الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة واللغة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2024 / 4 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٧٤ - الفلسفة واللغة

لقد رأينا بخصوص فكرة الـ "ما " اليابانية، أهمية اللغة وعلاقتها بالفكر وتشكيل الفضاء الخيالي والرمزي الذي يحيط بالإنسان الذي يمارس هذه اللغة. وبالتالي هناك بالضروة علاقة وثيقة تربط الفلسفة والنظم الفلسفية باللغة المستعملة. فاللغة هي التي تحدد ما يمكن وما لا يمكن التفكير فيه، فهي جانب أساسي من المعرفة. وهكذا يسأل فيتجنشتاين نفسه في الرسالة المنطقية الفلسفية Tractatus logico-philosophicus عما يمكن التعبير عنه من خلال اللغة ويوضح أن المعاني الأخلاقية والجمالية للعالم على سبيل المثال من الصعب إيصالها ونقلها من شخص إلى آخر، لدرجة أن الفلسفة تحكم على نفسها بالصمت من خلال السعي للكشف عن أفخاخ اللغة، ذلك أن اللغة تُستخدم للتعبير عن "حقائق" العالم ، وتعجز عن الإحاطة بما وراء ذلك. من خلال الكلام، ينتج الإنسان «قائمة - tableaux » للحقائق، بمعنى أن تمثيلاته تنقل الواقع من خلال ربط عناصره ببعضها البعض. في الواقع، يرى فيتجنشتاين أن العالم هو «مجموعة من الحقائق، وليس الأشياء- l’ensemble des faits, non pas des choses » ، لأن الأشياء تظهر دائمًا في علاقة معينة (مثل العلاقة بين الشيء ولونه). ومنذ ذلك الحين، أصبحت اللغة تتلخص بالضرورة في ذكر الحقائق: "التفاحة حمراء"، "المزهرية على الطاولة"، إلخ. ومع ذلك، لكي يتوافق الكلام بشكل جيد مع الواقع، يجب أن يكون للغة بنية على غرار بنية الواقع، وهذا يعني أن القضية الحقيقية لها بنية مماثلة لبنية الحقيقة التي تصفها. بالمقارنة، الرياضيات تقتصر على قول ما نعرفه أساسا وهو نوع من الحشو tautologies أو تحصيل حاصل. على سبيل المثال، قول "2 + 2 = 4" لا معنى له لسبب بسيط هو أن 4 لا تضيف شيئًا إلى 2 + 2، وهو ما يعادلها تمامًا وبالتالي فهي مجرد طريقة أخرى لقول ذلك. ولذلك يؤكد فيتجنشتاين أن العلوم الطبيعية وحدها هي القادرة فعليًا على قول ما هو صحيح وما هو خطأ. ومن ناحية أخرى، فإن كل شيء خارج العالم (القيم، الخير، الجمال، الله، إلخ)، على الرغم من أهمية كل هذه المفاهيم، لا يمكن التفكير فيها أو قولها. وهذا يقودنا مرة أخرى إلى بارمينيدس والفلسفة اليونانية ما قبل سقراط، ويؤيد ما قلناه سابقا عن فكرة العدم والعدمية بإعتبارها تكونت وتبلورت في أحضان الحضارة الغربية عموما وبالذات في ثنايا اللغة اليونانية التي أخترعت الكلمة أو المفهوم الذي يجمع داخله عشرات المعاني والتركيبات والإيحاءات وهو كلمة "الكينونة" بكل تفرعاتها وإشتقاقاتها. غير أن هذا لم يمنع ثقافات أخرى من خوض معارك مشابهة بوسائل مغايرة وبلغات مختلفة، كالفلسفة البودية على سبيل المثال والقائمة أساسا على فكرة قريبة من مفهوم العدم والفراغ واللاشيئية.
اللغة اليونانية كانت تتميز بخصائص معينة مكنتها من مواصلة مغامرة الفكر الفلسفي وتطويره إلى ما لا نهاية. وأول هذه الخصائص وجود أداة التعريف التي بواسطتها نأكد على الفرد أو مجموعة من الأفراد الذين تعنيهم الكلمة ولكن نشير بواسطتها إلى معنى الكلمة وجوهرها. أما الخاصية الأخرى والتي تعبر عن روح هذه اللغة وعبقريتها فهو وجود فعل الكينونة الذي يستعمل كرابط بين المسند والمسند إليه أو بين المبتدأ والخبر. ويتفق أغلب المؤرخين على أن خصوصية اللغة اليونانية كانت أحد العوامل الأساسية في تطور الفلسفة في إتجاه معين يختلف إختلافا جذريا عن الإتجاه الذي أخذته الفلسفة الهندية على سبيل المثال.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح