الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصل الدين

إلياس شتواني

2024 / 4 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شهد الايمان بالأديان أو بالقوى الخارقة (غير المرئية) تطورا ملحوظا منذ بدء نهضة الانسان العاقل (Homo Sapien)، أي على امتداد حوالي 10.000 سنة من ثورة عظيمة على مستويات الفلاحة والصناعة والفكر والتنظيم المجتمعي. ترقَّى الانسان على السلم العقائدي كما أنه ترقَّى على سلم الاكتشافات والصناعات والتقنيات، اذ تشير علوم التاريخ والحفريات والمخطوطات القديمة (Codicology) الى تدرج نوعي هام لمسار تديّن الانسان العاقل وايمانه الروحي.

لا يوجد تفسير مطلق وموحد لمسار التاريخ، لكن توجد أدلة كافية لرصد أهم أصول ودوافع الانسان القديم (وحتى الحديث) للتديّن. يعتقد الكثير من الفلاسفة والمؤرخين أن الأساطير هي أصل الدين، اذ أن الأساطير تمتاز بطابع القدسية والتسامي وهي بالتالي تزيد من مستوى الالتزام الأخلاقي للفرد داخل القبيلة أو الجماعة أو الدولة، فهي تشحذ عناصر الخضوع والطاعة، وتوفر الأسس الروحية الضرورية لبقاء الفرد من ايمان بالمجهول، ومن أمل، ومن ثواب وعقاب، ومن حتمية يستمدها الانسان من القوة أو القوى المعبودة الباطنة منها والظاهرة.

يرى إدوارد بيرنت تايلور، على سبيل المثال لا الحصر، أن أصل الدين يعزى الى النزعة الاحيائية (Animism) في البشر، حيث اعتقد البشر القدماء أن كل عناصر ومكونات الحياة (خذ مثلا العناصر الأربعة: الأرض، الماء، الهواء، والنار) تمتاز بخاصية احيائية (حيّة)، أي أن الروح، عنصر الحياة الأول، تتمثل في صور عناصر الطبيعة وحتى الجمادات. ويرى هربرت سبنسر، من وجهة نظر أخرى، أن الانسان البدائي كان متدينا فيما يتصل أو يتعلق حصرا بعبادة الأسلاف، حيث أنه كان يرى أطياف وأرواح الموتى في المنام فيظن بذلك أنها حية لم تمت، وأنها ترجى وتخشى، وأنها تلزمه فروضا وطقوسا تشبه أوامر الآباء على الأبناء وهم على قيد الحياة. من ناحية أخرى، يوجد من يعتقد أن عبادة الطوطم (Totemism) هي أصل عقيدة الانسان. الطوطمية تولي أهمية الى حيوان معين (يمكن أن يكون الطوطم أيضا نباتا أو حجرا تتخذه القبيلة مقدسا وتحرم لمسه أو أكله) وتعتبر أن بعض الأسلاف المقدسين قد رجعوا من الموت وحلّوا فيه. ويرى الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون أن التنظيم الاجتماعي هو أصل العقيدة الدينية، حيث ساهم التغلب على اللاشكلية القبلية في كبح الغريزة الفردية لدى الانسان وتعويض المنفعة الفردية بمنفعة ارتقاء الجماعة أو النوع، وهو طرح قد تبناه سيغموند فرويد فيما بعد ليشدّد على فكرة أن الانسان القديم قد ضحى بغرائزه الفردية البدائية من أجل مصلحة الجماعة ومن أجل بناء الحضارة.

على أي حال، يبقى البحث عن أصل التديّن في العصر الحديث مبحثا ثانويا اذا ما قورن بحقيقة أن الدين في أصله شيء دينامي ومتغير. فالملاحظ اليوم أن مفهوم الايمان أصبح أكثر فأكثر مرتبطا بنزعة فردية (مادية) وبثورة علمية ومعلوماتية هائلة قد قوضت بالفعل أغلب ركائز وأركان التديّن (الايمان الابراهيمي كعقيدة غالبة). فالقضية الأهم التي يجب أن تطرح نفسها هي مستقبل التديّن، فالاله قد مات، أعلنها نيتشه مدوّية، لكننا فعلا لا زلنا عاجزين عن استبدال الدين (أو على الأقل شكل التديّن)، بالرغم من جذوره وطبائعه القديمة والرَجعية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي