الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمهورية لطمستان المسلحة

رزاق عبود

2006 / 12 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بصراحة ابن عبود
لم اشهد فرحة في حياتي كتلك التي عمت العراقيين صباح الرابع عشر من تموز 1958 خرجت الناس عن بكرة ابيها تحمل سعف النخيل، وصور الشهداء، وهي ترقص، وتغني، وتهتف، وكانها تعوض القهر الذي جثم عليهم من الحكومات الملكية المتعاقبة، او لكانهم يواسون انفسهم عن دموع الثكالى، والارامل، ودماء الشهداء، وسنوات السجون، والمعتقلات، واطلاق النيران على المتظاهرين . بحر من البشر الجذلة بلا حدود. عاش الناس الفرحة العارمة غير مصدقين، وتغيرت طباع الناس وتناسوا همومهم، ومشاكلهم الخاصة، وصار حماية الثورة هو الهم الاكبر. خفافيش الليل، وغربان الشؤم استكبرت على هذا الشعب حريته، وفرحته، وتالفه، واحلامه، وجمهوريته الوليدة، فبدات العصابات المسلحة تنشر الرعب، والدمار، والاغتيالات في شوارع المدن العراقية. ولم يمر شهر دون ان نسمع عن مؤامرة ضد الثورة ومنجزات الشعب. وبدل الوقوف الى جانب المستضعفين، ودعم الثورة التي انصفتهم جاءت الفتوة الشهيرة بتكفير قوى الثورة، وانصار العمال، والفلاحين، والكسبة، والطبقات الشعبية. وانقسم الشعب، واضطربت الحالة الامنية، واشتدت المؤامرات حتى جاء البعث الارهابي بدبابة امريكية، وانقلاب فاشي ليطحن الاف الناس منذ اليوم الاول. وامتلئت السجون، والمعتقلات، وغرف التعذيب، والمقابر بشرفاء العراق وخيرة رجاله ونسائه، وانتهكت الاعراض، واستبيحت المحرمات، وتشرد الالاف. ولم تصدر فتوى بتحريم انتهاك اعراض المسلمين، وكل المؤمنين في العراق الجريح. بل كانت قد صدرت فتوى اخرى بتحريم اراضي الاصلاح الزراعي الموزعة على الفلاحين المعدمين. ومنذ ذلك اليوم الاسود، والعراق يعيش حزنا رهيبا. ارتفعت الارقام القياسية في السجون، والمعتقلات، والمختفين، والمخطوفين، والمبعدين، والمهاجرين، والمهجرين، والمفصولين السياسيين. حتى احتج هتلر في قبره على فظاعة ما ارتكب في ارض السواد. ونسى الناس فرحتهم، التي لم تتكرر الا منقوصة يوم 9نيسان عام 2003 بسقوط الصنم على يد القوات المحتلة وبدبابات امريكية مباشرة هذه المرة. يوم 9نيسان ظن الناس انها ستكون خاتمة الاحزان. ولم يدر في خلد احد انها بداية رحلة الألام، والاحزان، والمذابح الجديدة في العراق الجريح. وتحولت الاحلام الجميلة الى كوابيس مفزعة. انتشر السواد في كل مكان، واللطم في كل ساحة، وقراءة "المقتل" حتى في الاعراس. حجبت وحجرت الاناث، حتى في سن الرضاعة، وحوربت الاديان، والطوائف الاخرى، وتجول اللصوص بحرية، وعاث السلابون، والنهابون، والخاطفون في الارض فسادا، واستهتارا، وبغيا. وظهرت المليشيات السوداء، وفرق الموت، و"صاحت التطوة ياوادم". عاد الحزن، والقتل، والذبح على الهويه، وانتشر التهجير الطائفي، والديني، والتصفية العنصرية، وعادت الهجرة الجماعية الى خارج الحدود. فبعد ان هرب 4 ملايين انسان خلال 36 سنة من حكم البعث الفاشي، وصل عدد من هرب من العراق المضطرب خلال ثلاث سنوات من سقوط البعث الى ثلاثة ملايين عراقي. ولا زال نزيف الهجرة، والتشرد مستمرا. اطباء، وعلماء، وتجار، وطلاب، وكوادر فنية، ومهندسين، وفنانين، ومسيحيين، وصابئة، وغيرهم، وغيرهم. الهدف افراغ العراق من كل خير، ومن كل مختلف، من كل من يرفض العودة للعصر الحجري. تحولت المسيرات المليونية حيث يمارس الاطفال، والكبار اللطم، وضرب الزنجيل، والقامة، وضرب الرؤوس، والزحف بشكل همجي بدائي الى مظهر عادي. و صارت البيوت العراقية كلها تعيش مراسم العزاء، واللطم على رجالها، ونسائها، وشيوخها، وشبابها، واطفالها، الذين يتساقطون كل يوم بسبب الارهاب، والحرب الطائفية، التي ادخلنا فيها نفس من ادخلوا عراق تموز في الدم، والقتل، والدمار، وضيعوا الثورة، ومنجزاتها. واليوم تحالفوا، من جديد، بشكل مباشر، او غير مباشر مع الصداميين، والتكفيرين ضد الشعب العراقي المسكين حتى تحول اللطم، وشق الملابس، وضرب الرؤوس، والبكاء، والنحيب، والصراخ الى ظاهرة يومية عراقية بفضل زعماء الطوائف، وحلفائهم من المحتلين، والارهابيين. فلا قوات الامن توفر الامن، والامان، ولا المليشيات التي ادعت انها جاءت لتسد الفراغ حمت حيا او بيتا. بل صارت عامل تقتيل وتشريد الملايين من العراقيين داخل وخارج وطنهم المنكوب. نفس الغربان، نفس الخفافيش، نفس الوحوش، واللصوص، والقتلة والمجرمين، نفس العصابات المسلحة. اجيال جديدة من المغول، والتتار، والبرابرة تزحف في شوارع العراق تبيد البشر، وتهد الحجر، وتزرع الموت، وتنشر الدمار باسم الاسلام، واهل البيت، والمهدي، والطائفية، ومحاربة الاحتلال الذي استقدموه. واحتلت غابات الاسلحة كل الطرق، والتهمت كل التاريخ، وكل الاخلاق، وكل القيم. وداست على التسامح، والوحدة، والتعايش. فالظلام لا يتعايش مع النور، والقتل لا يتعايش مع الحب، والوحش المفترس لا يشبع من الدماء. يتلذذ بمنظر الدم، ويشغف للصريخ، ويتمتع بمشهد اللطم على الصدور، وضرب الرؤوس، وشق الزيوج، وفتق الهامات، ومسخ براءة الاطفال. وصدقت لوعة "نبوءة" مظفر النواب "ما مر عام، الا والعراق فيه دم".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وجوه تقارب بين تنظيم الاخوان المسلمين والتنظيم الماسوني يطرح


.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم




.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة طبية لفحص واكتشاف أمراض


.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم




.. لماذا يرفض اليهود الحريديم الخدمة العسكرية؟