الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهم ما يميز المانوية

إلياس شتواني

2024 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ولد ماني سنة 216 للميلاد؛ عصر تربّع الساسانيون فيه على عرش الدولة الفارسية كوريث للأخمينيين ولثقافتهم العريقة. شهدت تلك الفترة التاريخية تنافسا شديدا بين بلاد الفارس وروما على المستويين السياسي والثقافي، وعرفت المناطق الحدودية بين الدولتين نشاطا دينيا واسعا، حيث انتشرت فيها تجمعات الزرادشتية واليهودية والصابئة المندائية والبعثات المسيحية التبشيرية.

ماني، الرسول الشكور المبعوث من أرض بابل، نشأ في جنوبي بلاد بابل في وسط مندائي-غنطوسي، وهناك تلقى بشكل جلي تلقينا فكريا كان مؤثرا وحاسما بالنسبة لمشروعه الديني. لما بلغ ماني اثنتا عشر سنة أتاه الوحي للمرة الأولى، حيث قام كائن نوراني بنقل الوحي اليه، وهو كائن تسميه الترجمة العربية ب«التوم»؛ كلمة مأخوذة من اللغة السريانية «توما» والتي يقصد بها التوأم. تتماهى هذه الكلمة مع كلمة (Sais) القبطية الواردة في المدونات المانوية المصرية، حيث تحتوي رسالة الرسول السماوي لماني الآتي: "اعتزل هذه الملة، فلست من أهلها، وعليك بالنزاهة، وترك الشهوات، ولم يئن لك أن تظهر لحداثة سنك." (جيو وايدنغرين، "ماني والمانوية"، ص 43)

عاش ماني في ظل مناخ مندائي وفي عزلة كلية عن العامة، حيث درس الآداب المقدسة وتعلم المبادئ الغنطوسية. وأخيرا في سنة 240-241م وصل التفويض المنتظر لبدء الدعوة. بدأ ماني نشاطه الدعوي في بلاد الهند وانتقل بعد ذلك الى اقليم «آشورستان» أي بلاد بابل، وجال بعدها بلاد ميديا وفرثيا، ونجح خلال اقامته في طيسفون في اقامة علاقة طيبة مع الملك شابور (والذي هداه ماني الى دينه)، حيث تم استقباله من طرف هذا الأخير وحظي معه بعدة لقاءات ومحادثات.

المانوية هي دين توفيقي (Syncretic) يجمع بين عناصر من العقيدة المسيحية والعقيدة الزروانية القديمة وفق رؤية غنطوسية شاملة. ولهذا السبب كان للمانوية وضع مقبول أكثر من أي دين آخر في بلاد فارس. تغلغلت بعثات ماني التبشيرية في عمق الامبراطورية الرومانية (وهذا في حياته) لدرجة أنها وصلت الى مدينة الاسكندرية. في سنة 273م، توفي الملك شابور وخلفه على العرش ابنه هرمز الأول. لم يحكم هذا الأخير سوى عام، فقد توفي في الوقت الذي كان فيه ماني منشغلا بنشر عقيدته في بابل، ليخلفه على العرش أخوه بهرام الأول الذي حكم الى غاية سنة 277م. اتخذ بهرام موقفا معاديا بشأن ماني ودينه، وأضحى ممتعضا وناقما على ماني كون الرسالة لم تنزل على ملك عظيم مثله. تشير الوثائق التاريخية الى محادثة بين الاثنين تنتهي بتذكير ماني الملك برهام بأعمال الاحسان والرعاية التي حظي بها من الملكين شابور وهرمز، وختم مقالته قائلا: "افعل بي ما تراه." أمر الملك بتقييد ماني وأخذه الى السجن. لم يتحمل ماني، الذي كان في الستين من عمره، أعباء السجن فانهار سريعا ومات متأثرا بشدة الجوع (اذ أنه كان يصوم) وحدة الأصفاد والأغلال. أمر الملك بعد ذلك باحراق جسد ماني، ثم مزقت جثته، وقطع رأسه.

يتجلى اسهام ماني الملحوظ في أنه قد ثار على الزرادشتية التقليدية بتقديمه لقراءة جديدة لمفهوم "التوائم السماوية"، حيث أنكر بشدة القول القائل أن قوتي الخير والشر كانتا أختين. «زروان»، المخلوق السماوي البدائي، لم يخلق الشر (المتمثل في أهرمن في التقليد الزرادشتي)، لكنه، في نظر المانوية المجددة، قد استدعى «أم الحياة»، واستدعت هذه الأخيرة بدورها الانسان الأول المعروف باللغة السريانية «نشاقدامايا»، وهو مصطلح يقصد به «الانسان القديم» (المتمثل في اهرمزد)، أي ابن الرب الأول «زروان». تنظر المانوية اذن الى الوجود من منظور ثالوثي، وتؤكد على أهمية دور المخلِّص في صراع الحياة الحقيقي؛ صراع الفداء والخلاص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي