الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمارة: دور المدرسة في التربية على المواطنة وتحقيق التماسك الاجتماعي

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 4 / 7
التربية والتعليم والبحث العلمي


تفعيلا لتوصيات ندوة حول التعليم احتضنها مقر الحزب الاشتراكي الموحد بتمارة يوم 19 يناير 2024، نظم الحزب مساء يوم السبت 30 مارس الأخير بنفس المقر ندوة سياسية أخرى حول موضوع “دور المدرسة العمومية في بناء المواطن، الإنسان والتماسك المجتمعي”.
ساهم في هذه الندوة الأساتذة التالية أسماؤهم: عبد الصمد العرفي، ربيع الكرعي، بديعة الجمالي، عبد الوهاب السحيمي. واعتذرت عن عدم الحضور الأستاذة آمال غنام، في حين تقرر تسيير أشغال هذه الندوة من قبل نور الدين عبقادري الذي وجه في البداية تحية إلى الحاضرين الذين غصت بهم جنبات القاعة.
اعتبر عبقادري أن هذا اللقاء هو الثاني من نوعه في سياق تتبع الشأن التعليمي بصفة عامة وما تشهده المدرسة العمومية على وجه الخصوص من أزمة واحتقان. كما وجه كلمة شكر إلى الأساتذة الذين لبوا دعوة المشاركة في هذه الامسية وتخطوا هذه الاجواء الرمضانية بما يميزها من أحوال جوية مطيرة.
كما ذكر ان اللقاء يأتي في سياق متابعة واستمرارية للقاء سابق من أجل تعميق النقاش ومحاولة البحث عن صيغ عملية وإجرائية بشأن العناوين الكبرى التي باتت تؤطر خطاب الأزمة في منظومتنا التعليمية؛ هذه الأزمة التي يبدو أنها طالت واستطالت إلى درجة لم نعد معها نتبين على وجه التدقيق الأسباب والمسببات، خاصة وأن ما يمكن اعتباره إشكالات بنيوية للمدرسة العمومية مع مرور الوقت ما فتئت تتعمق لتأخذ أبعادا تجاوزت حدود ما هو وطني وما هو إقليمي. واضاف مسير الجلسة أن لقاء اليوم جاء من أجل نوع من التفاعل الحميمي بشأن أسئلة مؤرقة عله يخلق نقط ضوء في مسار المدرسة العمومية التي لا زلنا نراهن عليها كأداة فعالة لبناء المواطن.
بعد هذه الكلمة التمهيدية، أعطىىالأستاذ عبقادري الكلمة لزميله عبد الصمد العرفي الذي قدم نفسه كممثل عن التنسيقية المحلية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد بإقليم الصخيرات تمارة وعبر عن تضامنه مع الأساتذة الموقوفين.
أكد العرفي، في بداية مداخلته، على ضرورة التطرق لمجموعة من المشاكل والأزمات التي يعيشها المجتمع المغربي حاليا، منها، على سبيل الذكر لا الحصر، مشكل شغب الجماهير الشعبية الذي يتكرر باستمرار في شكل عنف متبادل في صفوفها، وإتلاف ممتلكات عامة وخاصة وترويع المواطنين. وهناك، فضلا عن ذلك، مشاكل بيئية، مثل أزمة العطش المرتبطة بالبيئة والتي نجمت عن سلوك أشخاص وشركات أدت إلى استنزاف الفرشة المائية، بالإضافة إلى مشاكل أخرى اجتماعية واقتصادية.
هذه المشاكل، يتابع العرفي، تعبر عن مشاكل داخل المدرسة العمومية لأنها إحدى مؤسسات التنشئة الاجتماعية وهي الثانية من حيث الأهمية بعد الأسرة.
وأكد أن المدرسة تقوم بمجموعة من الأدوار والمهام، أهمها تزويدها للتلميذ بالمنهج العلمي وتتكفل بتربيته على الحس النقدي وتوفر له تربية بيئية لا شك أنها ذات علاقة بكيفية تدبير الماء في أوقات الندرة والجفاف. وبحكم الواقع، لم تقم المدرسة بواجبها المتمثل في تربية المتعلمات والمتعلمين على احترام البيئة وترشيد استعمال الموارد المائية.
واسترسل الأسناذ المتحدث مشيرا إلى أن للمدرسة دورا أساسيا في كل المجتمعات وهو التربية على المواطنة التي لها علاقة بالحق والواجب.
ورأى المتحدث، من جهة أخرى، أن المدرسة تؤدي أدوارا إضافية تهم بناء المواطن والمجتمع المنشود، وأنه لا يمكن بناء مواطن صالح، مساهم في نهضة بلده دون الانطلاق من مدرسة بمواصفات الجودة، والحال أن تشخيص أعطاب المدرسة العمومية يدل على أنها تعيش أزمة مرتبطة أساسا بمسؤولية الدولة. فإذا قارنا مساهمة الناتج الداخلي الخام في التعليم بالمغرب بنظيرها في الدول المتقدمة نلاحظ أنها ضئيلة جدا، وهذا أحد الأسباب في فشل المدرسة العمومية في الاضطلاع بمهامها. ثم إن المناهج التعليمية غير مواكبة للعصر التكنولوجي ما يفرض تحيينها وتغييرها.
وأشار العرفي إلى أن هناك أعطابا أخرى تساهم في الأزمة التي تعيشها المدرسة المغربية أهمها الاكتظاظ داخل الحجرات الدراسية، وفي ظل هذا الواقع لا يمكن للمدرسة أن تؤدي مهامها وأدوارها المومئ إليها أعلاه. كما أن الدولة ترى أن التعليم مكلف؛ الشيء الذي يحكم على العاملين في قطاع التعليم بأن يعيشوا ظروفا مزرية ويتلقوا أجورا متدنية، خاصة في العالم القروي الذي يشهد غياب أبسط وسائل الاشتغال. لهذا كله، خاضت الشغيلة التعليمية، بعد وقبل 5 اكتوبر الماضي، مجموعة من الاحتجاجات التي خاضنها التنسيقيات، بما فيها التنسيقية التي أنتمي إليها. كان الشعار المرفوع خلال هذه الاحتجاجات هو الدفاع عن كرامة الأستاذ والمدرسة، من منطلق أن الأستاذ لا يمكن له القيام بدوره التربوي والتعليمي والمساهمة في تكوين المجتمع الصالح والمواطن الصالح دون أن يتوفر على الوسائل التي تمكنه من تحقيق هذه الأهداف، ودون تقليص عدد التلاميذ في القسم إلى الحد المعقول.
بعد انتهاء الأستاذ العرفي من إلقاء مداخلته في هذا اللقاء المنظم ليلة السبت الماضي بمقر الاشتراكي الموحد بتمارة، انبرى الأستاذ ربيع الكرعي موجها التحية للحاضرين ومؤكدا أن التعليم ليس مجرد عملية نقل المعرفة، بل هو أسلوب حياة وآلية لبناء المجتمعات ودعم التكافل بين الأفراد والجماعات.
وفقاً للنظريات اللينينية والكانطية وتأثيرات حقبة التنوير، يُنظر إلى التعليم كأداة ضرورية لإحداث التغيير الاجتماعي وتشكيل وعي جديد في المجتمع، يقول المتحدث.
وتابع بالقول إن اللينينية تؤكد على أهمية التعليم في تمكين الطبقات العاملة وتحريرها من أغلال الاستغلال، معتبرةً إياه أداة ثورية في سبيل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
من جانبها، تتناولت الكانطية التعليم كمنهجية لتنمية الفرد وتعزيز استقلاليته الفكرية، داعيةً إلى التفكير النقدي والأخلاق المستنيرة كأسس لمجتمع أفضل.
بخصوص حقبة التنوير، قال الكرعي إنها ركزت على العقلانية والعلم كمنارتين لتقدم الإنسان وخروجه من عصر الظلمات ودخوله عصر الأنوار.
واسترسل الكرعي قائلا: "في هذا السياق، يُعد التعليم مصدراً حيوياً لتعزيز التماسك الاجتماعي من خلال زرع قيم التسامح والتفاهم بين مختلف الثقافات والمعتقدات". وأضاف للمتحدث أن التعليم بمكن له، على ضوء تلك النظريات، أن يبني جسوراَ من الاحترام والتضامن الإنساني بين الأفراد والجماعات، ويسمح بتخطي العوائق الطبقية والاجتماعية.
كذلك يساهم التعليم في استشراف آفاق المستقبل، حيث يمتلك التنوع الثقافي والفكري دوراً مركزياً في إبداع حلول جديدة لمشكلاتنا المعقدة. ومن خلال تعليم يقوم على أسس نظريات التنوير واللينينية والكانطية، يمكن خلق مواطنين فاعلين، مسؤولين، وقادرين على وضع الصالح العام فوق المصالح الشخصية.
إن التعليم بوحي من روح لينين وكانط وتراث التنوير، ليس مجرد سعي نحو اكتساب المعرفة، بل هو سعي نحو بناء مجتمع قائم على أسس العدالة، الحرية، واحترام التنوع الإنساني. وأكد الكرعي أن تفعيل هذه المقومات يتطلب إرادة سياسية ومجتمعية لدعم تعليم ينمي الوعي ويدعم التماسك في أوج التحديات والتغيرات.
وتبعا لذلك، أكد الكرعي أن التعليم يشكّل اللبنة الأساسية لتحقيق التماسك الاجتماعي، ويبرز كأداة محورية في بناء الهوية الثقافية وترسيخ القيم الجماعية التي تعزز الوحدة وسط التنوع.
وأوضح الكرعي أنه عند التطرق إلى النظرية اللينينية، نجد أن المختصين نظروا إلى التعليم بوصفه أداة للتحرر من الاستبداد والإقطاعية، وباعتباره وسيلة لتمكين الطبقة العاملة من التحليل النقدي للواقع الاجتماعي والسياسي، وبهذا يستطيع الأفراد الانخراط في النضال الطبقي بوعي أكبر.
أما النظرية الكانطية، يتابع الكرعي، فهي تنظر إلى التعليم كأداة لتحقيق "أغراض الإنسانية" وذلك من خلال تنمية الإمكانات الأخلاقية والعقلية للفرد. كما رأى أن هذه النظرية تحدد أحد أدوار التعليم في احترام الذات والآخر وتوجيه السلوك الإنساني نحو المثل الأعلى في التعايش والأخلاق الفاضلة.
أما في زمن التنوير، فقد كان هناك تأكيد قوي على أن التعليم يجب أن يخرج الإنسان من قصوره الذاتي، انطلاقا من مقولة "لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم!" التي هي بمثابة شعار يحفّز الأفراد على التمسك بقوة العقل في مقابل التقاليد والسلطة الدينية أو السياسية التي لا تقوم على العقلانية.
وهكذا خلص المتحدث من هذا التحليل النظري إلى أن التعليم القائم على تلك الأسس يعزز قدرات الأفراد على المشاركة الفعّالة والمواطنة الصالحة، التي تنعكس إيجابياً على الصحة الاجتماعية للمجتمع بكامله. وبتوفير مساحة للحوار والتنوع والتسامح، يصبح التعليم جسراً لعبور الخلافات ونقطة التقاء لتلاقح الأفكار والثقافات، يضيف الكرعي.
ورأى المتحدث أن المطلوب من التعليم هو أن يكون متكاملاً يشمل مختلف الجوانب الإنسانية: الفكرية، العاطفية والاجتماعية، وأن يندرج ذلك في إطار سياسات تعليمية تؤمن بأهمية العدالة التعليمية والمساواة في تحقيق الفرص للجميع.
وفي الأخير، أشار المتدخل إلى أنه من الواجب علينا الوعي بأن التعليم ليس عملية تنتهي بمرحلة ما، بل هي رحلة مستمرة تسير جنبًا إلى جنب مع التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، وبأن دوره في تعزيز التماسك الاجتماعي يتطلب جهوداً متواصلة للتطوير والإبداع لمواكبة هذه التغيرات.
ما أن أنتهى الأستاذ الكرعي من كلمته حتى شرع مسير اللقاء في تلخيصها، مذكرا بأنه تناول ازمة التعليم ببلادنا بالاستشهاد بكانت ولينين وفلسفة التنوير. وذكر المسير أن الكرعي أكد أن تعليمنا تعليم طبقي وأنه في ظل استمرار هذه الرؤية الطبقية لا يمكن أن نصل إلى تعليم نراهن عليه لبناء مواطن صالح ومجتمع متماسك، وبالتالي نبقى في حاجة إلى تعليم موحد في مناهجه وبرامجه.
وأشار نور الدين عبقادري إلى أن الأستاذ الذي يشكل الحلقة المركزية في المثلث الديداكتيكي تم استهداف قوته اليومي، الشاهد على ذلك توقيف 203 أستاذا على الصعيد الوطني، ما يستلزم من الجميع الإعلان عن تضامنهم المبدئي مع هؤلاء الأساتذة الموقوفين نظرا لأن المدرسة العمومية شأن عام لا يهم فئة دون باقي الفئات.
بعد ذلك مباشرة، أعطى الأستاذ عبقادري الكلمة للأستاذة بديعة الجمالي التي شاركت وساهمت في تأطير الحراك التعليمي، لتعلن منذ البداية عن تضامنها اللامشروط مع الأساتذة الموقوفين بسبب ممارسة حقهم الطبيعي والمشروع في الإضراب والاعتراض على ما يمس كرامتهم.
عنونت بديعة مداخلتها المندرجة في سياق هذا اللقاء الذي احتضنه مقر فرع الحزب الاشتراكي الموحد بتمارة ب"المدرسة العمومية كنواة لبناء الإنسان: تحليل واقع المدرسة العمومية في ضوء السياق العالمي".
رأت المتدخلة أن الرأسمال البشري يعتبر عنصرا هاما لتحقيق التطور في كل المجتمعات، ولبنة أساسية وحقيقية يجب استثمارها بالشكل الأنسب، معتبرة إياه ثروة أساسية تستحق الرعاية والعناية المناسبتين مرورا بكل المراحل بدء من الطفولة، لذلك يجب طرح سؤالين هامين: أي مواطن نريد غدا؟ وما هي السبل الكفيلة بتحقيق هذا المبتغى؟
في محاولة للإجابة عن هذين السؤالين، اشترطت الأستاذة بديعة الجواب أولا عن طائفة من الأسئلة الفرعية المهمة في نظرها: أي تعليم يحقق لنا ذلك المبتغى؟ وما هي المقومات الأساسية للمدرسة التي تتيح بأدواتها وأهدافها وبرامجها تحقيق ذلك الهدف؟ وكيف نعدها الإعداد الجيد لبناء المواطن الخلاق والمبدع والمنضبط للأخلاقيات القائمة على المبادئ الإنسانية الكونية والمجتمعية؟
للإجابة عن تلك الأسئلة، استشهدت الأستاذة بمالكوم إكس الذي رأى في التعليم جوازا للانتقال ألى المستقبل، وأن الغد ينتمي لأولئك الذين يعدون له اليوم. كما استحضرت مارتن لوثر كينغ الذي بحسبه يتمثل دور التعليم في إقدار المتعلم على التفكير بعمق وإكسابه الذكاء والشخصية المستقلة. ويمكن القول، تتابع بديعة، إن الدور الأساسي للمدرسة العمومية يتمحور حول بناء الإنسان الذي يفكر خارج الصندوق بشكل إشعاعي وإبراز المهارات الإبداعية التي تساير التطور العلمي بتمكينه من وسائل النقد والتحليل والتمحيص، يحيث ينعكس ذلك بشكل إيحابي على صورة المجتمع الذي ينتظم في إطار سلوكات إنسانية حضارية.
وشددت الأستاذة بديعة على التساؤل حول نجاعة ما تقدمه المدرسة كنواة لتحقيق التعلمات من أجل بلورة شخصية الطفل المراهق وإكسابه الملكات سالفة الذكر.
من الناحية المنهحية، قسمت المتحدثة مداخلتها إلى جزءين. في الجزء الأول وعدت الحضور بالتطرق للسياق العالمي للتعليم، وفي الجزء الثاني بدراسة واقع حال المدرسة العمومية المغربية. وهكذا نبهت في البداية إلى حقيقة موضوعية لا يختلف عليها اثنان، وهي أن العالم أصبح ينحو إلى تثمين الرأسمال البشري اعتبارا للانتقال من اقتصاد الإنتاج إلى اقتصاد المعرفة، مؤكدة على الراسمال الفكري الإبداعي في مجال الابتكارات.
ففي إطار هذا المفهوم الجديد للابتكار وهو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها تدبير وتحريك عجلة التعليم، ترى بديعة الجمالي أن ذلك يتطلب التناغم والتوافق مع التطورات التكنولوجية، وأن التحول من الاقتصاد المادي إلى الاقتصاد اللامادي يقتضي تبني استراتيجية ذات شقين يكمل الواحد منهما الآخر: أولا، الزيادة في مصدر توليد ونقل المعارف على المدى الطويل، وهذا ما يقوم به بالضبط التعليم في الدول المتقدمة. وثانيا، بنى تحتية تكنولوجية.
في هذا السياق، أشارت الأستاذة إلى أن هناك نماذج لدول عديدة استطاعت خلق هذا التزاوج وتبوأت المراتب الأولى في التعليم مثل كوريا الجنوبية وفلندا، مؤكدة على ان مدرسة اليوم يجب ان تكون مدرسة ابتكار مرتبطة اكثر بتطبيق المكتسبات المعرفية والمهارية في جميع جوانب الحياة ومنفتحة على محيطها بكل مكوناته ومسايرة للتطور التكنولوجي ومتبنية للمقاربات الحديثة في التعليم القائمة على تكنولوجيا المعلومات.
فمن خلال مجموعة من التجارب التي أبرزت أن أساس النمو الاقتصادي هو التعليم، نجحت عدة دول في تطويره بفضل الاعتماد على مناهج تعليمية قائمة على تحفيز مهارة التفكير لدى المتعلم وحل المشكلات والعمل الجماعي مما ساهم في خلق التطور الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية في تلك الدول.
كما استحضرت المتحدثة تجارب أخرى ركزت على التعلم بدل التلقين والحفظ والاهتمام بالمعلمين لتحفيزهم على النهوض بالعملية التعليمية التعلمية وذكرت في هذا المقام هونكونغ كنموذج وسنغفورة التي تبنت نظاما تعليميا يركز على القدرة وأنشأت مدارس التفكير وتبنت إصلاحا آخر شعاره: تعليم أقل وتعلم اكثر، وذلك بالتركيز على التعلمات الأساسية خاصة في المراحل الاولى وعلى الكيف بدل الكم.
في هذا السياق، استنتجت الأستاذة بديعة أنه يتبين من كل هذه التجارب أن الإصلاح رهين بخلق المساحة الكبرى لدى الطفل والمراهق لإعمال العقل والتفكير واستعمال مهارات الابتكار بما يناسب التطورات الحديثة من أجل مواكبة التقدم الهائل الذي يعرفه الاقتصاد العالمي والذي يخلق لا محالة الأمن الاجتماعي.
هذا يحيلنا، في نظر المتحدثة، على التساؤل عن واقع حال المدرسة العمومية المغربية. نعلم أن المدرسة العمومية تلعب دورا هاما في بناء المواطن القادر على الإسهام بشكل ملموس في تقدم البلاد، ولتحقيق ذلك يجب أن يكون في إطار بناء علاقة الثقة بين المواطن والمدرسة. والجميع يعلم أن المدرسة العمومية هي الملاذ الوحيد للأسر ذات الدخل المحدود من أجل الاستثمار في أبنائها الاستثمار المنشود للخروج من براثن الفقر والحاجة والبحث عن المكانة الاجتماعية اللائقة داخل المجتمع.
إذن، بناء علاقة الثقة بين المواطن والمدرسة العمومية رهين بمبدإ تحقيق مبدإ تكافؤ الفرص، وتوفير جميع الظروف الملائمة لتحقيق تعليم جيد للجميع في القرى والمداشر كما في المدن ، وأن يكون تعليما مجانيا ذا نوعية يساهم في النمو المتكامل والمتوازن للمتعلم.
وهنا تتساءل الأستاذة بديعة: هل المدرسة العمومية المغربية تتيح تعليما يزكي ملكة الإبداع لدى المتعلم؟ وهل تركز على مبدإ تكافؤ الفرص بين جميع الأطفال؟
في ما يخص تكافؤ الفرص، الذي يعني الولوج المنصف إلى المدرسة العمومية والحصول على مقعد دراسي بمواصفات مقبولة من الجميع، نجد أن الوصول إلى التعليم رغم إلزاميته يظل صعبا بالنسبة إلى كثير من الأطفال خاصة في العالم القروي ولم يتم تحقيقه بالشكل المطلوب بدء من التعليم الأولي، حيث ما زالت هذه التجربة خجولة تعوزها الإرادة الحقيقية لوضع مناهج موحدة على صعيد جميع الجهات، ولتوفير بنية تحتية مناسبة تسهل الولوج المنصف إليها.
وفي ظل بعد المساكن بالبوادي والقرى عن المدرسة يصعب على الأطفال الصغار الوصول إليها عبر مسافات بعيدة، وبالتالي يتم فرز فئة عريضة من الأطفال الذين لم يستفيدوا من التعليم الأولي ويجدون أنفسهم في السنة الأولى أمام منهاج دراسي يفترض في جميع المسجلين في هذا المستوى المرور بالتعليم الأولي، وهنا ينتفي مبدأ تكافؤ الفرص.
هذا الإشكال نجده على مستوى المدارس الابتدائية والإعدادية خاصة بالنسبة إلى الفتيات في العالم القروي اللواتي ينقطعن عن الدراسة بسبب بعد المسافة وعدم وجود داخليات ورفض الآباء التحاقهن بالمدرسة نظرا لعقليتهم المحافظة التي لا زالت سائدة خاصة في المناطق الجبلية والقروية.
من جهة أخرى، ينعدم التكافؤ في الولوج إلى المدرسة العمومية من حيث المعدات والتجهيزات. فشتان بين تلميذ في الحواضر يرتاد مدرسة مجهزة بجميع الوسائل وآخر في المداشر والبوادي يرتاد مدرسة تفتقد إلى المرافق الصحية والماء الصالح للشرب وسور يحميه من الكلاب الضالة والمتشردين. هكذا يتبين لنا أن مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين لا زال حبرا على ورق، تقول بديعة.
وأثارت الأستاذة نقطة أخرى تتعلق بتكافؤ الفرص وهي تلك المرتبطة باختلاف المقررات، معبرة عنها من خلال طرح هذين السؤالين: على أي أساس يتم اختيار المراجع التي يقال إنها ملائمة لكل منطقة ولكل مؤسسة؟ ولماذا هذا الاختلاف من الأساس؟ في جوابها، رأت بديعة أن التبرير المنطقي لهذا المعطى غائب، هناك فقط تحويل المتعلمين إلى زبناء تباع لهم سنويا كتب وكراسات محاباة لأصحاب دور الطباعة والنشر.
في هذا الإطار، ذكرت المتحدثة مؤشرا واضحا وإضافيا على غياب تكافؤ الفرص وهو الاكتظاظ بحيث نجد أن القسم يحتضن عددا من التلاميذ يتعدى في مجمل الحالات خمسين تلميذا؛ وهو ما يؤثر على توزيع المواد الدراسية وعلى حصصها الزمنية ويحول دون التوزيع المعقلن للمواد حتى يستفيد الأطفال من مضامينها.
كما اشارت الأستاذة إلى عدم تكافؤ في الولوج إلى الأنشطة التفاعلية والموازية واستعمال الأدوات التكنولوجية، متسائلة: هل المدرسة العمومية بهذه المواصفات تثير الشغف لدى المتعلم وتحقق له المتعة وتكرس إعماله للتفكير والعقل؟ لتستنتج من الجواب الضمني بالنفي أن شعار تفعيل الحياة المدرسية يظل غائبا في أغلب المؤسسات التعليمية.
وراء هذا الواقع المزري عدة أسباب ذكرت منها المتدخلة ضعف البنية التحتية التي توفر فضاء ملائما للأنشطة الموازية والتفاعلية والرياضية، وإثقال البرنامج الصفي بمجموعة من المواد التي لا تتيح الفرصة لمزاولة أنشطة اخرى، وتركيز جميع المواد المبرمجة على الحفظ والتلقين، وشحن المتعلم بكم كبير من المعلومات دون تمكينه من فرص التفكير والإبداع. وهذا يلمسه الممارسون عن قرب، تختم بديعة الجمالي.
بعد إنهاء الأستاذة بديعة الجمالي لمداخلتها حاول الأستاذ عبقادري تلخيصها بقوله إنها تضمنت إشارات حاولت من خلالها توضيح وظيفة التعليم ووقفت عند التحول الاقتصادي من الإنتاج إلى المعرفة. كما عرضت عدة مؤشرات دالة على غياب تكافؤ الفرص وغياب الجاذبية في العرض التعليمي ببلادنا من خلال المقارنة بين العالم الحضري والعالم القروي، خاصة على مستوى التعليم الأولي. كما تحدثت عن الفوارق بين الجنسين التي لا زالت مطروحة في العديد من المناطق بفعل العقلية المحافظة التي لا زالت للأسف سائدة، وأشارت إلى الاكتظاظ وأشياء أخرى بطبيعة الحال.
مباشرة بعد هذا الكلمة المفتضبة التي حاول من خلالها مسير اللقاء تلخيص مداخلة الأستاذةىبديعة، أعطيت الكلمة للأستاذ عبد الوهاب السحيمي الذي شكر في البداية فرع الاستراكي الموحد على تنظيم هذا اللقاء الثاني من نوعه، معلنا تضامنه اللامشروط مع زملائه وزميلاته الموقوفين والموقوفات.
اعتبر الأستاذ السحيمي هذا التوقيف في عمقه انتقاما من النضال، واستباقا لما سيأتي من قرارات حتى لا يجرؤ الأساتذة مرة أخرى على الخروج إلى الشارع للاحتجاج ضدها.
لم يعتبر السحيمي التوقيف قرارا سياسيا يقوم على أسس قانونية صحيحة؛ لأنه ليس في الحقيقة سوى رد فعل ضد الأساتذة الذين رفعوا مطالب مشروعة اعترف بها رئيس الحكومة عندما سحب الملف من وزير التربية الوطنية وشكل لجنة وزارية جديدة. وهذا يعني، يتابع السحيمي، أن الحكومة أساءت تدبير ملف النظام الأساسي، وبالتالي هي من تتحمل المسؤولية. وإذا كان لا بد من التوقيف فينبغي أن يطال من افتعلوا الأزمة؛ لأن رجال ونساء التعليم انتظروا منذ سنة 2004 إطلاق النقاش حول النظام الأساسي بعدما لوحظت عدة ثغرات وعيوب في نظام 2003 الذي جرى إخراجه بطريقة سريعة. وأضاف الأستاذ السحيمي أنه منذ ذلك الحين والشغيلة التعليمية تطالب بنظام أساسي عادل. في هذا السياق، أعاد المتدخل إلى الأذهان أنه منذ سنة 2012 التي شهدت تنصيب أول حكومة بعد انتفاضات الربيع الدبمقراطي في 2011 صرح المرحوم أحمد الوفا، الوزير الوصي على القطاع آنذاك، عقب انعقاد أول اجتماع للمجلس الوزاري برئاسة عاهل البلاد، بأن جلالته أمره بالسهر على إصدار نظام أساسي عادل ومنصف لنساء ورجال التعليم يفترض فيه تصحيح الاختلالات ألموجودة في النظام الأساسي لعام 2003.
وهكذا، يسترسل السحيمي، تشكلت أول لجنة لهذا الغرض سنة 2014 من النقابات ووزارة التربية الوطنية في غياب وزارتي المالية والوظيفة العمومية. منذ ذلك الحين والملف يراوح مكانه إلى أن صدرت النسخة التي أفاضت الكأس، مع أنه كان بالإمكان إشراك الجميع والاستماع إليهم خاصة وأن شكيب بن موسى ترأس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد قبل تعيينه على رأس الوزارة، وقام بجولات عبر التراب الوطني استمع خلالها لعدة جهات وأطراف وتحاور مع نشطاء الفيسبوك والتيك توك، ولكن عندمآ تعلق الأمر بالتعليم اجتمع مع أربعة أفراد وأغلق الأبواب في وجه نساء ورجال التعليم مع أنهم يشكلون نخبة المجتمع، متناسيا أن هؤلاء كانوا في طليعة من يستشار في شأن أي قرار يهم البلاد.
وأكد السحيمي أن الأساتذة عندما خرجوا
للاحتجاج فليس لغرض تحقيق الرفاهية، بل من أجل الدفاع عن الحقوق والمكتسبات الضئيلة التي كانت من نصيبهم، لكنهم فوجئوا بلجوء الحكومة إلى الفصل 93 من قانون الوظيفة العمومية الذي لا تربطه أية علاقة بالتوقيفات. وأشار الأستاذ المتدخل إلى أن الحكومة ادعت
أن هؤلاء الموقوفين كانوا يحرضون على الإضراب ويمنعون زملاءهم والتلاميذ من الدخول إلى الأقسام، في حين أن ممثلي التنسيقيات طالبوا من اتخذ قرار التوقيف بإشهار شكاية واحدة تثبت أن أستاذا أو تلميذا أرادا الدخول إلى القسم وجاء أستاذ أو أستاذة لمنعهم من ذلك. طالبوا بأي دليل، حتى ولو كان شريط أوديو قصير، على أن مثل هذا السلوك قد بدر من الأساتذة المضربين.
لم يقدم إليهم الجهاز التنفيذي ما يتبث ذلك، فتبين للأساتذة أن المسؤوليين أقدموا بشكل تعسفي وظالم على توقيف الزملاء والزميلات.
ولاحظ السحيمي ان ذلك لم يحدث لأول مرة، فقد سبق للشغيلة التعليمية في 2014 أن خاضت معركة نضالية قوية، فتم على إثرها توقيف 1400 أستاذ وأستاذة مع بعض الاعتقالات، بينما كان الملف المطلبي بسيطا جدا. ثم بعد ذلك طرح ملف الأساتذة المتدربين عام 2016 الذين خاضوا نضالات قوية احتجاجا على ترسيب 150 بين أستاذ متدرب وأستاذة متدربة. ثم اندلعت احتجاجات الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ابتداء من 2017. وفي كل مرة كان يتم توقيف بعض المحتجين وتقديمهم إلى مجالس تأديبية صورية إلى أن تأججت الأوضاع وحدث ما لم يكن في الحسبان.
أشكال التعنت هاته، يتابع المتدخل، ليست موجهة للأساتذة بل إلى المستقبل. الآن بدأ الحديث بين الحكومة والنقابات عن إصلاح ثان من نوعه لنظام التقاعد، مع علم المسؤولين بأن الأمر يتعلق هذه المرة بملف على درجة عالية من الصعوبة لأنه يهم الجميع وليس فقط نساء ورجال التعليم، وبكونهم هم من سيقود الاحتجاجات ضد ما يراد تمريره على هذا الصعيد، وهم دائما متواجدون في قلب الاحتجاجات وعلى استعداد للتعبئة لها، لكونهم يشكلون نخبة المجتمع وبحكم عددهم الكبير. لهذا قرر المسؤولون إشغالهم وإغراقهم في مشاكل مفتعلة قصد منعهم من قيادة حراك آخر ضد ما تعتزم الحكومة اتخاذه من قرارات تصب في تقليص المعاشات وإضافة سنتين أخريين ليقف سن التقاعد عند 65 سنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار


.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: اجتياح رفح سيتم قريبا سواء تم التوصل لاتفاق أم لا


.. بلينكن يعلن موعد جاهزية -الرصيف العائم- في غزة




.. بن غفير: نتنياهو وعدني بأن إسرائيل ستدخل رفح وأن الحرب لن تن