الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أَيْنَ هُوَ دِيونِيسِيسْ يَا نِيتْشَهْ

اتريس سعيد

2024 / 4 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


1 _ كُلُّ يَوْمٍ يَزْدَادُ يَقِينِي، فِي أَنَّ اَلْمُغَالَاةَ فِي اَلِاكْتِرَاثِ فِيمَا حَوْلنَا، يَجْعَلُنَا أَشَدَّ تَعَاسَةٍ مِمَّا نَحْسُبُ أَوْ نَظُنَّ، وَرُبَّمَا أَقَلُّ ثِقَةٍ فِي مَعْرِفَةِ أَنْفُسِنَا جَيِّدًا، اَلْمُؤْلِمَ، إِذَا كُنَّا لَا نَسْتَطِيعُ اَلتَّوَقُّفُ عَنْ فَعَلَ ذَلِكَ.
2 _ مَعَ تَقَدُّمِ اَلْإِنْسَانِ بِالْعُمْرِ، يَنْزِعَ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى اَلْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا لَدَيْهِ مِنْ أَفْكَارِ وَأَشْيَاءَ، حَيْثُ تُقِلُّ عِنْدَهُ اَلْحَمَاسَةُ فِي طَلَبِ اَلْمِثَالِ، وَتَصْغُرَ فِي عَيْنِ وِجْدَانِهِ طَاقَةَ اَلْآمَالِ، وَتُصْبِح غِمَارُ اَلْعَوَاطِفِ فِيهِ أَكْثَرُ تَجَانُسًا وَأَبْطَأَ تَقَلُّبًا، قَدْ تَعْلُو آفَاقَ اِنْفِعَالَاتِهِ حِينًا، لَكِنَّهَا فِي أَحَايِينَ كَثِيرَةٍ، تَكُون ذَاتَ جَذْوَةٍ بَارِدَةٍ غَيْرِ مُشْتَهَاةٍ، فَتَقِلُّ دَهْشَتُهُ، وَتَزْدَادَ رَعْشَتُهُ، وَيَمِيلَ شَيْئًا فَشَيْئًا، لِأَنْ يُصْبِحَ أَكْثَرَ تَوَجُّسًا مِنْ قُدُومِ اَلرِّيَاحِ اَلْمُفَاجِئِ، وَ أَعْمَقُ خَشْيَةُ مِنْ أَنْ تَنْقَطِعَ بِهِ سُبْحَةَ اَلِانْتِظَارِ، وَيَظَلّ حَالهُ هَكَذَا، إِلَى أَنْ تَنْطَفِئَ فِي عَيْنَيْهِ شَارَةَ مُرُورِ اَلْمُؤَقَّتِ، بَعْدُ أَنْ تَسَلَّمَ لَهُ اَلدَّعْوَةُ اَلْأَكِيدَةُ، لِلْقُدُومِ اَللَّازِمِ إِلَى اَلْمَحَطَّةِ اَلْأَخِيرَةِ دُونَمَا إِبْطَاء وَبِلَا أَيَّة مِظَلَّةٍ أَوْ قُفَّازَاتٍ أَوْ أَسْمَالِ وَأَقْمِشَةٍ
3 _ نَخَافُ مِنْ اَلْخَطِيئَةِ وَالذَّنْبِ، نَخَافُ اَلشَّيْطَانُ، نَخَافُ مِنْ جَهَنَّمَ، مِنْ اَلْعِقَابِ اَلْإِلَهِيِّ وَإنْتِقَامِهِ، نَخَافُ اَلطُّغَاةُ مِنْ غَضَبِهِمْ، نَخَافُ مِنْ اَلْآخَرِ وَمِنْ اِخْتِلَافِهِمْ عَنَّا، نَحْنُ نَخَافُ، قَوْمُ مَسْكُونُونَ بِالْخَوْفِ، بِالرَّغْمِ أَنَّهَا كُلَّهَا أَوْ لِنَقُلْ فِي مُعْظَمِهَا، أَفْكَارٌ وَصُوَرٌ أَوْ هِيَ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ أَوْ مُجَرَّدُ تُرَّهَاتِ أَوْهَامٍ، اَلْخَائِفُونَ مِنْ نُورِ اَلْعَقْلِ، أَمَّا اَلْمُرْتَعِشُونَ مِنْ اَلْحَقِيقَةُ، اَلْغَارِقُونَ فِي اَلْوَهْمِ، لَا يَنْفَعُهُمْ اَلْإِصْلَاحُ، لَمْ وَلَنْ يَصْنَعُوا حَضَارَةٌ
4 _ اَلتَّأَمُّل اَلْمُؤْسِفِ فِي حَالِ رَبِيعْ اَلذُّقُونَ، عِنْدَ شُعُوبِ اَلشَّرْق اَلْأَوْسَطِ، وَالنَّظَرُ اَلْعَمِيقُ فِي مَآسِي اَلتَّدْمِيرِ اَلذَّاتِيِّ، اَلَّتِي مَا زَالَتْ جَمَاعَاتُ اَلْأُصُولِيَّاتِ فَاعِلَةً فِيهِ حَتَّى اَلْآنَ، تَحْتَ مُسَمَّيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قَوْمِيَّةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ خِلَافِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَدَوَاتِ قَتْلِ اَلْحَاضِرِ اَلْيَابِسِ وَالْهَشِّ، يَجْلِبَ إِلَى اَلذَّاكِرَةِ بَعْض مِنْ مَعَانٍ لِعِبَارَاتِ "غُوسْتَافْ لُوبُونْ" ، اَلَّتِي أَوْرَدَهَا فِي كِتَابِهِ إلْهَامِّ سَيْكُولُوجِيَّةً اَلْجَمَاهِيرِ " اَلشَّيْءُ اَلَّذِي يُهَيْمِنُ عَلَى رُوحِ اَلْجَمَاهِيرِ اَلثَّائِرَةَ اَلْجَهُولَةَ، لَيْسَ اَلْحَاجَةَ إِلَى اَلْحُرِّيَّةِ وَإِنَّمَا إِلَى اَلْعُبُودِيَّةِ. ذَلِكَ أَنَّ ظَمَأَهَا اَلدَّؤُوبَ لِلطَّاعَةِ اَلْعَمْيَاءِ، يَجْعَلُهَا تَخْضَعُ غَرَائِزِيًّا لَمِنْ يُعْلِنُ بِأَنَّهُ زَعِيمُهَا ". خَاصَّةٌ إِذَا كَانَ هَذَا اَلزَّعِيمِ اَلْمُلْهَمِ، ذَا لِحْيَةٍ وَسُبْحَةِ وَتَاجِرِ دِينٍ أَوْ مُفَوَّهٍ مَاهِرٍ.
5 _ شَيَاطِين اَلْجَهْلِ اَلْمُقَدَّسِ لَا تَضَعُ مَوَالِيدَهَا إِلَّا فِي دَهَالِيزِ اَلْعُقُولِ اَلْفَارِغَةِ
6 _ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَعْتَمِدَ سَعَادَتَكَ أَبَدًا عَلَى اَلْآخَرِينَ
7 _ إِذْ كُنْتُ تُصَدِّقُ كُلَّ مَا تَقْرَأُ فَلَا تَقْرَأُ وَأَنَّ كُنْتَ تُصَدِّقُ كُلَّ مَا تَسْمَعُ فَلَا تَسْمَعُ
8 _ عَقْلُ اَلْإِنْسَانِ إِذَا مَا اِسْتَيْقَظَ لَا يَنَامُ، حَتَّى يَتِمَّ قَتْلُهُ عَلَى سِنْدَانِ فِكْرٍ مُقَدَّسٍ، أَوْ تَحْتَ مِطْرَقَةِ سُلْطَةٍ غَاشِمَةٍ
9 _ مُجْتَمَعُكُمْ تَتَزَوَّجُ فِيهِ اَلْقَاصِرَاتُ قَبْلَ أَنْ يَفْهَمْنَ آلِيَّةُ أَجْسَادِهِنَّ، مُجْتَمَعُكُمْ يُشِيدُ بِفُحُولَةِ اَلذِّكْرِ اَلْمُغْتَصِبِ، وَيَقْطَعَ أَجْزَاءَ جَسَدِ اَلْأُنْثَى حَتَّى تَتَخَدَّرَ شَهْوَتُهَا وَيُزَوِّدُ ذُكُورُهُ بَالْفِيَاغَرَا. مُجْتَمَعٌ يَأْمُرُ إِنَاثَهُ بِالْحِجَابِ وَيُتَابِعُ ذُكُورُهُ بِحَمَاسِ قِصَصٍ وَجَلَسَاتِ وَحَفْلَاتِ اَلْجِنْسِ، مُجْتَمَعًا كَهَذَا كَيْفَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْتَرِمَهُ
10 _ بَدَلاً مِنْ أَنْ تَمْلَأَ دِمَاغَكَ كَرَاهِيَةً وَحِقْدًا وَبَغْضَاء، عَلَى مَنْ يُخَالِفُكَ اَلْعَقِيدَةَ وَالرَّأْيَ وَالْمَذْهَبَ حَاوَلَ أَنَّ تَفَهُّمً وَلَوْ مَرَّةً لِمَاذَا صَارَ هَذَا اَلْإِنْسَانِ، عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، مِنْ اِخْتِلَافِ أَوْ تَبَايُنِ عَنْكَ
11 _ كُلُّ تَفْكِيرِكَ سَيَبْقَى دُونَ فَائِدَةِ مَا دَامَ اَلْوَاقِعُ لَمْ يَتَغَيَّرْ, وَ لِيَتَغَيَّرَ اَلْوَاقِعُ يَجِبُ اَلتَّوَقُّفُ عَنْ اَلتَّفْكِيرِ وَالْبَدْءِ فِي اَلْعَمَلِ
12 _ إِذَا كُنْتُ لَا تَسْتَطِيعُ اَلتَّمْيِيزَ بَيْنَ خَيَالِكَ وَالْوَاقِعُ اَلَّذِي تَعِيشُ فِيهِ، فَأَنْتَ حَقٌّ تُلْحِقُ اَلضَّرَرَ بِنَفْسِكَ دُونَ أَنْ تَدْرِيَ
13 _ لَيْسَتْ كُلُّ اَلِاتِّفَاقِيَّاتِ تَضَمَّنَ حُقُوقَنَا وَيَجِبُ أَنْ نَكُونَ أَذْكِيَاء فَإِنَّ كَانَ اَلِاتِّفَاقُ لَا يَحْمِينَا عَلَيْنَا اَلْهَرَبُ إِلَى اِتِّفَاقٍ آخَرَ يَحْمِينَا أَوْ مَكَانٍ يَضْمَنُ حَقُّنَا
14 _ إِذَا لَاحَظَتْ بِالْفِعْلِ شُعْلَةَ اَلْإِرَادَةِ مُتَوَهِّجَةً فِي صَدْرِكَ، فَأَرْكُضُ لِمُدَاعَبَتِهَا وَحِمَايَتهَا مِنْ رِيَاحِ اَلْإِحْبَاطِ وَالْقُنُوطِ. قُمْ بِزِيَادَةِ هَذِهِ اَلشُّعْلَةِ بِدَاخِلِكَ مِنْ خِلَالِ اَلسَّمَاحِ لِنَفْسِكَ بِالْإِيمَانِ بِصِنَاعَةِ اَلْمَصِيرِ. أَمْنَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ، وَلَا تَسْمَحُ بِتَأْثِيرِ اَلْكَسَلِ وَالْخُمُولِ وَتَلَاشِي اَلْهَدَفِ فِي مُوَاجَهَةِ عَمَلِ اَلْإِرَادَةِ, سَوْفَ تُصَادِفُ عَلَى طُولِ طَرِيقِكَ مَنْ يُرِيدُ إِيذَاءَكَ، وَتَغْيِيرَ مَفَاهِيمِكَ وَمُعْتَقَدَاتِكَ عَنْ اَلْعَالَمِ، وَلَكِنْ إِذَا كُنْتُ قَدْ اِنْتَصَرَتْ بِالْفِعْلِ لِشُعْلَةِ اَلْإِرَادَةِ فَلَا شَيْءً يَسْتَطِيعُ أَنْ يُطْفِئَهَا مِنْ دَاخِلِكَ. اِبْقَ رَأْسَكَ مَرْفُوعًا وَوَاثِقًا، لِأَنَّ مَنْ لَدَيْهِ اَلْإِرَادَةُ سَيَكُونُ دَائِمًا عَلَى طَرِيقِ اَلنُّورِ
15_ لَا يَتَعَلَّقُ اَلْأَمْرُ بِمَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ أَكْثَرَ، وَلَكِنَّ بِمَنْ يُصِرُّ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِشَكْلِ أَكْثَرَ اِسْتِمْرَارًا
16_ لَا تَنْسَ اَلرَّأْيُ وَالتَّعْبِيرُ وَالِاعْتِقَادُ هِيَ حُقُوقٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَاتٍ
17 _ يَجِبَ عَلَى اَلْجَمِيعِ أَنْ يَسْمَعُوا اَلْقَلِيلُ مِنْ اَلْمُوسِيقَى، وَ يَقْرَؤُونَ اَلْقَلِيلَ مِنْ اَلشَّعْرِ، وَيَرَوْنَ صُورَةً جَمِيلَةً عَنْ حَيَاتِهِمْ، مَرَّةٌ فِي اَلْيَوْمِ عَلَى اَلْأَقَلِّ، لِتَغْذِيَةِ أَرْوَاحِهِمْ اَلْمُنْهَكَةِ بِالتَّقْوَى، وَ دَعْمُهَا ضِدَّ كُلِّ مَا يُحِيطُ بِهَا، مِنْ فِصَامٍ، وَنِفَاق، وَرِيَاءٌ لَا يَنْتَهِي.
18 _ لَدَيَّ قَنَاعَةُ وَرُؤْيَةُ أَنَّهُ فِي بَعْضِ اَلْأَحْيَانِ يَجِبُ أَنْ تَأْخُذَ قَرَارًا وَلَوْ رَآهُ اَلنَّاسُ حَوَّلَكَ أَنَّكَ قَاسٍ لِأَنَّهُ أَنْتَ وَحْدَكَ اَلَّذِي تَعَلَّمَ حَجْمُ مُعَانَاتِكَ لِهَذَا قَرَّرَ ثُمَّ نَفِذ وَأَضْرَبَ بِيَدٍ مِنْ حَدِيدٍ
19_ اَلْكُلَّ يُمَارِسُ هَذِهِ اَللِّعْبَةِ وَيُجِيدُهَا، إِنَّهَا لُعْبَةٌ اَلتُّمْتَرِسْ وَ الِاخْتِبَاءُ
20 _ اَلْكُلّ يَا صَدِيقِي لَهُ سَقْفٌ، وَحِينُ لَا يَكُونُ لَدَيْكَ سَقْفٌ، سَتَعْرِفُ لِلتَّوِّ أَنَّكَ فِي اَلْعَرَاءِ وَحْدَكَ
21_ اَلْوُجُود غَيْرُ مُمْكِنٍ بِلَا تَدْمِيرِ بِنْيَةِ اَلذَّاتِ، اَلتَّدْمِيرُ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَلَاصُ اَلذَّاتِ، وَالْقُوَّةُ اَلَّتِي تُنْفِقُهَا اَلذَّاتُ فِي تَدْمِيرِ نَفْسِهَا، هِيَ ذَاتُ اَلْقُوَّةِ اَلَّتِي يَخْلُقُ فِيهَا اَلْعَالَمُ بِكَامِلِهِ.
22_ قَلِيلُونَ هُمْ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ يَسْتَطِيعُونَ اَلْعَيْشُ طُلَقَاءَ ك دُيُونِيسْيُوسْ أَوْ حَقِيقِيُّونَ ك أَنْكِيدُو بِلَا سُقُوفٍ أَوْ أُسَوِّرْ أَوْ أَسْيِجَةٍ، تَحْمِي ذَوَاتهمْ اَلْبَئِيسَةُ مِنْ كُلِّ رَافِدِ حَيٍّ أَوْ جَدِيدٍ.
23_ يَكْفِي أَنَّ تَلَقِّيَ نَظْرَةٍ سَرِيعَةٍ عَلَى اَلنَّاسِ لِتَكْتَشِفَ أَنَّ اَلْكُلَّ يَخْتَبِئُ وَرَاءَ قِنَاعٍ يُنَاسِبُهُ. هَذَا يَتَمَتْرَسُ خَلْفَ أَيْدِيُولُوجْيَا، وَ ذَاكَ يَخْتَبِئُ خَلْفَ دِينٍ أَوْ لَاهُوتٍ، وَتِلْكَ تَتَوَارَى خَلْفَ حِزْبٍ أَوْ مُنَظَّمَةٍ. أَمَّا ذَاكَ اَلْجَوْهَرِ اَلْخَالِدِ، ذَاكَ اَلْحُرِّ اَلطَّلِيقِ، أَوْ ذَاكَ اَلْإِنْسَانِ اَلْخَالِصِ اَلْمَوْجُودِ فِي قَلْبِ مَعْمَعَانْ اَلْحَيَاةُ ذَاتُهَا، فَلَا تَحْمِلُ نَفْسَكَ عَنَاءَ اَلْبَحْثِ عَنْهُ، لِأَنَّكَ لَنْ تَجِدَهُ إِلَّا فِي كُتُبِ عُلَمَاءِ اَلْإنَاسَة أَوْ اَلْحَوْلِيَّاتِ، وَإِذَا كُنْتُ مَحْظُوظًا رُبَّمَا تَجِدُهُ فِي تَخْرِيفَاتِ نِيتْشَهْ اَلْأَخِيرَةَ بَعْدَ أَنْ اِشْتَدَّ بِهِ اَلْمَرَضُ. لِكَثْرَةِ مَا رَأَيْتُ مِنْ هَذِهِ اَلْأَصْنَافَ اَلْبَشَرِيَّةِ، صِرْتَ قَادِرًا عَلَى تَمْيِيزِ أَنْوَاعِ اَلْأَسْوَارِ اَلَّتِي يُسَوَّرُ بِهَا اَلنَّاسُ حَيَوَاتِهِمْ، مِنْ حُصُونٍ وَ مَتَارِيسَ وَأُسْقُفٍ وَأَسْلَاكٍ شَائِكَةٍ، بَلْ صِرْتُ أَعْتَبِرُ أَنَّ هَذِهِ اَلْأَخِيرَةِ هِيَ اَلْمِعْيَارُ اَلَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ اَلْإِنْسَانِ اَلْحَقِيقِيِّ وَ الْإِنْسَانِ اَلْمُزَيَّفِ، فَهَذِهِ اَلْعَوَائِقُ اَلَّتِي يَنْصِبُهَا اَلْإِنْسَانُ أَمَامَ عَقْلِهِ وَحَيَاتِهِ شِرَاكًا، لَا تُوجَدُ أَصْلاً إِلَّا إِذَا كَانَ صَاحِبُهَا مَيِّتًا أَوْ عَلَى أُهْبَةِ اَلْمَوْتِ، أَوْ فَاقِدًا لِلْأَهْلِيَّةِ اَلْوُجُودِيَّةِ بِحَدِّ ذَاتِهَا.
24 _ صَدِّقُونِي أَنَا لَا أَعْرِفُ بِالضَّبْطِ مَا اَلَّذِي يَدْفَعُ شَخْصًا سَلِيم اَلْعَقْلِ، لِتَبْدِيدِ ذَاتِهِ وَأَنْفَاقِ وُجُودِهِ فِي عَمَلِيَّةِ تَحْصِينٍ وَ إِغْلَاقٍ سَاذِجَةٍ لِوُجُودِهِ، لَا يَدْفَعُ ثَمَنُهَا إِلَّا مَزِيدًا مِنْ اَلْبَلَادَةِ وَ الْغَبَاءِ ؟ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أُصَادِفُ فِيهَا شَخْصًا مِنْ هَذَا اَلنَّوْعَ لَا تُرَاوِدُنِي إِلَّا فِكْرَةً وَاحِدَةً وَهِيَ أَنْ أَهِيمَ عَلَى وَجْهِي فِي بِلَادٍ نَائِيَةٍ، بَعِيدًا عَنْ هَذِهِ اَلْجُثَثِ اَلْحَيَّةِ، مُحَوِّلاً وُجُودِي اَلشَّخْصِيَّ إِلَى جَحِيمٍ فَرْدِيٍّ عَلَى شَاكِلَةٍ دُونْ كِيشُوتْ، بَعِيدًا عَنْ أَسْيِجَةٍ اَلْآخَرِينَ وَ أُسْقُفُهُمْ اَلْمُسْتَعَارَةَ.
25 _ لَا تَحَدَّثُونِي عَنْ شَخْصٍ بِبَدْلَةٍ أَنِيقَةٍ وَمَكْتَبِ وَثِيرَ ذُو سَقْفٍ مُزَرْكَشٍ وَعَشْرِ صَفَحَاتٍ قَاحِلَةٍ عَنْ هِيغِلْ، بَلْ حَدِّثُونِي عَنْ شَخْصٍ اِمْتَطَى حُلْمُهُ وَرَاحَ يَضْرِبُ فِي اَلْأَرْضِ بَاحِثًا عَنْ جَسَدٍ جَمِيلٍ أَوْ كَلِمَةِ أَوْ حَتَّى فَاصِلَةٍ كَيْ يَمُوتَ لِأَجْلِهَا
26 _ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَزْدَادُ يَقِينِي بِأَنَّ اَلْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ أَنْ يُحَاكَمَ بِجَرِيرَةِ مَا اِرْتَكَبَهُ مِنْ أَخْطَاءٍ وَآثَامٍ، وَإِنَّمَا بِقَدْرِ مَا نُصِبَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَوَانِعَ وَأَقْنِعَةٍ وَحَجْبٍ، تَحَوُّلُ دُونِهِ وَدُونُ مُغَامَرَةَ اَلْحَيَاةِ.
27 _ اَلْآن فَقَطْ، صِرْتَ أَفْهَمُ لِمَاذَا كَانَ دُيُوجِينْ يَحْمِلَ قِنْدِيلُهُ فِي وَضَحِ اَلنَّهَارِ بَاحِثًا عَنْ إِنْسَانٍ حَقِيقِيٍّ. صِرْتَ أَعِي مَا مَعْنَى أَنْ تَبْحَثَ عَنْ شَيْءٍ تَعَرَّفَ مُسْبَقًا أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، أَوْ عَلَى اَلْأَقَلِّ نَادِرٌ اَلْوُجُودِ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة