانت مدينة نيبور المقدسة المخصصة أساساً لعبادة الإله إنليل، وموقعاً مهمّاً للقداسة تستضيف مختلف الاحتفالات من تلك الفترة وما بعدها. بيد أنه يتم الاحتفال بالأعياد عند كل مدينة تقريباً في جميع أنحاء بلاد الرافدين .
منذ فترة الأسرات المبكرة والعصر البابلي القديم (حوالي عام 2000-1600 قبل الميلاد) ، و العصر الآشوري (حوالي عام 1307-912 قبل الميلاد)، والفترة الآشورية الجديدة ( عام912-612 قبل الميلاد)، ولفترة قصيرة من العصر السلوقي وبشكل مؤكد ؛ قامت الدولة برعاية احتفالات الأعياد، وذلك من خلال الكتابات والشواهد والنقوش والآثار والأعمال الأدبية بما في ذلك ترنيمة (إنانا)، و ترنيمة (إنليل في معبد إي- كور) ، وترنيمة (عبّارة شولگي والإلهة نينليل) . ومن بين أفضل ما تم توثيقه في العصر الآشوري الجديد عن أفخم حفل أقيم على الإطلاق (حفل كالهو للملك آشورناصربال الثاني عام 879 قبل الميلاد)؛ لاستكمال بناء مدينة كالهو ، والذي حضره سبعون ألف من الضيوف .
كما ذكرنا سابقاً ؛ اُستُغلّت الأعياد لأغراض سياسية ودينية على حدٍ سواء؛ لكنها كانت على المستوى الشخصي، الوسيلة الأساسية للمشاركة الطقوسية العامة في الحياة الدينية للمدينة. حيث كان الناس لا يؤدون الواجبات الدينية يومياً أو أسبوعياً أو يدخلون المعابد بقصد الاستماع إلى الخُطب والمواعظ ؛ بل كانوا يخدمون الآلهة حرفياً من خلال أعمال الخيرية التي يشاركون بها ، والذبائح والهدايا التي يقدمونها إلى المعبد. ولكن فقط من خلال الاحتفالات الدينية والأعياد؛ كان يُسمح لعموم الناس بمشاهدة تمثال إلههم الراعي ، أو المشاركة الرمزية في التعبير عن الإيمان . وإلى جانب خدمة مصالح الملك والدولة؛ تلبي الاحتفالات بأعياد بلاد الرافدين الاحتياجات الدينية للشعب من خلال منحهم الفرصة للتفاعل وجهاً لوجه مع إلههم . وقد كانت هذه الاحتفالات تُعدّ مظهراً من مظاهر العلاقة بين الشعب والإله ؛ حيث يتاح لهذا الشعب بمخاطبة الإله وتقديم الشكر والعرفان له شخصياً ، وفي المقابل الحصول وبشكل مباشر منه على ضمان الخير والازدهار والاطمئنان، وفي معرفة أن هناك قوة أعلى تهتم به وتحرسه ..


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ستيفن بيرتمان ـ الحياة في بلاد الرافدين القديمة ـ طباعة جامعة أوكسفورد ـ 2005 .
جيريمي بلاك ـ الآلهة والعفاريت والرموز في بلاد الرافدين القديمة ـ طباعة جامعة تكساس ـ 2002 .
جيريمي بلاك ـ الأدب في بلاد الرافدين القديمة ـ طباعة جامعة أوكصسفورد ـ 2006 .
صموئيل نوح كريمر ـ السومريون: تاريخهم وثقافتهم وشخصياتهم ـ طباعة جامعة شيكاغو ـ 1971 .
كريستيان روي ـ تقاليد الأعياد ـ أي بي سي ـ كليو للنشر ـ 2004 .
فان دي ميروب ـ تاريخ الشرق الأدنى القديم ـ ويلي. بلاكويل للنشر ـ 2015 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا