الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التساند الآلي عند دوركايم وسوسيولوجيا الصلاة في الإسلام

أشرف حسن منصور
أستاذ الفلسفة بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية

2024 / 4 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أشرف منصور
ليس هناك من مثال أدق على ما كان يقصده دوركايم (1858 – 1917) بالتساند الآلي solidarité mécanique من الصلاة في الإسلام، وأقصد صلاة الجماعة تحديداً، التي تقام كل يوم جمعة وفي الأعياد، ويؤديها بعض المسلمين في بعض الفروض أثناء اليوم. في صلاة الجماعة في الإسلام يتحول الأفراد إلى جسد واحد بفضل انخراطهم في أداء حركات واحدة، بطريقة آلية؛ صحيح أن دوركايم قد استخدم مفهوم "الآلية" مجازاً لوصف التساند الاجتماعي الذي يأتي من تماثل الأفراد في الأدوار والوظائف والمشاعر ، إلا أن "الآلية" التي في الصلاة الإسلامية حرفية وليست مجازية. إنها هي التساند الآلي بامتياز وعن جدارة، بحركاتها الواحدة الثابتة والمتكررة. في حركات الصلاة ثبات في نوعيتها، وتكرار لها، واصطفاف للناس بجانب بعضهم البعض في صفوف وراء بعضها البعض، مشكلين كتلة واحدة تتحرك معاً حركة واحدة.
هذه الصلاة الجماعية هي التي تجعل من المسلمين مجتمعاً، ليس مجتمعاً معنوياً بل مجتمعاً مادياً بوصفه كتلة أو حشداً بشرياً mass. صحيح أن هذه الكتلة مكونة من أفراد، إلا أنهم في تَجَمُّعِهِم أثناء الصلاة يصيرون جسداً واحداً يتحرك حركة واحدة منتظمة ومتكررة، بطريقة آلية. وهذه الآلية مطلوبة للضبط الاجتماعي للأجساد؛ فضبط المجتمع قبل أن يكون ضبطاً للعقول بعقائد وأفكار ومذاهب، فهو ضبط مادي للأجساد. إنه التساند الآلي بالمعنى الحرفي لكلمة "آلي" mécanique، وبطريقة لم يكن دوركايم ليتصورها. لو كان دوركايم قد رأى مسلمين يصلون، لاندهش وأدرك أن نظريته متحققة بالكامل في مثال حي مادي أمام عينيه، لكن يبدو أنه لم يكن في فرنسا مسلمون كثيرون في عصر دوركايم، رغم أن طه حسين كان أحد تلاميذه وأشرف عليه دوركايم في رسالته للدكتوراه في السوربون عن "فلسفة ابن خلدون الاجتماعية"؛ ورغم أن فرنسا في عصر دوركايم كانت تحتل الجزائر احتلالاً استيطانياً جعل الفرنسيين هناك يعيشون جنباً إلى جنب المسلمين، وهو شبيه بالاحتلال الصهيوني لفلسطين الآن.... لكن لنعد إلى ما كنا فيه.
في الصلاة وحدها يصير المسلمون مجتمعاً حقيقياً باعتباره جسداً واحداً، والرابطة المادية التي تُحدِثها الصلاة أقوى من أي رابط عقائدي أو مذهبي. وهنا بالضبط تتحقق نظرية دوركايم في تحليلاته السوسيولوجية للدين، والقائلة إن ما يحدد جوهر الدين هو الشعار والطقوس أكثر من المعتقدات. فالمعتقدات تختلف باختلاف الأديان، وليس الإيمان بإله واحد أو حتى بآلهة متعددة في نظر دوركايم هو الذي يحدد جوهر الدين؛ فهناك حسب قوله أديان بدون إله واحد، وأديان بدون آلهة أصلاً مثل الأديان الطوطمية للقبائل البدائية، في أستراليا التي كانت محل تركيزه في كتابه "الأشكال الأولية للحياة الدينية"، تلك القبائل التي كانت لا تزال مجموعات منها موجودة في عصر دوركايم. إن الطوطمية لدى قبائل أستراليا وكذلك لدى بعض قبائل أمريكا الشمالية هي الشكل الأكثر أولية وبساطة من الحياة الدينية، وهي "دين بدون آلهة"، والذي يجعلها ديانة هو ما بها من طقوس وشعائر، وليست المعتقدات هي التي تحدد ماهية الدين في ذاته بوصفه ظاهرة اجتماعية حسب دوركايم.
وإذا كان دوركايم يقول إن الدين يمثل أعلى مراتب الوعي الجمعي وأرقى وعي للجماعة بذاتها، قبل عصر الحداثة الذي صار فيه الوعي الجمعي صريحاً وواعياً بذاته بوصفه وعياً للمجتمع بذاته، فإن هذا "الوعي الجمعي" هو الذي تحققه الصلاة في الإسلام. في الصلاة بوصفها شعيرة جماعية يصل المجتمع المسلم إلى الوعي بذاته، وذلك برؤيته لنفسه وهو يمارس فعلاً حركياً واحداً بوصفه جسداً واحداً. لا يَحْضُر في الوعي البشري شيءٌ، ما لم يكن هذا الشيء حاضراً متجسداً في العالم الحقيقي المادي، ولذلك فالصلاة هي التي تصنع المجتمع المادي قبل أن تنتقل صورته إلى وعي أفراده. وتتوجه الصلاة إلى الإله الواحد الذي يُعَدُّ في وعي الأفراد البؤرة الشعورية التي يلتف حولها وعيهم ويوحدهم بها. فالوعي الجمعي لن يكون جمعياً ما لم يتخذ لنفسه نقطة واحدة، حولها يتجمع ويصير بها وعياً واحداً، جمعياً، لعديد من الناس. فالتوحيد هو توحيد للبشر ولوعيهم الجمعي الذي يصير واحداً بفضل الوعي بهذا الإله الواحد.
وإذا كان اسم "الصلاة" يأتي من "الصلة" التي تعقدها بين الإنسان والإله، والتواصل الناتج عنها بين الطرفين، فالحقيقة أن الصلاة هي صلة الناس ببعضهم البعض، وهي تواصلهم معاً، ولهذا السبب يقال عنها إنها "عماد الدين"، أي عامود المجتمع المسلم، والدين هنا مفهوم على أنه هو المجتمع. إن المضمون الحقيقي لهذه المقولة ومعناها السوسيولوجي الباطن، هو أن الصلاة هي الصانعة للمجتمع المسلم. صحيح أن الصلاة في الإسلام فريضة، ومن أجل الله، لكن السبب في أهمية الصلاة في الإسلام هو سبب سوسيولوجي في الأساس، فهي التي تصنع المجتمع ذاته، خالقة من الأفراد جسداً واحداً بالمعنى الحرفي، يتحرك حركات واحدة منتظمة ومتكررة.
وبعد أن ينتهي الأفراد من الصلاة وينفك الحشد الذي كان منتظماً ويتحول ليعود إلى مجرد أفراد، تظل صورة الهيئة البشرية المادية التي صنعتها الصلاة عالقة في أذهان وذاكرة الأفراد في اللاشعور، بحيث يظل الأفراد يدركون في وعيهم أنهم حتى بعد انتهاء الصلاة وانفكاك الكتلة البشرية لا يزالون كتلة؛ فالانطباع الذي تتركه في أذهانهم الكتلة البشرية المتراصة في الصلاة يجعلهم يدركون أنفسهم بأنهم لا يزالوا هذه الكتلة حتى وهي غير موجودة، والتي يتكرر تَشَكُّلها دوماً والقابلة للاستدعاء مراراً.
إنني أركز على الصلاة بوصفها حشداً منتظماً وأحللها سوسيولوجياً واجتماعياً، تحليلاً مادياً بوصفها كتلة بشرية منظمة ومتحركة معاً. وهي بذلك تنطبق عليها نظرية دوركايم في معالجة الظاهرة الاجتماعية على أنه شيء، وهي بالفعل ظاهرة متشيئة مادية. والظاهرة الاجتماعية عند دوركايم هي التي يناسبها تفسير اجتماعي وتحتاج إليه، وهذا وفق المبدأ المنهجي والإبستيمولوجي الذي وضعه دوركايم، وهو أن الاجتماعي يُفَسَّر بما هو اجتماعي مثله، لا بما هو سيكولوجي أو سياسي أو اقتصادي أو غيرها من التفسيرات.
في هذا الحشد المنتظم يتخلص الفرد من فردانيته وتقوقعه على ذاته ونزعاته الأنانية، ويذوب في الجماعة ويصير جزءاً منها. وهو في ذلك يشعر بالتحرر والراحة. ذلك لأن الانتماء إلى جماعة انتماءً جسدياً وحركياً يزيح عن كاهله ما يتحمله وحده من أعباء بوصفه فرداً، ويُشعره بالتوحد مع مصير مشترك لكيان جمعي أكبر منه.
تمت دراسة الحشود Crowds في علم النفس الاجتماعي وفي علم الاجتماع وفي الحقل البحثي الذي يمكن أن نسميه "سوسيولوجيا الحشود" Sociology of Crowds، وتم اكتشاف الحشد على أنه يتصف بشخصية خاصة به، وأنه يقوم بأفعال جماعية ويمتلك وعياً يخصه وحده، يختلف عن وعي أفراده المكونين له. لكن الحشود المدروسة في تلك الحقول البحثية ليست منتظمة ولا ثابتة، وأغلبها الحشود الثورية والاحتجاجية والنضالية ذات الطابع السياسي الواضح؛ لكنني حسب علمي لا أعلم بدراسة طبقت سوسيولوجيا الحشود على الصلاة في الإسلام؛ ولا يمكننا دراسة حشد الصلاة المنتظم في الإسلام إلا بعد تعديل مفهوم الحشد في تلك الحقول البحثية، بالإضافة إلى تعديل نظرية الحشد كي تناسب وتستوعب الحشد المنتظم في الصلاة.
يقع حشد الصلاة في مرتبة وسطى بين الحشد الذي يتجمع تلقائياً، مثل الحشود الثورية والاحتجاجية والمظاهرات، والحشد الذي يقوده شخص أو تنظيم، مثل الطابور العسكري. فحشد الصلاة يتجمع تلقائياً، لكنه بعد تجمعه يخضع لقيادة إمام واحد. وقد يتجمع الحشد بعد الأذان للصلاة تلقائياً، وقد يكون تجمعه هذا كما لو كان يلبي أمراً عسكرياً بالتجمع والانتظام في طابور عسكري لكنه ليس كذلك الضبط. وقد يشبه الأذان أمر استدعاء عسكري، لكنه ليس كذلك أيضاً.
والكلام الذي يردده الإمام أثناء الصلاة يشكل الوعي الجمعي للمصلين. ففي الصلاة تصير الآيات القرآنية التي كانت مكتوبة بوصفها نصاً في مصحف، مسموعة بوصفها خطاباً؛ فالصلاة تحول النص إلى خطاب، وترجع بالقرآن إلى أصله الأول بوصفه خطاباً شفاهياً مسموعاً يُتلى على سامعين. القرآن الذي في المصحف يُقرَأ فردياً، فالفرد هو الذي يقرأ المصحف بوصفه نصاً، أما القرآن الذي يتلى في الصلاة فهو خطاب مسموع ملقى للمجموع. النص القرآني في المصحف يقرأه فرد ومن ثم يفهمه فهماً فردياً، أما القرآن المُتلى في جموع فيُفهَم جمعياً وتكون لمعانيه دلالات جمعية. في الصلاة يعود القرآن إلى أصله بوصفه خطاباً شفاهياً قبل أن يدون نصاً في مصحف. فالقرآن الأول نزل شفاهياً مسموعاً في مجتمع أمي لا يقرأ ولا يكتب؛ ولا يجعله هذا مرتبطاً بمرحلة الأمية التي تجاوزتها المجتمعات في تطورها، لأن التكنولوجيا الحديثة قد استحدثت ما يسمى بالكتاب المسموع، والعديد من الكتب والروايات يتم تحويلها إلى كتاب مسموع ثم إلى ملفات صوتية إليكترونية، بحيث يمكن أن تسمع الكتاب في سيارتك أو في سماعة الأذن وأنت تسير. وإذا كانت التكنولوجيا الحديثة قد أنتجت الكتاب المسموع وأرجعت الكلام المكتوب إلى أصله المسموع والشفاهي، فإن القرآن كان من الأصل كتاباً مسموعاً. والذي يقال من البعض عن الوعي الجمعي للمسلمين أنه وعي نصي إذ تخلقه النصوص وتتحكم فيه ويفكر بها، فهو قول غير دقيق، لأن القرآن المسموع ليس نصاً بل هو خطاب.
يعمل حشد الصلاة على إلغاء المسافة الفاصلة بين الفرد والآخر، فالمصلين يتلاصقون، ولا يتركون أي فجوات بينهم يميناً ويساراً، ويطلب منهم الإمام "سِدُّوا الفُرَج". لا تسمح الصلاة بوجود أي مسافة خالية بين الفرد والآخر. والحقيقة أن الفرد يصير فرداً بتلك المسافة والمساحة الخالية من حوله، إذ يصير فرداً بها وفي داخلها، وبدون هذه المساحة/ المسافة لا يعد الفرد فرداً. تأتي كلمة "فرد" في اللغات الأوروبية individual من أصل لغوي يعني "غير المنقسم" in-dividual/ in-divisible، إنه غير القابل للقسمة، اللامنقسم. الملاحظ أن هذا هو تعريف الذرة، وفق الأصل اليوناني للكلمة A-tom؛ إنها ذلك الذي لا يتجزأ أو ينقسم. الفرد إذن هو ذرة. والذرة لا تكون ذرة إلا بوجود خلاء حولها. أدرك الفكر الإنساني من اليونان ومروراً بالمسلمين وحتى العصر الحديث أن الذرة تشترط الخلاء من حولها، ففيه تكون ذرة وفيه تتحرك بوصفها ذرة. الصلاة لا تعرف الخلاء، تلغيه، وتحذفه تماماً، ولذلك فهي تلغي شرط وجود الفرد من الأصل. والفردانية هي المسافة الفاصلة بين فرد وآخر، هي هذا الخلاء الذي يتحرك فيه الفرد ويجد فيه حريته في الحركة. لكن حرية الحركة هذه وسط الخلاء يمكن أن يتحول إلى عزلة ويصير الخلاء فراغاً لا يستطيع الفرد ملأه، ويغترب عن محيطه. في الخلاء المحيط بالفرد يكون الفرد مسئولاً بالكامل عن نفسه، متولياً وجوده الشخصي، لكن مع اختفاء الخلاء في حشد الصلاة، يتخفف الفرد من عزلته حتى ولو لزمن مؤقت، ويصير حرفياً جزءاً من كلٍ.
الصلاة في ضوء "قوانين المحاكاة" عند جابرييل تارد
كان عالم الاجتماع الفرنسي جابرييل تارد Gabriel Tarde (1843 – 1904) من رواد دراسة المجتمع من جهة كونه وجوداً مادياً من الأجساد والحشود، وذلك في كتابه "قوانين المحاكاة" Les lois de l imitation (1890) . ومع تارد نستطيع التخلص من المعالجة الازدرائية للحشود والتي نجدها لدى جوستاف لوبون في كتابه الشهير "سيكولوجية الجماهير" Psychologie des Foules (1895) الذي يجب أن يُتَرجم على نحو أدق بـ"سيكولوجية الحشود". رسم لوبون صورة للحشود بوصفها لاعقلانية تسيطر عليها الانفعالات وعرضة للتلاعب الديماجوجي من قبل زعماء طموحين طامعين في السلطة، والحشود عنده لديها توجه طبيعي نحو التعصب وما عُرِف بعد لوبون بالفاشية. لكننا نجد لدى تارد معالجة عملية محايدة أكثر للحشود بوصفها ظاهرة اجتماعية مادية.
وقد رد تارد المجتمع نفسه إلى السلوك المتكرر لأفراده والذي يعيد إنتاج نماذج من الفعل يتم تقليدها باستمرار. المجتمع عند تارد هو نتيجة للمحاكاة، والظاهرة الاجتماعية عنده هي نتاج محاكاة الناس لأفعال أو أنماط من الفعل والتفكير والقيم. والمحاكاة تفترض حداً أدنى من التماثل بين الأفراد similarities، أو التشابهات resemblances، كي يتمكن السلوك المحاكى من الانتقال من فرد لآخر. ووضع تارد ثلاثة قوانين للمحاكاة: 1) قانون الاتصال القريب close contact؛ 2) قانون تقليد الأدنى للأعلى؛ 3) قانون التكرار repetition، أي درجة قابلية الفعل أو السلوك المستحدث على تكرار أدائه من قبل عدد كبير من أفراد المجتمع. وإذا كان تارد يقول إن تكرار السلوك هو الذي يصنع من مجموعة الأفراد مجتمعاً ويخلق فيهم ظواهر اجتماعية، فهذا ينطبق بوضوح على الصلاة في الإسلام، إذ هي التكرار بعينه، وهي المحاكاة، لا للإمام وحسب بل للمصلين مع أنفسهم، فكثيراً ما لا تسمع الصفوف الخلفية الإمام، قبل اختراع مكبرات الصوت، فكانت الصفوف الخلفية تتحرك بحركة الصفوف الأمامية، تقلدها وتحاكيها وتكرر حركاتها. كما أن حركات الصلاة هي "السُنَّة الفعلية"، أي السنة المنقولة لا بالمشافهة والسماع بل بالأداء والسلوك المتكرر، من النبي وعصره إلى العصور التالية. وهي "متواترة" حركياً، أي المتكررة مراراً لامعدودة، وهذا هو الذي يعطيها الثبات والإلزام ويجعلها "فريضة".
إلياس كانيتي وقوة الحشود
تعد دراسة إلياس كانيتي Elias Canetti (1905 – 1994) "الحشود والقوة" Masse und Macht 1960 (Crowds and Power) ، من العلامات البارزة في دراسة الحشود في القرن العشرين، من كافة النواحي السيكولوجية والسوسيولوجية والسياسية. ركز كانيتي في بداية كتابه على تفصيل أنواع الحشود، وميز بين الحشد المفتوح والحشد المغلق على نفسه، والحشد الداخلي الذي يضمه مكان، والحشد الخارجي في الشوارع والساحات العامة، والأغراض التي تتجمع من أجلها الحشود، سواء أغراض سياسية مثل الثورات والاحتجاجات السياسية أو الاقتصادية مثل الإضرابات والمظاهرات وحركات العصيان المدني، أو أغراض عسكرية مثل الحشود الحربية، أو أغراض دينية. وما يهمنا هو تحليله للأغراض الدينية للحشود.
ذهب كانيتي إلى أن الأديان العالمية قد نجحت في تدجين الحشود domestication، بإدخالها في نظام من الشعائر الجماعية والاحتفالات الدينية والطقوس. وهي طريقة في تنظيم الحشود والهيمنة عليها، ويفترض كانيتي بذلك أن الحشد غير منتظم في ذاته وبغير شكل مثله مثل المادة الأولى الخالية من أي شكل وهيئة، وتأتي الأديان لتنظمه وتعطيه الصورة والشكل. ويتناول كانيتي بتحليله شعائر الحاج ويركز على وقفة عرفات بصفة خاصة، وعلى الاحتفالات الدينية الشيعية، بوصفها مناسبات لتجمع الحشود الدينية، مانحة المشاركين فيها هوية مشتركة ووعياً جمعياً واحداً وتواصلاً مع تراث تاريخي قديم للغاية.
وهو في ذلك يتفق مع دوركايم الذي ركز على دور الشعائر والطقوس في خلق المجتمع وصنع التساند بين أعضائه، أكثر من العقائد؛ فالعقائد عند دوركايم تميز بين دين وآخر، لكنها تُحدِث التماسك الداخلي للجماعة أكثر من الشعائر والطقوس. العقائد بالأحرى تُحدِث تماسكاً للجماعة في مواجهة جماعات أخرى تتبنى عقائد أخرى، وهي حاصرة، أي أن وظيفتها حصر المؤمنين بها داخلها، استبعادية، أي أنها تقوم بدور التساند الاجتماعي من خارج الجماعة في مواجهة جماعات أخرى وباستبعادها، أما التماسك الداخلي والهوية الجماعية الداخلية فتُحدِثه الشعائر والطقوس، إذ هي النشاط اليومي الذي يضم المجتمع كله في فعل واحد متكرر وثابت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالةبحثي مهم
صباح كنجي ( 2024 / 4 / 11 - 13:36 )
مقال بحثي مهم يحلل مظار التصرف الإنساني للمؤمنين
بشعاءر الدين


2 - صلاة الجماعة والاصطفاف العسكري
د. لبيب سلطان ( 2024 / 4 / 11 - 16:36 )
عزيزنا الاخ الكاتب
صلاة الجماعة يمكن مقارنتها واقعا بالصطفاف العسكري للجنود وكما تخلق من الجند قوة مقاتلة
واحدة متجانسة وتخضع لامر قائدها، فالامام الذي يصلون خلفه هو قائدهم واذ في الاسلام يمكن الصلاة منفردا وهنا تقترب بمعناها الشائع اليوم Meditation
او الخلوة الروحانية كما في الهند والهندوسية ولكن حتى تكرارها خمسة مرات يفرقها عن معناها الروحاني ويجعلها اقرب الى التعداد بالحضور والتواجد الوظيفي مع الله للجرد والتعداد فلا يغيب المؤمن عن عين الله التي تحاسبه لو غاب مرة وان لم تقبل منه فلن يقبل سواها..ولكن حتى الاصطفاف للجنود للتعداد العسكري او تسجيل حضور موظف لدائرته يكون مرة في اليوم..ولكنه يبدو انه هو التسيب بعينه..ويتوجب التسجيل والتعداد خمس مرات ..اذكى تنظيم عرفه التاريخ ربما ذلك الذي ابتكره النبي مممد بوجوب الصلاة خمسة مرات متفوقا على تعداد الجند لمرة واحدة ..وجعل المؤمنين سوبر جنودا لا يلتفتون لا شمالا ولا يسارا ..فما ان ينتهون من صلاة لتبدأ اخرى بعد سويعات..ابتكار لا يأتي في رأس اعظم جنرال..ويقال ان النبي كان رحيما فقد ارادها الله خمسين مرة ولكن النبي حصل على تخفيص
شكرا ل

اخر الافلام

.. رد فعل لا يصدق لزرافة إثر تقويم طبيب لعظام رقبتها


.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصفه بنى تحتية عسكرية لحزب الله في كفر




.. محاولات طفل جمع بقايا المساعدات الإنسانية في غزة


.. ما أهم ما تناوله الإعلام الإسرائيلي بشأن الحرب على غزة؟




.. 1.3 مليار دولار جائزة يانصيب أمريكية لمهاجر